من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

كيف تصبح كاتبا

كيف تصبح كاتباً …!

كنت في سن الحادية عشر من عمري حين ساءلت نفسي قائلاً : ماذا أريد أن أكون . كان هناك العديد من الأجوبة المختلفة , خطوط عريضة أسير بها توصلني لأماكن متعددة جميعها تبدو رائعة لكن أي منها لم يكن مختلفاً عن ما قد يفكر به أي طفل آخر . كأن أكون طياراً طبيباً أو مهندساً محامياً كأبي لاعب كرة قدم تاجراً غنياً مدير شركة كبيرة للأعمال والكثير الكثير من الأمور الأخرى .

فبقيت محتاراً أفكر في ما لو أن كانت للجميع الأحلام نفسها فسيكون لنا المستقبل ذاته ولن أكون سوى شخص من مجموعة أشخاص يعملون في المجال ذاته ينفقون المال على الأشياء ذاتها ويقومون بالأشياء ذاتها منذ اللحظة التي فكروا بها بأن يكونوا ما هم عليه الآن وبالتالي الكثير من الروتين والضجر وهذا آخر ما كنت لأفضله من بين الكثير من الخيارات .

في أحد الأمسيات المنزلية كنت جالساً مع عائلتي نتابع التلفاز نشاهد مقابلة تلفزيونية مع أحد أهم وأشهر كتاب ذاك الوقت تسأله المذيعة عن ما قد يصل بالكاتب لأن يكون كاتباً لكنه رفض الإجابة بقوله بأنه لا يعرف وحمل الأمر كله للوحي الذاتي الموهبة والإبداع والثقافة العالية . وعندما انتهى البرنامج عدت إلى غرفتي شارد الذهن بما قاله ذاك الكاتب وكيف أن الكتابة من الأشياء الصعبة التي تتطلب أكثر من شيء لنخرج بها لنتيجة واحد هي الكتابة الساحرة . وعندها عرفت ماذا سأصبح , سأصبح كاتباً لا أحد من كل من أعرفهم كان كاتباً ولا أحد من الأولاد حولي يريد أن يصبح كاتباً وهذا ما كنت أبحث عنه أن أكون مختلفاً …

هرعت لأمي مسرعاً أخبرها أني اكتشفت هوايتي الآن ومهنتي المستقبلية أريد أن أكون كاتباً . فأجابتني بقليل من الحزن اسمع يا بني هل تعرف ما معنى الكتابة وما معنى أن يكون الإنسان كاتباً أو كيف أصبح . حتى ذاك الكاتب على التلفاز لم يستطع إخبارنا ولكني باستطاعتي إخبارك كيف أصبح أبيك محامياً ولتحاول أن تكون مثله … وريثما هي تشرح لي كيف أصبح أبي محامياً كنت أفكر في ما لو أن أحد لن يخبرني كيف سأصبح كاتباً سأكتشف بنفسي تركت أمي وذهبت إلى غرفتي أبحث عن الوحدة للتفكير فبدأت أتخيل كاتباً ما كيف تكون هيئته ماذا يميزه عن أقرانه من البشر بماذا يفكر كيف يقضي وقته وهذا ما وجدته من بعد الكثير من الأسئلة والبحث والعناء وتتبع أخبار الكتّاب وقراءة بعض من مؤلفاتهم المشهورة :

إن الكاتب دائماً ما يرتدي النظارة الكبيرة التي تساعده على القراءة , شعره غير مصفف يمضي نصف وقته غاضباً من الأشياء محباً للطبيعة والنصف الآخر يبقى محبطاً كئيباً يعيش في مكتبه أو في البارات ويتحدث مع كتاب آخرين يضعون النظارات ولا يصففون شعرهم يتكلمون عن أشياء غير مفهومة ولديهم أفكار عجيبة مختلفة عن موضوع روايتهم القادمة ويكره الرواية التي قام بطباعتها ليقرأها الناس  الكاتب عليه إلا يكون واضحاً ومفهوماً من قبل أبناء جيله وإلا فإنه لن يعد عبقرياً أبداً لأنه مقتنع أنه ولد في عصر يسوده الخراب الانحطاط . والكاتب أيضاً يعيد تصحيح وصياغة الجملة التي كتبها عدة مرات والمفردات التي يستخدمها لا يمتلكها الأشخاص العاديين فالشخص العادي يعرف ما يقارب الثلاث آلاف كلمة يستخدمها في حياته اليومية بينما الكاتب يعرف تلك الثلاث آلاف كلمة لكن لا يستخدمها أبداً لأنه يستخدم ما بقي من الكلمات من الأبجدية وهي ما يقارب المائة ألف كلمة وإلا لن يكون كاتباً وسيكون رجلاً عادياً .

الكتّاب وحدهم من يفهمون بعضهم البعض وعلى الرغم من ذلك فهم يكرهون بعضهم سراً لأنهم يسعون خلف الأماكن نفسها التي قد يحفظ لهم بها تاريخ الأدب أسمائهم فهم في صراع مستمر لحجز الأمكنة إذن فالكاتب يتخاصم وأمثاله على مجد الكتاب الأكثر تعقيداً والكتاب الذي ينجح في أن يكون الكتاب الأصعب يعد الأفضل . والكتّاب أيضاً دائما ما يصدموننا بأمور غريبة ومخيفة كأن يقولوا أن هتلر كان جباناً أو أن اينشتاين غبي وأن نظريته النسبية خاطئة فالكاتب يقرأ الحاضر والماضي من زاوية قلمه لا من زاوية الواقع ويختلفون عن الناس بتقيمهم للأمور فكل ما يلقى وقعاً لدى الناس يجدونه دون معنى وكل ما تعلق بالأشياء الغير مادية اللامحسوسة البعيدة عن الحياة اليومية لدى الناس تتصدر الأهمية لديهم والكاتب لكي يغري امرأة يدنو نحوها ويقول أنا كاتب ويكتب لها بضع كلمات مبهمة كقصيدة من الشعر الرمزي على ورقة حتى أنه غالباً ما لا يعرف عن ماذا كتب ولكنه يكون مقتنعاً جداً أن ما كتبه جميل وسيفي بالغرض ويقدمها لها والمرأة خوفاً من أن تقول له إنها لم تفهم ماذا يقصد تقول له إن هذا أجمل ما قرأته في حياتي وهكذا تسير الأمور بسهولة وبساطة أكثر لتحدث أصدقائها بأنها التقت كاتباً مشهوراً وكتب لها قصيدة على ورقة اخرجها من حقيبته السوداء التي دائماً ما يحملها وقلمه الباهظ الثمن الذي أخرجه من جيب سترته الطويلة استوحاها من جمال عينيها اللوزيتين

الكاتب ونظراً لثقافته العالية دائماً ما يجد عملاً لنفسه كناقد أدبي وهنا يبينكرمه مع أصدقائه الكتاب بإعطائهم نصف النقد المكون من نصف مستشهداً به بكتب آخرين أجانب والنصف الآخر مستخدماً تحليل الجمل معبراً عنها بكلمات غريبة لا يعرفها سوى النقاد مثل القطع المعرفي , الرؤية المندمجة من المحور الموافق . ومن يقرأ هذا النقد يعلق قائلاً هذا الشخص الذي كتب هذا النقد مثقف حقاً ولا يشتري الكتاب لأنه لا يعرف كيف سيواصل قراءته عندما يبتدي القطع المعرفي .

الكاتب عندما يدعى إلى حديث أحد عما يقرأ يذكر دائماً أسماء كتب لم يسمع عنها أحد ولم يعرف بعد السبب . وثمة كتاب وحيد يثير إعجاب الكتّاب وزملائهم وهو رواية “أوليس” للكاتب جيمس جويس، والكتّاب لا يذكرون هذه الرواية بأي سوء، مكتفين بالقول إنها رائعة ومتكاملة، ولكن عندما نسألهم عن محتواها فإنهم لن يستطيعوا الإجابة، مما يدعو إلى الشك إنهم لم يقرؤوها مطلقاً. وهذه أيضاً من الأشياء التي لا يعرفها إلا الكتّاب أنفسهم، لماذا لم يقرؤوها ولماذا ادعوا أنها جميلة، لا أحد يعرف السبب لربما لكي لا يفضحوا أمرهم بكونهم بشر، ليس باستطاعتهم قراءة كل الكتب الموجودة في هذا العالم، فالوقت لا يسمح لهم بذلك .

بعد أن عرفت كل هذا عن الكتاب عدت إلى أمي أخبرها كيف يكون الكاتب كاتباً ومختلفاً عن الآخرين وكيف يصبح الفتى الشاب كاتباً في المستقبل تفاجئت قليلاً وقالت لي من الأسهل أن يصبح المرء محامياً على أن يكون كاتباً ومع ذلك فأنت تستطيع أن تكون محامياً وتكتب في وقت فراغك فقلت كلا يا أمي فأنا أريد ان أكون كاتباً وليس محامياً يكتب القيل من الأوراق فابتسمت وسألتني من بعدما نبشت شعري ما إذا كنت بحاجة إلى نظارة

بقلم علي شحود

18/8/2012

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد