من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم
Breaking News

تحليل العلاقة بين زيارتى (رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى إلى البحرين) والمناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل فى البحر الأحمر مع توقيت زيارة وزير الخارجية الإماراتى إلى سوريا

تحليل العلاقة بين زيارتى (رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى إلى البحرين وقائد سلاح الجو الإماراتى لإسرائيل) والمناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل فى البحر الأحمر، مع توقيت زيارة وزير الخارجية الإماراتى (بن زايد) إلى سوريا

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

  • العناصر الرئيسية فى التحليل:

  • أولاً: تحليل دلالات زيارة وزير الخارجية الإماراتى (بن زايد) إلى سوريا فى ٩ نوفمبر ٢٠٢١، وعلاقته بالمناورات البحرية المشتركة بين إسرائيل والإمارات والبحرين فى البحر الأحمر فى ١٠ نوفمبر ٢٠٢١، وزيارة (رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى الإستخباراتى إلى البحرين) فى توقيت المناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل فى البحر الأحمر، مع (زيارة قائد سلاح الجو الإماراتى لإسرائيل)

  • ثانياً: التنبؤ بشأن مستقبل التقارب بين النظام السورى مع دول الخليج والمنطقة العربية، ورغبة عدد من البلدان العربية فى (الإبقاء على حكومة “بشار الأسد” كقوة عسكرية أخرى مناهضة ومعارضة للثورات العربية أو ما يعرف بثورات الربيع العربى) كأحد الأسباب للتطبيع مع الجانب السورى

  • ثالثاً: الدور الروسى- الصينى فى الشرق الأوسط وسوريا، وتوقعات إمتدادات الدور الصينى إلى داخل سوريا لكبح وتقييد النفوذ الأمريكى ولإثبات فشل ثورات الربيع العربى المدعومة أمريكياً

  • رابعاً: ملامح التنافس الأمريكى- الصينى فى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية والإيرانية

  • خامساً: التحالف الصينى مع بلدان الشرق الأوسط وسوريا فى مواجهة التحالفات الأمريكية

   أثارت زيارة وزير الخارجية الإماراتى  “الشيخ عبدالله بن زايد” إلى دمشق يوم الثلاثاء الموافق ٩ نوفمبر ٢٠٢١ واللقاء مع الرئيس السورى “بشار الأسد”، جدلاً كبيراً بدأ منذ لحظة الإعلان عنها، والتى أبرزتها التحليلات الغربية بالأساس من خارج المنطقة، بأنها تأتى من أجل (إعادة تقييم عربى شامل لواقع العلاقة مع سوريا وأهميتها فى مكافحة الإرهاب فى المنطقة، وأهمية الواقع السورى الحالى فى حسابات الأمن القومى العربى والخليجى بالأساس تجاه إيران، وكسر “قانون قيصر” الأمريكى تجاه فرض الحصار الإقتصادى على سوريا)، وتزايدت التحليلات والتكهنات المختلفة بشأن مستقبل تلك الخطوة الإماراتية ودلالاتها وأبعادها فى العلاقات العربية والخليجية تجاه النظام السورى، وما إذا كانت تمثل أحد مؤشرات الإنتقال لمرحلة أخرى جديدة من العمل السياسى تجاه الإنفتاح على دمشق، وعودة سوريا إلى دورها الإقليمى والدولى. خاصةً مع إتضاح “التنسيق الإماراتى- السورى” قبل تلك الزيارة بفترة للترتيب تجاه التقارب بين الجانبين، والتى إتضحت بالإعلان عن الإتصال بين ولى عهد أبو ظبى (الشيخ محمد بن زايد والرئيس بشار الأسد)، فضلاً عن دعوة سوريا رسمياً للمشاركة فى “معرض إكسبو الدولى فى دبى“، ثم لقاءى وزيرى النفط السورى الإماراتى فى موسكو.

   ولكن ما إستوقفنى فى تلك الزيارة الإماراتية، ربما كانت أحداث أخرى لم يتم التطرق إليها خلال تلك التحليلات، والتى إسترعت إنتباهى تحليلياً وأكاديمياً، وكان أكثرها إختلافاً على الإطلاق، هو (تنبيهى من قبل أحد الباحثين الأجانب خلال نشرى لهذا التحليل بنسخته الإنجليزية دولياً، بأن تلك الخطوة الإماراتية تصب بالأساس لصالح طهران والنظام الإيرانى، وليس لخنق وحصار إيران فى مناطق نفوذها ودورها المعروف فى سوريا). ورغم غرابة هذا التحليل، إلا أننى شغلت ذهنى بأمر آخر للرد عليه، بشأن: (وما دلالة زيارة رئيس الموساد الإسرائيلى للبحرين، وزيارة مسئولين إماراتيين لتل أبيب، بل والأوضح للعيان هو تنظيم تدريبات بحرية مشتركة فى البحر الأحمر مع القوات البحرية الإسرائيلية المشتركة مع البحرين والإمارات)، وذلك فى نفس توقيت الزيارة المشار إليها.                                                                  

  وبناءً عليه، فإن تحليلى بالأساس ينصب على إذا ما كانت تلك الزيارة قد جرت عبر (الترتيب والتنسيق مع تل أبيب لتحجيم إيران فى سوريا والمنطقة، من خلال جذب سوريا إلى الجامعة العربية والعمل العربى الجماعى المشترك مرة أخرى)، والرافض خليجياً والمتحفظ عربياً تجاه خطوة التقارب السورى الإيرانى، أم هدفت لتقارب خليجى أوضح مع إيران عبر التقارب مع سوريا، كما ذهبت إليه عدداً من التحليلات الغربية بالأساس، والتى وردت لى. ومن هنا، ستقوم الباحثة المصرية بتحليل كافة العناصر التالية:                       

  • أولاً: تحليل دلالات زيارة وزير الخارجية الإماراتى (بن زايد) إلى سوريا فى ٩ نوفمبر ٢٠٢١، وعلاقته بالمناورات البحرية المشتركة بين إسرائيل والإمارات والبحرين فى البحر الأحمر فى ١٠ نوفمبر ٢٠٢١، وزيارة (رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى الإستخباراتى إلى البحرين) فى توقيت المناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل فى البحر الأحمر، مع (زيارة قائد سلاح الجو الإماراتى لإسرائيل)

  للإجابة على هذا السؤال، فلابد التحقق من عدد من إجابة عدد من الإستفسارات المختلفة، مثل:

 

  • دوافع الإمارات للإقدام على مثل هذه الخطوة بالتقارب مع سوريا، بزيارة وزير الخارجية الإماراتى “الشيخ عبدالله بن زايد” إلى دمشق يوم الثلاثاء الموافق ٩ نوفمبر ٢٠٢١ واللقاء مع الرئيس السورى “بشار الأسد”.

  • بل وهل ستشجع تلك الخطوة الإماراتية باقى الدول العربية للسير على الخطى الإماراتية، والإنفتاح على النظام السورى؟

  • وما مصير “المعارضة السورية للتقارب الإماراتى – السورى”، وهل تلك الخطوة الإماراتية تهدف لإضعاف المسار السورى المعارض، خاصةً للسوريين المعارضين لنظام الرئيس “بشار الأسد” فى الخارج؟

  • ثم، سيتبقى تحليل (خيارات المعارضة السورية حال إنفتاح المزيد من الدول العربية على نظام الأسد).

  • وهل سيتم (التوافق السورى – الإماراتى) تجاه خطوة حل مشكلة (عودة اللاجئين السوريين من الخارج وتسوية أوضاعهم مع النظام السورى الحالى)؟

  • وأخيراً، يأتى التساؤل بشأن: (تأثير حدة الإنتقادات الأمريكية والدولية للخطوة الإماراتية للتقارب مع النظام السورى والرئيس “بشار الأسد” على إستكمال باقى الخطوات العربية الساعية لإدماج وعودة سوريا مرة أخرى إلى عضويتها فى جامعة الدول العربية)؟

  • بل ويبقى التحليل الأخطر والهام عندى تحليلياً بشكل تام، ألا وهى: (ما أثير بشأن أن الإمارات قد حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ومن الجانب الإسرائيلى قبل خطوة زيارة وزير الخارجية الإماراتى “بن زايد” إلى الإمارات، وذلك سعياً وراء تشكيل (تحالف خليجى – إماراتى – إسرائيلى ضد إيران، والسعى لتحييد النظام السورى فى مواجهة تلك التحركات الإيرانية بصفته حليف وثيق الصلة من الإيرانيين؟). وبناءً عليه يمكننا تحليل ذلك، كما يلى:

  1. لعل ما يعزز ويدعم وجهة النظر الأخيرة عندى بشأن “الحشد الإسرائيلى الخليجى بمساعدة الإمارات ودعم واشنطن لمواجهة إيران عبر سوريا“، هو (التنسيق الأمنى المشترك بين إسرائيل والقوات البحرية الإماراتية والبحرينية لعمل مناورات بحرية مشتركة فى البحر الأحمر، وإمتدت لمدة خمسة أيام كاملة)، والتى بدأت يوم الأربعاء الموافق ١٠ نوفمبر ٢٠٢١، وهو ما يأتى فى نفس توقيت التقارب الإماراتى مع سوريا، بمعنى:

(أن هناك ترتيبات أمنية مشتركة بين إسرائيل والإمارات والبحرين فى مواجهة إيران من خلال خطوة التقارب مع سوريا كحليفة لإيران)

  1. وكما ذكرت فإن خطوة المناورات البحرية المشتركة بين إسرائيل والإمارات فى نفس توقيت الزيارة الإماراتية، يؤكد (إستمرار التنسيق الأمنى المشترك بين إسرائيل والإمارات)، وبالأخص لكبح وتقييد النفوذ الإيرانى. مع العلم، بأن خطوة التنسيق الأمنى المشترك بين الإمارات وإسرائيل بدأت قبل ثلاث سنوات، حينما شرعت قوات بحرية تابعة لدول خليجية، وهى بالأساس “الإمارات والبحرين” فى عمل مناورات بحرية مشتركة مع الجانب الإسرائيلى، والتى كانت تعد هى الأولى لها على الإطلاق مع نظيرتها الإسرائيلية، بالتعاون مع قوات تابعة للبحرية الأمريكية.

  1. ونجد أن المناورات البحرية المشتركة الحالية فى البحر الأحمر بمشاركة الإمارات وإسرائيل، بمشاركة (بوارج حربية من الإمارات والبحرين وإسرائيل)، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هو تأكيد “إسرائيلى خليجى مشترك”، لإيصال رسالة إلى الجانب الإيرانى، بأن تلك المناورات البحرية مع إسرائيل، تهدف إلى:

“تأمين حركة الملاحة البحرية فى مواجهة إيران، والسعى لتأمين حركة المضائق والملاحة البحرية فى البحر الأحمر بمساعدة أمنية إسرائيلية، خاصةً أن تلك العمليات التدريبية المشتركة البحرية قد تضمنت تدريبات على تكتيكات تطويق ومداهمة”

  1. وهو ما أكدته “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية“، فى بيان رسمى لها، للتأكيد بأن: “التدريب الإسرائيلى الإماراتى البحرينى يستهدف تعزيز القدرة على العمل الجماعى بين القوات المشاركة فى المناورات”

  2. ومن هنا نفهم، بأن خطوة التنسيق الأمنى المشترك الإسرائيلى الإماراتى بالأساس، وما إستتبعه من خطوة المناورات البحرية المشتركة، قد أتت بعد توقيع “إتفاقيات أبراهام” فى سبتمبر ٢٠٢٠، وتطبيع الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل. وقد تعززت منذ ذلك الحين (العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والإستخباراتية بين إسرائيل والإمارات والبحرين كأهم دولتين خليجيتين تشاركان تل أبيب مخاوفها من أنشطة إيران فى البحر الأحمر والمنطقة).

  3. والأبرز هنا، هو (زيارة رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى الإستخباراتى فى زيارة علنية له إلى البحرين فى توقيت المناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل فى البحر الأحمر، مع توجه قائد سلاح الجو الإماراتى فى نفس التوقيت أيضاً فى زيارة هى الأولى من نوعها لإسرائيل فى شهر أكتوبر ٢٠٢١)

  4. وبشكل عام، فإن (إعادة فتح السفارتين الإماراتية والبحرينية فى دمشق) فى ديسمبر ٢٠١٨، تم إعتبارها فى ذلك الوقت بمثابة (تغييراً كبيراً فى السياسة الخليجية تجاه سوريا، وكان من بين أول المؤشرات على تطبيع أكثر شمولاً). ولا شك أن تلك الخطوات جاءت بعد إستشارة السعودية. ولكن يبدو أن المملكة العربية السعودية كعادتها تتخذ موقفاً حذراً محفوفاً بالسرية تجاه خطوة التقارب مع سوريا بسبب التخوف من علاقات “نظام الأسد” مع طهران.

  5. ولقد تحدثت الإمارات والبحرين آنذاك عن (الفوائد الجيوسياسية لإعادة تأهيل نظام الرئيس بشار الأسد). وأكدت دولة البحرين بأن “خطوة إدماج بشار الأسد تهدف إلى تعزيز الدور العربى، والحيلولة دون التدخل الإقليمى فى الشؤون السورية”.

  6. والأبرز تحليلياً عندى، هو تلك التساؤلات حول ما إذا كانت أبو ظبى قد قطعت علاقاتها تماماً مع دمشق على الإطلاق، نظراً (لإستمرار وجود شخصيات سورية بارزة موالية لدمشق تعيش وتعمل داخل الإمارات).

  1. وبشكل عام، يشير هذا السيل المتواصل من الإشارات الصادرة من دمشق وغيرها من العواصم العربية، وعلى رأسها الإمارات للتقارب مع سوريا، إلى أن خصوم الحكومة السورية السابقين قد إقتربوا من التوصل إلى ترتيبات ذات منفعة متبادلة مع الحكومة السورية، والتى تعهد بعضهم قبل بضعة أعوام بإسقاطها.

  2. وستكون أهم مكاسب النظام السورى من ذلك التقارب مع الإمارات وباقى الدول العربية، هو (عقود إعادة الإعمار لسوريا وصفقات الطاقة)، هذا فضلاً عن الأسواق التى ستفتح أمامها فى حال تصالحها مع البلدان العربية، وهو ما قد يمهد لاحقاً “لإدماج دمشق مرة أخرى وإرجاع عضويتها فى جامعة الدول العربية”، وهى بالطبع الخطوة الإستراتيجية الأهم بالنسبة للإمارات والخليج، لإعادة سوريا إلى “البيت العربى”، وبالتالى ممارسة ضغوط لاحقة عليها لعدم التقارب مع إيران، بإعتبارها خصم منافس بالنسبة للإمارات والخليجيين.

   وفى هذا الإطار، فإن العاصمة السورية “دمشق” باتت تأمل فى (ممارسة الأصوات العربية ذات النفوذ ضغوطاً دولية من أجل رفع العقوبات الصارمة المفروضة على النظام السورى)، والتى تهدف إلى (معاقبة المسؤولين السوريين والمنظمات السورية بدعوى تورطها فى إنتهاكات حقوقية).

  • ثانياً: التنبؤ بشأن مستقبل التقارب بين النظام السورى مع دول الخليج والمنطقة العربية، ورغبة عدد من البلدان العربية فى (الإبقاء على حكومة “بشار الأسد” كقوة عسكرية أخرى مناهضة ومعارضة للثورات العربية أو ما يعرف بثورات الربيع العربى) كأحد الأسباب للتطبيع مع الجانب السورى

  نجد أنه على إمتداد سنوات الحرب السورية، كان هناك عدداً من المؤشرات إلى (تعاون سرى) بين بعض الحكومات العربية سراً مع نظام الرئيس “بشار الأسد”، كما وجهت إتهامات أيضاً تشير لتورط حكومات أخرى فى دعم جماعات المعارضة السورية وتسليحها ضد النظام السورى، وبالأخص دول الخليج التى سعت للإنتقام من نظام الرئيس “بشار الأسد” لتحالف سوريا بشكل وثيق مع دولة إيران التى تعتبر العدو اللدود للدول فى منطقة الخليج. وهنا يمكننا تحليل وفهم الآتى:

  • تأتى رغبة البلدان الخليجية والإمارات فى فتح آفاق للتجارة مع سوريا، والأهم (تقليل إعتماد سوريا الإستراتيجى على إيران) هو السبب الأهم لمحاولة تقاربهم الأخيرة مع دمشق.

  • وتأتى خطوة التقارب الإماراتى مع سوريا ضمن إستراتيجية خليجية تسمى (إعادة تأهيل إقليمية شبه مؤكدة لبشار الأسد). ونجد هنا، بأن “سرعة قطار التطبيع العربى والخليجى بالأساس مع سوريا قد إزداد بشكل ملحوظ”، بل ويمكن تحليل ما هو أعمق من ذلك بتأكيد “أن عدداً من الحكومات العربية لم تقطع صلاتها بدمشق بشكل كامل منذ بداية الأحداث فى سوريا“.

  • وتعتبر “دولة الأردن” حالياً، من أبرز تلك الدول العربية التى تمارس ضغوطاً من أجل التطبيع مع العاصمة “دمشق” بصفتها جارة الأردن من ناحية حدوده الشمالية، حيث تلوح مؤشرات حالية إلى (أن المملكة الأردنية على وشك إستعادة العلاقات الكاملة مع النظام السورى)، بل ويمكن تحليل أسباب بدء العاصمة الأردنية “عمّان” بصفتها الحليف المقرب من الولايات المتحدة الأمريكية لفتح الطريق لحلفاء واشنطن الآخرين فى الخليج للتقارب مع سوريا من أجل (تحييد النظام السورى وممارسة ضغوط لاحقة على الجانب الإيرانى للقبول بالشروط الأمريكية فى الملف النووى الإيرانى).

  • وعلى الجانب الآخر، فإن (لبنان بحاجة إلى شبكات الطاقة السورية للمساعدة فى تخفيف وطأة أزمة الوقود التى أصابت بيروت بالشلل). كما أن (وضع سوريا فى إستراتيجية تزويد لبنان بالوقود نتيجة لأزمة الوقود اللبنانية الحالية) له جانب تحليلى مهم، خاصةً بعد (موافقة الأردن فى ٦ أكتوبر ٢٠٢١، على إرسال الفائض من طاقة الأردن الكهربائية إلى لبنان عبر الشبكة السورية، مما يشير إلى المرونة الأمريكية فيما يتعلق بالعلاقات المفروضة على دمشق).

  • ولكن هناك تخوفات من عدد من القوى والتيارات اللبنانية من السماح بزيادة النفوذ الإيرانى والسورى فى لبنان، خاصةً مع (واقعة إدانة علنية سابقة لجماعة حزب الله بإدخال وقود إيرانى إلى لبنان عبر سوريا ووصفه بأنه “إنتهاك لسيادة البلاد”). كذلك المواقف العلنية لحكومة لبنان بعدم زيارة أو تطبيع العلاقات مع سوريا بدون مباركة المجتمع الدولى، بالتشديد على رغبة لبنان أن ينأى ويبتعد عن الصراعات فى المنطقة.

  • ونجد هنا (تأييد الحركات الشيعية اللبنانية فى لبنان للرئيس بشار الأسد). وبالأخص “حركة حزب الله المدعومة من إيران” كأبرز المؤيدين للتقارب مع سوريا، خاصةً مع (دور ميليشيات حركة حزب الله فى لبنان إلى جانب القوة الجوية الروسية، على تغيير مسار الحرب الأهلية لصالح بشار الأسد فى الداخل السورى). ولقد جدد (المكتب السياسى لحركة أمل فى لبنان)، وهو الحزب الشيعى الرئيسى الآخر فى لبنان، دعواته لتعزيز العلاقات مع سوريا فى بيان رسمى فى ٤ أكتوبر٢٠٢١. وفى المقابل، هناك قوى سياسية لبنانية أخرى ظلت معارضة بشدة لما تراه تدخلاً سورياً وإيرانياً فى شؤون بلادها.

  • وهنا نجد أن هذا التحول الجديد فى الموقف الخليجى الإماراتى للتقارب مع سوريا، يرجع بسبب زيارة العاهل الأردنى (الملك عبد الله) إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى يوليو ٢٠٢١، فقد تردد وقتهاةأنه أقنع الرئيس “جو بايدن” بأن الرئيس “بشار الأسد” سيظل على الأرجح سيظل فى منصبه، ومن ثم سيتعين على المجتمع الدولى التعامل معه بشكل أو بآخر.

  • ومن وجهة نظرى التحليلية وفقاً لمؤشرات موضوعية، فإن (الملك عبد الله) قد حصل على إذن من الولايات المتحدة الأمريكية لإستئناف الأردن للروابط والعلاقات التجارية مع سوريا، بحيث يستثنى الأردن من نظام العقوبات الذى يستهدف أى دولة لها معاملات تجارية مع دمشق، وهو المعروف بإسم (قانون قيصر). فقد أدت سلسلة من المحادثات بين المسؤولين السوريين والأردنيين فى سبتمبر ٢٠٢١ إلى إعادة فتح (معبر جابر- نصيب الحدودى)، كما فتحت الباب أمام مفاوضات تتعلق بالتجارة والطاقة والزراعة، ويمكن إعتبار أن المكالمة الهاتفية التى أجراها الرئيس السورى “بشار الأسد” مع “الملك عبد الله” فى ٣ أكتوبر ٢٠٢١، إنتقالاً من مجرد (روابط إقتصادية إلى إستئناف العلاقات السياسية بشكل كامل بين الأردن وسوريا). وهو ما يتماشى مع رغبة العاصمة عمّان فى (إعادة دمشق إلى الجامعة العربية قبيل القمة العربية القادمة التى ربما ستعقد عام ٢٠٢٢).

  • وهنا أيضاً تشير المؤشرات لإتفاق (الأردن ومصر مع سوريا) على البدء فى (إعادة تأهيل وتشغيل خط الغاز العربى لتصدير الغاز المصرى إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، ومن ثم إلى أوروبا عبر تركيا)، وهو ما يصب بالأساس لصالح إنعاش الإقتصاد المصرى، وبالتالى تشجيع مصر للتقارب مع دمشق لمصالح إقتصادية. وكذلك لقاء وزير الخارجية المصرى “سامح شكرى” بنظيره السورى “فيصل المقداد” فى سبتمبر ٢٠٢١، وذلك خلال مشاركته فى إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإعلانه بعد ذلك عن “تأييده لعودة سوريا كطرف فاعل فى الإطار العربى”. كما أن الإعتبارات الجيوسياسية بالنسبة للجانب المصرى، مدفوعة بشبكة المصالح الإقتصادية، ورغبة مصر فى (لعب دور فى صفقات مربحة بالنسبة لإعادة إعمار سوريا قد تكون عاملاً مهماً لمصر للتقارب مع دمشق).

  • ولقد توصلت لتحليل مهم هنا، يمكن رصده من خلال رغبة عدد من البلدان العربية فى (الإبقاء على حكومة “بشار الأسد” كقوة عسكرية أخرى مناهضة ومعارضة للثورات العربية أو ما يعرف بثورات الربيع العربى) ربما تقف أيضاً وراء مساعى عدد من الدول العربية للتطبيع مع الجانب السورى.

  • وبالنسبة للعراق، فلقد عارض الجانب العراقى صراحةً عزل سوريا، وأعلن مراراً أنه يؤيد عودتها للجامعة العربية. ولم يقطع العراق علاقاته بسوريا، وإمتنع العراق فى عام ٢٠١١ عن التصويت على قرار بطردها من الجامعة، وأبقى العراق على سفارته فى دمشق طوال فترة الحرب. كما (نسقت الحكومة العراقية مع الرئيس بشار الأسد فى عمليات نفذت عبر الحدود ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش). ولا تزال هناك حتى هذه اللحظة عدة (ميليشيات عراقية مدعومة من إيران على الحدود السورية-العراقية)، ويوجد بعضها أيضاً داخل الأراضى السورية، وذلك (فى إطار جهود تتزعمها إيران لممارسة ضغوط على القوات الأمريكية هناك، ولدعم الأسد وإبقاء ممرات النقل مفتوحة).

  • وتأتى فوائد التقارب السورى – الإماراتى، من خلال ما أعلنته (وزارة الإقتصاد الإماراتية)، بأنها “قد وافقت على تعزيز التعاون الإقتصادى وإستكشاف آفاق جديدة مع سوريا”. وذلك بعد مرور بضعة أسابيع على اللقاء الذى جرى بين الوزيرين الإماراتى ونظيره السورى فى دبى لمناقشة (إعادة إعمار سوريا)، حيث صرح مسؤولون إماراتيون بأنهم يأملون فى عودة الوضع فى سوريا “إلى ما كان عليه قبل الأزمة” التى تفجرت عام ٢٠١١.

  • كما طالبت كل من الإمارات والسعودية فى مارس ٢٠٢١، بعودة سوريا إلى الحظيرة العربية. ويتم التنسيق حالياً عن آفاق جديدة للتعاون الإماراتى والخليجى مع سوريا خاصةً فى القطاعات الحيوية من أجل “تعزيز الشراكات الإستثمارية“.

  • كما أتت الإشارة السعودية كذلك إلى أن مصالحها الجيوسياسية فى سوريا لازالت قوية، مع تصريح ولى العهد الأمير “محمد بن سلمان” فى مارس ٢٠١٨، بأن:

 “الرئيس بشار الأسد سيبقى فى مكانه، ولكن “مصالح بشار لن تكون بالسماح للإيرانيين بالبقاء لممارسة دور، رغم أن إستعادة كافة العلاقات الدبلوماسية تظل إحتمالاً بعيداً، فإن العلاقات السورية-السعودية تشهد دفئاً”

  • ونجد أبرز مؤشرات التقارب السعودى مع سوريا هو (زيارة وزير السياحة السورى إلى السعودية فى مايو ٢٠٢١، وهى أول زيارة لمسؤول حكومى سورى للمملكة العربية السعودية منذ عام ٢٠١١). وفى نفس التوقيت تقريباً، إلتقى مدير الإستخبارات السعودية بنظيره السورى فى دمشق.

  • ولكن فإن أحد التحديات التى تواجه الرياض هو (المعارضة القوية داخل المملكة السعودية لنظام دمشق البعثى الموالى لإيران). ونجد موقف وسائل الإعلام السعودية المعارض بشدة لنظام الأسد فى سوريا، مع توجيه إنتقادات سعودية ضد تصرفات الحكومة السورية بحق الأغلبية السنية. مع العلم، بأن هذا التوجه السعودى كان متبادلاً مع النظام السورى، مع إتهامات سابقة من وسائل الإعلام السورية الرسمية الموالية لنظام الرئيس “بشار الأسد” على إنتقاد ما وصفته “بدور سعودى وقطرى فاعل فى إثارة الفتنة الطائفية وإذكاء الحرب الأهلية فى سوريا”.

  • ولكن على الجانب الآخر، فإن التوافق السورى العربى حول عدد من القضايا عبر إتباع (الأسلوب البراغماتى) فى حل القضايا السياسية والإقتصادية يعد كفيلاً بضمان عودتها للجامعة العربية، بما فى ذلك التوافق مع الرئيس “بشار الأسد” حول عدد من القضايا، فى مقدمتها: (خطوات سورية لتشكيل حكومة مستقرة متفق عليها بين مختلف القوى السياسية بما فيها المعارضة السياسية، محاولات إعادة اللاجئين السوريين من الخارج، الحاجة الملحة للوقود السورى بالنسبة للبنانيين، والأخير تقييد النفوذ الإيرانى فى سوريا وتحجيم علاقات “بشار الأسد” مع طهران).

  وهنا، فإنه فى إعتقادى الشخصى وتحليلى للواقع، فأنها كل ما سبق، باتت مؤشرات هامة لدفع المسؤولين فى عدد من الدول العربية إلى محاولة التوصل إلى تفاهمات سياسية مع نظرائهم السوريين بشكل أكثر علانية.

  • ثالثاً: الدور الروسى- الصينى فى الشرق الأوسط وسوريا، وتوقعات إمتدادات الدور الصينى إلى داخل سوريا لكبح وتقييد النفوذ الأمريكى ولإثبات فشل ثورات الربيع العربى المدعومة أمريكياً

  تدرك الصين حاجة النظام السورى إليها، وبهذا تعتمد عليه فى تحقيق أهدافها السياسية والإقتصادية فى منطقة بلاد الشام، بما فى ذلك تراكم النفوذ الإقليمى على حساب الولايات المتحدة الأمريكية. وبناءً عليه يمكن للصين تحقيق أهدافها فى منطقة الشرق الأوسط عن طريق سوريا، من خلال:                        

١) تسعى الصين إلى خلق فرص لشركاتها وإستثماراتها من أجل المشاركة بإعادة الإعمار فى سوريا، وتأكيد المبعوث الصينى الخاص إلى سوريا (شى شياو يان)، بتأكيده على: “أن الصين واثقة من أنها ستشكل جزءاً من عملية إعادة الإعمار بعد إنتهاء الحرب فى سوريا”.  ولدى الصين هدف طويل المدى الأجل يتمثل فى (توسيع قوتها الإقتصادية وإنشاء قواعد عسكرية فى المنطقة).                                                                   

                                 

٢) وهنا نجد أنه على المستوى السياسى الدولى والإقليمى، تعد (الجغرافيا السورية أحد ميادين التدافع الدولى بين الصين وروسيا وإيران، فى مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية). بالنظر لقربه من كافة مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط. وهنا نجد أن (الموقع الجيوسياسى المتميز لسوريا)، قد عزز من الوجود المتزايد للصين فى الشرق الأوسط عبر سوريا كهدف إستراتيجى لمجال نفوذ بكين. وهنا تنظر بكين إلى نظام الأسد على أنه (عامل إستقرار يواجه تمدد التشدد الدينى).

٣)  كما أن زيادة التوترات الصينية مع الولايات المتحدة، بسبب خلق واشنطن لتحالفات دفاعية وإقتصادية موجهة ضد الصين فى قلب مناطق نفوذها، مثل: (تحالفى كواد الرباعى وأوكوس الدفاعى)، كان دافعاً ملحاً للصين للتواجد بالقرب من مناطق النفوذ الأمريكى فى المنطقة. لذلك سعت الصين إلى دمج النظام السورى بمبادرة (الحزام والطريق)، وحاولت الإستفادة من إحتياجات إعادة الإعمار الملحة فى دمشق، لتأسيس موطئ قدم صينى فى قلب بلاد الشام، ولتعزيز نفوذها فى الشرق الأوسط من خلال سوريا.                                                                                  

٤) ويعد وصول الصين إلى (ميناءى طرطوس واللاذقية السوريين، والمطلين على البحر الأبيض المتوسط)، فرصة جذابة لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، لربط منطقة أوراسيا بسوريا وإمتداداتها حتى جمهورية الصين الشعبية. وبذلك، سيكتمل (موطئ قدم بكين فى ميناء بيرايوس اليونانى والموانئ الإسرائيلية، مثل: حيفا وأسدود)، وهذا الربط يبرز مكانة موقع سوريا فى طريق الحرير، وذلك وفقاً للرؤية الصينية. لذا، تم (إدراج سوريا ضمن عدد كبير من خطوط السكك الحديدية التى تبنيها الصين فى المنطقة).                     

٥) وهنا يتوقع أن تتحرك الصين بصورة أكبر (للإستفادة من الإنسحاب الأمريكى من سوريا، كجزء من جهود أكبر تبذلها بكين لتوسيع وجودها فى منطقتى الخليج العربى والشرق الأوسط). كما باتت الصين أكثر رغبة فى الوصول إلى (أسواق المنطقة وشواطئ البحر المتوسط القريبة من الحدود السورية، بهدف ترسيخ مشروعها الإقتصادى للحزام والطريق)، بالترويج للإستثمارات الصينية وإيصالها إلى العالم.                                                                            

٦) كما كان حرص الصين وروسيا على عمل (توافق سياسى فى سوريا دولياً)، وذلك من خلال (جهودهما المبذولة فى الأمم المتحدة لحماية نظام الرئيس “بشار الأسد”، ولمواجهة النفوذ الغربى والأمريكى فى المنطقة). ونجد هنا بأن التصرفات الصينية تأتى جزئياً فى إطار (غطاء لطموحاتها الشرق أوسطية الأوسع)، كما يمكن تحليل الوجود الصينى فى سوريا من خلال التعرف على الهدف الرئيسى للصين بشأن (رغبتها فى الحصول على موطئ قدم عسكرى فى سوريا، ورغم علم واشنطن بالخطة الصينية)، لكنها لم تسعى لمواجهة حقيقية للنفوذ الصينى.                                                        

٧) وهذا ينقلنا لنقطة مهمة، ألا وهى (مبيعات الأسلحة لتوسيع النفوذ الصينى)، بإعتبار أن منطقة الشرق الأوسط هى منطقة “تنافس شديد بين القوى العظمى، فى الوقت الذى تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية تعديل وضعها فى المنطقة، وربما تغيير إستراتيجيتها وتقليص وجودها كما أعلنت ذلك فى السابق، لذلك حاولت كلاً من روسيا والصين إستغلال حالة الفراغ من وراء الإنسحاب التدريجى الأمريكى من سوريا“.

٨) وفى سياق (الإستراتيجية الأمنية والدفاعية الروسية الصينية الجديدة فى سوريا)، وهنا بدأت روسيا تشن حملة مضايقات ضد القوات الأمريكية والغربية المنضوية ضمن “التحالف الدولى” فى سوريا، وذلك بهدف طويل الأمد يفضى إلى إخراج الولايات المتحدة من سوريا. فقد تزايدت المناوشات مع الجانب الأمريكى لإجباره على الإنسحاب التدريجى من سوريا، خاصةً مع (إيقاف القوات الروسية، لقافلة عسكرية أمريكية شمال شرقى سوريا، وإعادتها إلى مكان إنطلاقها، معتبرة أنها إنتهكت إتفاقية “فض الإشتباك”، وهو إتفاق أبرمته روسيا والولايات المتحدة، منذ بدء عملياتهما فى سوريا عام ٢٠١٥)، والهدف منه هو منع وقوع أى حوادث بين قوات البلدين، ولكن رفض البنتاغون الأمريكى التعليق على هذه الحادثة.

٩) ويمتد التعاون الصينى- السورى إلى مجالات أمنية ودبلوماسية مشتركة، فلقد وقفت الصين بجانب سوريا فى مجلس الأمن، ولم تتردد الصين فى (إستخدام حق النقض أى الفيتو عدة مرات مع روسيا، لمساندة نظام الرئيس “بشار الأسد”). كما تنسق العاصمة بكين مع دمشق فى مجال (مكافحة التطرف والقضاء على الإرهاب وإمتداداته داخل الصين فى إقليم “شينجيانغ”، خصوصاً بعد مشاركة أكثر من خمس آلاف مقاتل من مسلمى الإيغور فى الحرب السورية بجانب تنظيم “داعش”).                                                        

١٠) كذلك فإن النفوذ الصينى والروسى فى سوريا وإخراج الولايات المتحدة الأمريكية منها يمهد لتفعيل (الخطة الإيرانية لإنشاء ممر إلى البحر المتوسط عبر الموانئ السورية)، والتأكيد على أهمية هذا الممر الإيرانى لطريق الحرير الصينى، خاصةً مع مروره عبر سوريا والعراق وإيران. لذلك، يأتى (الإهتمام الصينى بتطوير السكك الحديدية والموانئ السورية تمهيداً لربطها بدول الجوار الإقليمى كلبنان والعراق وإيران، مما يسهم فى إعادة الإعمار والتنمية الإقتصادية).                                            

١١) ومن هنا، وقعت كلاً من بكين ودمشق إتفاقيات تعاون فى عدة مجالات، كما أن (الإستثمارات الصينية فى سوريا تجد لها منفذ فى موانئ إيران)، وذلك عبر (وصول “طريق الحرير” إلى منطقة خورمشهر فى إيران)، ومن هنا تخطط الصين من أجل (ربط إستثماراتها فى العراق ونقلها إلى سوريا والعكس ثم لباقى دول المنطقة وموانئها على البحر المتوسط أو عبر شبكات السكك الحديدية والطرق البرية السريعة التى تربط بين الجميع).                                  

١٢) بدأ تنفيذ بناء خط سكة حديدية بين إيران والعراق وسوريا بدعم صينى منذ نوفمبر ٢٠١٨، كجزء من إعادة إعمار الشرق الأوسط التى تمولها الصين وروسيا، وربطها فى نهاية المطاف بميناء اللاذقية السورى، كمحور على البحر الأبيض المتوسط، والتأكيد على أن “نظام السكك الحديدية فى إيران مرتبط بخطوط سكك حديدية فى آسيا الوسطى والصين وروسيا، وإذا تم بناء خط سكة حديد الشلامجة – البصرة بطول ٣٢ كم، يمكن للعراق نقل البضائع والركاب إلى روسيا والصين والعكس”. وهذا الخط سيشكل المرحلة الأولى، ومن المقرر أن تكون المرحلة الثانية عبارة عن سكة حديد بطول ١٥٤٥ كم وطريق سريع إلى الميناء السورى.                                                                                                             

١٣) ولذلك تسعى الصين للتواجد فى (موانئ سوريا لربطها بالنفوذ البحرى الصينى عموماً فى منطقة الشرق الأوسط ودول البحر المتوسط)، حيث (تتواجد الصين فعلياً فى ثلاثة موانئ فعلية على البحر المتوسط، وهى موانئ: حيفا وعسقلان فى إسرائيل، ومينا بيرايوس فى أثينا باليونان). وهنا، يجب الإشارة إلى (الضغوط الأمريكية التى تتعرض إسرائيل لمنع بكين من إستعمال مرفأ حيفا). فلقد سبق ورفضت إسرائيل عقداً بقيمة مليار ونصف مليار دولار عرضته الصين لبناء محطة للطاقة بعد تحذير الولايات المتحدة لها، وتحذير حلفاءها الآخرين فى الشرق الأوسط من قبول الإستثمارات الصينية، فإن هذه المخاطر الواضحة على العلاقات الإستراتيجية للصين مع إسرائيل، وهو ما (جعل بكين تفتش بحثاً عن الدول غير المنحازة للولايات المتحدة الأمريكية للإستثمار فيها، وأبرزها سوريا).                                                                                                                       

١٤) وباتت الصين تبحث عن (الإستثمار فى موانئ مدينتى اللاذقية وطرطوس السوريين، وتتطلع للنفوذ البحرى أكثر فى سوريا على حدود البحر المتوسط، بعد مخاوفها من فقدان نفوذها البحرى فى ميناء حيفا الإسرائيلى بسبب الضغوط الأمريكية على إسرائيل). ففى أكتوبر ٢٠١٨، قدمت الصين مساعدات عبارة عن مولدات للطاقة الكهربائية لميناء اللاذقية السورى، وهو ما يدل على رغبتها للإستثمار هناك، لضمان موقع نفوذ بحرى يطل على موانئ البحر المتوسط. لذلك (تحرص الصين للإستثمار فى مرافئ لبنان وخاصةً بيروت، ليس طمعاً بعوائده المادية المباشرة، بل إستكمالاً لمشروع “طريق الحرير”، وتأمين منفذ لها على ساحل البحر المتوسط، عبر ربط الموانئ السورية بنظيرتها الموانئ البحرية اللبنانية).                                                                                                                                               

١٥) ولذلك تعد (المشاركة الإقليمية للصين بين كل من إيران والعراق وسوريا على “طريق الحرير الجديد” الأوسع نطاقاً ذات أهمية كبيرة لربطهم جميعاً ببعض عبر شبكات موانئ وسكك حديدية)، خاصةً وأن العراق سبق وان وقع مذكرة تفاهم فى سبتمبر ٢٠١٩، للإنضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” فى إطار برنامج جديد للبنية التحتية مقابل النفط. وتتضمن هذه الخطة إعادة بناء الصين للمنطقة التى مزقتها الحرب فى إطار برنامج متعدد المراحل للبنية التحتية الصلبة (السكك الحديدية والطرق ومشاريع الطاقة والمياه) والبنية التحتية غير المادية (المستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية) فى الجانب العراقى.    

١٦) كما أن (إستراتيجية “البحار الأربعة” التى أعلن عنها الرئيس السورى “بشار الأسد” لأول مرة فى عام ٢٠٠٤، وتم تخريبها بسبب ثورات الربيع العربى)، قد عادت أخيراً إلى العمل، بعد توقيع ٧ دول للإنضمام إليها، بحلول عام ٢٠١٠، وتستلزم تلك الإستراتيجية البحرية (ربط جميع أنظمة المياه الرئيسية الأربعة “البحر الأبيض المتوسط / بحر قزوين / البحر الأسود / الخليج العربى – الفارسى” مع بعضهم البعض عبر ممرات السكك الحديدية والبنية التحتية كدافع للتعاون المربح للجانبين السورى والعراقى والإيرانى والصين مع دول الإقليم والشرق الأوسط)، وفقاً للتخطيط الصينى.              فبمجرد ربط هذه البحار الأربعة، ستصبح (سوريا هى نقطة التقاطع الرئيسية فى الإستثمار والنقل)، وغيرها.                                                     

  ١٧) والنقطة الأكثر أهمية هنا، هى تأكيد الرئيس السورى “بشار الأسد“، بأن (القرار العسكرى الأمنى والسياسى والإقتصادى السورى قد بات متوقفاً على الروس والإيرانيين والصينيين)، مع تطلع النظام السورى إلى مصالح أكبر يكسبها من خلال تعزيز أكبر للحضور الصينى فى سوريا، لذلك سعت الصين لإثبات حضورها فى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، ولإثبات (فشل ثورات الربيع العربى المدعومة أمريكياً)، لذلك بات الدعم الإقتصادى الصينى متنفساً للنظام السورى لدعمه، فضلاً عن تقوية التحالف الصينى مع كلاً من (روسيا وإيران) عبر سوريا.                                                                     

   وبناءً على التحليل السابق، يفهم أسباب التأييد الصينى عند تسلم الرئيس السورى “بشار الأسد“، منصب رئيس الجمهورية لولاية جديدة فى مايو ٢٠٢١، فى الوقت الذى قام فيه “بشار الأسد” بتضخيم العلاقة الصينية- السورية كطريقة لإثبات أنه ليس معزولاً سياسياً، وأن لديه عدداً من (الشركاء المحتملين لدعم جهود إعادة الإعمار فى سوريا)، مع إستمرار جهود الصين منذ بدء الثورة السورية فى تقديم مختلف أشكال المساعدات الإنسانية والمنح المالية، ومساندة الصين للنظام السورى لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد-١٩)، عبر مساعدات طبية ولقاحات ضد الفيروس.                                                    

  • رابعاً: ملامح التنافس الأمريكى- الصينى فى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية والإيرانية

   بدأت الصين فى تبنى نهج “الحضور المتزايد فى قضايا الشرق الأوسط وسوريا مع تحول سياستها لتكون “لاعباً مركزياً” فى شئون المنطقة”، مما يمثل تحدياً للنفوذ الأمريكى. وهنا نجد بأن (التحالف بين الصين وروسيا وإيران فى مواجهة الولايات المتحدة يزداد قوة و صلابة” على وقع “حرب باردة جديدة” بين الغرب والصين أو الغرب والشرق). وهو ما أشار إليه وزير الخارجة الصينى “وانغ يى” من خلال إعطائه إشارات واضحة على أن بلاده تعتزم التحول للعب دور محورى فى شؤون المنطقة. وهنا يمكننا فهم وتحليل أهم ملامح التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وذلك على النحو الآتى:

  1. هناك تحول فى سياسة الصين من “تفادى الإصطدام المباشر مع السياسات الأمريكية أو حتى الأوروبية إجمالاً” من خلال إدارة علاقاتها مع المنطقة من مستويات جماعية إلى “إدارة العلاقات على المستويات الثنائية مع الدول المنفردة”، وذلك بصرف النظر عن صراعاتها البينية، أو “طبيعة إرتباطاتها بالسياسات الأمريكية“.

  2. هناك إقتناع صينى، بأن (إيران هي القوة الآسيوية الوحيدة عسكرياً وجغرافياً الصالحة لمساعدة الصين فى إيجاد توزان مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والقيام بدور الضامن الأمنى لمصالح الصين الإقتصادية والحيوية). وفى المقابل، تتركز التخوفات من أن (منح الصين لطهران التكنولوجيا العصرية المدنية والعسكرية قد يشكل فرصة لجعل إيران قوة إقليمية متفوقة يصعب إبتلاعها أو إخضاعها فى المستقبل).

  3. ويتوقع أن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية تدريجياً من منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى قد يدفع دولاً مثل السعودية إلى “إعادة النظر فى علاقاتها مع إيران وتطويرها إلى مستوى الشراكة بتشجيع صينى بالأساس”، وهو نفس ما صرح به وزير الخارجية السعودى (الأمير فيصل بن فرحان)، بحديثه الصريح عن (فرص إطلاق حوار بين المملكة العربية السعودية وإيران، وإمكانية تطور العلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة). إذ طالب وزير الخارجية السعودى الجانب الإيرانى، بأن:

 “يجب على الجانب الإيرانى التقليل من مخاوف بلاده الإقليمية بما يفتح الأبواب ليس فقط للتقارب، ولكن حتى للشراكة بين الرياض وطهران”

  1. ومن المتوقع أن تساهم إتفاقية الشراكة الإقتصادية الشاملة بين الصين وإيران فى مارس ٢٠٢١، إلى (توسيع مناطق نفوذ وإمتدادات مبادرة الحزام والطريق لتشمل منطقة الخليج والعراق وسوريا)، وسيتم من خلالها العمل على (تحويل دمشق إلى مركز تجارى رئيسى بين إيران وتركيا والعراق، وذلك ضمن شراكة مستقبلية بينهم)، وهو ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة (تهديداً لمصالحها ونفوذها فى المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية أمنياً وإقتصادياً).

  2. لقد بنت الصين علاقة مع روسيا باتت (ترتكز على تقاطع مصالح حقيقية بالنسبة لها)، ولذلك (نجح التحالف الصينى – الروسى مع إيران بإطالة أمد الأزمة السورية عبر دعم صمود النظام السورى للرئيس “بشار الأسد”، وفرض إيران كجزء من هذا الحل بعد إستبعادها عدة سنوات)، وذلك بغية كسب قوة مؤثرة أمام المجتمع الدولى.

  3. قامت الصين (بإستخدام حق النقض أو (الفيتو) ثلاث مرات بإستخدام لعرقلة أى قرار أممى فى القضية السورية ضد النظام السورى وحلفائه)، وكذلك عكفت الصين على الدفاع عن النظام السورى بدعمه عسكرياً، رغبة منها فى (إضعاف حركات التيارات الإسلامية المتشددة وتحدى تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق “داعش”)، فضلاً عن تحدى الغرب وواشنطن.

  4. لم يقتصر نشاط الصين الجديد فى الشرق الأوسط على الهيمنة الاقتصادية، إذ أدركت بكين أن الشرق الأوسط كمنطقة تعج بالمخاطر السياسية (تستوجب منها الإقتراب نحوه، مع وجود الحذر الإستراتيجى الذى يعد علامة مميزة لمقاربة الصين للشرق الأوسط). وقد إجتهدت الصين فى إعادة ترتيب أوراقها السياسية، وسعت لإبراز نشاطها فى الشرق الأوسط وإتخذت (خطوات للتوسط فى نزاعات الشرق الأوسط)، بعد أن أيقنت أن هذه الصراعات تؤثر على مصالحها، خاصة أن صناع السياسة الصينيين متخوفين من إنتشار ما يسمونه بـ “الأيديولوجية الإسلاموية أو خطر التطرف والإرهاب والتشدد الدينى وتنامى التيارات السياسية الإسلامية، وعلى رأسها “تنظيم داعش الإرهابى” وتجنيده لخمس آلاف مقاتل إيغورى من مسلمى “شينجيانغ” فى سوريا والعراق”، لذلك شرعت الصين فى القيام والإعداد لعمليات مكافحة الإرهاب بشكل أكثر توسعاً خارج حدود دولتها لأول مرة فى إستراتيجيتها وسياستها.

  5. وتتسم السياسة الصينية بالمرونة والبراغماتية فى إدارة علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط، لذلك إتجهت أكثر نحو (الجبهة الدبلوماسية)، فأقامت العلاقات مع مؤسسات متعددة الأطراف، مثل: (جامعة الدول العربية، والمنتدى الصينى – الخليجى)، كما لعبت دوراً أمنياً كذلك فى الشرق الأوسط، فشاركت القوات الصينية فى إنتشار (قوات حفظ السلام فى جنوب السودان، وقامت الصين ببناء أول قاعدة بحرية لها فيما وراء البحار، فى دولة جيبوتى).

  6. وتحولت طبيعة السياسات الصينية عموماً وفى الشرق الأوسط إلى (سياسة أكثر جرأة فى تحدى واشنطن)، خاصةً بعد عقود من التردد الصينى فى الإعلان عن ذلك، وإنصياع الصين فى السابق للتهديد الأمريكى بفرض عقوبات وسحبت شركاتها من إيران.

  7. بدأنا نشهد تحول فى سياسة “الإقتراب الصينى من القضية الفلسطينية”، فمن الواضح أن الصين تشن ما يشبه (الهجوم الدبلوماسى المعاكس)، والذى لا يكتفى بإختراق صفوف الدول الحليفة للولايات المتحدة، بل يسعى أيضاً إلى (إستمالة الدول المتنازعة مع واشنطن) فى هذه القضية أو تلك، بالإضافة إلى تشكيل نوع من (القطبية الثنائية مع روسيا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية فى بلدان المنطقة).

  8. وتسعى الصين إلى (سياسة الجمع بين التناقضات فى إدارة علاقاتها ببلدان المنطقة)، مثل زيارة وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” لكلاً من الرياض وطهران معاً فى شهر مارس ٢٠٢١، أو الإستمرار فى (تأييد نظام بشار الأسد)، أو عمل علاقات مع دول مختلفة فى النهج والسياسات مع بعضهم البعض.

  9. ويشير (ميزان القوى العالمى)، بأن التحالف المضاد بين الصين وروسيا وإيران فى مواجهة الضغط الأمريكى يزداد قوة وصلابة.

  10. ويمكننا إستنتاج (لعب إيران بضغط من الصين وروسيا دوراً مهماً في سوريا والعراق واليمن، لتحقيق التوازن مقابل النفوذ التركى). وستقود روسيا مدعومة من الصين محادثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، مما سيعزز هبوط وتراجع مؤشرات النفوذ الأمريكى فى المنطقة.

  11. وبات هناك إقتناع متزايد فى المنطقة بأن (الصين ستسيطر على الولايات المتحدة الأمريكية، وأن العالم سيجد نفسه مجبراً للتعامل مع هذه المتغيرات). فهناك عدة مظاهر تبين ضعف الغرب، يمكن أن تستغلها الصين لصالحها، من بينها ما (تشهده العلاقات الأمريكية- الأوروبية من تدهور منذ تولى “ترامب” رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتخلى واشنطن عن فرنسا بتبنيها لصفقة إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة” مع بريطانيا وأستراليا)، وهو ما يضعف فكرة الغرب الموحد، إضافة إلى حالة التفكك التى يشهدها الإتحاد الأوروبى بعد خروج بريطانيا.

  12. ولقد أصدرت (الأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية، ودار نشر مراجع العلوم الإجتماعية فى بكين)، كتاباً حول: (الكتاب الأصفر للشرق الأوسط)، ويرى فيه الخبراء الصينيون، بأن:

   “منطقة الشرق الأوسط قد دخلت أعتاب “عصر ما بعد أمريكا”، حيث أتاح تراجع الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط الفرصة للقوى الشرقية، وبالأخص روسيا والصين، لتعزيز نفوذها فى هذه المنطقة المهمة، وفى نفس الوقت تزايدت ثقة دول المنطقة فى إتباع طرق تنمية خاصة بها، وبات النموذج الصينى والروسى الأكثر جاذبية لإهتمام دول المنطقة”

  1. ويشير كتاب آخر صادر من (معهد بحوث غرب آسيا وأفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية فى بكين)، بأن: “موازين القوى فى الشرق الأوسط قد تطورت من الأحادية القطبية إلى الثنائية، ثم من الثنائية القطبية نحو التعددية القطبية”. ومع توجه دول منطقة الشرق الأوسط إلى “سياسة النظر نحو الشرق”، بادرت الدول الآسيوية من جهتها إلى “الإنفتاح غرباً”، وتطوير علاقات الشراكة الإستراتيجية مع دول الشرق الأوسط.

  2. وتشير تحليلات لمراكز الفكر الصينية، بأنه فى حال رغبت الولايات المتحدة الأمريكية فى إستعادة هيمنتها على الشرق الأوسط، فإن عليها (ردع الأعمال الروسية والصينية التى تتحدى المصالح الأمريكية بالمنطقة، وإنشاء قوة إقليمية متعددة الأطراف تعمل على ردع أى سلوك أو تدخل خارجى)، أو على الأقل (إيجاد فرصة لمشاركة موسكو وبكين فى الشرق الأوسط بطريقة تضمن مصالحهما).

  ومن خلال تحليلنا المشار إليه، فقد (إزداد النفوذ الإقتصادى والسياسى والعسكرى للصين فى الشرق الأوسط). ونجحت سياسة الهيمنة الإقتصادية للصين بغية تعزيز وصولها إلى مصادر الطاقة فى المنطقة، خاصةً مع (تنامى طموح بكين فى أن تصبح قوى عظمى تؤثر على النظام السياسى الدولى، سواء تحقق ذلك بالتحالفات السياسية مع دول الشرق الأوسط أو القوى الدولية أو عبر القوة الدبلوماسية لإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة خارجية أساسية فى الشرق الأوسط).

  • خامساً: التحالف الصينى مع بلدان الشرق الأوسط وسوريا فى مواجهة التحالفات الأمريكية

 نحن اليوم بصدد (تحالف صينى جديد) قائم بالفعل، يضم: (الصين، روسيا، إيران، سوريا، كوريا الشمالية، باكستان)، ومرشح ومفتوح لضم دول أخرى لها مصالح إقتصادية كبيرة مع الصين عبر “مبادرة الحزام والطريق الصينية“، ويمكننا تحليل شكل التحالف الصينى الروسى الجديد، بتحليل الأسس التى يقوم عليها، كالآتى:

1-              هذا التحالف الصينى الروسى الجديد، يشكل نواة حقيقية من أجل تشكيل (حلف وارسو جديد قوى بقيادة الصين) مدعوم إقتصادياً وعسكرياً، فى مواجهة (حلف الناتو العسكرى بقيادة واشنطن). وبما يؤسس لفصل جديد فى مراكز القوى عالمياً. لذلك يمكن تلخيص تلك الإستراتيجية الأمريكية الصادرة عن (وثيقة الأمن القومى الأمريكى)، بأن (التحالف الصينى الروسى خط أحمر وخطراً يهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية، ويهز نفوذها حول العالم).

  • ومن هنا جاءت زيارة وزير الخارجية الروسى (سيرغى لافروف) إلى بكين فى مارس ٢٠٢١، لمدة يومين من أجل التنسيق الأمنى المشترك لإقامة تحالف روسى – صينى، يضم عدداَ من الدول الحليفة للجانبين، خاصةً مع تزايد الضغط الأمريكى الذى دفع الجانبين الروسى والصين لمزيد من التقارب، والتخطيط للتقارب فى سياق إستراتيجى أعمق بين الجانبين.

  • وهنا نجد أن هناك تحالف قائم بالفعل بين (الصين وإيران وروسيا فى سوريا)، والتى تسعى لعمل (تحالف بالأمم المتحدة للتصدى للعقوبات الأمريكية ووضع معايير عادلة لإستخدام القوة فى الحالتين السورية والإيرانية). وإنضم للتحالف الروسى الصينى بالأمم المتحدة عدداً من الأعضاء المؤسسون الآخرون، هم دول: (الجزائر وأنغولا وروسيا البيضاء وبوليفيا وكمبوديا وكوبا وإريتريا ولاوس ونيكاراغوا وسانت فينسنت وغرينادين وسوريا وفنزويلا). وكلها دول حليفة للصين وروسيا وتجمعها بهم علاقات عسكرية وإقتصادية وسياسية قوية.

  • وتشير المؤشرات بأن (الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران)، فضلاً عن دولاً أخرى تسعى إلى (حشد الدعم لتحالف للدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة، وذلك من خلال التصدى لإستخدام القوة أو التهديد بإستخدامها، والعقوبات أحادية الجانب خاصةً تلك العقوبات الأمريكية المفروضة على دول بعينها بعيداً عن المجتمع الدولى والشرعية الدولية).

  • وتأتى تلك الجهود الروسية الصينية الجديدة بمشاركة ١٦ دولة – بالإضافة إلى فلسطين– لإنشاء هذه المجموعة فى الأمم المتحدة، فى مواجهة نهج إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” متعدد الأطراف مع الحلفاء لمواجهة النفوذ الصينى والروسى، فى تخلى عن النهج الأحادى الذى كان ينتهجه الرئيس السابق (دونالد ترامب)، الذى كان يركز على سياسة “أمريكا أولاً“.

  • وهنا تسعى بكين لتعزيز نفوذها العالمى من داخل وقلب الأمم المتحدة ذاتها فى تحدى حقيقى للزعامة الأمريكية التقليدية. وبدأت الصين مع روسيا بالفعل فى تشكيل مجموعة داخل الأمم المتحدة، تسمى: “مجموعة الأصدقاء المدافعين عن ميثاق الأمم المتحدة”، موجهة رسالة إلى المجتمع الدولى، كى تؤكد فيها، بأن: “التعددية الدولية الحقيقية والدعوة لعالم متعدد الأطراف، تواجه حالياً هجوماً غير مسبوق، وهو ما يهدد بدوره السلم والأمن العالميين”.

  • ويؤثر تنامى قدرات الصين وروسيا وتطور العلاقة بينهما على (شكل وطبيعة النظام الدولى الحالى، وعلى دور الولايات المتحدة بالتحديد فى قضايا الأمن العالمى والأمن المالى والنظام الإقتصادى)، ومن هنا يبدو إمكانية حدوث (تحولات جذرية جديدة فى شكل النظام الدولى الجديد يقودها تحالف بين الصين وروسيا فى بنية النظام الدولى).

  • ويمكننا التوقع على المستوى القريب والمتوسط، بأنه بات يتوقع أن يستمر المسار التصاعدى للعلاقات الروسية الصينية فى مواجهة تنامى الضغوط الأمريكية نحو التقارب أكثر، وحشد الكثير من “جبهة الأصدقاء والحلفاء“، ويتوقع أن تفعل الإدارة الديمقراطية الحالية للرئيس “جو بايدن” الشئ نفسه خاصةً بعد توقيع واشنطن لإتفاقيتى “كواد الرباعية وأوكوس الدفاعية الأمنية الجديدة”، حيث تظهر السياسات الأولية وما صدر من تصريحات عن (إدارة بايدن) بأنها: “تضع على رأس أولوياتها مواصلة الضغط على الصين وروسيا ومحاولة التأثير على العلاقة بينهما، وتقليل جبهة حلفائهم“.

  • ومن هنا، بدأت تتضح معالم النظام العالمى الجديد شيئاً فشيئاً مع (إنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أماكن تمركز قواتها حول العالم بما فيها سوريا لصالح الصين وروسيا وإيران أيضاً)، فقد بدأت سياسة جديدة تعتمد على (سياسة الأحلاف القديمة)، فظهر فجأة “تحالف أوكوس” الذي يجمع الولايات المتحدة الأمريكية مع  بريطانيا وأستراليا، وهنا يبدو أن (تحالف أوكوس الدفاعى الجديد سيكون بديلاً عن القواعد العسكرية الأمريكية)، وهى القواعد العسكرية المنتشرة حالياً فى كل بقعة بالعالم فى الوقت الحالى لأكثر من ٧٥٠ قاعدة عسكرية حول العالم، كما أن التحالف الأمريكى بتوقيع “إتفاقية أوكوس“، يأتى أيضاً بإعتباره جزء من (تحالف مخابرات العيون الخمس) الذى تشكل مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ويضم بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا، كلاً من كندا ونيوزيلندا.

  • ويبقى شكل التحالف المتوقع الأخير للصين فى أوروبا، وهو (تشكيل فرنسا وألمانيا لتحالف مع الصين فى مواجهة السياسات الأمريكية)، عبر إتباع (سياسة الإتجاه شرقاً صوب التحالف الصينى الروسى)، وذلك بحثاً عن مصالحهما الإقتصادية، ومن ثم السياسية والجيوستراتيجية.

  • ومن هنا، فإن التخوف الأمريكى بالأساس قائم بسبب تصاعد قوة الصين وروسيا والتحالف بينهما بشكل عسكرى وإقتصادى، عبر آليات: “الحزام والطريق” و “منظمة شانغهاي للتعاون”، وبالتالى أتى ذلك التكتيك الأمريكى بالإنسحاب بشكل إستراتيجى من أفغانستان، وهى إستراتيجية تعرف ب (سياسة الأرض المحروقة)، وإشعال المنطقة التى تضم وسط وغرب آسيا، من أجل (إشعال واشنطن لثورات ملونة داخل الدول الواقعة على طول الحزام والطريق فى منطقة وسط وغرب آسيا وشرق أوروبا حتى الشرق الأوسط)، بحيث يتم إستخدام الجماعات المتطرفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المقبلة.

  • ونفس السيناريو السابق، ينطبق على السياسات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط من خلال (ثورات الربيع العربى)، حيث (إستخدمت واشنطن تلك الجماعات المتطرفة فى سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا)، ونجد أن (نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر وسقوط حكم الإخوان المسلمين، وصمود وبقاء نظام الرئيس السورى “بشار الأسد” حتى الآن فى مواجهة التيارات المتشددة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”)، كان درساً قاسياً لواشنطن بفشل مخططها فى تمكين التيارات السياسية الإسلامية من الإستيلاء على سدة السلطة والحكم فى بلدان الشرق الأوسط.

  • ومن هنا تأتى الإستراتيجية الصينية، من خلال (نجاح الصين فى الإلتفاف على قيام واشنطن بخنق ممرات التجارة فى مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبى، بإنشاء الصين للممر الإقتصادى الصينى الباكستانى)، مما وفر نافذة أخرى للصين وحليفتها روسيا بمساعدة إيران على (بحر العرب والمحيط الهندى)، ما ضمن تدفق إمدادات النفط القادمة من الخليج وقناة السويس بسلاسة عبر أنابيب تصل حتى منطقة شينجيانغ شمال غربى الصين، ومن ثم يتم توزيعها على باقى المقاطعات الصينية الأخرى.

  • وبات واضحًا للعيان أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تمويل طموحاتها الإمبراطورية فى التوسع حول العالم، وبالتالى باتت واشنطن تنسحب وتقلل من نفوذها وتواجدها فى مناطق نفوذها  القديمة فى (العراق وأفغانستان والصومال والخليج العربى).

  • وكما نعلم، فإنه (لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية فتح جبهات حرب عديدة أو إنشاء المزيد من القواعد العسكرية حول العالم)، لذلك (جاء الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان، بمثابة خبر مهم لدافعى الضرائب بالولايات المتحدة الأمريكية، والذين يفضلون أن تذهب أموال الضرائب التى يدفعونها ليتم إنفاقها على الداخل الأمريكى وليس الخارج)، مثل: إنشاء وتحديث وصيانة المستشفيات والمدارس والطرق وغيرها، وهذا يعنى: (تحول الولايات المتحدة الأمريكية وتراجعها من دولة عظمى لدولة مهمة فقط).

  ومن هنا يبدو فى ظل هذه المتغيرات الجديدة فى معادلات القوة العالمية، بظهور (تحالفات جديدة تضم روسيا والصين، بالإشتراك مع دول أخرى صديقة وحليفة لها فى الشرق الأوسط كسوريا وإيران بالأساس، فضلاً عن دول أمريكا اللاتينية والكاريبى وآسيا)، ودول أخرى فى العالم، من أجل مواجهة (شبكة التحالفات الأمريكية)، وبهدف تطويق وكبح تلك القوة الأمريكية بتحالفاتها للإضرار بمصالح دول المنطقة المدعومة صينياً وروسياً بالأساس.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد