من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

سياسات حلف الناتو تجاه الصين

العلاقة بين الصين وحلف الناتو، وسيطرة الصين على الموانئ الرئيسية الأوروبية ودول البلطيق للتأثير على نفوذ الدول الأعضاء بالناتو، والمشروع الأمريكى البديل لطريق الحرير الصينى بقيادة حلف الناتو

تحليل الدكتورة: نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف                             

العناصر الرئيسية فى التحليل:

 

أولاً: إستراتيجية “الإحتواء الجديدة” لحلف الناتو لإحتواء الصين فى مناطق نفوذه للدول الأعضاء فى الحلف                                       

                         

ثانياً: إستراتيجية الناتو لمواجهة التحديات الأمنية ٢٠٣٠، بالتأكيد على الأولوية الأولى لمواجهة الصين                                        

ثالثاً: التغيرات فى خطط وإستراتيجيات “حلف الناتو”   تجاه الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، بعد توقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة” بقيادة واشنطن                                 

             

رابعاً: تأثير إتفاقية أوكوس على الإستراتيجية الجديدة لتوسع أعضاء حلف شمال الأطلسى “الناتو”، والتخطيط الأمريكى لإنضمام أستراليا واليابان للحلف لإحتواء الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، والتحدى الأمريكى لدستور وميثاق نشأة “الناتو”                  

                                   

خامساً: الإستراتيجية الأمنية والدفاعية والعسكرية الجديدة للصين أمام التحديات العالمية لمواجهة النفوذ الأمريكى وسياسات الناتو              

                                         

سادساً: نجاح الصين فى إختراق “سوق الدفاع الأوروبية”، وعقد صفقات عسكرية مع أعضاء حلف الناتو، لتطويق وإحتواء الحديقة الخلفية للحلف         

                                  

سابعاً: التهديد الصينى لمناطق نفوذ حلف الناتو، بالتوقيع الصينى ل (الإتفاقية الشاملة للإستثمار مع الإتحاد الأوروبى) فى ديسمبر ٢٠٢٠     

                                    

ثامناً: تحدى النفوذ الصينى للإستثمار فى (إدارة وتشغيل الموانئ الرئيسية الأوروبية) للدول الأعضاء فى حلف الناتو، بما فيها سيطرة الصين على (ميناء لونغ بيتش) فى ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ذاتها            

                         Port of Long Beach

 

تاسعاً: التقارب بين الصين ودول البلطيق للتأثير على نفوذ حلف الناتو، وتوقيع الصين لمبادرة (١٧ + ١) بهدف (توسيع التعاون الإقتصادى بين بكين والدول الأعضاء فى أوروبا الوسطى والشرقية)             

                                                  

عاشراً: الدور الأمريكى لبناء موانئ وشبكات البنى التحتية والرقمية فى أوروبا لخدمة أهداف “حلف الناتو” فى مواجهة الصين، وطرح (مشروع أمريكى بديل لطريق الحرير الصينى) فى قمة مجموعة السبعة الإقتصادية   

  تمهيد

      إستطاعت الصين الوصول إلى عمق الموانئ الرئيسية فى أوروبا، وبالأخص الموانئ الإيطالية لتوسيع أعمالها ضمن مبادرتها للحزام والطريق، وبات التواجد الصينى ومن بعده الروسى أقوى، خاصةً مع (إطلاق كلاً من روسيا والصين لسلسلة من المناورات العسكرية والتدريبات المشتركة، وذلك فى مناطق موانئ آسيا الوسطى والأقاليم القطبية وفى بحر البلطيق وفى البحر الأسود والبحر المتوسط، وهى ذاتها مناطق النفوذ البحرية المطلة على الدول الأعضاء فى حلف الناتو)، فضلاً عن تزايد حدة مخاوف مسئولى حلف شمال الأطلسى (الناتو) من تزايد نفوذ وسيطرة الصين على مناطق موانئهم البحرية، والتغلغل الصينى فى عمق الموانئ الأوروبية الرئيسية.                                 

   ونتيجة لهذا التمدد الصينى وفقاً للإستراتيجية الأمريكية الجديدة، ومحاولتها تصدير تلك المخاوف للناتو من أجل وضع الخطط التكتيكية والأهداف الإستراتيجية البعيدة للحلف وأعضاؤه الثلاثين، ومن هنا بات لزاماً على قيادات (حلف الناتو) مواجهة “إستراتيجية الزحف الصينى”، وفقاً لما أطلقه “الناتو” عليها بتشجيع وقيادة واشنطن له، وهو ما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتزعمه من خلال “شركة تمويل التنمية الدولية الحكومية الأمريكية” من خلال إسهامها فى تمويل تطوير وإنشاء موانئ أمريكية فى اليونان وإيطاليا بالأساس فى مواجهة المشروعات الصينية المقابلة لتطوير تلك الموانئ، فضلاً عن تزعم الولايات المتحدة الأمريكية لحلف الناتو بطرح “مشروع أمريكى بديل لطريق الحزام والطريق الصينى”، وذلك خلال قمة مجموعة السبعة الإقتصادية الأخيرة فى عام ٢٠٢١. وفى إعتقادى الشخصى كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، بأن ذلك يعد من أعنف المواجهات بين واشنطن وبكين عالمياً.             

                                                   

    وبناءاً عليه، يمكننا فهم آليات وأبعاد التنافس والصراع بين   الصين وحلف الناتو، وإستراتيجية رد الفعل الصينى للسيطرة على أعضاء حلف الناتو إقتصادياً ولوجستياً، بالسيطرة على أكبر الموانئ الأوروبية  الرئيسية  المطلة  على  البحار والمحيطات بالإدارة والتشغيل أو تطوير تلك الموانئ وجعلها مصدر لإدارة وتشغيل الحاويات وسفن الشحن الصينية العملاقة، ثم (رد الفعل الأمريكى ودول حلف الناتو الأعضاء لتطويق وإحتواء الصين، وإطلاق عدد من الإستراتيجيات الجديدة للناتو بهدف تحجيم الصين فى مناطقهم الهامة)، وذلك على النحو الآتى:                  

                          

أولاً: إستراتيجية “الإحتواء الجديدة” لحلف الناتو لإحتواء الصين فى مناطق نفوذه للدول الأعضاء فى الحلف                 

   

  بناءاً على التهديد الصينى لمناطق نفوذ حلف شمال الأطلسى “الناتو” وفقاً لتقديراته، فقد تواترت على مدى أكثر من عام مطالب مسئولى الحلف علانيةً للسيطرة على النفوذ والزحف الصينى فى المناطق الرئيسية لدول البلطيق وأوروبا وشرق ووسط وغرب أوروبا، فجاءت الردود وآلية المواجهة لقيادات الناتو للصين، على النحو الآتى:                              

١) أقر الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” بضرورة مواجهة التهديد الصينى المتصاعد، مؤكداً: “أن الصين ترد بطريقة عدوانية على الآخرين عند أى إنتقاد يوجه لها“، مقراً فى الوقت ذاته حول الإختلاف وبعض “النقاشات الصعبة” بين دول الحلف خلال فترة وجود “دونالد ترامب” فى البيت الأبيض.                                                       

٢) كذلك باتت “نظرية الإحتواء الجديدة للصين” تتضمن “خلافات مالية حول تقاسم أعباء مواجهة الصين بين الأعضاء الثلاثين فى حلف شمال الأطلسى “الناتو“، وهو ما صرح به “ستولتنبرغ” بصفته أمين الحلف، بقوله:                     

“غالباً ما اشتكى ترامب من أن أعضاء الحلف الآخرين لا يدفعون نصيبهم العادل من الأعباء المالية المتعلقة بالدفاع المشترك، إلى درجة أنه تحدث عن سحب بلاده من الحلف”

٣) أما عن “إستراتيجية حلف الناتو الجديدة تجاه الصين فى عهد إدارة جو بايدن”، فهذا ما أوضحه “ستولتنبرغ“، مصرحاً بأنه:             

                                            

“لقد بات لدينا الآن رئيس أمريكى جديد أشد إلتزاماً من سلفه “ترامب” تجاه واجبات حلف شمال الأطلسى ويدعم أمن أوروبا ومستعد لزيادة الإستثمار أيضاً فى حلف الناتو”

 

 ٤) كذلك بدأت (بوادر التحول الجديدة تجاه التحديات الأمنية القادمة من ناحية الصين، وإقرار حلف الناتو بأنها تدخل فى صميم دفاعاته ومناطق نفوذه)، وظهر هذا التحول الجديد نحو “تحدى التهديد الصينى” خلال قمة الناتو فى لندن عام ٢٠١٩، عندما صرح أمين حلف الناتو “ستولتنبرغ“، محذراً دول الحلف الأعضاء، قائلاً:                                              

“بات على دول الحلف أن تواجه حقيقة أن الصين باتت تقترب أكثر فأكثر فى أفريقيا والقطب الشمالى، والفضاء الإلكترونى، وحتى فى أوروبا”

 ٥) وبذلك نفهم تزايد النفوذ الأمريكى داخل “الناتو“، ونجاح واشنطن فى خلق مناخ عام مناهض للصين بين دول الناتو الثلاثين، وذلك عبر بيان “قمة لندن لإجتماع الناتو لعام ٢٠١٩”، وإصدار البيان الختامى لأول مرة إعلان صرح فيه: 

“أن الصين تمثل تهديداً استراتيجياً محتملاً، وأن “النفوذ المتزايد للصين فى السياسات الدولية” يقدم فرصاً وتحديات، نحتاج إلى مواجهتها معاً كتحالف”

٦) ويبقى لدينا هنا التحليل الأهم، وهو أن “خطابات الناتو باتت مطابقة لنفس الخطابات الأمريكية بشأن الصين بدون تقديم أية دلائل لأى إتهامات تتعلق بها”، ويبقى التحليل الإستراتيجى هنا، بشأن:                  

                                  

ما طبيعة التحدى الذى تمثله الصين للناتو ودوله، على الرغم مما يبدو من تباعد جغرافى بين الجانبين وإختلاف مناطق النفوذ؟

 

 ٧) ورغم عدم وضوح “آلية التهديد المباشر للصين بالنسبة لأمن أوروبا وحلف شمال الأطلسى “الناتو”، إلا أن واشنطن تؤكد بأن أمن أوروبا وأعضاء الناتو فى خطر، لأن الصين تمثل طيفاً كاملاً من التحديات بالنسبة للناتو، وهو ما دفع قادة الناتو العسكريين – بعد تفهمهم لوجهة النظر الأمريكية – بالتأكيد على:                                                               

 

“أنه وعلى الرغم من أن الصين لا تمثل تهديداً عسكرياً مباشراً للناتو، فإن النفوذ المتنامى لبكين ودبلوماسيتها الواثقة فى أوروبا قد أدى إلى تداعيات كبيرة على الأمن والإقتصاد عبر الأطلسى”

٨) ونجد هنا (ربط أعضاء حلف الناتو بين التمدد الإقتصادى لمبادرة الحزام والطريق الصينية إلى أوروبا والتأثير على أمن دول الناتو)، وقد جاء ذلك عبر بيان معلن عبروا فيه عن:                         

“أن إستثمارات الصين فى مشاريع البنية التحتية الحيوية فى أوروبا، إبتداءً بشبكات الإتصالات وإنتهاءً بمنشآت الموانئ، قد تضعف قدرة الناتو على الإستجابة للأزمات الدولية دبلوماسياً أو عسكرياً إن لزم الأمر”

٩) ووفقاً النقاشات المثارة وغير المفهومة بين الأعضاء فى الناتو، وهى من وجهة نظرى ترديداً غير مباشر لنفس الإتهامات المسترسلة الأمريكية ضد الصين، فإن الناتو أكد “خطر شركة هواوى الصينية على أمن الناتو”، عبر التأكيد:               

“إذا أقدم بعض الحلفاء فى الناتو على إدراج معدات شركة “هواوى” فى شبكاتهم للجيل الخامس، فإنه يمكن أن تثار الأسئلة بشأن سلامة هذه الشبكات، نظراً للعلاقة الوثيقة بين الشركة والحزب الشيوعى الصينى”… وذلك وفق تعبيرهم الدقيق

١٠) وهنا نجد الربط العسكرى والإستراتيجى للناتو، وبين تزايد النفوذ الصينى وفقاً لبيانات صادرة عنهم، بالتصريح:        

“أن سلاسل الإمداد العسكرية الحساسة لتحالف الناتو، قد تصبح معتمدة إلى حد كبير على الصين، كما حصل أخيراً فى مقاتلات إف-٣٥”

١١) وفى محاولة جديدة لتغيير إستراتيجية حلف الناتو، عبر (الربط بين الأدوار العسكرية للناتو وضرورة لعبه لأدوار سياسية أخرى)، فقد جاءت التصريحات العلنية للأمين العام لحلف شمال الأطلسى (الناتو) “ينس ستولتنبرغ“، بضرورة:     

                                                   

                            “يجب أن يضطلع تحالف الناتو بدور سياسى أكبر فى الشؤون العالمية، وحتى لمساعدة دول المحيطين الهندى والهادئ على التنافس مع صعود الصين”

 

١٢) وفى إقرار رسمى من قبل أعضاء الناتو، بالتهديد العسكرى الصينى بالنسبة لأمنهم، فقد جاء ذلك فى بيان قمة حلف الناتو فى العاصمة لندن (٣ – ٤ ديسمبر ٢٠١٩)، فقد نص البيان الختامى بصراحة، ولأول مرة فى تاريخ قمم الحلف عالمياً، على:                                                          

                          

“يجب علينا إعتبار القوة العسكرية الصينية لصاعدة بمثابة عدواً جديداً محتملاً”

 

١٣) وفى إشارة لهذا النص الصريح عن أولوية التهديد الصينى فى “الأجندة الأمنية الجديدة لحلف شمال الأطلسى وأعضاؤه”، فقد تمثل ذلك فى مبادرة مرتقبة للناتو، تمثل تحول كبير بالنسبة لأهداف الحلف الأساسية، فضلاً عن أهدافه الإستراتيجية والدفاعية. فقد أكد بيان “حلف الناتو” ذلك، بتأكيده على:       

“ندرك أن التأثير المتزايد للصين وسياستها الدولية يمثل فرصاً وتحديات فى الوقت ذاته، وهنا يجب علينا كحلف التعامل معها بشكل مشترك”

١٤) وفى تصريح جديد من الناتو بشأن “التهديد الصينى وإختلال التوازن العالمى الجديد أمنياً وعسكرياً”، فهنا جاء تحذير الأمين العام لحلف الناتو “ستولتنبرغ” فى يونيو ٢٠٢٠، وذلك فى حوار مع الصحيفة الألمانية “ويلت آم سونتاج”، بالتأكيد على:                                                     

               

Welt am Sonntag

“أن التوازن العالمى للقوى قد يتغير بشكل عنيف، خاصةً بأن الصين باتت على أبواب أوروبا، لذلك وجب على حلف الناتو التحذير من الصعود القوى والسريع للصين فى الفترة الأخيرة”

 

١٥) وتعتبر الأجندة الجديدة للناتو لإحتواء الصين، تتمثل عبر “آلية الإتحاد الجماعى والحشد الأمنى الغربى لمواجهة الصين”، وهو نفسه ما شدد عليه الأمين العام لحلف الناتو، على أنه:  

“يجب علينا ضرورة أن يكون التحالف الغربى للناتو متحداً فى مواجهة هذه القوة الصينية والتحديات الجديدة”

 

 

١٦) وما أستوقف الباحثة المصرية، هو تلك التصريحات المتضاربة والمتناقضة لأمين عام حلف الناتو “تيس ستولتنبرغ” بشأن الصين، وتأكيده “بعدم التهديد الصينى المباشر لأمن حلف الناتو، وتناقض تلك التصريحات مع بيانات أخرى سابقة له”، وذلك عبر تصريح أمين الحلف مجدداً، بقوله:               

                     

“أن الصين لا تشكل أى تهديد مباشر على أى دولة تابعة لحلف الناتو حتى الآن، إلا أنه يتم ملاحظة وجود تطورات خطيرة فى منطقة بحر الصين الجنوبى، كما زادت بكين من محاولاتها الرامية إلى تقييد حرية حركة السفن فى المياه الدولية”

 

 

  ومن خلال هذا التحليل لفهم التوجه الجديد لحلف الناتو تجاه الصين، فقد خلصت الباحثة المصرية إلى أن توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، العضو الأبرز في الناتو، قد يلقى بظلال المواجهة والتصعيد على العلاقات بين أعضاء الناتو، خاصةً الأوروبيين وبكين.                                        

   ونجد هنا، العديد من (التصريحات المتضاربة والمتناقضة للناتو عبر بيانات رسمية أمكن للباحثة تتبعها)، فيكفى أن أشير هنا لتأكيد “الناتو” فى بيان جديد له، بأنه: “على الرغم من أن المواجهة بين الصين والحلف “ليست أمراً مرغوباً فيه وليست حتمية”، إلا أن بيان الحلف قد عاد يحذر من أن “إخفاق التحالف فى الإستعداد للصين وإدارة التحدى التى تمثله قد يجعل المواجهة أكثر إحتمالاً مع مرور الوقت”.                 

  وببساطة شديدة، يمكننا تفهم “مدى تلك الضغوط الأمريكية على شركائه الأوروبيين فى الناتو”، ومحاولة إجبارهم على “تبنى أجندة أمنية جديدة لمواجهة الصين، ومشاركتهم لنفس الطموحات الأمريكية”.                                                    

 

 

 

ثانياً: إستراتيجية الناتو لمواجهة التحديات الأمنية ٢٠٣٠، بالتأكيد على الأولوية الأولى لمواجهة الصين                  

                           

                                        

   تتزعم الولايات المتحدة الأمريكية فى إستباق دول حلف شمال الأطلسى “الناتو” فى بروكسل لمواجهة التحديات الأمنية لعام ٢٠٣٠، مع وضع الأولوية الأولى للصين ثم روسيا كحليفة لها، ولذلك فقد أصدر البيت الأبيض بيان، أكد فيه صراحةً:       

“إن دول حلف الناتو مع الولايات المتحدة الأمريكية سيطلقون معاً مجموعة مبادرات “طموحة” لضمان الحفاظ على أمن الحلف حتى عام ٢٠٣٠ وما بعده، مع التركيز التام على التهديدات القادمة من قبل روسيا والصين، بإعتبارهما أبرز تحديين يواجها دول الحلف خلال السنوات المقبلة”

   والأبرز هو إجماع أعضاء حلف الناتو الثلاثين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك خلال قمة “بروكسل” لإجتماع قادة الناتو فى منتصف شهر يونيو ٢٠٢١، وإتفاقهم فى بيان قمة حلف الناتو فى يونيو ٢٠٢١، على:                           

“ضرورة مراجعة “المفهوم الإستراتيجى” لحلف الناتو، والذى سيقود “نهجه فى بيئة إستراتيجية متطورة”، بحيث تشمل: السياسات والتصرفات العدائية لروسيا والصين معاً، فضلاً  عن التحديات الأمنية التى تشكلها الصين لأمننا وإزدهارنا”

  ولعل الجديد فى إجتماع قمة “الناتو” فى يونيو ٢٠٢١، هو ذلك النص الصريح الصادر فى بيان علنى صريح من البيت الأبيض عن الصين، ويفهم منه بأن “حلف الناتو وأعضاؤه قد صاروا كأداة أمنية فى يد واشنطن من أجل تحريك مبادرة إستباقية مرتقبة للناتو ضد الصين وروسيا”، وهو ما قد يمثل تحولاً كبيراً فى مسيرة الحلف وأهدافه الإستراتيجية والدفاعية نحو الصين، ونفهم ذلك من خلال تحليل نهج “حلف الناتو وأعضاؤه الثلاثين” فى الفترة الأخيرة، كالتالى:                             

١) إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسى “ينس ستولتنبرغ”، فى إجتماع قمة “الناتو” فى يونيو ٢٠٢١، ودعوته زعماء دول الحلف خلال قمتهم فى “بروكسل“، إلى ضرورة “وضع سياسة مشتركة أقوى لمواجهة الهيمنة المتزايدة للصين”.               

٢) إعلان “ستولتنبرغ”، كأمين عام لحلف “الناتو” علناً ومن غير إثبات صحة كلامه بالدليل، فى ترديد لنفس الأجندة الأمنية الأمريكية تجاه الصين، بقوله:                                 

“إن الصين تملك ثانى أكبر ميزانية دفاعية فى العالم، وأكبر بحرية وتستثمر بشكل هائل فى المعدات العسكرية الحديثة، وهذا “يؤثر على أمننا”                      

٣) ويبقى التحليل الأخطر عندى، هو بصدد ما أعلنه أمين حلف شمال الأطلسى “ستولتنبرغ”، وحديثه لأول مرة عن “القيم والأيديولوجيا الليبرالية الديمقراطية، كترديد لنفس لهجة الخطاب الأمريكى تجاه الصين”، بتصريحه:                    

 “إن الصين لا تشاركنا قيمنا، ونحن نرى ذلك فى طريقة قمعها للإحتجاجات الديمقراطية فى هونغ كونغ، وإضطهادها لأقليات مثل “الأويغور” فى غرب الصين، وكذلك إستخدامها للتكنولوجيا الحديثة لمراقبة سكانها “بطريقة غير مسبوقة”        

٤) كما يلاحظ تزعم وقيادة “ستولتنبرغ“، كأبرز مسئول قيادى فى حلف الناتو خلال قمة يونيو ٢٠٢١، وذلك بشكل غير مسبوق، إلى نهج تشديد المواجهة مع الصين، بقوله:           

                                  

“أن كل هذا “يجعل من المهم لدول حلف شمال الأطلسى تطوير سياستها، وأيضاً تعزيز سياستنا عندما يتعلق الأمر بالصين”

         

٥) ويمكن الإستدلال على “النهج الجديد لحلف الناتو للمواجهة والصدام ضد الصين”، عبر التأكيد شديد اللهجة لأمين عام حلف الناتو “ستولتنبرغ” لخطورة المواجهة المتقدمة مع الصين، وضرورة تحمل كافة أعضاء حلف شمال الأطلسى للأعباء المالية المتعلقة بالدفاع المشترك عن “أمن أعضاء الناتو الثلاثين”، من خلال البيان القائل:                            

“إن قادة الحلف إتفقوا على إستراتيجية ٢٠٣٠ لمواجهة تحديات اليوم والمستقبل، وقال  إن الحلف عازم على الدفاع عن نفسه فى الفضاء، وتم الإتفاق على زيادة تمويل جميع الميزانيات المشتركة للحلف وليس العسكرية منها فقط”   

٦) تأكيد قادة الناتو على تزايد حدة النفوذ العسكرى الصينى، وإقترابه أكثر من “المنطقة الأوروبية الأطلسية”، وذلك مع “تنفيذ البحريتين الصينية والروسية لعدة تدريبات عسكرية مشتركة فى بحري المتوسط والبلطيق”، وذلك كإشارة لإزدهار التعاون العسكرى بين بكين وموسكو.                                    

٧) وبعيداً عن المنطقة الأوروبية الأطلسية تعمل بكين، بحسب تصريحات متعددة لقادة دول “الناتو“، على تطوير قدرات عسكرية حديثة، بما فى ذلك (الصواريخ بعيدة المدى، حاملات الطائرات، الغواصات النووية الهجومية)، مع تداعيات أمنية محتملة بالنسبة للناتو، نظراً للمدى العالمى البعيد لهذه القدرات.

٨) تخوف خلف “الناتو” فى سلسلة إجتماعاته الأخيرة من (إستثمار الصين أيضاً فى أسلحة الفضاء)، والتى قد تهدد أياً من (الأقمار الصناعية التابعة للناتو)، وإضافةً إلى ذلك فإن دول الناتو تتعرض بإستمرار لهجمات إلكترونية يشنها قراصنة صينيون.                                                     

٩) ونلاحظ هنا (تجاهل بيانات حلف الناتو المتعمد لصفقة الغواصات النووية البريطانية إلى أستراليا برعاية أمريكية عبر إتفاقية أوكوس الدفاعية)، وذلك عبر تجريم (قادة دول حلف شمال الأطلسى) للترسانات والغواصات النووية الصينية، دون أى إشارة لنفس صفقة الغواصات النووية تحت قيادة واشنطن ورعاية شراء أستراليا لها، وذلك عبر بيان حديث معلن لقيادات الناتو، بأنهم:                                                   

“يعبرون فى حلف شمال الأطلسى عن قلقهم حيال طموحات الصين المعلنة وتطوير ترسانتها النووية بما يشكل تحديات لأسس النظام الدولى”

 

١٠) وهنا نجد سلسلة البيانات الصادرة عن القيادات العليا للناتو بدون توضيح معلن بشأن “مدى خطورة الصين المباشرة على أمنهم”، وقد جاء ذلك عبر توقيع قادة الحلف فى (البيان الختامى لقمة دول حلف الناتو فى بروكسل فى شهر يونيو ٢٠٢١)، بأن:                                                            

“طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل تشكل تحديات لأسس النظام الدولى المستند إلى قواعد، وفى مجالات لها أهميتها بالنسبة إلى أمن حلف الناتو”

١١) وفى تأكيد صريح من أمين عام حلف شمال الأطلسى “ستولتنبرغ” حول (أهمية التنسيق الأمنى المشترك بين الناتو والإتحاد الأوروبى لمواجهة الصين)، فكان ذلك من خلال:                                                         

              

“يلتزم حلف الناتو بتعزيز الشراكة مع الإتحاد الأوروبى وتعزيز التدريب مع أوكرانيا وجورجيا، كما سيعزز حلف الناتو تقدمه التكنولوجى، وأن قادة الحلف إتفقوا على إطلاق مشروع دفاعى جديد، وبأن الحلف عازم على الدفاع عن نفسه فى الفضاء”  

 

   وهنا يمكننا إستنتاج وفقاً للتحليل السابق، بأن توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بإعتبارها العضو الأبرز فى “الناتو“، قد يلقى بظلال المواجهة والتصعيد على العلاقات بين حلف الناتو وبكين، فى (تحمل مباشر من أعضاء الناتو الثلاثين لأى نتائج محتملة للمواجهة والصدام بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية).                                    

                                          

 كما يعد التحليل الأكثر أهمية هنا، بدفع واشنطن لأعضاء الناتو أنفسهم لتحمل (أعباء الدفاع عن الطموحات الأمريكية لمواجهة النفوذ الصينى فى مناطق نفوذه الآسيوية نفسها)، عبر تصريحات جديدة من الناتو، بأن إدعاءات السيادة الصينية فى بحرى الصين الجنوبى والشرقى وتايوان، قد تقود إلى صراع غير مرغوب فيه بين واشنطن وبكين، والتأكيد الجديد للناتو، بأنه:                                                         

“إذا حدث أى صراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى بحر الصين الجنوبى ومضيق تايوان، فإن حلفاء الناتو فى الضفة الأخرى من الأطلسى لن يكونوا بمأمن”

   وفى إعتقادى الشخصى، فإن تلك النقطة وهذا التصريح يعد من وجهة نظرى التحليلية واحداً من أخطر التصريحات على الإطلاق من قبل حلف الناتو وأعضاؤه الثلاثين، بتحمل نتائج المواجهة مع الصين نيابةً عن واشنطن، رغم “عدم وقوع تلك المنطقة الآسيوية فى بحر الصين الجنوبى فى المناطق الرئيسية المباشرة لنفوذ الناتو الأمنى والعسكرى لكافة أعضاؤه الثلاثين الآخرين”.                                                    


ثالثاً: التغيرات فى خطط وإستراتيجيات “حلف الناتو”   تجاه الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة بقيادة واشنطن                                             

                             

   نلاحظ وجود تغيرات عميقة فى خطط وإستراتيجيات أعضاء الناتو تجاه الصين، وترديد نفس لغة الخطاب العنيفة الأمريكية تجاه بكين، فبعد عقد “إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة بقيادة واشنطن لمواجهة الصين”، وعلى الرغم من تضرر الحلفاء الأوروبيين أنفسهم من إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية مع أستراليا، وما ترتب عليها من تداعيات للتأثير على الأمن الإقليمى الأوروبى ذاته، جاءت تصريحات أعضاء الناتو صريحة، بأن:                                                

 “أى حرب صينية – أمريكية لن يتم إحتواؤها إقليمياً كما حدث في الحروب الأمريكية السابقة فى كوريا وفيتنام، وإنما ستمتد إلى أوروبا، حيث سيجد الحلفاء فى الناتو أنفسهم أمام فرضية تفعيل “المادة الخامسة” للحلف المتعلقة بالدفاع الجماعى” 

–  ومن هنا يمكننى تحليل أبرز الخطط والإستراتيجيات الدفاعية الجديدة لحلف “الناتو” بعد توقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على النحو التالى:            

               

١) جاء بيان حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى شهر سبتمبر ٢٠٢١، بأنه بات “يواجه تحديات فى حفظ النظام العالمى من “قوى متسلطة” كروسيا والصين”، وذلك بعد إعلان (إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة، كإطار للإتفاق الأمنى الأمريكى- البريطانى- الأسترالى الجديد)، والذى تمخض عنه الأزمة العالمية المعروفة ب “أزمة إلغاء أستراليا لصفقة الغواصات مع فرنسا“.                                                           

                                                  

 ٢) ونجد هنا “التناقض واضحاً فى تصريحات قيادات الناتو العسكريين قبل وبعد توقيع إتفاقية أوكوس بقيادة واشنطن”، فعلى الرغم من تأكيد الناتو سابقاً بأن المواجهة بين الصين والحلف “ليست أمراً مرغوباً فيه وليست حتمية“، فإنه تم “إصدار وثيقة جديدة للناتو بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية”، نص فيها صراحةً على:                                            

“يجب علينا ضرورة تعديل الحلف لمفاهيمه الإستراتيجية، والتخطيط الدفاعى والتدريب، وأولويات تطوير القدرات من أجل مواجهة المخاطر الصينية المتزايدة”

٣) وظهر (التناقض واضحاً فى بيانات الناتو) من خلال نصوص جديدة بضرورة تعيين وتقييم الخطر الصينى على أمن الحلف، رغم (تأكيد البيانات السابقة بوجود أخطار من ناحية الصين)، حيث إقترحت وثيقة جديدة للناتو، بضرورة:            

“يجب على أعضاء الناتو تشارك المعلومات بين الحلفاء بشأن تقييم مخاطر الأنشطة الصينية التى قد تكون لها تداعيات أمنية مباشرة على الناتو، مثل: التدريبات الصينية الروسية العسكرية فى منطقة بحر البلطيق”

٤) ويأتى الأمر الأخطر والشديد الأهمية من وجهة نظرى التحليلية، بشأن (إقتراح قيادات حلف الناتو بإنشاء مكتب لهم فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، وهو ما يعكس نفس الطموحات والأجندة الأمريكية لتطويق وإحتواء الصين فى مناطق نفوذها)، وجاء تأكيد وثيقة الناتو، بضرورة:                           

(إنشاء مكتب عسكرى فى منطقة المحيط الهادئ الهندى، لتسهيل تبادل المعلومات وتنسيق تدريبات الحلف وأنشطته فى الأقليم”

٥) ودعت وثائق الناتو الجديدة بعد توقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية برعاية أمريكية” إلى ضرورة التواجد العسكرى للناتو فى قلب ومحيط منطقة “الإندو-باسيفيك”، وذلك يتناقض أساساً من وجهة نظرى التحليلية مع “القانون الأساسى المنشأ لحلف الناتو بالدفاع فقط عن أمن أعضاءه فى منطقة نفوذهم فى المحيط الأطلسى”، وتناقض ذلك مع بيان الناتو الجديد، حول:                                                        

“يجب على دول الناتو الأعضاء ضرورة إنشاء “تحالف من الراغبين” لإجراء مهمات وتدريبات عسكرية فى بحر الصين الجنوبى لضمان حرية الملاحة في المنطقة، وطمأنة الشركاء الإقليميين للناتو، مع ضرورة أن يطور الحلف القدرات اللازمة لمراقبة التهديد الصينى والتصدى له إن لزم الأمر”      

                                  

٦) وأتت تصريحات قادة الناتو قبيل إنعقاد إجتماع لقادة أركان الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى فى شهر سبتمبر ٢٠٢١، وذلك فى العاصمة اليونانية “أثينا” متشابهة مع “نفس بيانات البيت الأبيض الأمريكى بشأن الصين“، ويمكن فهمه من خلال بيان الناتو الصادر، حول:                               

“إن حلف الناتو يواجه تحديات فى حفظ النظام العالمى من “قوى متسلطة” مثل روسيا والصين، وأن حلف الناتو أضحى فى أمس الحاجة إلى وحدة بين طرفى المحيط الأطلسى للوقوف معاً فى وجه التحديات الأمنية المشتركة”       

٧) ولتأكيد “الشراكة العسكرية الأمريكية مع حلف الناتو لمواجهة الصين”، مما يؤكد نظرية تبعية الحلف لواشنطن وفقد إستقلاله، من خلال تصريح “اللجنة العسكرية لدول حلف الناتو”، والتى تضم قادة أركان دول الحلف، حول:                 

“نواجه العديد من “الأخطار القادمة من روسيا والصين، والتى تؤثر على مستقبل الحلف فى إطار خطته لعام ٢٠٣٠”، لذلك وجب على اللجنة العسكرية للناتو أن تبحث موضوع “تعزيز الشراكة بين الدول الأوربية وأمريكا الشمالية”

٨) وتأتى أهمية الإجتماعات الأخيرة للجنة العسكرية لحلف الناتو من حيث “حساسية التوقيت بعد توقيع إتفاقية أوكوس وفقدان الناتو لحياده بشأن التعامل مع التهديدات الأمنية الجديدة”، والتى يفترض تورط واشنطن وأستراليا فيها بعد “صفقة الغواصات النووية لصالح كانبيرا”.                            

٩) وأبرز موضوع أمنى جديد على الساحة العالمية، هو (المناقشات الدائرة داخل الإتحاد الأوروبى بعد توقيع إتفاقية أوكوس مباشرةً برعاية أمريكية)، وإحراج فرنسا وإظهار مدى الضعف الأمنى الأوروبى، من أجل (تشكيل جبهة دفاعية أوروبية مشتركة بعيداً عن حلف الناتو)، وجاء ذلك عبر بيانات أوروبية منفصلة، تؤكد جميعها:                                  

“هناك محاولات متنامية تظهر سعى الإتحاد الأوروبى إلى تشكيل قوة عسكرية منفصلة للعمل بشكل مستقل بعد الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان، والإعلان الأوروبى المرتقب عن شراكة منفصلة مع حلف الناتو قبل نهاية عام ٢٠٢١”

                 

١٠) وتزامنت أيضاً تلك التصريحات الأوروبية مع (بحث اللجنة العسكرية لدول حلف الناتو فى إجتماعها فى أثينا بقيادة واشنطن لخطط الحلف الدفاعية، وعمليات الحلف العسكرية الجديدة حول العالم)، وهو ما يؤكد “محاولات واشنطن المتنامية لإضعاف الناتو لصالحها بعد توقيع إتفاقية أوكوس، وهو ما أثار حفيظة وغضب الأوروبيين”، مع تأكيد مضمون خطاب “رئيس اللجنة العسكرية فى حلف الناتو”، قائلاً:              

“جاء تأكيد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بأن الولايات المتحدة تعتبر الإتفاقيات بين واشنطن وموسكو حول السيطرة على الأسلحة، والمفاوضات مع روسيا بشأن الإستقرار الإستراتيجى مهمة بالنسبة للعالم كله”

١١) ويمكننا التوقف أيضاً لتحليل إستراتيجية حلف الناتو الجديدة فى محاولة (التغلغل فى عمق القضايا الأمنية للقارة الآسيوية)، مثل: (برنامج الصواريخ الكورى الشمالى)، الذى يمكن أن يؤثر نطاقه على جزء كبير من الأراضى الأوروبية قبل الولايات المتحدة، لذلك فقد وضعت القارة الآسيوية بالفعل على جدول الأعمال الرئيسية للحلف.                                

          

   ومن خلال تحليلى الشخصى للتطورات الأخيرة لحلف الناتو، وبالأخص “تأثير إتفاقية أوكوس على إستراتيجيات وخطط حلف شمال الأطلسى”، تبقى النقطة الأخطر بالنسبة لى، والمرتبطة بتلك التفاعلات الأمنية والعسكرية على المستوى الآسيوى، ومدى تأثيرها على التوازن العالمى فى حد ذاته، وذلك ينقلنى إلى المستوى التحليلى والفكرى المتعلق بإستراتيجية (التخطيط الأمريكى الواضح لجعل حلف شمال الأطلسى “الناتو” يقوم بنشر صواريخ نووية متوسطة المدى حول الصين)، وربما كان هذا هو المعنى العميق لتفسير (أسباب الإنسحاب الأمريكى من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى مع روسيا).         

 

   وفى إعتقادى الشخصى، فإن تلك النقطة السابقة تعد هى الإشكالية الحقيقية، والتى ربما لم يلتفت لها الكثير من المحللين والباحثين حول العالم فى خضم تشبثهم بالهجوم على السياسة الأمريكية للإنسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى فى مواجهة روسيا، بدون عناء البحث عن الأسباب والدوافع الحقيقية لذلك، وعلاقته (بتوازن القوى الآسيوية والعالمية، ومدى علاقة حلف الناتو به من الأساس). وهى كلها إشكاليات باتت فى حاجة لبحثها بعمق ووضع حلول عالمية جديرة بها، وذلك (منعاً لإختلال التوازن والإستقرار الأمنى العالمى، بما يؤثر على جميع المناطق حول العالم، بما فيها الشرق الأوسط).                                                         

                                             

رابعاً: تأثير إتفاقية أوكوس على الإستراتيجية الجديدة لتوسع أعضاء حلف شمال الأطلسى “الناتو”، والتخطيط الأمريكى لإنضمام أستراليا واليابان للحلف لإحتواء الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، والتحدى الأمريكى لدستور وميثاق نشأة “الناتو”      

 

   برز التخطيط الأمريكى فعلياً خلال السنوات الأخيرة فى عهد “ترامب“، بالسعى نحو (إلحاق وضم كلاً من “أستراليا واليابان” إلى قائمة الأعضاء الجدد لحلف الناتو، وبالأخص بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة بقيادة واشنطن وقبلها “إتفاقية كواد الرباعية” بمشاركة يابانية)، ورغم تعارض ذلك بالأساس مع ميثاق ودستور الحلف منذ بداية نشأته، وجعله قاصراً على أعضاء (يتركزون حول المحيط الأطلسى بالأساس)، ولم تكن تلك هى السابقة الأمريكية الوحيدة لمخالفة دستور حلف شمال الأطلسى “الناتو” بضم أعضاء جدد، بل سبقتها عدة سوابق وشواهد أخرى، ويمكن تحليل ذلك على النحو الآتى:                                                          

١) برزت على الساحة مدى تلك الضغوط الأمريكية على أوروبا والناتو ومدى (خضوع الأجندة الأمنية للناتو إلى الإدارة الأمريكية نفسها)، والذى بدأ مع التطورات الحديثة للأجندة العالمية، وتحديداً مع (وثيقة الناتو الأمنية الجديدة فى أغسطس ٢٠١٩)، والتى أعلن فيها حلف شمال الأطلسى، بأن (حلف الناتو قام بتوسيع نطاق عملياته الأمنية، بحيث أصبح يشمل منطقة آسيا-الهادئ). وذلك على الرغم من (تعارض ذلك مع ميثاق الحلف)، بإقتصاره فقط على دول الحلف الأطلسى.                                                      

٢) وبالطبع، فإن النتيجة المنطقية لتلك الزيادة فى عدد أعضاء حلف شمال الأطلسى، هى (تزايد نطاق الأعباء المالية للوفاء بالإحتياجات الدفاعية والأمنية والعسكرية لإحتواء الصين فى مناطق وأقاليم أخرى كثيرة وبعيدة جغرافياً عن تفاعلات الناتو)، خاصةً مع دخول روسيا كفاعل رئيسى فى تفاعلات أعضاء الناتو، فضلاً عن الصين.                                    

 

٣) وتبقى أهم نقطة قد أستوقفت الباحثة المصرية، هى تلك (المحاولات الأمريكية من أجل توسيع عدد أعضاء الناتو وضم أستراليا معهم ثم اليابان لاحقاً بعد توقيع إتفاقية أوكوس)، ويمكن فهم ذلك تماماً حتى قبل توقيع “أوكوس“، وذلك بعد زيارة وزير الدفاع الأمريكى السابق “مارك إسبر“، ووزير الخارجية السابق “مايك بومبيو” إلى أستراليا فى الفترة من ٣-٦ أغسطس ٢٠١٩، وإنضمام الأمين العام للناتو لهما بناءاً على دعوة أمريكية له، ومناقشة الجميع فى العاصمة الأسترالية “كانبيرا” لفرص إلحاق أستراليا بالحلف، وبحث (مدى إمكانية إنضمام أستراليا إلى حلف الناتو).                                        

٤) وفى تحليلى الشخصى، فإن نجاح واشنطن فى خطتها مع حلفائها الآسيويين كاليابان وكوريا الجنوبية وغيرهم، فضلاً عن الجانب الأسترالى، وأقصد هنا تحديداً، فى حال (نجاح التخطيط الأمريكى من أجل إنضمام أستراليا واليابان إلى قائمة أعضاء الناتو لتوسيع النطاق الأمنى والعسكرى للتحالف ضد الصين)، فإن ذلك كفيلاً بإحداث “إختلال فى الأمن الإقليمى الآسيوى والعالمى”، وبالأخص بعد دعوة شركاء واشنطن الآسيويين، وهم: “اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية”، للإنضمام لحلف الناتو وهم ليسوا حلفاء للناتو بالأساس بل لتحقيق طموحات واشنطن، وللمشاركة فى الملف الأمنى فى تلك المنطقة فى مواجهة الصين.                                                        

٥) وحللت الباحثة المصرية تلك النقطة الخطيرة السابقة حول إنضمام أستراليا لحلف الناتو، من خطورة أن (يؤدى إحتمال انضمام أستراليا إلى تغيير عميق فى تركيبة ومعنى تحالف الناتو، والذى يقتصر على دول ضفتى الأطلسى)، وربما لو نجحت محاولة ضم أستراليا للناتو، فسيتبعها (محاولة لفتح الطريق للتمهيد لعضوية اليابان لاحقاً كحليفة لواشنطن أيضاً)، وربما لدول أخرى بعيدة تبعاً لمصالح فردية أمريكية ضيقة بالأساس، مما يفرغ الحلف من مضمونه وميثاق أهداف نشأته الأولى.                                                         

 

٦) ونجد هنا، بأن (المحاولات الأمريكية الحديثة لضم دول أخرى جديدة للناتو لم تكن السابقة الأولى فى تاريخ الناتو بل سبقتها ثلاث محاولات فعلية أخرى لضم عشرات الدول لعضوية الحلف)، ومن هنا فقد أضحت عملية توسيع حلف شمال الأطلسى “الناتو” كفيلة بجلب (المزيد من الأزمات للحلف من داخله أى من داخل شبكة أعضائه)، ولاسيما فى ظل العلاقات المتوترة مع الجانب الروسى مع دول الناتو فى شرق أوروبا، مع (إضطرار “الناتو” للدفاع عنهم، لأنهم من شبكة أعضائه).      

٧) ونجد أن (المرحلة الأولى لتوسيع حلف الناتو) قد بدأت عبر عملية توسيع حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى ١٢ مارس ١٩٩٩، وذلك عبر ضم (التشيك، والمجر، وبولندا)، مع وجود رمزية كبيرة لدولة بولندا، بإعتبار أن عاصمتها “وارسو” كانت فى السابق (مقر حلف وارسو الخاص بالكتلة الشرقية للإتحاد السوفييتى)، كحلف عسكرى رئيسى للكتلة الشرقية بقيادة موسكو فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وسياسات ومصالح الغرب وأوروبا.                                                       

٨) بينما شملت (المرحلة الثانية لتوسيع حلف الناتو) بداية مرحلة التوسيع الثانى لدول الناتو الأعضاء، وذلك فى ٢٩ مارس ٢٠٠٤، والذى أدى إلى ضم دول (بلغاريا، إستونيا، لاتڤيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوڤاكيا، سلوڤينيا)، والتى نتج عنها (عودة أجواء الشك والريبة من جديد تجاه الغرب فى روسيا)، مع تصاعد الأصوات التى إدعت أن العداء الأمريكى لروسيا سببه كونها هى وريثة الإتحاد السوفييتى العدو اللدود للأمريكان على مدار عقود طويلة. فهذا العداء الأمريكى لروسيا مرتبط بالعداء التاريخى بين الكتلتين الغربية بقيادة واشنطن والكتلة الشرقية بقيادة الإتحاد السوفييتى قبل سقوطه وتفككه عام ١٩٩١ إلى عدة دويلات ودول صغيرة على حدود روسيا.                    

٩) وزادت تلك الأخطاء الإستراتيجية والأمنية والعسكرية الفادحة فى مواجهة حلف الناتو، خاصةً مع بدء (المرحلة الثالثة لتوسيع حلف الناتو)، وهى المرحلة التى بدأت فى الفترة من أبريل ٢٠٠٩ حتى الخامس من يونيو ٢٠١٧، فقد حدث (التوسيع الثالث للناتو) بعد نهاية الحرب الباردة، وذلك بضم (ألبانيا، وكرواتيا، والجبل الأسود)، وقد تخللتها أحدات أوكرانيا، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، والتى تعتبرها روسيا بمثابة عودة إليها وليست ضم لها، فضلاً عن تأزم العلاقات بين البلدين الروسى والأوكرانى، وصولاً إلى شبه إنهيارها، وذلك بسبب (تفاقم الأزمة بتدخل “الناتو” دفاعاً عن دولة أوكرانيا بصفتها الجديدة كعضو فى حلف الناتو)، مما أدى لإستفزاز وغضب روسيا، خاصةً بعد فرض عقوبات أمريكية وأوروبية عليها نتيجة ضمها لأوكرانيا عضوة الناتو.                                     

                      

١٠) وهنا يرجع الكثيرون بأن سبب تفاقم الأزمات فى (المنطقة الأوراسية، أو بلدان ما بعد الإتحاد السوفييتى)، ساهمت فى صنعها السياسات الأمريكية، والتى حفزت روسيا والأصوات القومية المتشددة على تصدر المشهد من جديد لمواجهة النفوذ الأمريكى داخل مناطق نفوذ روسيا ذاتها منعاً لتفكيكها من جديد، وذلك فى إعادة لذاكرة مشهد “الحرب الباردة من جديد“.            

                              

١١) وما يؤكد لدى الباحثة المصرية هذا التحليل السابق، هو (زيادة موجة العداء الأمريكى لروسيا، مع خروج ثورات ضد موسكو بدعم أمريكى)، فيلاحظ أن جميع الثورات والإنتفاضات لدول قريبة من الحدود الروسية قد جاءت فى توقيت متزامن تقريباً، مما يؤكد (نظرية الدعم الأمريكى للثورات الموجهة ضد روسيا من مناطق حدودها)، وهو ما أطلقت عليه روسيا، بأن ما يحدث هو (موجة من الثورات الملونة فى مواجهة روسيا القيصرية بدعم ومساعدة أمريكية لها)، وهى الثورات التى طالت عدة بلدان سوڤيتية سابقة على حدود روسيا.               

   

١٢) ولعل ذلك ما يفسر أسباب (معارضة أبرز الشخصيات الأمريكية والدولية للتدخل الأمريكى داخل حدود ومناطق نفوذ روسيا، بل ورفضهم جميعاً لضم دول من شرق أوروبا لحلف شمال الأطلسى)، ورؤيتهم البعيدة بتأثير ذلك على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وتزايد الأعباء العسكرية على حلف الناتو، فضلاً عن (تزايد حدة التهديد الروسى للأمن القومى الأمريكى رداً على محاولات إستفزازها أمريكياً على مناطق حدودها الإقليمية والجغرافية).                                           

١٣) ونجد بأن أبرز تلك الشخصيات الأمريكية التى تصدرت مشهد الرفض لضم واشنطن دولة أوكرانيا ودول من شرق أوروبا لحلف الناتو، وبالتالى التدخل نيابة عنها أمنياً وتحدى النفوذ الروسى، هو من يطلق عليه مهندس الحرب الباردة “جورج كينان“، والذى وصف المرحلة الأولى من توسيع حلف الناتو عام ٢٠٠٤، بأنها (أسوأ قرار قامت به الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء الناتو الأساسيين فى تاريخهم).            

 

١٤) ويتفق فى الرأى السابق الدبلوماسى ورجل المخابرات الأمريكى “وليام بيرنز”، وهو (المدير الحالى لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والدبلوماسى الأمريكى السابق)، الذى إنتقد هذا التوسيع، بل (حذر “وليام بيرنز” من ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو على الأمن القومى الأمريكى)، وذلك فى كتابه “القناة الخلفية”، والصادر عام ٢٠١٩                                   

                   Back Channel

١٥) وفى ظل الأجواء المتوترة بين (موسكو، كييڤ، تبليسى) من ناحية، وحلفائهم الغربيين من ناحية أخرى، وبعد عقد قمة (الخطوط الحمراء) بين الرئيسين “بايدن وبوتين” فى بداية عام ٢٠٢١، فقد زادت حالة “عدم الإستقرار الإستراتيجى الإقليمى لأوراسيا وإنعكاسه على الأمن العالمى”.                       

     ومن خلال التحليل السابق للباحثة المصرية، نفهم (تصدر الولايات المتحدة الأمريكية للمشهد الإقليمى والدولى بمحاولتها توسيع نطاق أعضاء حلف شمال الأطلسى، ورغم نجاحها فى ذلك، إلا أن ذلك قد إنعكس بالسلب على الناتو وأعضاؤه). وتزامن ذلك فى الوقت الحالى أيضاً مع زيادة سقف الطموحات والتوقعات الأمريكية لمواجهة الصين، بمحاولتها ضم كلاً من  (أستراليا واليابان)، خاصةً بعد توقيعها “إتفاقية أوكوس الدفاعية”، مما أدى فى نهاية المطاف لإضعاف الحلف، وفشل عملياته مع (تضارب أجندات الحلف مع أهداف الدول الأعضاء فيه فى مواجهة بعضهم البعض).                                   

                               

      

خامساً: الإستراتيجية الأمنية والدفاعية والعسكرية الجديدة للصين أمام التحديات العالمية لمواجهة النفوذ الأمريكى وسياسات الناتو                                                      

   جاء تقرير اللجنة العسكرية لحلف الناتو بإجتماع وزراء خارجية دول الناتو خلال اللقاء الذى عقد فى الفترة من ١ – ٢ ديسمبر ٢٠٢٠، بعنوان: “تقرير إصلاح الناتو حتى عام ٢٠٣٠“، وطرح من خلاله حوالى (١٣٨ توصية لتنفيذها خلال عشر سنوات)، من بينها: إعتبار روسيا أكبر خصم للناتو خلال السنوات العشر المقبلة، والتخويف من الصعود الصينى بإعتباره يشكل تحدياً كبيراً لأعضاء الناتو، لذلك، أوصى تقرير الإصلاح للناتو، بضرورة “إنشاء هيئة إستشارية لحلف الناتو لتنسيق السياسات الغربية تجاه الصين”.                                 

  وهذا التقرير الصادر عن الناتو لوضع توصيات علنية لكبح صعود ونفوذ الصين، قد أثار حفيظة الصين، وجعلها ترد عملياً بإتخاذ “تدابير أمنية وعسكرية تصعيدية، معتبرة أن واشنطن هى السبب وراء تقرير حلف شمال الأطلسى فى مواجهتها”، وستحاول الباحثة المصرية هنا إجمال أبرز الدفاعات الصينية الأمنية والدفاعية والعسكرية الجديدة، سواء قبل أو بعد تقرير الإصلاح للناتو حتى عام ٢٠٣٠، وذلك على النحو الآتى:                                                           

                   

                    

١) إعتبرت الصين أنها (تعد هى المرة الأولى التى يتم فيها إدراج الصين رسمياً فى تقرير صادر من الناتو)، مع تحديد التهديد الصينى والنفوذ الصينى المتزايد فى أوروبا والعالم، بإعتباره بمثابة “المفهوم الإستراتيجى” الذى يجب التركيز عليه، وذلك فى تقرير إصلاح الناتو خلال ١٠ سنوات من تاريخ إصداره فى ديسمبر ٢٠٢٠ حتى ٢٠٣٠.                       

٢) والنقطة المهمة بالنسبة للصينيين هنا، هى التساؤل عن الغرض الأساسى من تقرير إصلاح “الناتو ٢٠٣٠”، وهل التركيز على بناء مستقبل الناتو يتعلق فقط بتهديد الصين؟، فجاء الرد الصينى، بأنه: “لقد تمت كتابة “المفهوم الإستراتيجى” الرسمى الأخير للناتو فى نهاية ٢٠٢٠ منذ أكثر من ١٠ سنوات ماضية أى فى عام ٢٠١٠ تقريباً، ووقتها لم يتم ذكر الصين فيها تماماً أو الإشارة إليها”، وبناءّ عليه، تساءلت الصحافة الصينية الرسمية عن الأسباب والدوافع الحقيقية الكامنة لذلك؟!                                                         

٣) وجاء الإتهام الصينى للولايات المتحدة الأمريكية بأنها تقف وراء تقرير إصلاح الناتو ٢٠٣٠، والدليل على ذلك، هو: “إقتراح إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق “باراك أوباما” لإستراتيجية “إعادة التوازن لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ دون التركيز على التهديد الصينى أو مواجهة سياسات الصين”، وهو بعكس الحادث الآن ومحاولة واشنطن “تحويل التركيز الجيوسياسى إلى الصين”. مع الزعم الرسمى الأمريكى بالنظر علناً إلى الصين، بإعتبارها “عدو“، بينما حقيقة ذلك وفقاً للصينيين هو “عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن منافسة الصين فى المجالات الإقتصادية والتكنولوجية والعسكرية”.                                       

٤) ولم يفت الصينيين، بالتركيز على “عدم جدوى حلف الناتو من الأساس”، عبر إشارة التقارير الصينية، بأن:                 

“تقرير الناتو ٢٠٣٠” صدر فى وقت أصبحت فيه أهمية وجود الناتو موضع تساؤل على نحو متزايد، مع تأكيد الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون” فى تصريح علنى له عام ٢٠١٩، بأن الناتو يعانى من “موت عقلى” بسبب نقص التنسيق الإستراتيجى بين أعضاؤه، فضلاً عن الهيمنة الأمريكية على معظم قراراته”

٥) وجاء تعقيب البروفيسور الصينى المعروف “تشانغ جيان“، وهو مساعد عميد معهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة ومدير المعهد الأوروبى فى بكين، مؤكداً:                             

“أن طبيعة حلف الناتو تحدد أنه لا يتوافق مع متطلبات التنمية السلمية فى العالم اليوم، بعكس المفاهيم التى تنادى بها الصين عالمياً مثل مفهوم التعاون المربح للجميع، والذى يحظى بدعم شعبى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فى حين فشل الناتو فى تحقيق أى إجماع لسياساته”      

٦) وردت الصين على تلك (المحاولات الأمريكية لإنشاء نسخة من حلف الناتو بالقرب من مناطق نفوذها)، وجاءت الإنتقادات الصينية علنية لأى محاولة من الناتو لإنشاء نسخة من حلف الناتو فى قلب آسيا والمحيط الهادئ، لأن ذلك ليس ممكناً فى المستقبل. وصرحت تقارير رسمية صينية، بأنه:                

“إذا توسع حلف الناتو بالقوة ليشمل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فلن يكون الناتو بعد ذلك بالمعنى التقليدى للحلف، وسيصبح أكثر تعقيداً، فضفاضاً، إفتراضياً، وتسييساً”     

٧) وفندت التقارير الإعلامية الصينية، فضلاً عن كافة الردود الرسمية الصينية، بأن:                                          

“تعمد حلف الناتو أن يتعامل مع الصين كعدو أو حتى كمنافس محتمل وعدو خيالى، سيؤدى حتماً إلى زيادة التوترات الإقليمية”

 

٨) وجاء الرد الصينى على إنتقادات واشنطن والغرب لها، بأنها “الصين قد إختارت طريق السلم والمبادرات التنموية لصالح الشعوب والعالم وليس المواجهة”، ونشرت الصحف الصينية الصادرة عن بكين، مؤكدة:                                     

           

“إن السلام والتنمية لا يزالان هما الإتجاه السائد فى العالم، لكن السلام والإستقرار يعتمدان على القوة أيضاً، وهنا يجب على الصين الحفاظ على التصميم الإستراتيجى، والتمسك بمسار التنمية السلمية، وتجنب السير نحو إتجاه يقوده الآخرون، وفى الوقت نفسه، يجب أن نكون مستعدين فى الصين لحماية حقوقنا المشروعة ومصالحنا الأساسية”   

                      

 

٩) وجاء أول تحرك رسمى من قبل (البعثة الصينية الرسمية لدى الإتحاد الأوروبى فى بروكسل)، للرد على تقرير الناتو بتصنيفها كعدو، فجاء رد فعل الصين على تصنيفها كتحدى إستراتيجى للناتو لم يتأخر، إذ سارعت الصين إلى توجيه الإتهامات لدول حلف شمال الأطلسى، وبأن:                

“دول شمال الأطلسى تنتهج عقلية “الحرب الباردة وسياسة التكتل”

 

١٠) وحددت الصين أولوياتها الأمنية والدفاعية والعسكرية علنياً بدون خوف خلال الفترة المقبلة، بالتأكيد على:              

“أن الصين ملتزمة بسياسة عسكرية، ذات طبيعة دفاعية والسعى للتحديث الدفاعى والعسكرى كمبرر ومعقول ومنفتح وشفاف، لذا تدعو الصين كافة دول الحلف إلى التوقف عن المبالغة فى نظرية التهديد الصينى”            

 

١١) كما جاء بيان رسمى منشور من قبل وزارة الخارجية الصينية فى بكين عن عدم فهمها للأمر، وإتهمت حلف الناتو بتطبيق “معايير مزدوجة” من حيث مطالبة الدول الأعضاء فى الحلف زيادة إنفاقها العسكرى. ومع ذلك، أشار بيان الخارجية الصينية صراحةً إلى أنه:                                                 

“إذا كانت الصين تتعرض لإنتقادات بسبب إنفاقها العسكرى الذى لا تتجاوز قيمته ١.٣% من إجمالى ناتجها المحلى، فإن الصين لا تمثل تحدياً ممنهجاً لأحد، وهى مصممة على حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية”          

١٢) ونشرت صحيفة “بكين نيوز” التابعة للحزب الشيوعى الصينى فى تقرير لها بتاريخ ١٦ يونيو ٢٠٢١، مقال رأى نشر قالت فيه:                                                    

“أن أجهزة الدعاية الصينية رافقت رحلة جو بايدن إلى أوروبا برسالة باتت معروفة الآن، تتعلق بإندحار مزعوم للغرب وصعود الشرق. وفى مقال رأي فى الصحيفة الصينية، وصف عالم اجتماع صينى بارز مجموعة دول السبع على أنها “بداية سقوط القوة الغربية”                    

١٣) وبشكل عام، واصلت الصين إستعدادها فى مناطق مصالحها ونفوذها فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وتعمدها لإستفزاز الصين هناك، فقد أجرت (عدة قاذفات قنابل صينية عمليات هبوط للمرة الأولى فى إحدى جزر بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه فى شهر مايو ٢٠١٨)، وذلك رداً على التوترات الأمريكية والتواجد البحرى الأمريكى بدعوى حماية مصالح حلفائها فى الدول المطلة على هذه المنطقة البحرية الحيوية والاستراتيجية.                                          

١٤) وذكرت الصحف الحكومية الصينية، بأن (القوات الجوية الصينية قد أرسلت للمرة الأولى قاذفات قنابل بعيدة المدى، قادرة على حمل رؤوس نووية، في مطار قاعدة جوية ببحر الصين الجنوبى)، وذلك للرد الصينى على إدعاءات أمريكية متوسعة لرعاية مصالح حلفائها الآسيويين كاليابان وكوريا الجنوبية وغيرهم حول المنطقة المتنازع عليها.                 

١٥) وبات الجديد فى الأمر، هو (إشارة الصحف الصينية بشكل مباشر للقوة الصينية، فى إشارة غير مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية بالإستعداد الصينى تجاه تحركاتها)، وهذا ما ذكرته صحيفة “تشاينا ديلى” الرسمية الصينية، فى تقرير لها، حول:                                                          

“أن القوات الجوية الصينية قد أجرت تدريبات على الإقلاع والهبوط، مع قاذفة قنابل من طراز (إتش-٣٦ كيه)، في بحر الصين الجنوبى”                        

١٦) ولكن، رغم محاولة الحشد الأمريكى ضد الصين، إلا أن الإنتقادات باتت توجه لحلف الناتو ذاته، وتم تشبيهه، بعبارة أن (تحالف الناتو بات فى حالة شبيهة بالموت السريرى)، وذلك كما وصفه الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون”، بسبب تراجع الولايات المتحدة عن دورها القيادى، وتفرغها لصراعها مع الصين، ومحاولتها حشد الدول معها.                          

    

١٧) حيث تسببت الولايات المتحدة الأمريكية فى حالة من الإنقسام داخل “الناتو“، بإعتبارها روسيا بمثابة خصماً بارزاً للناتو، وإعتبار خطر التهديد الصينى يزداد قوة على جميع الأصعدة، ووصف الصين بأنه (الخصم الجديد للتحالف العسكرى للناتو).                                           

١٨) لذلك دعا الرئيس الفرنسى “ماكرون“، لضرورة أن (يبتعد حلف الناتو عن نذر الحرب الباردة مع روسيا والصين)، مع دعوته الواضحة للناتو، بأن:                                      

“يجب أن تنصب الجهود بشكل أكبر على مكافحة الإرهاب الذى صار تحدياً أمنياً مقلقاً للعالم بأسره، خاصةً مع إحداث الرئيس السابق “ترامب” تحولاً فى العلاقة مع روسيا، بقيامه بالإنسحاب من إتفاقية الأسلحة متوسطة المدى النووية، متهماً موسكو بإنتهاك بنود ما جرى الإتفاق عليه”             

١٩) وفى محاولة أمريكية جديدة لحشد مقدرات “الناتو” ضد الصين، والدعوة لضرورة التعامل مع بكين، فقد جاءت تصريحات وزير الخارجية الألمانى “هايكو ماس”، فى شهر أبريل لعام ٢٠١٩، مصرحاً:                                   

“ستصبح الصين هى النقطة الأساسية على ضفتى الأطلسى خلال القرن الحادى والعشرين، كما أن خطر الصين سيشكل تحدياً فى كل الجوانب، وبالتالى فمن المهم أن يجرى فهم الأمور على نحو جيد لإدراك ما يتطلبه الوضع من حلف شمالى الأطلسى”                          

٢٠) وفى أحدث تصريحات للأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ“، قال فيها:                                         

“إن بكين تسحب ميزان القوى العالمى إلى صيغة جديدة، وأن هذا المعطى يقدم بعض الفرص لصانعى القرار فى الغرب، لكنه لا يخلو من التحديات، وأن الناتو لا ينوى الذهاب إلى بحر الصين الجنوبى، لكن عليه أن يدرك أن الصين أصبحت “أقرب فأقرب”، بحكم ما تضخه من إستثمارات ضخمة على مستوى البنية التحتية من أجل مبادرتها “للحزام والطريق”      

 

٢١) ولم يكتف الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” بتصريحاته السابقة ضد الصين، بل حذر من تنامى قوتها فى أجزاء كبيرة من العالم، وفى إعتقادى الشخصى، فإن “أمين الحلف “ستولتنبرغ” قد خلط بين تنامى قوة الصين الإقتصادية وخلطها بنواح عسكرية، بمعنى: أن الصين لم تتدخل عسكرياً فى دول أخرى”، ومن هنا فالأمر مجرد إعادة وترديد لنفس الإتهامات الأمريكية ضد بكين، مع تأكيد “ستولتنبرغ“:            

                                                    

   “أن الحضور الصينى الكبير فى  أفريقيا والقطب الشمالى من الأرض والتنافس السيبرانى، كما أن الصين صارت صاحبة ثانى أكبر ميزانية دفاعية على مستوى العالم. وهذا الأمر من شأنه أن يروق لترامب الذى يقدم نفسه بمثابة المسؤول الغربى الذى فطن إلى قوة بكين وبادر إلى تحجيمها”          

٢٢) وباتت الولايات المتحدة الأمريكية تطلق تحذيرات مستمرة لمواجهة النفوذ الصينى والإرتياب من قدرات بكين المتنامية لدى الدول الأوروبية، ووجهت إدارة الرئيس “جو بايدن” دعوة صريحة إلى البلدان الأوروبية من أجل أن “تبدى مقاومة لإستثمارات الصين فى القطاع الرقمى، لاسيما فى شبكة الجيل الخامس للإتصالات”، حيث تتهم واشنطن الشركات الصينية مثل “هواوى” بالتجسس لصالح بكين، وهو ما تنفيه الصين. وذلك يؤكد فكرتى السابقة، بأن واشنطن تلعب “دوراً مزدوجاً” داخل حلف الناتو، وتخلط النواحى الإقتصادية بالعسكرية والسياسية فيما يتعلق بالصين.                                                        

٢٣) أما عن الرد الصينى، فقد أعلنت الصين عدة مرات بأنها تدرك جيداً ما يجرى التخطيط له داخل حلف الناتو بقيادة واشنطن، ونشرت صحيفة “غلوبال تايمز” الحكومية الصينية التى تصدر باللغة الإنجليزية فى الصين، تقريراً أكدت فيه:     

“تعتقد الصين بأن الدول الأوروبية باتت أمام خيارين، فإما أن تتبع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أعمى، أو أن تواصل التعاون مع بكين رغم التحذير الأمريكى، وفى حال إختارت أوروبا أن تنصاع لأوامر الأمريكيين، فإنها ستصبح بمثابة دمية لها، كما أن دول القارة العجوز لن تستطيع تحمل الخسائر والتبعات إذا قررت أن تغلق الباب أمام تقنية الجيل الخامس الصينية”                         

٢٤) فى نهاية عام ٢٠١٥، أصدرت الصين (قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب يضفى للمرة الأولى الشرعية على إرسال القوات الصينية فى مهمات قتالية فى الخارج دون تفويض من الأمم المتحدة). كما جاء تعهد الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، مؤكداً:                                                        

    

“أنه بحلول عام ٢٠٤٩، فسوف تتحول الصين إلى دولة ذات ريادة عالمية، من حيث القوى الوطنية المركبة والنفوذ الدولى العريض، وسوف تعمل الصين على بناء نظام دولى ينعم بالإستقرار، ذلك الذى يمكن من خلاله تجديد الإنتعاش الصينى على الصعد والمجالات ذات الأهمية كافة”           

  ٢٥) ومع إزدياد (حدة التوترات العسكرية والبحرية بين تايوان والصين)، بسبب الدعم الأمريكى لتايوان فى مواجهة الصين، والذى وصل ذروته بعد أن (فرضت الولايات المتحدة عدة عقوبات على الجيش الصينى بذريعة التدخل فى الشؤون التايوانية)، كذلك مع إتساع نطاق العمليات العسكرية الصينية فى مضيق تايوان رفضاً لمطالب الإنفصال والتدخل الأمريكى، إلى جانب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وتعزيز تايوان والصين المتزايد لوضعيهما العسكرى فى بحر الصين الجنوبى بمساعدة واشنطن للجانب التايوانى فى مواجهة الصين.

٢٦) ولمواجهة النفوذ الأمريكى فى مضيق تايوان، فقد (كثفت بكين من الضغوطات العسكرية والدبلوماسية، ونفذت تدريبات جوية وبحرية حول الجزيرة، وأقنعت بعض الأقاليم التى تدعم تايوان بالتوقف عن ذلك). ومع زيادة التأييد الأمريكى لتايوان، فإن بكين تعدها إقليماً متمرداً على سلطة جمهورية الصين  الشعبية الكبرى و “لا يجب أن تتمتع بأى نوع من الإستقلال“. وهو ما دفع الرئيس الصينى “شى جين بينغ” للتأكيد فى معظم خطاباته السياسية منذ مجئ الرئيس الأمريكى “بايدن“، مؤكداً:

 

“أن الطرفين – فى إشارة إلى الصين وتايوان- يمثلان جزءاً من العائلة الصينية، وأن مطالب إستقلال تايوان كانت تياراً معاكساً للتاريخ لا مستقبل أمامه”

  ومن خلال التحليل السابق للباحثة المصرية، يلاحظ مدى إظهار الصين لسياسة خارجية جديدة أكثر حزماً تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأمنيين بالأساس فى حلف “الناتو“، والتى تزامنت مع  دعوة الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” إلى تبنى سياسة “السعى إلى تحقيق إنجاز فى الشؤون الخارجية”، خاصةً فى ظل الاستفزاز الأمريكى وتدخلها فى الشؤون الصينية ومناطق نفوذها، وخاصةً بعد (إرسال واشنطن لسفينتين حربيتين عبر مضيق تايوان) فى بداية شهر أكتوبر ٢٠٢١، والتى تعد ثانى عملية من نوعها خلال عام واحد، مما دفع بالصين لتحذير واشنطن من سياساتها العدائية فى المضيق التايوانى والإستعداد لها. وهى موجة السياسة العدائية الصينية للولايات المتحدة الأمريكية، بعد زيادة التقارب الأمريكى – التايوانى منذ تسلم (تساى إينغ ون)، رئاسة تايوان فى عام ٢٠١٦، وتنتمى إلى (الحزب الديمقراطى التقدمى) والذى يميل للإستقلال.

    ومن هنا نجد أنه فى خضم سلسلة التعقيدات والمواجهات العالمية للصين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، فقد إتبعت بكين إستراتيجية عسكرية ودفاعية جديدة، تقوم على (الدفاع عن مصالحها، وإتباع النهج التنموى لمساعدة الآخرين من خلال مبادرتها للحزام والطريق).                           

سادساً: نجاح الصين فى إختراق “سوق الدفاع الأوروبية”، وعقد صفقات عسكرية مع أعضاء حلف الناتو، لتطويق وإحتواء الحديقة الخلفية للحلف                                     

 

   على الرغم من أن الصين (لا تشكل تهديداً عسكرياً مباشراً لحلف شمال الأطلسى)، على عكس روسيا أو تهديدات الإرهاب الدولى، غير أن النفوذ الإقتصادى المتنامى لبكين ودبلوماسيتها الواثقة فى أوروبا وفقاً لرؤية الدول الأعضاء فى حلف “الناتو“، قد أديا إلى (تداعيات كبيرة على الأمن والإقتصاد عبر الأطلسى). ولذلك، فقد دعت بيانات إجتماعات حلف شمال الأطلسى منذ نهاية عهد “ترامب” ومنذ مجئ إدارة الرئيس الأمريكى “بايدن“، على:                                      

“أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على حلف شمال الأطلسى أن يتجنب الصين، التى تمثل تحدياً كاملاً للمجتمع عبر الأطلسى وهو تحد تعكس إمكاناته وقدراته، إن لم يكن يفوقه، التحدى الذى كان يشكله الإتحاد السوفيتى السابق”                             

                                

  ونجد أن الأمر الأخطر بالنسبة للناتو هو إدراكه أن الصين قد حققت نجاحاً كبيراً فى سوق الدفاع الأوروبية. ويمكننا التعرف على التواجد الصينى فى عمق سوق الدفاع الأوروبى، بالتعرف على الإجراءات الصينية الآتية:                                    

١) أعلن الرئيس الصربى “ألكسندر فوسيتش” فى الآونة الأخيرة عن شراء بلاده لعدد (ست طائرات من دون طيار صينية الصنع)، وهى من  الطراز الصينى المعروف                 

                                   

CH-92A (UCAVs)

   وهذا من شأنه أن يجعل (الجيش الصربى أول جيش أوروبى يستخدم الطائرات القتالية الصينية من دون طيار).           

       

           

٢) كذلك أتت زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” إلى فرنسا يوم الثلاثاء ٢٦ مارس ٢٠١٩، حيث لقاء المنتقدين له فى أوروبا، وعلى رأسهم: “ماكرون، ميركل، يونكر”، من أجل التحضير (للقمة الأوروبية – الصينية) فى العاصمة البلجيكية “بروكسل” فى ٩ أبريل ٢٠١٩، والتى إعتبرها المراقبون بمثابة (إختراق أمنى جديد لحلف الناتو وإستفزاز لواشنطن).            

              

٣) ولإدراك الجانب الصينى بأهمية فرنسا جيداً، فقد بدأ الرئيس الصينى “شى جين بينغ” زيارته لها بالتعاقد على (صفقة صينية من فرنسا لشراء ٢٩٠ طائرة إيرباص تقدر قيمتها بنحو ٣٠ مليار دولار)، وتأتى تلك الصفقة الصينية مع فرنسا بالأساس، للرد الصينى على أمرين:                                    

                                                  

أ- الأمر الأول: إستفزاز الصين نتيجة عقد منافستها دولة الهند لصفقة مع “شركة نافال الفرنسية” عام ٢٠١٧ للشراء ١٢٦ طائرة رفال فرنسية بقيمة ١٩ مليار دولار.                      

                                   

ب- الأمر الثانى: هدفت الصين كذلك للتأثير على (صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا) – وهى الناتجة عنها “تحالف أوكوس الدفاعى بين واشنطن وأستراليا وبريطانيا”، وإلغاء الصفقة الفرنسية الأسترالية وغضب فرنسا وأوروبا – والبالغة قيمتها نحو ٥٠ مليار دولار، وذلك (لحماية جزيرة كليدونيا)، والتى يقطنها أكثر من ١.٣ مليون فرنسى، والواقعة بالقرب من أستراليا والمطلة على مشارف (بحر الصين الجنوبى).          

                               

٤) ولكن، ورغم عقد صفقة الثلاثين مليار بين الصين وفرنسا، لشراء طائرات نافال الفرنسية. فإن الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون” لم يفوت الفرصة للتعبير عن قلقه حيال تمدد الطموح الصينى، والذى يجب أن يكون الرد عليه أوروبياً، وطلب أن تكون (مبادرة الحزام والطريق مفيدة فى الإتجاهين الصينى والأوروبى، وأن يكون الوصول المتبادل والعادل للأسواق هو معيار تعامل الصين مع أوروبا)، ورغم الإنتقاد الفرنسى للصين، إلا أنه يحمل فى طياته، وكأنه (إعتراف فرنسى مهم بأهمية مبادرة الحزام والطريق بالنسبة لأوروبا وباريس، خاصةً بعد “عقد صفقة الطائرات العسكرية الفرنسية مع الصين”)، والرد الصينى بشكل غير مباشر على الإستفزاز الهندى لها، بعقد صفقة مماثلة مع الجانب الفرنسى.                          

٥) وإنتقد الرئيس “ماكرون” كذلك ملفى “حقوق الإنسان فى الصين وتواجد الصين فى أفريقيا”، بالإشارة أن الأول معيار عالمى وليس شأن داخلى صينى، وأن الملف الثانى الخاص بأفريقيا والصين، يتطلب التنسيق بين البلدين، خاصةً مع الحضور الفرنسى المهم فى أفريقيا التى تعيش بلدانها فى فخ الديون الصينية المستمرة، مثل: (دولة جيبوتى)، والتى تحتضن (قاعدة عسكرية فرنسية، وتشهد أيضاً دولة جيبوتى على موانئها إنشاء أول قاعدة عسكرية للصين بالخارج، مما يستلزم معه تنسيق أمنى وعسكرى فرنسى – صينى، وفقاً لما أعلنه الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون”)، كذلك حديث الرئيس “ماكرون” عن أن تدفقات الصين الإستثمارية تنهال على (أثيوبيا وكينيا) بالأساس، واللتان تشهدان إرتكازاً للحضور الفرنسى فى أفريقيا، وعلى الجانب الأخر لم يتخلى الرئيس “شى جين بينغ” عن إبتسامته الدبلوماسية أمام قذائف وإنتقادات “ماكرون” ليؤكد الرئيس “شى“، بأن: “الصين تريد أوروبا موحدة وقوية وتستفيد من نمو الصين الهائل”. وفى تحليلى لعبارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لنظيره الفرنسى “إيمانويل ماكرون”،  حول أهمية إستفادة أوروبا من نمو الصين، فإن ذلك يعنى (إصراراً صينياً للتعاون مع أوروبا وعقد صفقات معهم، رغم إنتقادات الولايات المتحدة الأمريكية للأمر).                                    

             

    
٦) ونجد هنا بأن تفاصيل هذا المشهد الكبير للقاء بين الرئيسين “إيمانويل ماكرون وشى جين بينغ“، قد فتحت الباب لتساؤلات وتحليلات واسعة وعميقة، بشأن:                              

 أ- مدى إحتمالات المزيد من الإنقسام فى الإتحاد الأوروبى بسبب الصين؟                                              

ب- مدى إمكانية نشوب حرب تجارية أوروبية  – صينية إذا ما تعقدت الأمور أكثر ولم يتحقق الوصول المتبادل للأسواق والإستفادة المتوازنة بين الجانبين؟                             

ج- ثم التساؤل الجوهرى، عن: مدى تأثير العلاقات الصينية – الأوروبية على علاقاتهم بالولايات المتحدة الأمريكية؟        

د- كذلك التساؤل الرئيسى عن: الموقف الأمريكى من حليفته أوروبا، والتى تشهد وارداتها المزيد من الرسوم الأمريكية مستقبلاً بسبب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين؟                      

٧) وهنا نجد “تضارب المواقف الأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بسبب الصين، دفاعاً عن مصالحهم”، ففى الوقت الذى تريد فيه الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا أن تتخذ موقفاً واضحاً فى الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان بشأن الصين فى كافة المنظمات الدولية، وإستمرار الإنتقادات الأوروبية للصين، إلا أن الصين تعمدت (عقد صفقات عسكرية مع أوروبا وفرنسا)، رغم الإنتقاد الأمريكى.                                                      

٧) ونجد بأن الأمر الأخطر هنا، هو (عدم رضوخ أوروبا للرغبة الأمريكية لمساعدتها فى “وقف التحديث العسكرى الصينى” من خلال فرض حظر على عمليات نقل التكنولوجيا إليها)، وعدم الإستجابة الأوروبية للولايات المتحدة الأمريكية بشأن إجراءهم لفحص أمنى مع الصين قبل عقدهم لصفقات الشراء أو أى شكل من الإستثمارات الحكومية الأوروبية، بهدف (منع الصين من السيطرة على الإتصالات السلكية واللاسلكية فى أوروبا والبنى التحتية الحيوية الأخرى). وهى كلها أمور، دوماً لا يلتفت لها الأوروبيين فى علاقتهم بالصين، وهو ما يثير حفيظة واشنطن تجاهم.                                                       

٨) ونفس الحال ينطبق على روسيا كحليفة للصين، ففى الوقت الذى تريد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً ب “ألا تعتمد أوروبا على الغاز الروسى عبر خط أنابيب نوردستريم ٢، ولا على معدات الإتصالات الصينية من خلال العقود مع هواوى”. لكن الإتحاد الأوروبى لا يرضخ دوماً لتلك الضغوط الأمريكية، وباتت لديه علاقة أكثر قوة تجارية وإستثمارية مع الجانب الصينى.                                                       

٩) وهناك تخوفات أمنية أوروبية من (تزايد التقارب الصينى الروسى فى مجال التعاون العسكرى بين البلدين)، حتى وإن كان محدوداً، وباتت التخوفات من زيادة كثافة التدريبات العسكرية والبحرية المشتركة بين الصين وروسيا، مع (مشاركة سفن من البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبى الصينى مع سفن من البحرية الروسية فى شرق البحر الأبيض المتوسط فى مناورات بحرية مشتركة)، وكانت بمثابة المناورة الوحيدة المشتركة بين البلدين فى البحر الأبيض المتوسط فى عام ٢٠١٥.                                                        

              

١٠) وتزايدت هواجس “الناتو” مع التخوفات من (التعاون الروسى – الصينى فى منطقة القطب الشمالى، حيث يستثمر البلدان فى مشاريع الغاز الطبيعى وكذلك فى ممرات النقل)، كجزء من مشروع يعرف بإسم (طريق الحرير القطبى أو الطريق البحرى الشمالى)، لذلك فقد أعلن قادة الناتو العسكريين، بأنه:                                                            

“يتعين على الحلف مراقبة التعاون العسكرى الروسى الصينى، إلا أنه يتعين على الحلف أن يدرك أن أولويته الأولى هى روسيا”                               

         

       

١١)  ونجد بأن التطور الأبرز عسكرياً من حلف “الناتو” تجاه الصين، هو (توقيع اللجنة العسكرية لحلف الناتو لوثيقة ضد الصين فى شهر مايو ٢٠١٩)، وهى اللجنة التى تتكون من قادة دفاع الحلفاء، وهذه الوثيقة ضد الصين عبارة عن (إستراتيجية عسكرية جديدة لمواجهة الصين)، وترجع أهميتها بالنظر لأنها أول وثيقة من نوعها يكتبها حلف شمال الأطلسى منذ أواخر الستينيات.                                          

           

١٢) ونتيجة للضغط الأمريكى على قادة الناتو، فقد قدمت اللجنة العسكرية (وثيقتين ثانويتين ترسمان خريطة لكيفية تنفيذ إستراتيجية التحالف ضد الصين). يتمثل مضمونهما فى:                                                         

أ- الوثيقة الأولى لحلف الناتو ضد الصين: هى وثيقة (الدفاع عن الديمقراطية)، وتحدد كيف سيستخدم الحلف قوته العسكرية للتصدي للتهديدات الرئيسية التى تواجه مصالح الحلفاء فى أوروبا. وتدعو إلى إستخدام القوة العسكرية للحلف لردع مصادر تهديده الرئيسية – روسيا والصين والإرهاب الدولى والدفاع عنهما – فى جميع أنحاء أوروبا وخارجها فى جميع المجالات.                                                    

ب- الوثيقة الثانية لحلف الناتو ضد الصين: وهى (مفهوم كابستون لمكافحة الحرب فى حلف شمال الأطلسى)، وتوضح رؤية مدتها عشرون عاماً لقدرات الحلف وخصائصه الحربية. ويركز (برنامج العمل على التهديدات القصيرة الأجل، فى حين تنظر اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد فى المدى الطويل). ومن المفترض أن تساعد هذه المفاهيم حلف الناتو على مواءمة أدواته وعملياته وأنشطته الحالية بشكل أفضل لضمان (قيام الحلف بتأمين وإستقرار المنطقة الأوروبية الأطلسية).                   

                

   ومن هنا نخلص، بأنه على الرغم من تزايد تلك الضغوط الأمريكية على أوروبا وحلفاء الناتو العسكريين، فقد (تزايدت وتنامت درجة التعاون الصينى الأوروبى فى كافة المجالات والقطاعات الرئيسية)، وزادت درجة الإستثمارات الصينية داخل أوروبا. ووفق تحليلى النهائى للأمر، فإنه يبدو أن الجميع فى أوروبا والعالم بات (ينمو فى ظل الصين وليس العكس)، وهو الأمر الذى بات يقلق واشنطن بشدة، خاصةً مع إنقسام المواقف داخل “حلف الناتو وأعضاؤه الأوروبيين أنفسهم” بسبب تقاربهم من الصين.                                                           

                 

    وربما وفق فهمى لطبيعة التنافس الأمريكى مع الصين، ومحاولة كل طرف إكتساب آخرين للدفاع عنه، ففى إعتقادى بأن (الصين باتت تدرك بأن الحلم الأوروبى بالإستقلال العسكرى أو الإقتصادى عن الولايات المتحدة، خاصةً بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة، وتخلى واشنطن عن فرنسا وحلفائها الأوروبيين) دفاعاً عن مصالحها. لذلك، ومع تنامى الحديث عن ضرورة (تشكيل جيش أوروبى موحد والإنفصال عن الناتو، مع غياب القدرة على تحمل تكاليفه فى ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة). لذلك بات تحليلى الإستراتيجى البعيد هو (إمكانية مساهمة الصين نفسها فى تفكك حلف الناتو عبر شبكة تمويل حلم تشكيل جيش أوروبى موحد، وبالتالى مساعدة الأوروبيين على الإنفصال عن حلف الناتو تمهيداً لتفككه وإنهياره)، وربما كانت تلك هى الإستراتيجية الصينية بعيدة المدى فى إدارة علاقاتها مع دول أوروبا وحلف الناتو، لمواجهة الضغوط الأمريكية ضد الصين.                                

                                                

سابعاً: التهديد الصينى لمناطق نفوذ حلف الناتو، بالتوقيع الصينى ل (الإتفاقية الشاملة للإستثمار مع الإتحاد الأوروبى) فى ديسمبر ٢٠٢٠                                          

                                            

   دافع الإتحاد الأوروبى عن نهجه المستقل فى التجارة والإستثمار مع الصين، من خلال توضيح نهجه بأنه على عكس الولايات المتحدة، فإن (الإتحاد الأوروبى لا يسعى إلى الإنفصال الإقتصادى عن الصين)، ومن هنا تعددت المواقف وأساليب المواجهة الأمريكية  – الأوروبية، فيما يتعلق بآلية التعامل مع الصين، وهو الأمر الذى نجم عنه عدة إشكاليات بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، على النحو التالى:               

١) بعد التوصل إلى (إتفاقية شاملة للإستثمار بين الإتحاد الأوروبى والصين)، والتى من المرجح أن تدخل حيز التنفيذ عام ٢٠٢٢، وذلك بعد التصديق عليها من جانب حكومات الإتحاد الأوروبى والبرلمان الأوروبى، ويتوقع أن تمنح الإتفاقية الأوروبية – الصينية حرية أكبر بكثير بالنسبة إلى (شركات بلدان أوروبا والبلطيق) لتوسيع أعمالهم مع الصين.                          

                               

٢) رفض الإتحاد الأوروبى التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل جبهة مشتركة فى مواجهة بكين. وقام (الإتحاد الأوروبى بتحديد علاقته الإقتصادية مع الصين، وفقاً لثلاث مسميات)، كالتالى:                              

                             

أ- الصين شريك للإتحاد الأوروبى: وذلك (بشأن تغير المناخ).                                              

ب- الصين منافس للإتحاد الأوروبى: وذلك (بشأن التجارة والإستثمارات والإقتصاد وحقوق الملكية الفكرية)، وغيرها من تلك المسائل.                                       

ج- الصين منافس منهجى للإتحاد الأوروبى: وذلك (فيما يتعلق بالقيم والحوكمة).                                   

٣) ولا يزال الإتحاد الأوروبى يتبع هذه السياسة حيال الصين، ويحجم عن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين. فالإتحاد الأوروبى حريص على (الإستفادة من التجارة والإستثمارات الصينية، التى يغذيها النمو الإقتصادى المستدام للصين).                                           

٤) وبعد توصل الإتحاد الأوروبى إلى إتفاق سياسى وإقتصادى شامل مع الصين فى ديسمبر ٢٠٢٠، بشأن (توقيع إتفاقية شاملة جديدة للإستثمار بين الصين ودول الإتحاد الأوروبى)، وتعرف بإسم:                                  

                         CAI

  وبموجب تلك الإتفاقية، فإن ذلك من شأنه (تحسين وصول الشركات الأوروبية إلى السوق  الصينية، أما عن الشركات الصينية فهى تتمتع بالفعل بوصول مجانى إلى حد كبير إلى السوق الأوروبية).                            

٥) وجاء الإنتقاد الأمريكى للإتحاد الأوروبى لأنه ليس لديه قوة تفاوضية أفضل مع الجانب الصينى، وعدم قدرته على التوصل لإتفاقية متعددة الأطراف. والأمر الأبرز هنا هو، تدخل الرئيس الصينى “شى جين بينغ” شخصياً لتقديم عدد كبير من (التنازلات النهائية اللازمة لتأمين الإتفاق الثنائى بين الصين والإتحاد الأوروبى)، مما أدى إلى إحداث شرخ فى العلاقة بين الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.        

٦) وفى الواقع، فإن الإتحاد الأوروبى يدرك صعوبة تحقيق الرغبة الأمريكية كدولة شريك معه فى حلف “الناتو” لفك الإرتباط مع الصين، فوفقاً للأوروبيين فالإقتصادات دوماً متشابكة للغاية، وبالتالى، (لن يكون من الممكن للأوروبيين قطع الروابط تماماً مع الجانب الصينى، وتحقيق رغبة واشنطن).                                 

            

٧) كذلك نجد فشل الضغوط الأمريكية على شركائها الأوروبيين أنفسهم، ومحاولة إقناعهم من أجل (تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين، وذلك لتجنب الإعتماد على الصين فى الإمدادات الحيوية).                      

   ومن خلال هذا التحليل، نخلص لحقيقة أن الإتحاد الأوروبى أقل إهتماماً من واشنطن بأمر الصين. بدليل أن (ألمانيا قررت فعلياً السماح لشركة هواوى الصينية بتوفير المعدات لشبكات الإتصالات الجديدة الخاصة بها، بموافقة فرنسية كاملة، بالنظر لكون فرنسا هى الطرف المتلقى لكابل السلام الصينى للإتصالات الرقمية من الصين إلى أوروبا)، مع الترحيب الفرنسى والألمانى بإستثمارات مصنع هواوى على أراضيهم.                                       

                           

 

ثامناً: تحدى النفوذ الصينى للإستثمار فى إدارة وتشغيل الموانئ الرئيسية الأوروبية للدول الأعضاء فى حلف الناتو، بما فيها سيطرة الصين على (ميناء لونغ بيتش) فى ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ذاتها                        

                Port of Long Beach

 

                                

  لقد توسع الدور والنفوذ الصينى فى كافة “دول أعضاء تحالف الناتو“، خاصةً مع تسارع نطاق وعدد تلك المشروعات الصينية العملاقة فى دول الناتو، حيث نفذت الحكومة الصينية وشركاتها مئات المشروعات فى منطقة أوراسيا فى إطار مبادرة “الحزام والطريق” التى أطلقها الرئيس “شى جين بينغ” فى عام ٢٠١٣. وذلك على النحو الآتى:                                        

                                               

١) تراوحت أشكال الزحف الصينى الواسع للمشاركة أو الشراء أو الإيجار لعدد متزايد من (الموانئ البحرية المطلة على البحر المتوسط)، وبعضها من المرافئ والموانئ الهامة التى يستخدمها حلف الناتو. وعلى سبيل المثال، تسيطر الصين على (ميناء بريوس) اليونانى الشهير. كما تمول مشروعات طرق سريعة وخطوط سكك حديدية بين (دول البلقان والمجر).                 

 

٢) تهيمن الصين نسبياً على (الساحة البحرية العالمية وإدارة وتشغيل الموانئ العالمية)، فأكبر ٥٠ ميناء فى العالم خاصةً فى أوروبا توجد بها إستثمارات صينية. وفيما يتعلق بموانئ الحاويات، تسيطر (خمس شركات صينية عملاقة بمجال النقل على ١٨% من جميع نشاطات الشحن عبر الحاويات التى تديرها أكبر ٢٠ شركة فى العالم)، وذلك حسب البيانات الصادرة عن (شركة درورى)، وهى شركة الإستشارات الصينية فى مجال الشحن.    

٣) وفى عام ٢٠١٦، أنشأت بكين شركة وطنية عملاقة عبر (دمج الصين لشركتى “تشينا أوشن شيبينغ” و “تشينا شيبينغ كمبانى” لتكوين “شركة كوسكو الصينية العملاقة للشحن والحاويات”)، وشركة “كوسكو الصينية للحاويات”، هى عبارة عن مجموعة تجارية ضخمة تضم (سبع فروع لشركات فرعية عالمية) تتضمن (خط شحن يحمل الإسم ذاته أى “كوسكو” معروف عالمياً، شركة لتشغيل الموانئ)، فضلاً عن العديد من النشاطات التجارية المختلفة بمجال الشحن.                      

                                  

٤) وتتنافس (ثلاث شركات صينية عملاقة للشحن والحاويات عالمياً)، وجميعها تعمل فى مجال تشغيل الموانئ، وهى شركات:

(“تشينا مرشانتس بورت هولدينغز” و “كوسكو جروب” و “تشينا شيبينغ ترمينال ديفلبمنت”)

 

China Marchants Port Holdings & Cosco Group & China Shipping Terminal Development

 

 

  وتنتمى كافة تلك الشركات الصينية العملاقة للشحن والحاويات إلى الدولة الصينية، بل وأضحت (الشركات الصينية الثلاث الضخمة للشحن والحاويات، تنافس بقوة الشركات الثلاث الكبرى المهيمنة عالمياً) على هذه الصناعة الخاصة بسفن الشحن العملاقة والحاويات، وهى شركات:                    

“شركة إيه بى مولر مايرسك الهولندية” وشركة “بى إس إيه إنترناشونال من سنغافورة” وشركة “هوتشيسون بورتس هولدينغز” من هونغ كونغ                     

 

AP Moller Maersk of the Netherlands & BSA International of Singapore & Hutchison Ports Holdings of Hong Kong

 

 

  ٥) والأعجب هو سيطرة الصين على (ميناء لونغ بيتش فى ولاية كاليفورنيا)، وهو (ثانى أكبر ميناء حاويات بالولايات المتحدة الأمريكية)                                              

                                      

Port of Long Beach

 

 حيث نالت صفقة الإستحواذ على “ميناء لونغ بيتش” من جانب “شركة كوسكو الصينية”، وذلك عبر شركة فرعية تتبعها فى هونغ كونغ، الموافقة فى نهاية الأمر. وبفضل هذه الصفقة، أصبحت “مجموعة كوسكو”، هى (ثالث أكبر شركة شحن على مستوى العالم)، وأصبحت لها السيطرة على (ميناء كاوهسيونغ فى جنوب غرب تايوان، وميناء لونغ بيتش فى كاليفورنيا).                                                 

                

Kaohsiung Port & Port of Long Beach

 

 

٦)  كما بدأت (شركة كوسكو شيبنغ بورتس)، وهى شركة الشحن الصينية الرئيسية المملوكة للدولة الصينية            

    

        Cosco Shipping Ports Company

 فى تشغيل ميناء الحاويات فى “ميناء بيرايوس” فى اليونان فى عام ٢٠٠٨. ومنذ ذلك، توسعت الشركات الصينية فى أكبر ثلاثة موانئ فى أوروبا، إذ حصلت على حصة ٣٥% فى (ميناء يوروماكس فى روتردام)، كما حصلت على حصة ٢٠% فى (ميناء أنتويرب فى بلجيكا)، كما بدأت الصين أيضاً فى التخطيط الفعلى من أجل (بناء محطة للحاويات ولسفن الشحن الصينية فى ميناء هامبورغ فى ألمانيا)، وفق ما هو متداول. 

                                 

٧) وفى إيطاليا، تم السماح للشركات التابعة للدولة الصينية بإدارة أو الإحتفاظ بحصص فى الموانئ الإيطالية لتوسيع الصادرات بين الصين وإيطاليا، وفقاً للإتفاق المعلن بينهما، ويخضع (ميناء ترييستى الإيطالى) تحديداً لإهتمام مكثف من بكين، إذ تدير الشركة الصينية العملاقة (تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن) بعض المشاريع التجريبية فى الميناء شمال إيطاليا.

٨) كما أعلنت شركة شحن سفن وحاويات عملاقة أخرى صينية،  تسمى “تشاينا ميرشانتس”

China Marchants

وهى شركة مملوكة للدولة الصينية، ويقع مقرها الرئيسى فى (هونغ كونغ)، عن إجراء مفاوضات مع الحكومة الإيطالية لإنشاء (مشروع مشترك لمحطة السفن والحاويات بين الصين وإيطاليا فى ميناء ترييستى الإيطالى).

٩) ولكن الأمر اللافت للنظر هنا، هو رفض عدد من المسئولين الإيطاليين لتلك الصفقة الصينية، فقد (رفض حاكم منطقة فينيتو “لوكا زايا”، وهى المنطقة المجاورة لترييستى التى تدير البندقية)، تلك الصفقة الإيطالية- الصينية، بإعتبارها وفقاً لتوصيفه فى وسائل الإعلام الإيطالية:

“تحمل الصفقة الصينية المقترحة لإدارة وتشغيل ميناء ترييستى شكلا ً جديداً من أشكال الإستعمار”

١٠) وترجع أهمية (ميناء ترييستى الإيطالى بالنسبة للصين)، وذلك من الناحية الإستراتيجية بالنسبة إلى بكين لأنها (ستربط البحر الأبيض المتوسط ​​بالدول غير الساحلية)، مثل: (النمسا، المجر، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، صربيا)، وكلها أسواق تأمل الصين الوصول إليها من خلال مبادرة الحزام والطريق، وبذلك فإن (ميناء ترييستى الإيطالى) يشكل أهم محطة بالنسبة للصين فى أوروبا على طريق الحرير الصينى، وتخطط الصين لجعله مفتوحاً على الدوام للإستثمارات الصينية.

١١) كما وافقت الحكومة الإيطالية على (عقد صفقة بين هيئة الموانئ فى ميناء جنوة الإيطالى وشركة الشحن الصينية العملاقة “تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن كومبانى”).

China Communications Construction Company

١٢) وجاءت تأكيدات (رئيس هيئة نظام الموانئ الإيطالية فى غرب بحر ليغوريا الإيطالى)، وهو “باولو إميليو سينيورينى”، وهى الهيئة الإيطالية التى تسيطر على (ميناء جنوة الإيطالى الكبير على البحر المتوسط)، بتأكيده على:

“تعمل هيئة الموانئ الإيطالية على إنشاء شركة بالشراكة مع شركة “تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن كومبانى الصينية” لإدارة وتشغيل الموانئ الإيطالية الرئيسية”

١٣) وربما بسبب التخوف الأمريكى من التوسع الصينى فى الموانئ الإيطالية، فقد دفع ذلك وزير الخارجية الأمريكى “مايك بومبيو” لزيارة كلاً من (إيطاليا والفاتيكان) فى نهاية شهر سبتمبر ٢٠٢٠، وذلك بعد أسابيع تحديداً من زيارة وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” إلى إيطاليا وأربع دول أوروبية أخرى.

١٤) وحددت بكين هدفها الأساسى فى الإستثمار فى (أربعة موانئ إيطالية) لتكون ضمن إستثماراتها فى إطار “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، خاصةً بعد (إعلان إيطاليا كأول دولة أوروبية إنضمامها للمبادرة الصينية للحزام والطريق). حيث وضعت الصين خطتها لتوسيع ملكيتها فى الموانئ الإيطالية ضمن مبادرة الحزام والطريق. وبالأخص (ميناءين فى شمال البحر الأدرياتيكى لإيطاليا، وهما مينائى “ترييستى ورافينا”)، وذلك بعد إتفاق الحكومتين الإيطالية والصينية ضمن خطة صينية للتنافس مع الموانئ الأوروبية الرئيسية.

١٥) وقد نجحت الشركات الصينية فى إمتلاك حصصاً فعلية من (موانئ بحرية فى بلجيكا وفرنسا واليونان وإيطاليا وهولندا وألمانيا، لتصبح الصين بذلك فاعلاً مهماً فى مجال الموانئ الأوروبية). وتشير التقديرات بأن (المستثمرين الصينيين المدعومين من الدولة يملكون على الأقل ١٠% من إجمالى جميع أسهم الموانئ فى أوروبا).

١٦) ويعد النجاح الكبير ل “شركة كوسكو الصينية” فى (صفقة الإستحواذ على محطة بميناء ترييستى شمال إيطاليا، وإستحواذ الصين كذلك على ميناء زيبروغه، وهو ثانى أكبر موانئ بلجيكا)، وهو ما يمثل أول نجاح حقيقى لشركة تجارية صينية فى شمال غربى أوروبا.

١٧) ونجحت الصين كذلك فى (عقد صفقات مع ثلاثة من أكبر الموانئ الأوروبيةوهم على الترتيب موانئ:

“ميناء يروماكس فى روتردام بهولندا، الذى تمتلك الصين ٣٥% من أسهمه، وميناء أنتويرب فى بلجيكا، وتملك الصين ٢٠% من أسهمه، وميناء هامبورغ فى ألمانيا، الذى بنت الصين فيه محطة جديدة لسفن الشحن والحاويات”

Euromax port in Rotterdam in the Netherlands & Antwerp port in Belgium of & Hamburg port in Germany

١٨) والشئ الأخطر هنا، أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت عقوبات على (خمس شركات تابعة لعملاق بناء سفن الشحن والحاويات الصينية)، وهى الشركة الصينية العملاقة (تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن)، وذلك فى شهر أغسطس ٢٠٢٠، وذلك بسبب إتهامات أمريكية لتورط الشركة فى (عسكرة بحر الصين الجنوبى)، وذلك طبقاً للائحة الإتهامات الأمريكية الموجهة للشركة الصينية العملاقة للشحن والحاويات.

 

 

   ومن خلال التحليل السابق للباحثة لهذا التواجد الصينى فى عمق موانئ أوروبا، والتخوف الأمريكى منه بطرح مشروعات وطرق بديلة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ثم التحدى الأوروبى لواشنطن، لذا بات يتضح لنا، بأن هناك (تخوفات أوروبية أخرى من المحاولات الصينية الهادفة إلى توسيع نفوذها فى الموانئ الأوروبية)، إذ أعربت دول أعضاء فى الإتحاد الأوروبى، وعلى رأسها (فرنسا وألمانيا)، عن تحفظاتهم بشأن الصفقة الإيطالية الخاصة بتشغيل وإدارة موانئها من قبل الشركات الصينية، مع توجس الناتو من “تزايد النفوذ الصينى على الموانىء الإيطالية الإستراتيجية والهامة على البحر المتوسط مباشرةً”.                                                  

                                                                 

 

 

 

  تاسعاً: التقارب بين الصين ودول البلطيق للتأثير على نفوذ حلف الناتو، وتوقيع الصين لمبادرة (١٧ + ١) بهدف (توسيع التعاون الإقتصادى بين بكين والدول الأعضاء فى أوروبا الوسطى والشرقية)                   

                          

 

   زادت حدة التعاون بين الصين وروسيا وتنوعت مصادرها، وبالأخص تلك التسهيلات الروسية للصين للوصول إلى أماكن قريبة من مناطق النفوذ الروسى، وبالأخص فى (المنطقة الأوراسية المطلة على دول أوروبا الشرقية وبلدان البلطيق الثلاث وموانئهم). وهو ما دفع أمين عام حلف الناتو “ستولتنبرغ“، بإصدار بيان رسمى، أكد فيه:                      

“أن قواتنا التابعة لحلف الناتو تتواجد بالتناوب فى بحر البلطيق وبولندا ورومانيا ولدينا أساليب جديدة للتدخل، ففي حال حدوث أزمة يمكن إيصال تعزيزات من الوحدات الجديدة بسرعة إلى المكان، كما سيكون الحلف الأطلسى “يقظاً” فيما يتعلق بدولة ببيلاروس، بإعتبار أنها الدولة الصديقة لروسيا والتى تحد ثلاث دول أعضاء فى الناتو (بولندا ولاتفيا وليتوانيا)”    

  ومن خلال تصريح “ستولتنبرغ“، بصفته العسكرية، كأمين لحلف الناتو، نفهم مدى حساسية منطقة أوروبا الشرقية، وبالأخص (موانئ بحر البلطيق للدول الثلاث) المطلة عليه، وهى: “أستونيا، لاتفيا، ليتوانيا“، وربما ذلك يجعلنا نفهم جلياً ذلك (النهج المتشدد لدولة ليتوانيا من دول البلطيق تجاه الصين)، والتى تزامنت مع إصدار “الناتو“، أكد فيه قدرته على حماية حلفائه من دول البلطيق وشرق أوروبا وموانئهم ضد أى نوع من التهديدات الموجهة من مينسك أو موسكو أو الصين. ومن هنا نفهم تطورات علاقات الصين لتلك المنطقة من خلال مساعدة روسيا لها، على النحو الآتى:                            

 

١) حاولت الصين بمساعدة روسيا الإنخراط فى (مناورات بحرية مشتركة فى منطقة بحر البلطيق)، فنجحت روسيا بذلك فى فتح الأبواب للصين لتعزيز حضورها فى شمال القارة الأوروبية، لمحاولة الصين (نقل معركتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من بحر الصين الجنوبى إلى بحر البلطيق، لإضافة أعباء جديدة على الإدارة الأمريكية)، ولتوجيه رسائل قوية لواشنطن من أجل (التوقف عن إستفزاز الصين ومحاولة محاصرة نفوذها فى آسيا والمحيط الهادئ). فباتت الصين بذلك (تمارس سياسة جديدة أكثر إنخراطاً فى السياسة الإقليمية لمنطقة أوروبا وغرب آسيا والبلطيق عبر البوابة الروسية، رداً على الإنخراط الأمريكى فى جنوب شرق آسيا عبر تعزيز قوتها البحرية).    

                                                              ٢) وبدأت كلاً من موسكو والصين فى الإعداد (للمرحلة الأولى) من المناورات البحرية المشتركة فى منطقة بحر البلطيق لأول مرة منذ يوليو ٢٠١٧، والتى حملت إسم “التعاون البحرى -٢٠١٧“. ثم بدأت (المرحلة الثانية) من تلك التدريبات فى منتصف شهر سبتمبر ٢٠١٧ فى منطقة (بحر اليابان وأوخوتسك). ومع توالى التحذيرات الأمريكية والعسكرية للناتو، فقد أكدت وزارتى الدفاع فى روسيا والصين بأن هذه التدريبات هى تقليد عادى يهدف إلى “تعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة فى العلاقات الروسية – الصينية” ولا تحمل تهديداً لأى طرف. 

٣) وقد أثارت هذه الخطط التدريبية المشتركة بين الصين وروسيا العديد من ردود الأفعال والمخاوف لدى العديد من دول حلف الناتو العسكرى، ولا سيما أن الصين تشارك فيها للمرة الأولى فى بحر البلطيق. وإتهم وزير الدفاع البولندى (أنطونى ماتشيريفيتش) كلاً من روسيا والصين بأن (تحالفهما الإستراتيجى يشكل تهديداً للعالم الحر). وفي السياق نفسه، تحدث وزير خارجية ليتوانيا (ليناس لينكيافيتشيوس)، عن خطورة تلك التدريبات، والتى تشكل “تحدياً للناتو فى بحر البلطيق”، بتأكيده على “أن هذه المناورات باتت تقف على  أبواب  أوروبا”.                                                  

                                                                      ٤) وربما تحمل هذه المناورات المشتركة بين الصين وروسيا فى بحر البلطيق، فى طياتها رسالة سياسية إلى كلاً من “الإدارة الأمريكية وحلف الناتو”، مفادها: “أن روسيا والصين تساندان وتحميان بعضهما البعض”. بيد أن إستعداد الصين لإستعراض قواتها البحرية فى بحر البلطيق، ربما يشير إلى أمرين:          

الأمر الأول: يشير إلى (الخطط الجيوسياسية بعيدة المدى للصين، والتى باتت أوروبا فى صلبها). ويبدو هنا أن الخطط الصينية تهدف للتواجد فى منطقة المحيط الأطلسى وبحر البلطيق، رداً على التواجد الأمريكى فى صلب مناطق نفوذها الآسيوية.                                                       

الأمر الثانى: يشير كذلك إلى أن (بكين تنوى تحقيق هذه الخطط بمشاركة روسيا)، كما تهدف روسيا كذلك لضمان مساعدة الصين لها فى الشرق الأقصى، وتحديداً فى “بحر اليابان”، بسبب الخلاف اليابانى- الروسى حول “جزر الكوريل“، لذلك يفهم حجة تواجد الأساطيل الحربية الأمريكية هناك، بحجة حماية مصالح حلفائها الآسيويين، وهو ما يمكن أن أدى لإشتعال المنطقة الآسيوية على الدوام.                                           

       

٥) ولكن رغم كثافة التواجد العسكرى والبحرى الصينى – الروسى المشترك فى موانئ ودول بحر البلطيق، إلا أنه يتوقع زيادة التقارب بين دول البلطيق والصين، خاصةً بعد (توقيع أكثر من عشرين معاهدة إستثمار ثنائية بين الدول الأعضاء فى الإتحاد الأوروبى مع الصين)، فهذه الإتفاقية الأوروبية – الصينية، ستقلل حتماً من حجم المخاوف والشكوك الأمنية وترفع الضغوط السياسية عن دول البلطيق خشية التعامل مع حكومة بكين.                                                    

 

               

 ٦) وبشكل عام، فهناك (تنامى للنزعة الشعبية البراغماتية – الإقتصادية فى دول البلطيق والإتحاد الأوروبى)، والتى ترى ضرورة التعاون مع الصين فى جميع المجالات الإقتصادية التى تسمح بها العلاقات الدولية، بما يسمح بمساحة تعاون إقتصادى حر بين بلدان البلطيق والصين مستقبلاً.                                                 

  ٧) وقد شاركت دول البلطيق بتمثيل دبلوماسى (بمستوى أقل من الرؤساء على مستوى الوزراء فقط)، وذلك فى (قمة ١٧ + ١)، وذلك برئاسة الرئيس الصينى (شى جين بينغ)، الخاصة (بالتعاون بين الصين ودول وسط أوروبا وشرقها)، حيث تأسست مبادرة (١٧ + ١) عام ٢٠١٢، وذلك فى العاصمة المجرية “بودابست“، وذلك بهدف (توسيع التعاون الإقتصادى.    بين بكين والدول الأعضاء فى أوروبا الوسطى والشرقية).   

 

٨) ويركز الإطار العام لمبادرة (١٧ + ١) بين الصين ووسط وشرق أوروبا بما فيها دول البلطيق على مشروعات البنية التحتية، مثل: (الجسور، الطرق السريعة، خطوط السكك الحديدية، تحديث الموانئ) فى الدول الأعضاء. وتشمل “مبادرة ١٧+١” حوالى (إثنتى عشرة دولة عضو فى الإتحاد الأوروبى، من ضمنهم “دول البلقان، دول البلطيق، دول أوروبا الشرقية)، هم كالتالى:                                                            

 

٩) وتتعاون الصين مع عدد كبير من دول البلقان والبلطيق ووسط وشرق أوروبا، وذلك ضمن “مبادرة ١٧+١”. وتنظر الصين إلى  “مبادرة ١٧+١”إلى حد كبير– على أنها إمتداد لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ويمكن تقسيم دول المبادرة المتعاونة مع الصين، كما يلى:                                

أ- من أبرز (دول البلقان) التى تتعاون معها الصين فى إطار  “مبادرة ١٧+١”، هى دول:                     

 

(ألبانيا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كرواتيا، اليونان، مقدونيا، صربيا، الجبل الأسود، رومانيا)            

 

ب– ومن أبرز (دول أوروبا الشرقية) فى “مبادرة ١٧+١”، والتى تتعاون مع الصين، هى دول:                          

                           

        (التشيك، المجر، بولندا، سلوفاكيا، سلوفينيا)         

 

ج – بينما (دول البلطيق) فى “مبادرة ١٧+١”، والمتعاونة مع الصين، هى دول:                                         

    (إستونيا، لاتڤيا، ليتوانيا)                   

١٠) وهنا يشير (التمثيل الدبلوماسى الأدنى من مستوى الرؤساء لدول البلطيق فى مبادرة قمة ١٧ + ١) إلى تحول لافت فى الموقف السياسى لدول البلطيق من الإنخراط أكثر مع الصين، ونجد أن (توجهات الرأى العام الشعبى فى بلدان البلطيق عام ٢٠٢١، قد أظهرت ترحيب من مواطنى البلطيق بالتعاون الإقتصادى مع الصين)، حيث لا تنظر غالبية مواطنى دول البلطيق بأن بكين تشكل تهديداً لنفوذ بروكسل، وهذا قد يوضح لنا حدوث إنقسام ما فى التصور والرؤى بين النخب السياسية والرأى العام الشعبى تجاه الصين فى دول البلطيق الثلاث المشار إليهم.                                                

                                           

١١) أما بخصوص (موقف الحكومات في دول البلطيق للتعامل مع الصين)، فنجد أن (ليتوانيا تعد الأكثر تشدداً ضد الجانب الصينى)، وتعد أبرز مواقف ليتوانيا تشدداً ضد الصين، هى (الطلب الليتوانى من منظمة الصحة العالمية بدعوة تايوان إلى حضور إجتماع لمناقشة الإستجابة العالمية للوباء، ولكن منعت بكين مشاركة تايوان بإعتبارها جزءاً منها).             

١٢) وعلى الجانب الآخر، تبحث كلاً من (لاتڤيا وإستونيا) عن طرق للتعامل مع الصين، وذلك (إما على المستوى الثنائى، وإما جنباً إلى جنب مع الإتحاد الأوروبى)، وتحاولان فى الوقت ذاته ضمان أمنهما القومى، خاصةً مع ما أعلنه “جهاز المخابرات اللاتڤى الخاص بدولة لاتڤيا فى مايو ٢٠٢٠، فى تقريره السنوى عن الأمن القومى”، مؤكداً:                     

                                

“أن الصين تمثل تهديداً إلكترونياً، كما يجب الإبتعاد قدر الإمكان عن آثار الصراعات الصينية- الأمريكية – الأوروبية دون حرق جسور التعامل بين دولة لاتڤيا مع أى طرف منهم”                           

١٣) وقد إهتمت الصحف فى دول البلطيق أحياناً بتغطية زيارات للصين أو العكس، أو نشر مقالات إيجابية عن الصين، والتى يمكن تلخيصها فى (عبارة مهمة لها دلالات خطيرة وبعيدة المدى)، وهى:                                                            

“فى الصين شيوعيون، لكنها ليست شيوعية”        

١٤) وتبرز إتجاهات الرأى العام الشعبى لدول البلطيق تجاه الصين فى (إمكانية التعاون الإقتصادى مع بكين، مع ضرورة عدم الإرتباط الجيوسياسى بين بلدان البلطيق والصين)، مع تأكيدهم فى الوقت ذاته على ضرورة إستمرار الإعتماد السياسى والدبلوماسى الخارجى البلطيقى بشكل أكبر على (دول الإتحاد الأوروبى وروسيا، كجزء من منظومة الأمن والحدود والجغرافيا السياسية لدول  البلطيق، فضلاً عن تعاون البلطيق مع الولايات المتحدة الأمريكية كقائد لحلف الناتو وأعضاؤه)، خاصةً فى الجوانب السياسية والدبلوماسية والأمنية والدفاعية.    

     ولقد توصلت الباحثة المصرية من خلال تلك النقطة المتعلقة (بالتواجد الصينى فى دول وموانئ بحر البلطيق بمساعدة حليفتها روسيا وإحتجاج واشنطن وحلف الناتو الأمنى)، إلى تبنى السياسة الروسية للأجندة الصينية فى منطقة شرق أوروبا ودول البلطيق الثلاث “أستونيا، لاتفيا، ليتوانيا”، بل وتشجيعها عليها نتيجة زيادة التدخل الأمريكى فى الشؤون الروسية والصينية. ونجد بأن هدف روسيا والصين، عبر مناورات “التعاون البحرى فى منطقة بحر البلطيق ٢٠١٧”، وذلك لأول مرة، وكأنهما تريدان (إستعراض أنهما مستعدتان للدفاع عن مصالحهما الوطنية أمام الناتو والولايات المتحدة)، سواء كان ذلك فى الغرب الأوروبى أو فى الشرق الأقصى الآسيوى فى (بحر اليابان وأوخوتسك وجزر الكوريل).           

                       

   ويكمن تحليلى الشخصى، بأن التواجد الصينى الجديد فى منطقة “موانئ دول بحر البلطيق وفى المنطقة الأوراسية” بمساعدة روسية، الهدف منه كذلك هو (تعمد الصين لزيادة الأعباء والضغوط على النفوذ الأمريكى فى المنطقة الأوراسية وشرق أوروبا ودول البلطيق وفى منطقة القرم والحزام الأوراسى)، وذلك بهدف (إشغال الولايات المتحدة الأمريكية وإبعادها عن مناطق “المحيط الهندى والهادئ، بحر الصين الجنوبى والشرقى، جنوب شرق آسيا”)، وهى كافة المناطق الرئيسية التى تدخل فى صميم دائرة النفوذ الصينى بالأساس.                                                       

                 

   – عاشراً: الدور الأمريكى لبناء موانئ وشبكات البنى التحتية والرقمية فى أوروبا لخدمة أهداف “حلف الناتو” فى مواجهة الصين، وطرح (مشروع أمريكى بديل لطريق الحرير الصينى) فى قمة مجموعة السبعة الإقتصادية         

                      

                        

   تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب (دوراً إقتصادياً منافساً للدور الصينى لبناء موانئ وشبكات تكنولوجية وبنى تحتية رقمية فى أوروبا، وبالأخص فى دولتى “اليونان وإيطاليا” بسبب كثافة الإستثمارات الصينية بهما)، وذلك لقيادة جهود حلف شمال الأطلسى “الناتو” وتشجيعه عملياً لمواجهة النفوذ الصينى المتزايد فى الموانئ الأوروبية الرئيسية، وعلى رأسها: الموانئ الإيطالية واليونانية.                                       

                        

   والأمر الجدير بالتحليل هنا، هو تزعم “شركة تمويل التنمية الدولية الأمريكية” هذه المبادرات الأمريكية الإستثمارية والتمويلية فى أوروبا وحول العالم، وذلك لمنافسة تمويلات الصين، كما يبقى الأخطر هنا، هو (فكرة المشروع الأمريكى البديل لطريق الحرير الصينى، والذى طرحته إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” كمشروع أمريكى يعمل كمنافس إستراتيجى بديل لطريق الحرير الصينى)، من خلال ما أعلنه الرئيس “بايدن” فى قمة مجموعة السبعة الإقتصادية الكبرى. ومن هنا نحاول تحليل آليات وأبعاد الدور الأمريكى البديل لمنافسة الصين وتمويلاتها فى أوروبا بالأساس، وقيادة حلف الناتو فى مواجهة الصين، من خلال:                                                         

١) طرحت الإدارة الأمريكية من خلال الرئيس الأمريكى “جو بايدن” ذاته خلال حضوره (إجتماعات قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى فى مدينة كورنويل ببريطانيا مشروعاً بديلاً لطريق الحرير الصينى)، أطلق عليه “إعادة بناء عالم أفضل”، وتتمثل الإستراتيجية الأمريكية فى (تحويل مسار طريق الحرير الصينى عبر الإستثمار الأمريكى فى الموانئ اليونانية المواجهة لإستثمارات الصين).                                  

٢) وعلى الوجهة المقابلة، يتنامى فى إيطاليا أيضاً (سباق البنى التحتية بين الصين والولايات المتحدة)، فى ظل تعاظم مساعى واشنطن لكسر إعتمادية دول الإتحاد الأوروبى على رؤوس الأموال الصينية. والنموذج اليونانى المتمثل فى (العرض الأمريكى لبناء أحواض السفن فى ميناء إليفسيس اليونانى) ليس وحده فى هذا السياق، وذلك مقابل سيناريوهات أمريكية أخرى، مثل محاولة الإستثمار الأمريكى فى (ميناءى ترييسته وتارانتو الإيطاليين) والمواجهين أيضاً للموانىء الإيطالية التى تستثمر الصين فيهم بكثافة.                                    

                            

٣) تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الإستثمار فى بناء وتطوير (أحواض بناء سفن ميناء إليفسيس اليونانى المواجه لمياء بيريوس اليونانى ذات الإستثمارات الصينية)، مع جهود أمريكية من أجل (تحديث ميناء إليفسيس اليونانى ليكون النموذج المقابل لميناء بيريوس اليونانى الذى تسيطر عليه مجموعة كوسكو الصينية للملاحة، والتى جعلته أهم ميناء فى البحر المتوسط تتداول فيه ٥ ملايين حاوية وقد تصل إلى ٧ ملايين حاوية للشحن)، وميناء “بيريوس اليونانى” بات بذلك يتخطى (ميناء فالنسيا الأسبانى)، ويحتل المركز الرابع أوروبياً والـ ٢٦ عالمياً.                                                      

 ٤) يمثل (ميناءى إليفسيس وأليكساندروبولوس فى اليونان) قمة التحركات الأمريكية المرتبطة بالبنى التحتية اليونانية فى مواجهة الإستثمارات الصينية، فى الوقت الذى إنتقلت فيه تبعية أكبر ميناءين فى اليونان، وهما: (ميناءى بيريوس وسالونيك) من الحكومة اليونانية إلى الجانب الصينى، والذى يباشر حالياً عملية إسناد إدارة ست موانئ أخرى إلى شركات صينية تابعة للدولة. مع العلم، بأن (ميناء سالونيك اليونانى) قد انتقلت ملكيته إلى (شركة بيلتيرا للإستثمار) لصاحبها رجل الأعمال اليونانى – الروسى “إيفان سافيديس”، وهو المقرب من الرئيس الروسى “بوتين”، حيث كان موقعه بجوار (خطى أنابيب غاز تاب وتاناب) عنصراً حاسماً فى هذه الصفقة.                     

                                                       

٥) ولمواجهة النفوذ الصينى المتزايد فى موانئ اليونان، فلقد تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بعرض كبير للحكومة اليونانية، من خلال (شركة “لوكهيد مارتين” الأمريكية مع شركة “فينكانتييرى” الإيطالية)، للإتفاق على (صفقة أمريكية لبناء أحواض لصناعة السفن وبالأخص الحربية، وإنتاج وتصنع الفرقاطات الحربية فى أحواض السفن فى ميناءى “إليفسيس وسكارامانغاس” اليونانيين بخبرة أمريكية)، وتم الإتفاق الأمريكى على إنتاج وتصنيع الوحدة الأولى من بين أربع سفن فى حوض بناء السفن التابع للشركة الأمريكية فى إيطاليا، على أن تصنع السفن الثلاث الأخرى فى العاصمة اليونانية “أثينا“. وترجع أهمية تلك الصفقة الأمريكية لتوفير خيار أمثل للجانب اليونانى لتسهيل (عمليات تدريب وتحديث قدرات أحواض بناء السفن اليونانية).                                             

٦) ونجد هنا، بأن (الصفقة الأمريكية تشمل مرحلتين بالأساس، هما: بناء الشركة الأمريكية لأحواض صناعة السفن فى موانئ اليونان، ثم إرتباط ذلك بصفقة أمريكية أخرى لصناعة الفرقاطات أى السفن الحربية أيضاً فى داخل الموانئ اليونانية)، وهى تلك الصفقة التى طلبت (شركة “لوكهيد مارتين” الأمريكية المتخصصة فى بناء أحواض السفن وصناعة الفرقاطات الحربية من الحكومة اليونانية إتخاذ قرار عاجل بشأنها).                                                        

٧) والملاحظة الجديرة بالذكر هنا، هو تلك المحاولات الأمريكية المستمرة لعقد وتوقيع تلك الصفقة مع الجانب اليونانى، والخاصة ببناء الفرقاطات الحربية فى أحواض بناء السفن بالموانئ اليونانية، وقاد السفير الأمريكى فى أثينا (جيفرى بيات) تلك المحاولات الأمريكية المستمرة منذ عام ٢٠١٥ بشكل مكثف مع الحكومة اليونانية لإتمام وتوقيع تلك الصفقة، فضلاً عن عدة لقاءات خاصة تمت بين السفير الأمريكى “بيات” مع وزير التنمية والإستثمار اليونانى “أدونيس جيورجياديس“، والمتمثلة فى محاولة الإقناع الأمريكية لليونان بقبول الصفقة الأمريكية لبناء الفرقاطات الحربية فى أحواض السفن اليونانية لزيادة القوة البحرية والعسكرية اليونانية، وتنويع مصادرها وتأمينها.          

٨) وتشير التقديرات الأمريكية، بأن كلاً من (ميناءى إليفسيس وسكارامانغاس اليونانيين)، هما الموقعين المثاليين والمحتملين لإنتاج الفرقاطة اليونانية المستقبلية، بالنظر بالأساس لمواجهتهما المباشرة للموانىء اليونانية الأخرى التى يسيطر عليها الجانب الصينى، وهى النقطة الخطيرة فى هذا الخصوص.              

                                                                                                ٩) والتحليل الجدير بالنقاش هنا، هو إرتباط صفقة الفرقاطات الحربية الأمريكية فى موانئ اليونان، برغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى (رسم ملامح النموذج المقابل لطريق الحرير الصينى من خلالها فى قلب الموانىء اليونانية ذاتها، من أجل التصدى للنفوذ الإقتصادى المتنامى للصين فى موانئ اليونان)، وذلك من خلال تنفيذ واشنطن لإستثمارات إستراتيجية ضخمة فى الموانئ اليونانية، والتى تزامنت أيضاً مع (قرار الرئيس الأمريكى “جو بايدن” بتخصيص مليارى دولار من أجل محاصرة تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية فى اليونان وإيطاليا وكافة الدول الأوروبية)، خاصةً من الدول الأعضاء فى حلف الناتو.                                                           

١٠) وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذا التوجه نحو اليونان، فى (محاولة واشنطن جعل كافة الموانئ وشبكات البنى التحتية والرقمية اليونانية والأوروبية فى خدمة حلف شمال الأطلسى “الناتو” مع محاولة الحد من النفوذ الصينى داخل أوروبا). ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يبرز (إسهام شركة تمويل التنمية الدولية الأمريكية الحكومية لتنفيذ المشاريع الأمريكية فى اليونان وأوروبا وغيرها)، بإعتبارها الذراع التمويلية التى تعول عليها الحكومة الأمريكية فى منافسة تمويلات الصين.                                                         

           

١١) والشئ الجديد فى الأمر، هى تلك المبادرة البديلة التى أقرها (مجلس العلاقات الخارجية للإتحاد الأوروبى) فى إجتماعه يوم ١٢ يوليو ٢٠٢١، حيث تبرز خطواتها فى (طرح الإتحاد الأوروبى لمبادرة بديلة للمبادرة الأمريكية البديلة لطريق الحرير الصينى، وذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان الرئيس الأمريكى “جو بايدن” عنها من قمة مجموعة السبع الكبار فى بريطانيا)، فقد جاءت دعوة واشنطن فى تلك القمة لدعم المبادرة الأمريكية البديلة فى مواجهة الصين، بعنوان: “مبادرة إعادة بناء عالم أفضل”، والتنويه الأمريكى الصريح، بأنها “مبادرة أمريكية بديلة لطريق الحزام والطريق الصينى”.                                

                                 

١٢) ويمكن (تحليل الموقف الأوروبى بطرح مبادرة بديلة أخرى للمبادرة الأمريكية البديلة لطريق الحزام والطريق الصينى)، وكأنه بمثابة رد فعل أوروبى لإثبات الذات تجاه واشنطن – على الرغم من دعم الأوروبيين وقتها للمبادرة الأمريكية – وكأنها رسالة أوروبية، بأنه (يمتلك مبادرة أوروبية أخرى بديلة للخطة أو للمبادرة الأمريكية المطروحة، وهى جديرة أيضاً بالنقاش، ولعدم إنفراد واشنطن وحدها بالقرارات السياسية الخاصة بحلف الناتو، وجعل دول الإتحاد الأوروبى تابعة فقط للقرار الأمريكى)، وهو ما عانت منه دول المفوضية الأوروبية وباتت ترفضه بشدة، نتيجة لمواقف مواجهة وخبرات سابقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.                                              

١٣) كذلك يمكن تحليل المبادرة الأوروبية البديلة لنظيرتها الأمريكية، بأنها: (محاولة من الإتحاد الأوروبى ذاته لإثبات ذاته وجدارته أمام التغلغل الأمريكى فى موانئ اليونان وأوروبا، من خلال إصداره لقرارات تهدف إلى تمركز الإتحاد الأوروبى كلاعب جيوسياسى واضح أمام واشنطن)، لذا فإن هذا المشروع الأوروبى الجديد، يضاف إلى قائمة سابقة من المبادرات المختلفة التى أطلقتها مقر المفوضية الأوروبية فى العاصمة البلجيكية “بروكسل” من أجل (إستعادة أوروبا لمكانتها على الساحة العالمية والتأكيد على تميز الصوت الأوروبى وعدم تبعيته للقرار الأمريكى أو عدم السماح بتهميشه أمريكياً).               

                                    

١٤) وعلى الرغم أن (نجاح المبادرة الأوروبية ليس مضموناً، فإنها تتضمن عنصراً مهماً، ليس موجوداً فى المبادرة الأمريكية نفسها)، ألا وهو (التخطيط الأوروبى لوضع سقف زمنى محدد للإنتهاء من المشروعات القائمة، فضلاً عن تسمية وإطلاق مشروعات تجريبية). وهذا الجزء على وجه التحديد من الممكن أن يكون أداة حسم كبيرة، وسبباً لإستمرارية ونجاح المبادرة الأوروبية، وربما النظر إليها بعين الإعتبار.                     

                     

١٥) ونجد أن المبادرة الأوروبية السابقة فى مواجهة نظيرتها الأمريكية تعترضها عدة مشكلات، أبرزها: إشكالية التمويل، إذ إن (دول الاتحاد الأوروبى نفسها تجد مشقة فى الحصول على التمويل المناسب لمشروعات البنى التحتية على الأراضى الأوروبية نفسها)، وبعد تفاقم الأزمات الإقتصادية العالمية، خاصةً بعد إنتشار جائحة كورونا، فبات (من الصعب إدراج  المزيد من الخطط الأوروبية فى الموازنة المالية خلال السنوات المقبلة).                                                       

١٦) ومع إدراك الإتحاد الأوروبى لهذه الإشكالية المتعلقة بنقص التمويل، إلا أنه (الإتحاد الأوروبى غير قادر حتى الآن على إيجاد خططاً بديلة للتمويل). حيث أن إيجاد موارد مالية وتمويل إضافى أوروبى من القطاع الخاص، هو أمر معقد للغاية أوروبياً، فضلاً عن أن (القطاع الخاص الأوروبى هو غطاء تمويلى غير مناسب لتغطية تكاليف المبادرة الأوروبية البديلة لنظيرتها الأمريكية والخاصة بمبادرة بديلة للحزام والطريق الصينية).                                                       

١٧) لذلك يصعب الجزم بقدرة الإتحاد الأوروبى على مبادرته ومدى جديتها، بشأن: “إطلاق طريق حرير أوروبى بديل للصين”، ومع ذلك فإنه يمكن تحليل كافة (التحركات الأخيرة للإتحاد الأوروبى، بأنها باتت تسير فى إتجاه كسب المزيد من الإستقلالية والإكتفاء الذاتى الأوروبى فى مواجهة فرض القرار السياسى الأمريكى عليهم، وفى مقابل المشروعات التى تطلقها بكين فى أوروبا من ناحية أخرى).                              

١٨) وهنا نلاحظ أن المبادرة البديلة لطريق الحرير الصينى، والتى أقرها (مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبى) كانت تركز فقط على ذات المسار الأمريكى، بمعنى: (أن المبادرة الأوروبية ربما جاءت من باب سياسة رد الفعل على المبادرة الأمريكية، وبالتالى فهى ليست مبادرة أوروبية أصيلة نابعة من قلب أوروبا، لذا يصعب الحكم عليها كمبادرة أوروبية خالصة)، مع تأكيد الإتحاد الأوروبى بأن هذه المبادرة من شأنها تعزيز أمن المنطقة الأوروبية والأوراسية ودول “الناتو“، سواء ما يتعلق (بإمدادات الطاقة أو بحماية شبكات الإتصالات من الصين).  

        

١٩) ويبقى الشئ الجديد أيضاً بالنسبة للمبادرة الأوروبية، وأسباب ربطها ب “العالمية“، ويمكن فهم وتحليل عبارة (أن مبادرة أوروبا للحزام والطريق البديلة للصين موصولة عالمياً”، فهذا شق له (مدلول جيوسياسى وإستراتيجى أوروبى)، مع إقرار المجلس الأوروبى فى نهاية الإجتماع الخاص عند إطلاقه تلك المبادرة الأوروبية، بأهمية (ربط بلدان الإتحاد الأوروبى مع بعضها البعض أكثر من ربط علاقاتهم مع خارج الدائرة أو المؤسسة الأوروبية)، على أن يتم ذلك عبر وسيلتين:          

 

أ- الوسيلة لأولى: تنفيذ إستثمارات أوروبية أكبر فى البنى التحتية التقليدية أكثر من إستثمارات ومشاريع الخارج.                                                         

                               

ب- الوسيلة الثانية: وضع الأوروبيين لإهتمام أكبر بالأطر التنظيمية التى تحكم علاقاتهم فى المقام الأول، بحيث تتضمن (وجود قواعد للعبة تتسم بالشفافية ومشتركة بين جميع اللاعبين الأوروبيين). وهو ما قد فهمته الباحثة المصرية، بأنه ربما يعنى:                                                    

(ضرورة توحيد جبهة القرار الأوروبى، وعدم تصرف إحدى دولها منفرداً، وفرض قوانين تنظيمية ملزمة على الجميع، خاصةً فيما يتعلق بالخيارات السياسية والإقتصادية لإحدى دولها، أو تلك المتعلقة لفتح مجالها للإستثمار مع دول أخرى خارج المنظومة الأوروبية)                  

                     

٢٠) ويبقى الأمر المهم هنا وله دلالة تحليلية، هو أن (إعلان إطلاق مبادرة “ربط أوروبا عالمياً” لم يذكر الصين تماماً)، بل أعلن صراحةً إلى (رغبة الإتحاد الأوروبى فى التعاون مع اليابان والهند ودول آسيان والولايات المتحدة الأمريكية، بدون ذكر الصين أو الإشارة لها فى المبادرة الأوروبية المطروحة). وفى تحليلى الشخصى، فربما (يحاول الإتحاد الأوروبى تنويع خياراته، فيما يتعلق بتدفقات رؤوس الأموال للإستثمارات وبالمسارات التجارية لكيلا يعتمد بشكل يكاد يكون دائم على العلاقات مع الصين).                                           

٢١) ونجد بأن (رد الفعل الصينى إزاء إطلاق مبادرة الإتحاد الأوروبى بموقف محايد أى بدون أى إعتراض علنى أو صريح)، وأكدت الصين ترحيبها بأى مقترحات جديدة لتحسين الربط والبنى التحتية الأوروبية، على إعتبار (أن مبادرة الحزام والطريق الصينية ذات توجه منفتح على التعاون الدولى متبادل المنافع بين الجميع).                                                 

    

٢٢) وربما قصدت المفوضية الأوروبية فى “بروكسل” من هذه المبادرة الأوروبية، وربطها عالمياً بدون الإشارة للصين، هو (الإبتعاد الأوروبى تدريجياً عن المدار الجيوسياسى للصين)، ومن أجل بلوغ هذه الغاية، فإنه من المفترض أن (تتحرك الدول الأعضاء بشكل متماسك بدلاً من التحرك بطريقة فردية تفتقد للتنظيم الموضوعى).                                         

   وهنا يبقى التحليل النهائى للباحثة، بأن “توحيد المواقف الأوروبية تجاه الصين بات أمراً صعباً للغاية”، ويمكن الإستدلال على ذلك بالتمهل الفرنسى والألمانى، وعدم تسرعهما بشأن إتخاذ أى مواقف عدائية تجاه الصين من أجل حماية مصالحهما الإقتصادية معها. ونفس الحال بالنسبة لإيطاليا واليونان، فإن السوق الصينى يمثل أولوية قصوى لهما، لما لدى الصين من أهمية خاصة لتدفق الإستثمارات والمصالح الإقتصادية بهما.                                                             

                         

   ولكن، فى تحليلى البسيط لمضمون الخطاب الأوروبى، فإنه يحاول ضبط كافة المبادلات والتفاعلات التجارية والإستثمارات المشتركة بين العالم الخارجى وأوروبا، وهذا ربما يأخذ (مسار أو منحى جيوسياسى جديد)، يكون فيه (الإكتفاء الذاتى الأوروبى ودوله الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى “الناتو” هو الخيار المناسب للجميع).                                                       

 

 

 

 

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد