من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

حراس القلوب فى رمضان وعساس الليل

20150908_192328~2

خالد زين الدين

“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ”.

إنه لأمر يستحق التفكير! لماذا تخير الله سبحانه وتعالى الثلث الأخير من الليل؛ ليتنزل على عباده بأكرم صفات الإجابة والغفران والقبول! أليس الزمن بيده سبحانه وهو الذي يبارك في الأوقات، ويجعل لها خصوصيتها؟

أهل الليل

ولكن الله سبحانه وتعالى عالم بقلوب خلقه؛ التي يعتريها الضعف في غفلة عن عيون الناس، بينما قد تتظاهر بالقوة والصمود والاستمرارية في معاش النهار، عالم أن الليل يغري بالضعف والانكسار، ويفتح كل أشكال المواجع، ويذكر بكل الجروح، وتنزل فيه النفس من علياء كبريائها إلى الارتماء على أعتاب المولى؛ عله يواسي قلوبا لم تجد غيره موئلا بعد أن ضاقت الدنيا، وضاقت قلوب الناس.

لحظة الانكسار تلك وشد الحاجة هناك لا يعالجها إلا الله، حتى لغة الخطاب لا يفهمها إلا من يتشاركون في الهم؛ فالإقبال على الله في الضعف ليس كإقبال القوة، وإقبال المضطر غير إقبال أصحاب السعة، والله يحب ويرضى من كليهما إلا أن عياله من المفتقرين إلى رحمته والراغبين به والساعين له والمستمسكين به أقرب تحقيقا ونوالا.

لقد أدرك الخيرة من الصحابة هذا الخلق الرباني وتلك الصفة الرحمانية، وأن للقلوب حقوقا في الليل لا تُقضى في النهار، وأوقات اختصاص لا يصلح القيام بها في زمن مفتوح؛ فهناك عاجز ينتظر عونا والناس غافلون في مناماتهم، وهناك يتيم ينتظر كفالة، وأرملة تنتظر جبرا، ومظلوم ينتظر نصرا، ووحيد ينتظر أنسا، وفاقد ينتظر مواساة.

أبو بكر الصديق

لقد أدرك صاحب القلب الوقور أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذه الحساسية والخصوصية للقلوب المحتاجة المرهقة؛ التي تتضاعف همومها ليلا، فكان لا يأتي الفجر إلا وقد زار وآنس وساعد وعاد المرضى وقدم، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأعاجيبه في جبر قلوب الناس وأصحاب الحاجات أعلن في حياته أنه لا يستطيع منافسته في شيء أبدا.

عمر بن الخطاب

ولكن بعد أن أخلى الصديق موقع السبق، جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ليطلق سنة العسس ليلا، لا ليتجسس على أحوال رعيته بعين الرقيب المسؤول الذي ينتظر أخطاءهم، بل بعين المشفق الذي يتحسس حاجاتهم؛ ليقضيها، ويكون وسيلة الله إلى عباده لجبر قلوبهم.

أليس -في الليل- رأى ذلك الرجل المفزوع المرتبك بولادة زوجته، وهولا يحسن لها عونا، فجاء بزوجته؛ لتعين المرأة، وجلس هو يخفف عن الرجل خوفه وهمه حتى أطل الفجر، وأطل الفرج، وأطل الصبي؟

أليس هو الذي أحس بكسرة الأرامل فقال: “لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا”؟

أليس هو الذي طبخ للأيتام، وحمل لهم على ظهره؟!

أليس هو الذي أحس ورقَّ لحرمان تلك الزوجة الصبية من زوجها وهو في الجهاد، وهي تنشده ليلا؛ فشرع قانونا للدولة أن لا غياب لرجل عن بيته أكثر من ستة أشهر ولو في جهاد؟

في ظلام الليل

هناك لليل حكايات لم تروها قصص العاشقين، ولا أذهان المستريحين؛ تحكي لله فقدا وحسرة ولوعة وظلامة وحاجة! فيا لسعد من أسبل الله عليه من صفته الجبار، وجعله جسرا لوصول إحسان الله ولطفه لعباده!

عسُّوا أيها الغافلون والمتنعمون بالاستقرار ليلا؛ ففي طرقات الدنيا قلوب أرهقها العنت، وأثقلتها وحشة الليل إلا من بوابة السماء، وأنس بالله، وطرق مستديم لبابه.

إن للقلوب حقوقا بالليل لا يقبلها الله بالنهار، وحقوقا بالنهار لا يصلح قضاؤها بالليل.

المشردون كثر؛ فاجعل قلبك مأوى لهم، والأمر أحيانا يقضى بدعوة صادقة متحرقة في ظهر الغيب.

جعلكم الله من جابري كسور الكرام.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد