من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

الشفقة على المعوقين بقلم: وصال أحمد شحود

 الشفقة هي ثوب فضفاض يحمل الكثير من المعاني المؤلمة والمحرجة لكل إنسان فما بالك إذا كان هذا الإنسان معوق ؟

انه عندئذ سينتفض ويتألم وبشكل من الأشكال سيعبر عن استياؤه سواء بالبكاء أو ارتداء قناع الشجاعة والصبر أو اللجوء للروح الرياضية والتي تحمل بين طياتها ما تحمل من أسى أو حتى الانكفاء على الذات لفترة تطول أو تقصر بحجم مكان الكلمة ومناسبة مقولتها , وطبعا فان وقعها يختلف حسب درجة حساسية كل شخص منها لأنها ليست فقط وليدة لحظتها ولا اختلاق معنى جديد في موقع جديد , بل إن السيئ في الموضوع هو هذا التراكم الأزلي لاقتران وضع المعوق بالشفقة

فالمعوق يكره الكلمة ويتبنى في داخله ضغينة مؤلمة لها وهكذا تتوالد المشاعر والانفعالات وتنتقل عبر الأجيال بسمات واحدة إلى حد كبير

ولكن من وجهة نظري أنا , وأنا لا أتكلم عن فراغ بل عن تجربة واقعية لأن إعاقتي الحركية وكوني أنثى أدت لسماعي بل لنقل إحساسي بالكلمة أكثر من سماعي الصريح لها ولكن لكي أكون منصفة لم لا ننظر للموضوع بموضوعية أكثر ؟

أولا بحثت عن معنى كلمة شفقة بمعجم عربي ووجدت أن الشفقة هي:

 1 – الرحمة والحنان  2 – الخوف من حلول مكروه

وتأتي أشفق منه بمعنى خافه وحذر منه أما أشفق عليه فتعني عطف وخاف عليه

 

وبذا أرى أن ليس للكلمة أي معنى سيئ أو يثير الألم , إن للشفقة أوجه أو من الأصح أن نقول أن متلقي الشفقة هو الذي يختلف وضعه ويحدد معنى الشفقة وكيف تستعمل , بمعنى إذا كنت أنا ايجابية وسلوكي قويم ومثير للإعجاب أو جيد على الأقل وكنت معوقة فلم أتخذ كلمة شفقة على أنها سيئة بحقي ؟ ولم لا تكون مديح ايجابي أو إعجاب بشخصي وحنو علي وإثارة حميمية من طرف الشخص الذي من المفترض أنه يشفق علي ؟

 

ولكن ما الكلمات التي قد تعبر عن الشفقة بحيث ترتبها في مسارين سلبي وايجابي ؟

حدث مرات عديدة أن سمعت كلمات من مثل :

ضيعان هالجمال _ أو مو حرام من الله – أو ما في إنصاف وعدل  – أو الله مابيكملها مع حدا …الخ من كلمات  كهذه التي لا يخطر لي الآن إلا جزء منها

فإذا حاولت تحليل كل جملة على حسب ما أرتأي أجد مايلي :

ضيعان هالجمال : الكلمة الثانية تدل على أنهم يرونني جميلة جدا وهذا شيء جميل وكل أنثى تحبه أما كلمة ضيعان فهذا ما أحدده أنا وليس المجتمع إذ تقال كلمة ضيعان لشيء فقدناه أو انكسر أو أتلف , ولكنني موجودة وأعيش بمستوى أنا أحدده من خلال سلوكي وطموحي وما أحققه من أحلام أو أفعال وأن أكون معاقة لا يعني أنني أتلفت أو لا أؤدي دورا فعالا ضمن نطاق محيطي كله , فأنا مثلا  محورا أساسيا في البيت والشارع وبين الأصحاب , فإذا بشكل ما أعتقد أن دوري أساسيا ربما أكثر ممن لا يحمل إعاقة , فالعديد من معارفي فتيات في مثل سني يجلسن في البيت لا عمل ولا دراسة ولا طموح ولا رأي مسموع ولا تميز بشيء وبذا أكون أكثر فعالية منهن

فكلمة ضيعانها أنا أحدد مسارها وبالتالي لا أسمع إلا كلمة جميلة

 

وكلمة مو حرام من الله أيضا تحمل بين طياتها الإعجاب بي سواء شكلا أو مضمونا ولكن بما يعني أن القدر أو الدين أجحف بحقي , أما ما أراه فالموضوع بمنتهى البساطة وبكل واقعية حدث خطأ ما لم يستطع الأطباء تلافيه أدى إلى إعاقة وما حدث قد حدث ولن يعود ولن أجلس لأندب حظي بل لأتعايش مع وضعي الحالي بما يناسب حبي للحياة

 

كذلك ما في عدل أو إنصاف نستطيع تحليلها كالتحليل السابق والقضية لا تتوقف عند من لديهم إعاقة فهناك الأغنياء الذين يسبحون في بحر من الأموال وبالمقابل هناك من يتضورون جوعا , إلى ما هنالك من مفارقات الحياة والتي لا تفاجئنا وان وقفنا أمامها متأملين

 

يبقى تحليل جملة الله ما بيكملها مع حدا والأمر ببساطة أن الموضوع سواء الأخطاء البشرية أو أي سوء يصيب الإنسان ليس وقفا عند الله سبحانه وتعالى لأن الله أكمل من أن يعذب البشر

الإنسان وحده صانع الأخطاء والصواب وما ينتج عن سوء فهم الحياة وسوء السلوك أمر لا يد لله تعالى به لأن الله خلق الإنسان كمخلوق عاقل أي يفكر ويجادل ويحاجج

 

وبذلك أجد أن الشفقة تتوقف على رؤية كل فرد لنفسه أو لوضعه في المجتمع وحسن إقباله على الحياة , وبالتالي هي كلمة لطيفة تعبر عن التعاطف والمحبة والحب

 

فأنا حين أرى طفلة صغيرة تبكي أشفق عليها وأحاول صنع شيء من أجلها , وهي تصح على كل شيء وكل كائن حي فأنا أشفق على وردة جميلة اللون والرائحة إن كانت في عز ظهيرة الصيف تحت الشمس المحرقة , وأشفق على قطة جميلة يضربها طفل في الشارع , فهل كل هذه الشفقة مقيتة ؟ هل هي منفرة وغير محبذة ؟ أبدا لا أرى ذلك .

سأمشي في الشارع وليت كل الناس تشفق علي وتقول ضيعانها لأنني في داخلي أعرف احترامهم لي

وبهذا أدعو جميع من لديهم إعاقة إلى الابتعاد عن توافه الأمور والترفع عن الصغائر والنظر لما هو أسمى وأجل وأكثر عملية في الحياة , فالحياة أقصر من أن نشتتها

بقلم : وصال شحود

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد