من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

فن التناغم الأسري


د.أحمد لطفي شاهين
فلسطين المحتلة🇵🇸

قصة ضمن كورس تدريبي

يقول محمد .. أبي و أمي شبه منفصلين رغم انهما يعيشان في بيت واحد، فالشجار شديد بينهما .. يدخل أبي الى البيت بعد عمله مجهدًا ، فيجد امي مشغولة بإخوتي أو بإعداد الطعام أو بنظافة البيت، اي انه لا يجد الوضع مهيئاً لراحته كما يتمنى ، فينزعج جدًا، فيرفع الصوت بالمساءلة والعتاب، فتغضب أمي، ثم يبدآن بالصخب والسباب والمناقشة وتبادل الاتهامات ويصبح جو البيت مشحون بالتوتر!
نحن في البيت عددنا كبير
أنا في الجامعة، أختي في الثانوية، لي إخوة في المتوسط والابتدائي. وجميعنا نشاهد ذلك الصخب، فينقلب ألـمًـا في نفوسنا وبكاءً في عيوننا
تطور الأمر حتى طلق أبي أمي مرتين، ولم يبق لهما سوى الطلقةالأخيرة ، وبعدها تضيع حياتهما وحياتنا. ومع تطور الشقاق بينهما، أصبح أبي يتناول حبوب للاكتئاب، ولا يحب الجلوس في البيت، واصبحت أمي معظم الوقت متضايقة و متوترة وعصبية وحزينة .
يكمل محمد:
درست مهارات التفكير وأهميتها،
و بدأت أمارس التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، وأحسست بأني كنت مهملاً لنفسي وحياتي، وأن السلبية التي اعيشها أدت إلى عدم وجود أي أثر أو مشاركة ايجابية لي في البيت، فقد كنت أدرس، آكل، أشرب، أنام، فقط. وقد ألعب مع إخوتي، ولكن مهتم بأصدقائي اكثر من اي شيء
وأختي مثلي كذلك، وكل واحد منا يعزف نغم السلبية في بيتنا
يقول محمد: لَمّا مررنا على إستراتيجيات حل المشكلات، وطبقتها في القاعة ومارست مهاراتها، عرفت كم أنا مقصر مع نفسي و أبي و أمي واسرتي كلها.
كنت أتصور أن المهمات والمسؤوليات تقع على أبي و أمي فقط، أما نحن فلا مسؤولية علينا ابدا!!.
ولكن ما غير قناعتي وحركني لتغيير سلوكي في البيت أمران درستهما:
*إذا أحسست بمشكلة حولك فلن تحلها حتى تحس بأنك جزءٌ من المشكلة وجزء من الحل، والأمر الآخر أنه لا شيء مستحيل.*👌🏻👌🏻

هنا فكرت:
لماذا أنتقد والدي ووالدتي ولا أنتقد نفسي! أين دوري؟

ثم فكرت بأسباب المشكلة، فوجدت من أبرزها أن هناك ضغطاً جسدياً ونفسياً على ابي وامي، فأبي يعمل منذ الصباح حتى العصر ؛ ثم يأتي مجهدًا فيتابع البيت و متطلباته، ويتابعنا تعليمياً و تربوياً، إضافة إلى مهامه نحو الأسرة و الأقارب ..الخ.
لاحظت أن أبي لديه ١٤ مهمة، وأمي لديها مثله في البيت، وأنا وأخوتي واخواتي لا نشارك إطلاقًا في اية مهمة، فوضعت خطة لنحمل أربع مهام من مهام والدي:
المشتريات- متابعة دروس أخي الصغير – القيام بمشاوير الوالدة- إضافة الى إحداث جلسة تفاعلية للأسرة في بعض الأمسيات، أديرها أنا وفيها قصص وفوائد وطرائف
أيضا أختي الكبيرة ناقشتها فاقتنعت بإعانة أمي، وقررت ان تقوم بأربع مسؤوليات: بالإشراف على سفرة الطعام تقديمًا وتنظيفًا- إعانة امي في تنظيف البيت- الاشراف على نظافة أختي الصغيرة- تنظيف أختي الصغيرة الأخرى.
وباقي الاخوة حددت لهم ادوار اخرى وبقينا ننفذ ذلك لمدة شهر، فلاحظت تغيرًا واضحًا في نفسية الوالد، وأمي هدأت أكثر ، ونحن بدأنا نحس بدورنا في البيت، وغاب ٦٠ ٪ من المشكلة

بعد ذلك طلبت انا واختي الكبيرة من أبي وامي طلبا غريبا:
طلبنا منهما أن يأخذا أجازة ويذهبا بمفردهما إلى مكان ما في البلدأو خارجها لمدة ثلاثة أيام، وينسيا هموم البيت و الأسرة والأولاد ليستجمّا ويرتاحا، ثم ليعودا أكثر نشاطًا.
في أول الأمر رفض الوالدان الفكرة واستغرباها جدا، ولكنهما اقتنعا بها وقررا تجربتها بعد اصرارنا نحن الاولاد.
وفي الأسبوع الذي يليه حزما حقائبهما وسافرا ظهر الأربعاء، ولم يرجعا إلا العاشرة ليلة السبت،وكان بينهما وبيننا تواصل على الهاتف، وعندما رجعا كانا كالعروسين، ووجه الام منشرح وكأنها عروسة اللحظة، أما الأب فكان سعيدًا مطمئنًا: غاب حزنه وترك الحبوب النفسية، وعند دخوله الى البيت ضمّ ابنه محمد وقبله من جبينه ثم بكى وقال:
يا حبيبي يا محمد، كان حقًا عليّ أن أزوجك، فإذا بك أنت من يزوجني. نعم كان لزامًا عليّ أن أبني سعادة بيتنا، فإذا بك أنت وأختك من يمد قلبي وقلب أمك بالحب والحنان بعدما كاد ينكسر الزجاج، و ينثلم الفؤاد.
👇👇
يا بني علمتني أنت أن الحياة نحن من يصنعها في دواخلنا، علمتني بذكائك ولباقتك أن المشاركة للكل راحة للكل، وأن المركزية تقتل سعادة المرء، فالانسان المركزي مُتعب دائمًا والناس معه مُتعبون، لكنكم الان شاركتم وبادرتم وريّحتم واسترحتم.*وهذا هو ما استفدته يا ولدي من التنمية البشرية التي كنت امنعك من متابعتها.. نعم هذا هو الوجه المشرق للتنمية البشرية والاستخدام الايجابي لها في المجتمع

يختم محمد قصته بقوله:
👈 لقد غابت المشكلة كلها تقريبًا، وهذه هي المرة الأولى التي أدرس العلم فيها دراسة تطبيقية في حياتي.
اﻷبناء عندما يتحرّرون من اﻷنانية ، يُصبحون نعمة

السؤال الان كم من أولاد في بيوت آبائهم كضيوف..؟
اين دور التربية ودور الابناء
اين دستور الاسرة
ارجو لكم جميعا الاستقرار
والسعادة والتوفيق

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله