من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

بين المبادئ والمصالح – أزمة مصطلحات

تامر سلطان

     هل تتذكر عزيزي هذه الكلمة ( مبادئ ) ، نعم هي تلك الكلمة التي كانت تملأ الكتب ، واتصف بها أفاضل القوم ، وكانت المعيار للتفاضل بين الناس ، وكانت وكانت وكانت … لكن كما تعلم كان فعل ماض ، أي ذهبت الكلمة وذهب معناها.

     نعم ذَهَبَت من وقت أن أطلَّ علينا أصحاب الأغاني المتدنية في كل شيء ، حين قال أحدهم ساخرًا لجهله بالكلمة ومعناها فقال راقصًا ( أنا عندي مبدأ ) ولحنها بطريقة انتشرت بين من فقدوا الكلمة ولم يعوا يومًا معناها ، فكان السقوط للكلمة مدويًا ، ولعل سقوطها في المعنى قبل ذلك حين سُمِح لمثله أن يسخر منها ، فدلَّ ذلك على إرهاصات سقوط القيم الواحدة تلو الأخرى حتى اندثرت الكلمة وانتقل حرفها الأول من ( مبادئ ) إلى ( مصالح ) التي صارت الوريث الشرعي للكلمة إلا أنها ابن غير شرعي لها، يعي ذلك ويدركه فقط من أدركوا المبادئ وعاشوها حتى وإن فقدوها.

      تمثل هذا الانهيار جليًا في معلم يتنازل عن مبادئه ليجبر طلابه على دروسه الخصوصية، وأؤكد على (يجبر) وليس يعطي ، وذلك تحت غطاء يعني هنعمل ايه ما الكل بيعمل كده ومصلحتي في كده.

      رأيناه بأعيننا حينما يتحول دور المهندس من مهنة راقية إلى مرتش ٍ في أحد الأحياء أو مجالس المدن أو حتى أولئك الذين يعملون في شركات الباطن ليثبت لصاحب الشركة أن مصلحة الشركة أهم من مصلحة الناس ( مبدأ ) .

      تمثل ذلك الانهيار في طبيب يتنازل عن مبادئه وعن القَسَم الذي أقسمه ، ويفرض أرقامًا فلكية يقصم به ظهر المرضى حتى يستطيع أن يكون من صفوة المجتمع المادي تحت مسمى مصلحتي في كده ، وصار الحلم في ظهور ( طبيب الغلابة ) .

      تتجلى الصورة في جموع الناس وعامتهم حينما يهللون وبطبلون ويتراقصون دعمًا لمرشح لمجرد أنهم يرون أن الوقت هو وقت المال وأن ( المصلحة ) تقتضي أن نطبل أقصد أن نؤيد بسبب ( المصالح ) .

    اختصرت بعض المجالات ولم أذكر الكل لأنني وإياك نحتاج لأن نتذكر هذه الكلمة التي كنا يومًا نتفاخر بها وبحاملها ، وإلا لما اتسعت الصفحات لذكر أمثلة لمن باعوا مبادئهم من أجل مصالح دنيوية .

     أما الصورة التي تكسر القلب وتؤلم الروح فلا يكفيها مداد الدنيا ولو كان مثل زَبَد البحر ، فأي خنوع وخضوع وألم حينما تتحكم المصالح وتضيع المبادئ و الهيبة و و   ويٌسب الرسول ويستهزأ به ولا نسمع حتى الشجب والاستنكار الذي كنا قديمًا نرفضه .. واحزناه يكفيه ” إلا تنصروه فقد نصره الله ” .

ورحم الله شوقي حين قال :

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه   …….   فَقّوم النفس بالأخلاق تستقم

ويقينًا في وسط هذا الظلام لازال هناك نور في قلوب البعض وسيظل حتى يبزغ فجر جديد نسأل الله أن يعجل بفجر القلوب

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد