من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

تأثير الأوبئة على ذوي الاعاقة وتهييء سبل الوقاية

بقلم: وصال أحمد شحود

حسب تقرير منظمة الصحة العالمية يوجد في أنحاء العالم كافة أكثر من 1000 مليون شخص من ذوي الإعاقة وهم يشكلون نسبة 15٪ من سكان العالم تقريباً (أي شخص معاق من كل 7 أشخاص)

80% من المعوقين معظمهم من بلدان العالم الثالث والبلدان النامية.

تعترف الأمم المتحدة وقد أعلنت ووافقت، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، على أن لكل فرد، دون تمييز من أي نوع، الحق في التمتع بجميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في تلك الصكوك.

حيث وقعت 177 دولة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

فالمادة3 من المباديء العامة تقول:

 احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية.

إذ تدرك أن الإعاقة تشكِّل مفهوما لا يزال قيد التطور وأن الإعاقة تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص المصابين بعاهة، والحواجز في المواقف والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم مشاركة كاملة فعالة في مجتمعهم على قدم المساواة مع الآخرين

وتعترف بأهمية تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة باستقلالهم الذاتي واعتمادهم على أنفسهم، بما في ذلك حرية تحديد خياراتهم بأنفسهم.

لابد أن نتوقف قليلاً عند بعض النقاط الهامة والرئيسية للموضوع وأهمها:

ماهو أثر الأوبئة على الانسان من جميع النواحي؟

وليس الأمر بخاف على أحد فالتأثير كبير جداً من جميع نواحيه فمن الناحية الاجتماعية فإن فرض العزلة أو الابتعاد والتباعد فلا لقاءات عائلية ولازيارات وارجاء حضور أياً من الأنشطة الفكرية أو الرياضية أو الفنية أي بمعنى أدق تلغى جميع الأنشطة مؤقتاً.

وذلك يترتب عليه تأثيراجتماعي ونفسي فنجد الانسان يغلب عليه طابع الكآبة والخوف والقلق وعدم الشعور بالاستقرار أو السكينة، وبالتالي يؤثر ذلك عليه صحياً فيشعر بالوهن والتعب لأقل جهد، بل يميل الى الاستكانة وعدم الرغبة بالقيام بأي جهد ويصبح مجرد أداء أي فعل يشعره بالتعب وعدم القدرة البدنية لأداء ذلك الفعل، وهذا بدوره يؤثر على وضعه الاقتصادي فالمكوث بين أربعة جدران لن يوفر له متطلباته لاسيما لو كان صاحب عمل حر وهنا سنجد أن دخله المادي قد انقطع مما يزيد الطين بلة ليقع الانسان حينها تحت تأثير سلبي من جميع النواحي.

هذا بالنسبة للانسان بشكل عام فكيف يكون وقع الأمر على الأشخاص ذوي الاعاقة؟

أود لفت النظر الى أن الاشخاص من ذوي الهمم أو ذوي الاعاقة لديهم فرص أقل كثيرا من سواهم في جميع مناحي الحياة (الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل وغيرها ) ويزداد وضعهم سوءا في البيئة المهمشة والفقيرة والهشة فكريا، فكيف يكون وضعهم اذاً في ظروف الأوبئة وضمن الحواجز الموجودة أصلاً حيث أن الوصول إلى الرعاية الصحية أمر صعب بالفعل بالنسبة لبعض ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، حتى في الدول ذات الدخل المرتفع. وتشمل هذه العوائق العقبات المادية والقوانين التمييزية والوصم المنتشر ضد هذه الفئات.

من المؤكد أنه من المنظور الصحي والاجتماعي سيكون أكثر سوءاً وضرراً من قبل ويجعل الوباء أوجه عدم المساواة هذه أكثر حدة، ويُنتج مخاطر جديدة، فالأشخاص ذوو الإعاقة هم من بين أشد الأشخاص تضرراً من مرض فيروس كورونا، إذ أنهم لا يستطيعون الوصول إلى المعلومات عن حالة الصحة العامة، ويواجهون حواجزَ كبيرة تعوق الأخذ بتدابير النظافة الصحية الأساسية، و يتعذر وصولهم إلى المرافق الصحية، كما أنهم يواجهون صعوبة في التباعد الاجتماعي لأنهم أصلا بحاجة لرعاية من الآخرين أو بحاجة لأي نوع من أنواع الدعم، وإذا ما أصيبوا بمرض فيروس كورونا، يُرجَّح أن ينتهي الكثيرون منهم إلى التعرض لظروف صحية قاسية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة.

ويمكن أن يكون فيروس كورونا كارثياً في بيئات مثل مخيمات اللاجئين أو غيرها من المخيمات المؤقتة، حيث يعيش الناس في تقارب شديد وغالبا ما يفتقرون إلى الخدمات الأساسية حيث يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة في أماكن مثل هذه عقبات كبيرة أمام الخدمات الأساسية مثل المأوى، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الطبية.

كما يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة – ولا سيما النساء والفتيات – خطر ارتفاع معدلات العنف المنزلي بنسبة أكبر والاهمال وسوء المعاملة، وهو خطر يزداد بسرعة خلال الوباء لاسيما في المجتمعات الهشة أو الأمية والفقيرة.

وليس بخاف على أحد أن إحصاءات الفقر أو بيانات التوظيف تشير إلى مدى تجاهل الفئات الأكثر ضعفاً من ذوي الإعاقة البدنية أو الذهنية.

اذن فان ذوي الاعاقة  أكثر عرضة للعيش في فقر أو قد يعانون من ظروف صحية مثل مرض السكري أو السمنة مما يجعلهم عرضة للفيروس، ولا يستطيع الكثيرون عزل أنفسهم بسبب الحاجة إلى الرعاية من قبل الغير.

والأشخاص ذوو الإعاقة الذين واجهوا الاستبعاد في العمل قبل هذه الأزمة هم الآن أكثر عرضة لفقدان وظائفهم وسوف يتعرضون إلى صعوبات أكبر عند العودة إلى العمل.

وفي أخبار الأمم المتحدة ذكرت السيدة كاتالينا ديفانداس أغيلار التي تشغل منصب مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حذرت من أنه لم يتم القيام بما يكفي حتى الآن لتوفير التوجيه والدعم لهذه الشريحة الاجتماعية من السكان. 

وأعلنت في بيان لها أن “الأشخاص ذوي الإعاقة يشعرون بأنهم قد تُركوا خلف الركب.”

ولكن دعونا ننظر الى الأمر من زاوية مختلفة فرب ضارة نافعة فعلاً فان اللافت للنظر في أزمة كورونا هو اضطرار ملايين الاشخاص من غير ذوي الهمم الى الاغلاق والخضوع للاجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء وذلك ما جعلهم يشعرون وللمرة الاولى بمعنى أن يعاني المرء من وجود عوائق خارجية تمنعه من المشاركة بالحياة اليومية الطبيعية.

الغريب أن الكثير من الشركات لجأت في ظل جائحة كورونا الى تغيير نظام عملها لكي يتمكن موظفيها وباعداد كبيرة من العمل من المنزل، بل جهزت تلك الشركات وبسرعة فائقة أنظمة الكترونية لتفعيل هذا الاسلوب وقد تم انجاز الامر بسرعة غريبة وبشكل متقن، وهذا الأمر أيضاً مؤشر مهم يظهر للناس أنه من الممكن أن يصبحوا عالقين في منازلهم دون ذنب جنوه، وأنه سيظل بمقدورهم رغم حدوث ذلك، الإسهام في العمل والإنتاج”.

اذاً هي مسألة تسليط الضوء على معاناة ذوي الهمم وعلى قيمة أن يتمتع المرء بحريته في العمل والخروج وممارسة حياته الطبيعية بمختلف أشكالها، وتوجب أو الحث على احداث تغييرات تتناسب مع حاجاتهم الملحة وبكل السبل.

قامت بعض الحكومات بالعناية ومراعاة الاتاحة للاشخاص من ذوي الهمم مثل التغييرات التي تُدخل على تصميم وتخطيط المباني والأماكن العامة، لمساعدة من يعانون من مشكلات في الحركة، ومن بينها جعل الأرصفة في الشوارع والممرات في المتاجر أوسع لتمكين ذوي الكراسي المتحركة من حرية الحركة وجعل بعض الأبواب تُفتح تلقائيا.

 فلو كانت الممرات بالفعل أوسع والأبواب كلها تعمل بهذه الطريقة، لم يكن ذلك سيتيح للمصابين ببعض أنواع الإعاقات من التحرك بحرية أكبر فقط، وإنما كان سيعني أيضا أن أحدا لن يُضطر للمس الأبواب، ما يقلص بالتبعية خطر تفشي العدوى، ومن ثم سيكون بمقدور الناس – نظريا – الخروج من منازلهم بأعداد أكبر، أو بعد فترة أقصر من الإغلاق.

كما لابد من وضع استراتيجيات التواصل ترجمة بلغة الإشارة للتصريحات المتلفزة، والمواقع الإلكترونية التي يسهل الاطلاع عليها من قبل ذوي الإعاقات المختلفة، بالإضافة إلى الخدمات الهاتفية ذات الخيارات النصية للأشخاص الصم أو ذوي صعوبات السمع، يجب أن يستخدم التواصل لغة واضحة لزيادة الفهم.

لابد من توفر الدعم لفئة ذوي الاعاقة من الدولة والمنظمات والجمعيات الاهلية على حد سواء كما أنه من المفترض تغيير النظام الاداري ونظام العمل بشكل كلي لحل أزمة عدم المساواة التي يعاني منها أصحاب الاحتياجات الخاصة، ولابد من ايجاد فرص عمل متناسبة مع الوضع الصحي لكل فئة مع الاخذ بعين الاعتبار تقدير الظرف الراهن والطاريء والذي يتمثل حاليا بازمة كورونا ألا وهو منح فرص العمل من المنزل.

ولصنع قرار سليم لكي نجعل الظروف أكثر ملائمة في المجتمع لابد أن يساهم فيه ذوي الهمم أو ذوي الاحتياجات الخاصة وإتاحة الفرصة لهم للاضطلاع بدور في تصميم وتطوير السياسات والتقنيات والبنى التحتية.

فقد حث  الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخرا حكومات العالم على “وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في صميم جهودها الرامية لمواجهة `كوفيد – 19` والتعافي منه، وعلى التشاور معهم وإشراكهم في هذه الجهود كذلك”.

اذن يتوجب اشراك ذوي الهمم والتشاور معهم في كيفية التصدي لفيروس كورونا لأنهم يتمتعون بخبرة قيّمة يمكنهم تقديمها فيما يتعلق بالقدرة على النجاح في حالات العزل وترتيبات العمل البديلة، إن الوقت الحالي يشكل اللحظة الملائمة لإزالة الحواجز والعوائق التي تحول دون إدماجهم في المجتمع والإنصات لاحتياجاتهم.

لابد من محاربة فكرة ان ذوي الاعاقة هم الفئة الضعيفة أو انهم مجرد فئة مسكينة تحتاج عناية وعطف، يجب وضع استراتيجية توعية مجتمعية مدعمة من الحكومة والمنظمات لاظهار قوة هذه الفئة وتشغيلها بالشكل الصحيح وتفعيل دورها بشكل حاسم، واطلاق العنان للمبدعين منهم كما رأينا سابقا قصص نجاحات متميزة جدا وأعلام مثلوا منارات مازلنا نقتدي بهم وبعلمهم وخاصة في مواجهة جائحة خطيرة لامفر منها.

ان نتيجة تحقيق أهداف من هذا القبيل، بلورة منظومات، يمكن أن تكون أكثر كفاءة في العمل في أوقات الأزمات، وهو ما سيعود بالنفع على الجميع، ولابد من الاستفادة من تجارب الدول الناجحة في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة الازمة وعلى الاخص في البنية التقنية والاتصالية المتقدمة كخدمات التطبيب عن بعد وعقد الورش والمؤتمرات التي تغذي المعرفة وتحقق التواصل مع جميع الفئات لرفع سقف الوعي المجتمعي.

بل ونتطلع الى أكثر من ذلك مستقبلا حيث نترقب الوقت الذي سوف يكون لدينا فرصة فريدة لتصميم وإقامة مجتمعات تتسم بشمول الجميع على نحو أكبر وتتيح إمكانية أكبر لوصول الأشخاص ذوي الهمم من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

حيث نصل آنذاك لمستقبل مشترك فعلي للجميع على حد سواء.

وعندما نضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإننا نستثمر في مستقبلنا المشترك لنكن جميعاً عوناً لأوطاننا.

والله ولي التوفيق

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد