من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

المرأة والإعلام

الدكتور عادل عامر

لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة ! وهذه الآثار تبدو بدرجات متفاوتة كمّاً ونوعاً ؛ إذ تختلف من مجتمع لآخر ومن امرأة لأخرى .

 كما أن أساليب الإعلام في التأثير والتوجيه مختلفة ومتنوعة ؛ إذ قد يكون قصير المدى يظهر نتاجه مباشرة . وقد يحدث التأثير في ظل عملية تراكمية تحتاج فترة زمنية ممتدة وطويلة ليتم التغيير الكامل في المواقف والمعتقدات والقناعات .

أن  وسائل الإعلام عندما تتعامل مع قضايا المرأة تراها تطرح المرأة الناجحة ذات الخطوات الموفقة في حياتها امرأة متمردة على الأعراف والتقاليد رافضة لعقيدتها وأصولها متبرجة ساعية نحو الحضارة المتطورة التي تهيئ لها فرص الحياة البهيجة فهي قد تكون: لاعبة تنس، مغنية، تشارك في الأولمبياد، ممثلة، أو سائقة حافلة. تكرار هذا العرض بصوره الفنية المتباينة سوف ترسخ في ذهن الفتيات، أن طريق النجاح هو ما سلكته هؤلاء النسوة، وإن كن يردن النجاح فعليهن أن يسلكن هذا الدرب!.

أن كل معلوماتنا عن المرأة أو تكويننا المعرفي في المجتمع من خلال الإسلام، بمعنى آخر وضع المرأة كما رسمه الإسلام هو (التكوين المعرفي) الذي لدينا عن واقع المرأة في المجتمع المسلم. وترى أن التغيير المعرفي من خلال وسائل الإعلام يحدث حينما تقوم تلك الوسائل بتقديم المرأة ضمن (إطار معرفي) مخالف للتكوين المعرفي الذي لدى الجمهور عن دور المرأة؛ فهي ناجحة لأنها متحررة من ضوابط القيم، ومحط الأنظار لأنها استغلت النواحي الجمالية في جسدها، وهي مشهورة لأنه عرف عنها مقاومة الأعراف والتقاليد..

شكلت قضية المرآة والإعلام خلال العقود القليلة الماضية واحدة من أبرز القضايا التي شغلت الباحثين والساسة والمدافعين عن حقوق النساء في الوطن العربي في ضوء ما أفرزته الدراسات المتعاقبة من نتائج كشفت عن الأبعاد السلبية النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية لصورة المرآة التي تتداو لها وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، وفي الفترة الأخيرة التفاعلية.

 ورغم أن هذه القضية هي في حد ذاتها قضية عالمية مثلت هاجسا كبيرا للكثير من المجتمعات حول العالم، إلا أن تجلياتها في المنطقة العربية قد اتخذت أبعادا خطيرة في ضوء ما تقوم به وسائل الإعلام الوطنية والإقليمية والعالمية في هذا الجزء من العالم من تشويه لصورة المرآة، وإبرازها بشكل سلبي على صفحات الجرائد والمجلات وشاشات التلفزة، وحديثا على صفحات الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت).

كثيرًا ما يشاهد المرء منّا على شاشات الفضائيّات إعلاناتٍ تروّج لأسماءٍ تجاريّة ويكون العنصر الأساسي فيها المرأة، كما تتضمّن مواد إعلامية أخرى صورًا مبتذلة للمرأة لا تتناسب مع قيمتها ومكانتها في المجتمع، وفي المقابل نرى في بعض الوسائل الإعلاميّة صورًا إيجابيّة للمرأة تتلاءم مع مكانتها ودورها الأساسي في المجتمع، فما هي صورة المرأة في الإعلام الرّاهن؟ وما هي الصّورة الحقيقيّة التي ينبغي أن تظهر فيها المرأة في الإعلام؟

وتزامن ذلك مع ما تفرضه قضايا العمل حيث أن عمل المرآة اليوم أصبح وبحكم التطورات المعيشية و الاقتصادية ضرورة ملحة للمساهمة في صناعة حياة كريمة لمئات الملايين من الأسر حول العالم  مع حقيقة تفرض علينا التفكير بشكل جاد في كيفية إيجاد الأطر و الصيغ القانونية و المعايير الإنسانية و الضوابط التشريعية التي تكفل للمرآة العاملة حياة كريمة وبيئة عمل بعيدة عن الانتهاكات والتمييز الذي يمكن أن تتعرض له. 

وتؤكد الدراسات وجود فجوة حقيقية بين صانعي السياسات الإعلامية وبحاث ودارسي المجال النسوي في المجتمع العربي ، حيث ينطلق الاهتمام بالمرآة من الأيمان بان  بكل فرد دور في المجتمع رجلا كان أو امرأة وأن هذا الدور يجب الاعتراف به وتقديره وتعزيزه ، ومن الضروري إعطاء كل فرد الفرصة للمشاركة في كل المجالات والميادين ، مما يحتاج إلي تعزيز القدرات الشخصية وتنميتها ،

 وتوفير الفرص والسبل للأشكال المختلفة للمشاركة من خلال فلسفة تعتمد في تحقيق التنمية علي عدم عزل المرأة في برامج تنموية خاصة بها رغم  العادات والتقاليد التي تشكل عوامل تؤثر في وضع المرأة ، وتحدد دورها .

ومما يثير الاستهجان والعجب أن هذه الاتجاهات الإعلامية تأتي في وقت حققت فيه المرآة العربية الكثير من الإنجازات المبهرة التي جعلت منها إنسانا قياديا في مجتمعها، فأصبحت المرأة مهندسة ومعلمة وطبيبة وصاحبة أعمال وخبيرة تكنولوجيا معلومات، وغير ذلك من الوظائف التي كانت لردح من الزمن حكرا على الرجال.

  فهذه التحولات المهمة في الدور الاجتماعي للمرأة لم تجد، وللأسف الشديد، صدى مناسبا على صفحات الجرائد والمجلات، وعلى شاشات التلفزة، وأثير الإذاعات، وحتى في الفضاء الافتراضي لشبكة العنكبوت الدولية. 

يشير بشكل قاطع إلى أن الإعلام بوسائله المختلفة قد حقق تقدما لا بأس به في مجال تجويد صورة المرأة، ولكنه ظل في سواده الأعظم محرقة للنساء ولإنجازات المرآة، مع استمرار التسليع والتشييء، والحط من قدر النساء، وتأطير دورهن الاجتماعي في قوالب تقليدية، وعدم المساهمة في تمكينهن من احتلال الحيز المناسب لهن في الوعي المجتمعي، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة.

ولكي تتقن المرأة الإعلام: فإنها تحتاج لتحديد الإطار للإعلام العام والخاص، ورسم برنامج اكتساب الخبرة (قراءات متخصصة، وتدريب نظري وعملي، ودورات وورش).

‏لابد للبعض من الكتابة في الصحف والمجلات، فيما يتعلق بقضايا المرأة، وكذا المشاركة في البرامج التلفزيونية الإذاعية من خلال المداخلات.

‏الحضور الإيجابي والتفاعلي في منصات الإعلام الاجتماعي وبقوة، بخاصة ما يتعلق بقضايا المرأة متابعة لما يعرض، والنقاش مع أصحاب الآراء المنحرفة.

‏تأسيس الحسابات على منصات الإعلام الاجتماعي، وكذا المواقع الفردية أو المؤسساتية، (“موقع لها” نموذج ممتاز للإيجابية والمشاركة العملية). ‏يمكن إنتاج برامج إذاعية ومقتطفات من المحاضرات والحوارت النسائية (2-3 دقائق) صوتية أو مرئية، وأيضا توظيف الواتس؛ لبث مختارات عن المرأة ودورها.

‏للفتيات قدرات متميزة في الجوانب الفنية، فلما لا يساهمن في إنتاج مقاطع قصيرة توجيهية توعوية: انفو جرافيك، موشن جرافيك، وثائقيات قصيرة.

‏نريد مشاريع إعلامية متنوعة خاصة بالنساء، يقوم عليها نساء، ومن المهم أن تكون الإعلامية ذات تأهيل معقول شرعي، ولديها ثقافة عامة جيدة، ووعي ممتاز بالواقع.

‏لدينا الكثير من الداعيات والمثقفات ذوات الخبرة (ونحتاج أكثر)، يحتجن بعض الدعم والمعاونة، ليكن تأثيرهن أقوى إعلاميا.

اضطلع الإعلام بدوره في بناء مفهوم خاطئ عن قرار المرأة في بيتها ؛ إذ جُعِلَ هذا القرار مُبعِداً لها عن دائرة القوى العاملة أو الكوادر المنتجة ! !

فالمرأة المتفرغة لشؤون بيتها والحدب على أطفالها رعايةً وتعليماً بكل ما يمثله هذا الدور المنزلي من حضور ديناميكي فاعل ومؤثر .. لا يُعترف به إعلامياً !

بمعنى أن موقفها الإعلامي بدأ بالرفض وانتهى إليه .. وهو الموقف الأسهل دائماً ! وكان يفترض أن يثمر هذا الموقف على الأقل عن أوراق عمل ودراسات ومشاريع إعلامية مستقبلية مقترحة تساهم في إزالة الرهبة من خوض التجربة الإعلامية لدى الإسلاميين وتشعرهم بأن هذا الكم الهائل والاهتمام الكبير بالمرأة المعاصرة من قِبَل الإعلام (الآخر)

 والذي يغمرنا بقوالب متنوعة ما بين برامج مرئية وصحف ومجلات متخصصة إنما هو تحكُّم في مستقبل هذه المرأة ، وتشكيل لفكرها وعقليتها ، وصياغة جديدة لممارساتها واهتماماتها على غير ما نريد ! !

ومن ثَمَّ فإن المقاطعة ستبقى حلاً مؤقتاً لو ناسب مرحلة زمنية معنية افتراضاً فلن يُناسب المراحل التي ستليها يقيناً .

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله