من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

سؤال ؟

قصة بقلم : تاج عبيدو

ليست الليلة الأولى التي لم ينم فيها أبو إبراهيم, لقد اقترب الأسبوع من نهايته  ولا يعرف النوم عينيه, يقضي الليل متقلباً حائراً  وأحياناً يغمض عينيه متصنعاً النوم خجلاً من شريكة فراشه وهكذا حال نهاره الذي كان أسود مثل ليله. وسؤال واحد يدق في جرن رأسه ماذا حصل لرجولتي؟ مثله كثيرين وكثيرات ممن يرون لا بل مقتنعين بأن الرجولة و الأنوثة  مقرها منتصـف الجسد !

من الليلة الأولى من زواجه و هو المعتاد على إشباع غرائزه متى يشاء, ليست سوى بضع دقائق وينتهي الأمر, مهما كانت حالة شريكة فراشه, مريضة .. مرهقة  لا يهم, إذ كان يرى ذلك تمثيلاً منها وغنج نساء, ومع ذلك كان يعشق رفضها! لأنه يرى فيه العفة و ثم الرغبة, هامساً في نفسه : يتمنعن وهن راغبات! يفعل كل شيء بصمت وخلال دقائق ينتهي الأمر, ثم يدير ظهره منتشياً كذئب نال من فريسته الشرعية .

لم تعرف أم ابراهيم في حياتها رجلا غيره, ولم تره إلا أثناء عقد قرانها وهي في التاسعة عشر من عمرها , كان اختيار والدها وعندما سألها رأيها صمتت, فقرر الوالد الموافقة إذ أن الصمت  علامة الرضا! ونسي الوالد النبيل انه ربى بناته الثلاث على الصمت و عدم الكلام والاعتراض فهذا زينة البنت و دليل أدبها .

   أصبح الصمت صفة لأم ابراهيم فهي من النادر أن تتحاور مع زوجها وكل ما يتوجب  عليها هو تنفيذ أوامره فقط حتى في الفراش, شعرت بوحشيته منذ الليلة الأولى, وفيما بعد كانت ترفضه ولكن تعليقاته و سخرياته التي تستمر لساعات وأخيرا ستستلم لمذبحه, فما هي إلا دقائق و ينتهي كل شيء إذ لا مفر منه أبداً, إنها سّنة الحياة, وهي التي يجب عليها تلبية رغباته مهما كان حالها, خوفاً من غضب الإله, ومن غضبه, هكذا قالت لها والدتها وغيرها من النساء ! و أخيراً اعتبرته واجباً مفروضاً عليها مثل أعمال المنزل, رغم أن كل ما تقوم به من الصباح حتى المسـاء من غسـيل  وطبخ .. كل ذلك برغبتها, أما آخر الليل فان ما تلبيه هو رغماً عن روحها قبل جسدها ! تبدأ بصمت, و تنتهي بصمت , وتبكي بصمت ! حتى نفسها يختنق في صدرها إذ تكون جبال الكون جاثية عليه .

 وتركض مسرعة للحمام لتغتسل وتزيل آثاره عن جسدها لكن روحها تبقى محشوة بنتائجه.

 وبدأت حالة غضب أبو ابراهيم , ومع أن أم ابراهيم معتادة على غضبه وصراخه و أوامره و تهكمه و تعليقاته و شخيره, إلا أن ما لفت نظرها ازدياد حدّة غضبه وسرعته واستغربت أكثر ذهابه للنوم قبلهـــا وعدم مطالبتها بالنوم كعادته, كان يجبرها حتى بالنعاس! و في نفس الوقت كانت تشعر بسعادة لا توصف, منذ زمن بعيد لم تنم ملء عينيها, ولا يجثم فوق جسدها هيكل آدمي يمنعها من الشهيق والزفير, لقد أحست لأيام معدودة بأنها مثل باقي البشر حتى بدت سعيدة و مرحة

و نشيطة , لقد شعرت بإنسانيتها!

حالها هذه لفتت نظر أبو إبراهيم  ورأى به تهكماً مبطناً لرجولته وثارت ثورتــه, و لأتفه الأسباب يقول: أنا الآمر الناهي في هذا البيت,  ويرفع رأسه عاليا ليقول أنا هنا الرجل! لكن قوة خفية تخفض رأسه للأسفل!

وأخذ أبو إبراهيم يُِكثر من خروجه من المنزل هرباً و يعود متأخراً و يسبقها إلى الفراش متذرعا بكثرة أعماله و تعبه, و لكنه في أحد السهرات مع رفاقه و عندما أخبرهم زميلهم أبو عبد الله  بأن زوجته التي تصغره عشرون عشر عاما حامل تشجع أبو إبراهيم و سأله هامسا كيف حصل هذا و أنت تكبرني بخمسة أعوام إذ يتجاوز عمرك الخمسون عاماً؟

وغادر أبو إبراهيم السهرة مسرعاً و توقف عند أول صيدلية, لكنه تردد في الدخول إليها و السؤال عن الدواء خوفاً من أن يراه أحد من معارفه أو أن  يفضحه الصيدلي في الحارة,  فما كان منه إلا أن استقل سيارة أجرة و ذهب إلى  منطقة بعيدة  جدا عن منطقته حيث لا أحد يعرفه و يعلم بحاله و يهزأ منه ومن رجولته.

 وعاد الرجل إلى البيت سعيداً  بعدما وجد الدواء الشافي ! و لم ينتظر أبو إبراهيم  كثيرا بعد غياب الشمس حتى أمسك أم إبراهيم من يدها و جرها إلى الفراش جراً

استسلمت الزوجة المطيعة للأمر, حزينة بائسة, لقد عادت الجبال وما تحمله ! ارتسمت على شفتيها ابتسامة المذبوح, لحظتها قضى  أبو إبراهيم منها وطراً وقد شاهد ابتسامتها,  وقام الطاووس يفرد ريشه, وخاصة عندما رأى ابتسامتها, والتفت إليها متفاخراً قائلاً: كنت محقاً.. لقد كان ذلك من أجلك ! كنت سعيدة أليس كذلك ؟

وتناول علبة الدواء وقبلها بشغف, وما هي إلا لحظات حتى بدأ شخير أبو إبراهيم معلناً مقدار ما يحمل عقله من غباء, لقد كان أكبر مما يحمل قلبه من إحساس.

غريب أمرك أيها الزوج! طيلة عشر سنوات لم تشعر بحزنها و اختناقها رغم التصاقك بها ؟ كيف رأيت اليوم ابتسامتها ؟ بل و كيف فسرتها؟

 لم تنهض أم إبراهيم  كعادتها, بقيت في مكانها جامدة, مندهشة, عندما رأته يٌقبل علبة الدواء, إنها المرة الأولى التي ترى أبو إبراهيم يُقبل, فهو لا يُقبل حتى أولاده 

وعاد أنين ألمها وذهب بعيداً ليلتقي بأنّات الكثيرات ممن يرقدن بجانـب أبو إبراهيم آخر, و كان الأنين باتجاه والشخير باتجاه آخر

لكنها في يوم ما, خرجت لمشوار ما, مع رجل ما, وعاشت معه لحظة ما, شعرت خلالها بشعور ما, وودعته بدمعة ما, وغادرته حزينة شيئا ما,  والى الآن تحلم بحلم ما, تضحك تارة و تبكي تارة, لسبب ما…

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد