فرحتي كبيرة و أنا أرى ابني في عامه الأول في المدرسة, وفي يومه الأول .
ها أنا أتلو عليه الوصايا , بأن يهتم بدروسه من اليوم الأول و يكون طالباً مجتهداً و خلوقاً. وهو يومي برأسه و يقول حاضر.
ولم أكمل .. توقفت و تذكرت أمي ووصاياها كشريط مر أمام عيني : كوني مجتهدة و مؤدبة , كلي من زميلتك إن اضطر الأمر لربما تضطر هي و تأكل منكِ وهذا دليل كرمك , حتى إنها كانت تضع لنا سندويشة زيادة تحسباً للحاجة , ساعدي الناس – الكبير و الصغير , لا تقفي مكتوفة الأيدي إن رأيتِ من هو بحاجة لمساعدتك , إن طلب منك أحداً عوناً وباستطاعتك العون لا تتردي . افعلي الخير و ارميه فأنه ينبت في دربك .
هزني ابني و يبدو أنه كان يناديني ولم أسمع , وبلا شعور وضعت يدي على عينيه , خفت أن يرى شريط الماضي معي ! شريط الذكريات ووصاياه!
في زمن الحرب و قد قتل الأخ أخاه وغدر الصديق صديقه , واستباح الكل لحم الكل إلا قليلا!
كيف لي أن أقول لأبني بأن يأتمن زميله ويأكل منه بعد أن أطعم بعض الناس من بلادي السم للبعض الآخر ؟
كيف أقول له أن يساعد الملهوف في زمن كثرت أيادي الغدر و طالت , ولم يعد تفرق بين الصديق و العدو ؟
كيف نفرق بين من يطلب العون بحق و من يضع القناع ليستجر الناس إلى الهلاك و قد حصل هذا كثيراً ؟
رافقت ابني إلى المدرسة و أنا أكرر على مسامعه بأن : احذر و لا تأتمن لأحد و لا تأكل من أحد
و لاتساعد أحد حتى و إن رأيت عجوزاً مرمياً على الأرض لا تقترب منه ربما يكون كاذباً.
غصة في قلبي استوقفتي ثانية و بكيت قهراً و حان دور ابني ليضع يده على عيني ليمسح دموعي!