من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

** متفائلة **

هيام محي الدين

صادفت في طريقي صديقا عزيزا حياني فحييته وسلم على وسلمت عليه
بدأ يحدثني بكلام تفوح منه رائحة اليأس والتشاؤم ؛ قال: أين أيام زمان عندما كان الناس يحب بعضهم بعضا وينقذ بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا!؟ أين الزمن الجميل الذي كان الجميع يتزاورون ويتواصلون بشوق ومحبة ؟
أين الخير الذي كان يجمع بين الناس ويؤلف قلوبهـم؟ أين الود؟ وأين التكافل؟ وأين الرحمة؟ وأين التعاون؟

نرى الواحد منا في هذه الأيام لا يهتم إلا بنفسه ولا يحرص إلا على مصلحته ولو كلفه ذلك أن يسلك طريقا غير مشروع ، أو التجأ إلى أساليب ملتوية مضللة سواء كانت غشا أو نفاقا أو كذبا أو تسلقا أو ظلما أو إيذاء وضاع الخير وتلاشت الرحمة وانحدرت الأخلاق في صحراء يسودها الظلم والجهل والفساد وغيبة الضمير والانتهازية ، وغياب الالتزام بالقانون ، وانعدام الديمقراطية؛

نظرت في عينيه وقلبي ينكمش في داخلي أسى وحزنا لما آلت إليه أحوالنا ؛ وسالت نفسي: هل أصبح الكذب والنفاق ظاهرة متوطنة في مجتمعنا!؟ وفكرت متسائلة : أيهما أشد خطورة الإنسان الكاذب ؛ أم المنافق !؟ فمن وجهة نظري حياتنا أشبه بفقاعة كبيرة تملؤها الأكاذيب وترتفع في الهواء طافية فتلفت الانتباه ، ولكنها مجرد فقاعة ستنفجر عاجلا في أي لحظة ؛

والإنسان الكاذب سرعان ما ينكشف ويكون كالذي يبني قصرا فخما ضخما على الرمال بشاطئ البحر لا يلبث حتى تأتيه موجة قوية تجرفه معها فلا يبقى له أثر أما المنافق ، فهو أشد مكرا وخطورة لأنه يتعامل بوجهين يضحك بوجه حين يلقاك ثم يطعنك بظهرك ليدوسك ويصعد على جثتك ، مستخدما هذا الوجه الضاحك الخادع ؛ وهو يحمل في قلبه كل الكراهية والحقد لك وقد قال تعالى في كتابـه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ ” صدق الله العظيم.

وقلت لصديقي: يدعي الجميع حب الخير .. ولكن .. هل يفعل الجميع الخير ؟ ويدعى الجميع كراهية الشر .. ولكن .. هل يبتعدون فعلا عن ممارسة الشر ؟ ، هناك فرق بين القول والفعل كما أن الفرق واضح بين الشر والخير ونشاهد في الواقع الكثير من الأمثلة التي تجعل الخير مجرد عاطفة داخلية فقط لا تمنع الكثيرين منا من الإقدام على ممارسة الشر الخير والشر عدوان ولكنهما يتبادلان دور المنتصر والخاسر.

لقد أصبح الكذب والنفاق وانعدام الضمير والمبادئ وإتقان المراوغة السياسية في عصرنا خاصة في مجتمعاتنا العربية التي يظهر سياسيوها بألف وجه ويلعبون على أكثر من حبل همهم الوحيد مصلحتهم الشخصية والاستمرار في الزعامة المزيفة وإن كلفهم ذلك الاتجار في مصير السواد الأعظم من البسطاء والفقراء والضعفاء.

فاللعب على جميع الحبال والكذب والأنانية والفساد وانتهاج سياسة الفكر الأحادي والشخص الأوحد بالكذب والنفاق وانعدام الأخلاق أصبح دستور هذا العصر عند بعض الناس الذين يبتغون تحقيق أطماع خاصة بهم يكذبون وينافقون وهم يعلمون أنهم خاطئون ولكنهم يستمرون في الكذب والنفاق حيث صارا عند أغلب الناس عادة سهلة ، أما النفاق فلا يتصف به سوى ضعاف النفوس ؛ وهو طاعون يدمر المجتمعات فرسمت على وجهي ابتسامة مصطنعة وأجبت صديقي: هون عليك ، فلا تزال الدنيا بخير ، والخير موجود بين الناس ولا يمكن أن يختفي مهما قل أو ندر ، فالإنسان الشرير الظالم يظل داخله جزء من الخير ، وما تراه من الخروج عن قواعد الأخلاق والابتعاد عن تقاليدنا الخيرة وعاداتنا السمحة الرحيمة قد تمليه أحيانا الظروف الصعبة التي نمر بها والإحباطات التي نعانيها والظلم والفساد اللذان ينتشران في مؤسساتنا فماذا تتوقع من الذي لا يجد ما يسد رمقه ورمق أولاده! وماذا تتوقع من إنسان تهدم بيته ولا يجد من يعينه أو يعوضه ! ماذا تنتظر وما زالت مؤسساتنا تعاني من الدكتاتورية في إدارتها ولا تعطي النظام والقانون أي اعتبار فالمسئولون مستمرون في كراسيهم دون مساءلة أو محاسبة إلى يوم يبعثون ، يظلمون ويفسدون ولا يخدمون إلا أنفسهم مستمرا في مثل هذه الظروف الصعبة ؛ من الطبيعي أن يتقوقع الإنسان على نفسه في أوقات الشدة والأزمات.

ومع ذلك فالخير وإن قل لا ينعدم والمروءة وإن خمدت في كثير من النفوس لا تنطفئ والتعاون وإن انحسر بين الناس لا يزول ؛ ومهما كان الإنسان شريرا يظل في داخله قدر من الخير ؛ فلسنا وحوشا ولكننا نملك ضمائر وأحاسيس ؛ ولكن ما يحدث أن الإنسان في الظروف الصعبة تضعف أخلاقياته نتيجة لبطش الظالمين ، وظلم المستبدين وتسلط المتسلطين الذين لا يريدون أن يعيش أحد بكرامة إلا أنفسهم وإني على يقين أن الخير سيظل موجودا بين الناس إلى يوم القيامة كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ” الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ” وستعود الأخلاق إلى الظهور عندما يعود للإنسان شعوره بالعدل والحرية والأمان وستعود المروءة عندما يطبق القانون على الجميع ويرفع الظلم عن المظلومين ، وستعود النخوة والشهامة عندما تنتشر الحرية والكرامة وعندما يشعر الناس بالأمن والحماية وإذا ما عبروا عن أنفسهم وقالوا كلمتهم دون تهديد أو تكميم لأفواههم .. سيعود الخير عندما يعرف المواطن أن هناك من يسأل عنه ويتفقد أحواله ويعينه على ضعفه ويداوي مرضه ؛ وعندما يشعر المظلوم أن هناك من يدافع عنه ويأخذ له حقه ، وعندما يعرف الظالم أنه سيعاقب على ظلمه.

سمعني صديقي حتى النهاية مندهشا من التفاؤل الذي يغمر روحي ، ومعنوياتي العالية على العمل والإنتاج ، فشكرني وانصرف وقد لمع بريق من الأمل والتفاؤل في عينيه فبدون الأمل لن يتحقق الحلم ، وبدون الثقة لن ينتصر الخير وعلينا أن نتمسك بالأمل ونثق في رحمة الله وعدله وأن يجاهد كل منا نوازع الشر داخله عملا بقوله تعالى:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ” صدق الله العظيم

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله