من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

أسرار الدور التركي في الأزمة السورية

15555111_973836949415852_512257436_n

د. علاء عبد الحميد
كاتب و محلل سياسي

الأزمة السورية هي الأكثر تعقيداً من مثيلاتها في العالم العربي، فقد بدأت ارهاصاتها داخلية ثمّ سرعان ما تحوّلت صراع إراداتٍ إقليمي ودولي، طغت فيه الحسابات الجيوسياسية على كل القوانين و الأعراف الدولية، ومع دخول الأزمة عامها السادس تدخلت العديد من القوى الإقليمية سواء بإرسال قوات مباشرة مثل إيران وتركيا أو من خلال دعم الفصائل المسلحة لوجستياً وعسكرياً، ونظراً لحالة الانقسام العمودي داخل المجتمع السوري بين مؤيد ومعارض للنظام ، وشدة الاستقطاب الإقليمي والدولي، تشهد الازمة كل يوم مزيدا من الانحدار ومزيدا من الاحتقان.
وشكل الحراك مدخلاً لإعادة رسم تحالفات المنطقة وتوازناتها، وهو ما أدى إلى تشابك الازمة، وزيادة تعقيدها، بسبب تكالب القوى الإقليمية والدولية على الموقع الجيوبولتيكي للدولة السورية ومحاولة استقطابها، لما في ذلك من عامل مرجح في التوازنات الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط.
لقد نتج عن الأزمة السورية مجموعة من القضايا الشائكة التي أفرزت العديد من التداعيات بسبب تأثير الداخل السوري على الدول العربية من ناحية، وتأثيره في المحيط الداخلي للقوى الإقليمية الرئيسية من ناحية أخرى، ووفقا لأولويات هذه الأنظمة، تتحدد توجهات القوى الإقليمية الكبرى تجاه الأزمة التي تمثل فيها الأهداف والمصالح المحدد الرئيسي لموقف هذه الأطراف منها، وسنكتفي في هذه المقالة بالتركيز على الدور التركي الذي يتضح من خلاله عودة الأطماع العثمانية في الأراضي العربية، وبخاصة العراقية والسورية، وذلك لتحقيق مجموعة من المصالح الاستراتيجية.
أولاً : وصول حزب العدالة إلى سدة الحكم
بعد تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في نهاية العام 2002 حدث تحول شامل في سياسة تركيا الخارجية، كانت أهم أهدافه تصفير النزاعات، انعكس بطبيعة الحال على سياساتها إزاء المنطقة العربية، وكانت سورية جزءا من هذا التحول، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، الأمر الذي أعطى زخماً قوياً للمشروع التركي على الصعيد الإقليمي.
ومع بداية الأزمة ازداد عدد اللاجئين المتدفقين عبر الحدود التركية، فبادرت أنقرة إلى إنشاء مخيمات لاستيعاب القادمين من سورية. ومع ارتفاع حدة المعارك، وازدياد معدلات الهروب من آلة القتل، توسعت المخيمات وتضخمت أعداد اللاجئين، وأصبحت أنقرة مطالبة بتوفير مستلزمات إنسانية واقتصادية هائلة، ترافق ذلك مع أعباء في الوضع الاغاثي، والوضع التعليمي، والوضع الصحي، وازدادت حدة التوتر بين انقرة والأكراد بعد معركة كوباني (عين العرب)، واشتد القلق الأمني لتركيا بعد تفجيرات عدة ضربت و مازالت تضرب العاصمة التركية وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، ولم تتوانَ المؤسسة الأمنية التركية عن توجيه الاتهامات المباشرة لحزب العمال الكردستاني والنظام السوري.
ومع تطور الأحداث دعمت إسطنبول فصائل المعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد وذلك من خلال استضافة أبرز رموزها أو عبر دعمها ماديا وعسكريا أو سياسياً أو من خلال التحرك على الساحة الإقليمية والدولية لعزل نظام دمشق، والدعوة إلى إقامة منطقة حظر جوي في شمال سورية، لكن تلك الممارسات كان لها العديد من التداعيات السلبية على الداخل التركي وأدخلت إسطنبول في صراع مع جيرانها (سورية والعراق وإيران)، كما جاءت بارتدادات سلبية على الأمن التركي ذاته، إضافة لتوجيه الاتهامات إلى أنقرة من قبل حلفاء النظام السوري بدعم تنظيم «داعش» أبرز حركات التطرف السني لوجستياً وعسكرياً.
ومع اشتعال وتيرة الأحداث، ألقت الأزمة بظلالها على علاقات القوى الاقليمية، وبرزت تناقضات الرؤى والسياسات، وترسيم الحدود بين المشروعين الإقليميين الإيراني والعثماني، ليصبح هناك سياستان، واحدة داعمة للنظام، والثانية داعمة للمعارضة السورية، وعيناهما على موقع سورية الجيوستراتيجي.
وبموازاة استباحة الأراضي السورية من قبل الجماعات الأصولية، تمت أيضا استباحة المجال الجوي من قبل الدولة التركية ناهيك عن دول عديدة، سواء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو سلاح الجو الروسي، أو الطيران الاسرائيلي وازدادت المخاوف من حصول حوادث أو صدامات من نيران صديقة، وبخاصة بعد إسقاط تركيا طائرة روسية على حدودها، أعقبها اختراق الطائرات الروسية الأجواء التركية مرات عدة، تلك الحوادث كانت كفيلة بزيادة التوتر في العلاقات بين البلدين سرعان ما تدارك أردوغان هذا التدهور في العلاقات بعد وقف الحرب الإعلامية بين الدولتين وبخاصة بعد الانقلاب العسكري الأخير، وهنا يطرح السؤال: لماذا تتورط أنقرة في الأزمة السورية وما هي أهم المحددات الرئيسية للعلاقات السورية التركية؟
ثانياً: محددات العلاقات التركية السورية
1- شكلت قضية المياه إحدى إشكاليات العلاقات السورية- التركية، وبخاصة بعد ان عارضت دمشق إنشاء مشروع الغاب لتخزين المياه وتوليد الطاقة الكهربائية على مجرى نهر الفرات وهو بمثابة أكبر السدود في العالم والذي ستكون تداعياته خفض منسوب المياه داخل الأراضي السورية.
وقد طرحت مسألة المياه في فترات معينة بوصفها عنصر ضغط ديبلوماسي، غير أن التوتر القائم حالياً يمكن أن يشهد مزيداً من التصعيد لأسباب أخرى، ربما لا علاقة لها بالطرفين؛ وقد يكون مرهوناً بعنصرٍ ثالث هو إسرائيل التي توظف مشكلة المياه في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وخاصة عندما يتراجع الاهتمام التركي بدول البلقان والقوقاز.
2- في ما يتعلق بالمسألة الكردية فهي محدد رئيسي لا يمكن تجاوزه حيث حرصت أنقرة ومنذ بداية الأزمة على التعامل مع الملف الكردي بحذر تجنبا لحدوث تفتيت أو تقسيم للدولة السورية على أسس إثنية أو دينية أي دولة سنية وعلوية وكردية، لذلك كان أهم أهداف تركيا هو تفادي الآثار التي قد تنجم عن تأزم المسألة الكردية، في حال تحولت المنطقة الكردية ملاذا امنا لحزب العمال الكردستاني، لذلك يعتبر الملف الكردي، الأكثر إيلاماً والحاحاً لتركيا، والتي سترفض أي مشروع يتم من خلاله نمو كيان كردي يتمتع بخصائص دولة مستقلة تهدد وحدة وسلامة الأراضي التركية.
3- إضافة الى ذلك يعتبر لواء الاسكندرون من المحددات الشائكة للعلاقات السورية، التركية حيث تطالب دمشق منذ فترة بإعادة الأراضي التي احتلتها إسطنبول والذي لا يسمح ميزان القوى باستعادته عسكرياً، وربما يرى البعض أن السياسات الإسرائيلية تجاه تركيا، والسياسات اليونانية تجاه سورية، هما المعيار الذي تتحدد من خلاله الممارسات التركية من الأزمة السورية، حيث رأينا في الحالات التي يظهر فيها التوتر الموجود في العلاقات التركية السورية ، تكون إسرائيل هي الطرف الذي يوظف تلك العلاقة، وهو ما حدث في طرح إسرائيل خلال مباحثاتها مع سورية فكرة أن تغطي سورية احتياجاتها من المياه من تركيا، في مقابل ترك مصادر المياه في مرتفعات الجولان تحت الإشراف الإسرائيلي.
ومن خلال تلك المحددات السابقة يمكننا استنتاج طبيعة الدور التركي من الأزمة السورية وإدراك تطلعات الرئيس اردوغان لاستعادة أمجاد السلطنة العثمانية على حساب جيرانها العرب حتى لو كانت هناك متغيرات وتداعيات سلبية تلقي بظلالها على الداخل التركي وأبرزها أزمة اللاجئين والتي يستخدمها النظام التركي كورقة ضغط لابتزاز الدول الاوروبية وتهديدها من آن لآخر بإغراق الحدود الاوروبية بموجات من اللاجئين السوريين، مع العلم أن القانون الدولي يكفل للاجئين حقوقاً ومبادئ أساسية، وهي وجوب عدم طرد اللاجئ أو إعادته إلى أوضاع تهدد حياته وحريته، وذلك لحمايته من الإعادة إلى المخاطر التي فر منها.
أخيراً رغم الجهود العديدة التي يبذلها المجتمع الدولي، للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، فإن ثمة إشكاليات محتملة ربما تحول دون الوصول إلى بلورة أي حل سياسي، يتمثل أولها في إصرار إيران وروسيا على بقاء الأسد كصيغة رئيسية لأي حل سياسي في المرحلة الانتقالية.
ويتعلق ثانيها بغياب أي بديل لنظام دمشق، قادر على ملء الفراغ الذي سوف يتركه بعد رحيله، في ظل الصراعات المتنامية بين فصائل المعارضة المختلفة، وعدم امتلاك الجيش السوري الحر أي سلطة فعلية لحسم المعركة على الأرض.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد