من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

هل انت صالح.. أم مصلح؟

د.احمد لطفي شاهين

كان سيدنا يوسف قابعا في السجن ويدعو المسجونين الى التوحيد وحسن الاخلاق بينما كان الناس يأكلون ويشربون وينامون ولم يتعاطف مع سجنه احد ورغم ذلك لم يُحبط وخرج من السجن عزيزا واستمر داعياً الى الله وخرج ليكرم الناس ويعاملهم بأخلاقه هو وليس باخلاقهم.. لانه مُصلح

وكان الحسن البصري مطاردا للحجاج لعدة سنوات وماتت ابنته ولم يتمكن من رؤيتها او الصلاة عليها وكان أهل البصرة يعيشون حياتهم العادية، وكان له الكثير من المحبين لكن لم يجرؤ على مناصرته اي احد واكتفوا بالصمت السلبي.. وكان الكثيرين لا يحبونه بل ويهاجمونه مع انه من أعلم اهل الارض وقتها.

وكان سعيد بن جبير يختبئ في بعض بيوت مكة هاربا من الحجاج لسبع سنين لا يستطيع الذهاب إلى الحرم إلا متخفيا بينما أهل مكة يبيعون ويشترون، ولم تتوقف الحياة من اجله ولم يتضامن معه احد الى ان اعتقله الحجاج واعدمه وكان اخر من بموت على يد الحجاج وانتقم الله جل جلاله من الحجاج بدعوة سعيد ابن جبير العالم الجليل الجريء الذي لم يقف معه الا قلة وعاداه وكرهه الكثيرين رغم انه تجرأ وقال للحاكم الظالم قف عند حدود الله نصرة لله ثم لحقوق الناس وليس من اجل مجد ولا شهرة شخصية ومع ذلك خذلوه

وكان الامام احمد بن حنبل ينتقل من سجن الى سجن ومن جلاد الى جلاد ومن منفى الى منفى بينما أهل العراق يعيشون حياتهم ويأكلون ويشربون ويداعبون أولادهم ويتاجرون ، و… الخ

وكان أهل دمشق في مشاغلهم اليومية بينما ابن تيمية أعلم أهل الأرض حينها يلفه ظلام سجن قلعة دمشق..

وهكذا الناس جميعا كانوا في أحوالهم عندما سجن ابن الجوزي والامام مالك وأبوحنيفة وآلاف المصلحين حتى خلعت أكتافهم من الأصفاد كالإمام مالك أو هزلت وضعفت أبدانهم وزادت أمراضهم كآلاف المصلحين على مر الزمان…

وانشغال الناس بحياتهم عن المصلحين الذين كانوا ملء السمع والبصر ليس لهوان أولئك المصلحين على الله..
أو لأن الدنيا لا فرق فيها وجودهم من عدمه …. لكنها رسالة الله على مر العصور بأن قدر المصلح ومنزلته هناك عند الله لا هنا في دنيا فانية…

رسالة بأن الناس على مر العصور قد يُغلبون على أمرهم حتى تؤخذ الشموس من بينهم… وأن الانسان المصلح يأخذه الله إلى بعض الابتلاءات لإصلاحه وتربيته حتى ولو كان نبيا…فيهذب الله له نفسه، ويطهر له قلبه، ويفيض عليه من علمه وتربيته وحكمته حتى يخرج أنقى قلبا وأهذب نفسا وأشد صبرا..

في هذه الأثناء يدفع الناس الأثمان من حيث لا يشعرون من ظلم السلطان، وقسوة الأحوال، وغياب بركات المصلحين.. ولكن يفنى عمر ظالمهم في ظلمه للناس مكابرةً للحق وعصيان لله وظلم للخلق..

ثم يخرج سيدنا يوسف والحسن وسعيد وأحمد وابن الجوزي وأحفادهم من المصلحين بعدما يكملون المدة ويستكملون الدعوة والإعداد والإمداد … فيستكملون ما من أجله حبسوا، وبسببه غيبوا…
أما الأعمار فببركتها لا بكثرتها…
وأما الأهل والأحباب فيعوضهم الله هذا الغياب…في الدنيا بمضاعفة الفرحة واللذة، وفي الآخرة برفعة الدرجة لتشاركهم في المشقة..
وهذا ما يلقيه الله سبحانه في روع المصلحين فيثبتون، وللأجر يحتسبون… وإلا ماتوا حسرة وكمدا..
ويوسف سوف يخرج في الموعد الذي يحدده الله لا الملك أو الوزير…وعندما يريد الله خروجه سيرسل الرؤى ويحدث المجاعات، ويسبب الأسباب حتى يتدلل يوسف في الخروج ويقول لسجانه:
ارجع إلى ربك فاسأله..
وكل يوم يتأخر فيه يوسف يزداد فيه عوز البشرية إليه، إن في الأخلاق وإن في الأرزاق…بينما يزداد إعداد الله لعقله وإمداده لقلبه.

لقد كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يلقب بالصادق الامين قبل البعثة كان انسانا صالحا ومحبوبا ومجرد ان تكلم في الدعوة الى عبادة الله واصلاح المجتمع هاجمه الجميع واتهموه بابشع الصفات واستمر في دعوته رغم استمرار الفساد وعانى في الطائف وجرحوه ولكنه طلب من الله ان لا يعاقبهم املا في ان يصلحهم الله وان يكون اولادهم صالحين.. وهذه هي رحمه الانسان المصلح المحب للجميع المشفق عليهم
هذه قصص المصلحين باختصار…
فاعتبروا يا أولي الأبصار.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد