من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

تحليل تأثير التغير الجديد فى مضمون الخطاب السياسى الأمريكى والصينى على مستقبل النفوذ الصينى فى آسيا

         تحليل تأثير التغير الجديد فى مضمون الخطاب السياسى الأمريكى والصينى على مستقبل النفوذ الصينى فى آسيا، وإنعكاساته على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربى وإسرائيل وتحالفاتهم

الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

– العناصر الرئيسية فى التحليل

– أولاً: تحليل تأثير سياسة التحالفات الأمريكية فى عهد إدارة الرئيس “جو بايدن” على الصين وإنعكاساتها على الداخل الأمريكى                                                                                    

ثانياً: مستويات ومحاور الرؤية الصينية عملياً للتعامل مع واشنطن خلال فترة إدارة بايدن                   

ثالثاً: تقييم التحول فى النهج السياسى الصينى وسياسة رد الفعل الصينى تجاه واشنطن فى عهد إدارة بايدن                                           

رابعاً: إنعكاسات نقل وتركز التنافس الأمريكى تجاه الصين إلى منطقة “الإندو-باسيفيك” فى عهد “بايدن” على الشرق الأوسط وشكل العلاقة الجديدة بين جيش الدفاع الإسرائيلى وجيش التحرير الشعبى الصينى                                                            

خامساً: التأثيرات السلبية للتنافس الأمريكى الصينى على مستقبل المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط والخليج العربى                               

سادساً: تقييم لمؤشرات وإنعكاسات سياسة التحالفات الأمريكية على النفوذ الصينى عالمياً وإقليمياً فى الشرق الأوسط                                 

   بدأت مؤشرات السياسة الأمريكية تجاه الصين تتضح، وتعكس هذه السياسة نهجاً أمريكياً قائماً على الحوار، دون التخلى عن التشدد الذى تبنته إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب“. وفى هذا السياق، سنقوم بتحليل ماهية (التحول فى لغة الخطاب السياسى للصين تجاه سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة وتأثيره على الشرق الأوسط، ومحددات السياسة الصينية المقابلة). كما سنسلط الضوء من جهة أخرى على موقف دول الشرق الأوسط، لاسيما فى منطقة الخليج، مع إشتداد التنافس بين القوتين الكبيرتين.                                                      

– أولاً: تحليل تأثير سياسة التحالفات الأمريكية فى عهد إدارة الرئيس “جو بايدن” على الصين وإنعكاساتها على الداخل الأمريكى

  تركز تحركات إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن”، منذ توليه الحكم رسمياً فى يناير ٢٠٢١، إلى التركيز على بناء سياسة تجاه الصين قائمة على التحالفات. وتشمل هذه السياسة:                                                                          

١) محاولة التنسيق مع حلفاء واشنطن لمواجهة سياسات الصين الخارجية.                                        

٢) إعادة تعزيز نفوذ الولايات المتحدة فى المنظمات الدولية.

٣) كما أن هذا التوجه يبين أن محددات سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الصين ليست متصلة حصرياً بإدارة واشنطن للعلاقات الثنائية مع بكين، بقدر تأثرها بإدارة علاقاتها مع الدول الأخرى أيضاً.                                         

٤) وتنطلق “إدارة بايدن” من موقف ضعف فى منطقة شرق آسيا إثر سياسات إدارة ترامب السابقة الإنعزالية، وتأثير جائحة كورونا.                                                                         

٥) وقد أشار المسؤولين والمحللين الصينيين إلى أزمة (فشل ضغوط إدارة الرئيس السابق ترامب على كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية لزيادة إنفاقهما الدفاعى).                                                                      

٦) فى المقابل، كان نجاح الصين فى إقناع أغلب دول المنطقة للإنضمام إلى (الإتفاقية الإقتصادية الإقليمية الشاملة) أكبر ضربة للنفوذ الأمريكى.                                                                                              

٧) وفى منتصف مارس ٢٠٢١، إنعقدت قمة “كواد” التى ضمت زعماء (الولايات المتحدة، واليابان، والهند، وأستراليا)، وركزت على الصين. وأظهرت القمة أن بايدن يرغب في توسيع نطاق التعاون بين أعضاء المجموعة، ليشمل عناصر “القوة الناعمة” بالإضافة إلى بعدها العسكرى.                                 

 ٨) كذلك نلاحظ جولات وزيرى الخارجية “أنتونى بلينكن” والدفاع الأمريكى “لويد أوستين” إلى اليابان وكوريا الجنوبية أيضاً لتنسيق الجهود الأمريكية ضد الصين.                                                                       

٩) وقد أعلنت واشنطن عن عقد لقاء رفيع المستوى فى ألاسكا بين وزير الخارجية “أنتونى بلينكن” ومستشار الأمن القومى “جيك سوليفان” من جهة، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية فى الحزب الشيوعى الصينى “يانغ جيتشى” ووزير الخارجية “وانغ يى” من جهة أخرى.                                                   

١٠) وعلى المستوى الثنائى مع الصين، فنلاحظ (تبنى إدارة بايدن بعداً موازياً قائماً على التوازن بين الدبلوماسية في قضايا يتفق حيالها الطرفان، والردع فى الملفات الخلافية). والهدف الإستراتيجى الأمريكى من هذا النهج هو تبنى الحوار، لكن بدرجة أقل من إدارة الرئيس الأسبق “باراك أوباما“، بالتزامن مع الإبقاء على سياسة المواجهة، لكن بدرجة أقل من إدارة ترامب.                                 

١١) وتعد أحد أهم القضايا الخلافية التي من المتوقع أن تشغل أجندة البلدين، وتشهد إشتداد حدة التنافس بينهما، هى “التنافس التكنولوجى“. ويحلل البروفيسور الصينى (وانغ دا)، نائب مدير المعهد الأمريكى بجامعة جيلين الصينية، مسار هذا التنافس التكنولوجى بين واشنطن وبكين، قائلاً:                                                                        

“أن الولايات المتحدة ستستمر فى تبنى سياسة متشددة تجاه الصين فى مجالات معينة، كشبكات الجيل الخامس، الحوسبة الكمية والذكاء الإصطناعى، لكنها ستخفف من سياسة “الإنفصال العدوانية فى مجالات أخرى أقل حساسية”                                  

١٢) ونلاحظ هنا تعهد حملة بايدن خلال معركة الإنتخابات الأمريكية بتخصيص مبلغ ٣٠٠ مليار دولار للإبتكار، وسيكون ذلك بمثابة المحرك الرئيسى خلف سياسة الولايات المتحدة، بالتوازى مع (سعى واشنطن لتقويض قدرات الصين فى مجال العلوم والتكنولوجيا).                                                    

١٣) وعلى (الصعيد السياسى)، تبدو إدارة بايدن بلا خيارات سوى (التشدد تجاه الصين)، فأحد أهم الأهداف الإستراتيجية للرئيس بايدن هو إنهاء الإنقسام السياسى الداخلى. ويفهم من ذلك أن تبنى نهج مغاير عن إدارة ترامب تجاه الصين قد يعمق الإنقسام بشكل أكبر، ويعنى هذا الموقف المعقد بالنسبة للإدارة الأمريكية بأنه فى الوقت الذى تكاد “تنعدم الملفات التى قد تنتج توافقاً بين الديمقراطيين والجمهوريين”، يبدو “التهديد الصينى” القضية التوافقية الأهم على الساحة السياسية الأمريكية فى الوقت الحالى“.                                        

 ١٤) وتشير تحليلات أمريكية إلى أن من بين ربع إلى ثلث الرجال فى الولايات المتحدة قد يفقدون وظائفهم بحلول منتصف هذا القرن. بالإضافة إلى ذلك، تسبب إتساع نطاق العولمة، وعملية الرقمنة المتسارعة فى ضغط كبير على طبقة العمال فى بعض الولايات الحاسمة، والتى تسمى (ولايات حزام الصدأ) التى حقق فيها بايدن الإنتصار بصعوبة أو بشق الأنفس فى الإنتخابات الرئاسية الماضية فى مواجهة خصمه “ترامب“، وهى ولايات (بنسيلفانيا، ميشيغان، ويسكونسن)، وهو ما يعنى أن هذه الطبقة هى من سيحدد نتيجة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية مرة أخرى فى عام ٢٠٢٤.                 

١٥) وبناءً على تلك المعادلة السياسية المركبة تجاه سياسة التشديد الأمريكية فى مواجهة الصين، فإن إدارة الرئيس “بايدن” أعلنت توجهها لتشديد سياسة التجارة مع الصين، مع تأكيد إدارة “جو بايدن” على ضرورة “إعادة النظر فى إتفاق المرحلة الأولى من المفاوضات التجارية مع الصين، وعدم التسرع فى رفع العقوبات التجارية عنها“.                                                                

 ١٦) وعلى (المستوى الأمنى)، أصدر البيت الأبيض قواعد إرشادية لجميع الوكالات الأمريكية فى شهر مارس ٢٠٢١، نلاحظ أنه “ذكر خطورة الصين أمنياً أكثر من ٢٠ مرة“.                                              

١٧) وتعهد بايدن بأهمية الإتجاه إلى (تقوية الحضور العسكرى الأمريكى فى منطقة الإندو-باسيفيك)، والحصول على دعم اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا فى مواجهة ممارسات الصين “العدائية” فى منطقة شمال شرق آسيا وبحر الصين الجنوبى، وذلك إلى جانب دعم حلف الناتو، بإعتبارها مكونات أساسية فى الحلف الأمريكى ضد السياسات الصينية فى تلك المنطقة، وذلك وفقاً للرؤية الأمريكية الجديدة.                                                             

١٨) كذلك تعهدت الوثيقة الأمنية الأمريكية بأهمية “تقوية الشراكة الامريكية مع الهند وسنغافورة والفلبين وفيتنام وباقى دول آسيان لتقويض ومحاصرة الصين“.                                                            

١٩) ولتقويض ومحاصرة النفوذ الصينى، فقد أعلنت واشنطن فى شهر مارس ٢٠٢١ عن عدة خطط لبناء (شبكة صواريخ موجهة وعالية الدقة على طول ما يسمى بـ “سلسلة الجزر الأولى”، والتى تشكل خط الدفاع الإستراتيجى الأول بالنسبة للصين)، وتضم بالأساس “تايوان والفلبين“، فضلاً عن عدة جزر متنازع عليها بين اليابان والصين.                                                     

٢٠) كما ظهر بوضوح إتجاه إدارة بايدن لمضاعفة (الضغوط الإعلامية والدبلوماسية على الصين فيما يتصل بملف حقوق الإنسان فى هونغ كونغ وشينجيانغ والتبت، وفيما يتصل بالتحقيق الدولى الخاصة بمصدر إنتشار فيروس كورونا، إلى جانب ملف حرية الملاحة فى بحر الصين الجنوبى).                        

 ٢١) وفى المقابل، هناك ثمة ملفات تلتقى حولها وجهة نظر الصين والولايات المتحدة الأمريكية معاً، وذلك وفقاً للرؤية الأمريكية ذاتها، ومن هذه الملفات: (الحد من التسلح النووى، التغير المناخى، مكافحة الأوبئة)، وهى أسس لنقاط تعاون بين الجانبين، إذ ركز عليها بايدن خلال أول إتصال له مع الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى فبراير ٢٠٢١.                                                                                        

٢٢) لكن المعضلة الأساسية التى ستواجه “إدارة بايدن” تكمن فى (إختلاف رؤية أغلب دول جنوب شرق آسيا للتعامل الأمنى لمواجهة الصين عن الرؤية الأمريكية ذاتها)، وعدم قدرة دول آسيا الحليفة لواشنطن على تحمل ضغوط واشنطن الإستراتيجية لمواجهة النفوذ الصينى، والمدعومة أساساً بتفاعلات السياسة الداخلية فى الولايات المتحدة. فهذه الدول الآسيوية بالأساس تشترك مع الصين سياسياً واقتصادياً وجغرافياً وتاريخياً بمصير مشترك. وفوق ذلك، لا ينظر أغلبها إلى العلاقات الأمريكية الصينية بإعتبارها “معادلة صفرية” كما هو الحال فى واشنطن.                                                          وهنا، نلاحظ مما سبق، تناقض سياسات ورؤية الإدارة الأمريكية مع حلفائها فيما يخص الصين، ومن ثم، سيكون على الولايات المتحدة (إبتكار صياغات جديدة فى تعاملها مع كل دولة على حدة وفقاً لمصالحها)، وهذه تعد أهم عقبة فى علاقات واشنطن بحلفائها إزاء التعامل مع الصين.                        

ثانياً: مستويات ومحاور الرؤية الصينية عملياً للتعامل مع واشنطن خلال فترة إدارة بايدن

  عند تحليل الرؤية الصينية للتعامل مع واشنطن، فربما لدى الصين بعض الأدوات والوسائل التى يمكنها إستخدامها لممارسة ضغوط فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وتأتى (الورقة الإيرانية) هى الخيار الرابح بالنسبة للصين، ففى إعتقادى الشخصى والتحليلى فإنه (ستلعب إيران بضغط من الصين وروسيا دوراً مهماً فى سوريا والعراق واليمن، لتحقيق التوازن مقابل النفوذ التركى والعكس صحيح. وستقود روسيا محادثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، مما يعزز هبوط وتراجع مؤشرات النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط).                          

ونلاحظ بأن وجهة النظر السائدة فى الصين تجاه الولايات المتحدة الأمريكية تتشكل وتتركز بالأساس على (ثلاثة مستويات)، كالتالى:                                                                                     

١) المستوى الأول: ينبع من قناعة مفادها أن (قدرة الدول المحايدة على عدم الإختيار بين القطبين الكبيرين ستصبح ضئيلة فى المستقبل)، وأحد أهم القطاعات التى سيكون على هذه الدول الإنحياز فيها لطرف على حساب الآخر هو “النموذج التكنولوجى“. ويشبه بعض الأكاديميين الصينيين هذه العملية بـ “الاختيار بين آبل وأندرويد“، بمعنى أن السباق التكنولوجى بين الجانبيبن سينتج معسكرين يقدم كلاهما تقنيات خاصة ومختلفة عن المعسكر الآخر. وسيتسبب الضغط السياسى من قبل بكين وواشنطن، أو ما يعرف بسياسة “الانفصال“، فى عدم الدمج بينهما من قبل الدول المحايدة.                                       

٢) المستوى الثانى: يرتكز على (قاعدة العلاقات الثنائية)، فقد باتت القيادة الصينية تدرك أن (بقاء العلاقات مع الولايات المتحدة عند مستويات منخفضة أمر حتمى بسبب تفاعلات السياسة الداخلية فى واشنطن)، لكن يمكن أيضاً تشريح الدور الصينى الفعال والمساهم وفقاً لتحليل المشهد الراهن فى خلق التوافق الداخلى الأمريكى حول التشدد تجاه الصين، وهى نقطة ترفض بكين الحديث عنها.                                                                                                

   وعلى الجانب الصينى، لا تختلف فلسفة النظرة الصينية الداخلية للولايات المتحدة كثيراً عن التوافق الأمريكى حول الصين، فالمنطلقات الأساسية للسياسة الخارجية الصينية، منذ صعود الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لقيادة الحزب والدولة، تتلخص فى القوة والدفاع عن حالة “الأنا” العليا فى مواجهة سياسات الهيمنة الأمريكية. فالرئيس “شى جين بينغ” يسعى إلى تقديم نفسه للصينيين بإعتباره قائداً أقوى من الزعيم “دينغ شياوبينغ“، وفى نفس الوقت، يحاول “شى” توظيف المشاعر القومية المكثفة لتصوير نفسه نموذجاً محدثاً من “ماو تسى تونغ”.                                                                               

٣) المستوى الثالث: ينطلق من نظرية صينية عامة وشاملة تقترح (أن نفوذ الولايات المتحدة يتراجع بسرعة، في مقابل صعود الصين). وخلال “المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعى“، تعهد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بـ “جعل الصين قوية وغنية”، وأن تتحول إلى القوة الأولى عالمياً بحلول عام ٢٠٥٠. وخلال إجتماع عقد فى الأسبوع الأول من مارس ٢٠٢١، ردد الرئيس “شى جين بينغ” فى العلن عبارة “الشرق ينهض والغرب يتراجع” التى تحولت فى الآونة الأخيرة إلى (شعار موحد ضمن غالبية خطابات المسؤولين الصينيين). وكشف كذلك عن رؤيته للولايات المتحدة بإعتبارها “أكبر تهديد على التنمية والأمن” فى الصين.                                                                       

وبتحليل النظرة الصينية المركبة للصين تجاه الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تتضمن عنصراً مهماً قد يكون أقل وضوحاً وهو أن إعتقاد القيادة الصينية بأن “الغرب يتراجع” لا ينفى إيمانها أيضاً بأن الولايات المتحدة ما زالت هى القوة المهيمنة فى العالم، وستبقى كذلك لفترات طويلة مقبلة. وتعرف تلك السياسة (بالنظرية الواقعية الصينية)، وذلك إستناداً إلى محدودية القدرات الصينية، وإلى قناعة بأن الصين ما زالت غير قادرة على أن تقدم بديلاً عن الولايات المتحدة.                                                                      

ثالثاً: تقييم التحول فى النهج السياسى الصينى وسياسة رد الفعل الصينى تجاه واشنطن فى عهد إدارة بايدن

  لقد تحولت الصين إلى إتباع وتبنى سياسية أكثر جرأة فى تحدى واشنطن بعد عقود من التردد الصينى في الإعلان عن ذلك، نتيجة لتلك الإستفزازت الأمريكية للصين وعقدها سلسلة من التحالفات والإستقطابات الأمريكية الموجهة ضد الصين، وهو الأمر الذى أستلزم تقييم كافة أبعاد الرؤية الصينية للتعامل مع تلك الضغوط الأمريكية المتزايدة عليها، على النحو الآتى:                                                    ١) أسرعت الصين، خلال عام ٢٠٢٠، من إجراءاتها لتعظيم القوة الصينية فى مواجهة ضغوط واشنطن، وزادت كذلك من تحركاتها فى المنظمات الدولية، مثل منظمتى (الصحة والتجارة العالميتين)، ضمن السعى للتأثير فى تركيبة النظام العالمى.                                                                      

٢) كما أعادت الصين توظيف آليات تعاون دولى موجودة بالفعل، من قبيل “مبادرة الحزام والطريق”، لكى تتناسب مع الجائحة وتحول التكنولوجيا إلى قضية مركزية فى العلاقات الدولية.                                                      

٣) وكثفت الصين أيضاً تواصلها الدبلوماسى مع الدول المجاورة لها، كاليابان وكوريا الجنوبية ودول الآسيان. وبالإضافة إلى ذلك، وقعت إتفاقاً كبيراً للإستثمار الحر مع الإتحاد الأوروبى.                                                                       

٤) وبالتزامن مع الضغوط الأمريكية ضد الصين، فقد أظهرت بكين ثقة أكبر بالنفس إزاء الإنتقادات الخارجية المتعلقة بتعاملها المتشدد بثقة مع قضايا حقوق الإنسان فى هونغ كونغ وشينجيانغ والتبت، وإنتهاكها لسيادة تايوان، وممارساتها فى بحر الصين الجنوبى.                                                                              

 ٥) وتوضح هذه السياسات أن الممارسات الصينية المتشددة ربما تنضوى على رغبة القيادة فى القيام بها فقط من أجل الإعلان عن إمتلاك بكين القدرة على فعلها، وتحدى الغرب، وتأكيد قوتها. لكن هذا التموضع المتشدد ربما قد تسبب فى إنتقادات للحكومة الصينية، ويقول “شى ينهونغ“، وهو أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة رينمين فى الصين، محللاً شكل العلاقة الراهنة بين واشنطن والصين من خلال:                                                                        

 “أن مجرد قدرة الصين على إتخاذ إجراء مضاد لا يعنى أنها يجب أن تفعل ذلك دائماً”                                  

 ٦) وبالنظر إلى هذه المعادلة المعقدة، يمكن إستنتاج أنه لم يعد هناك حوافز أمام الرئيس “شى جين بينغ” لتغيير سلوك واشنطن تجاه الصين، بالنظر للقناعة الصينية، القائلة “أن الولايات المتحدة لا ترغب فى تخفيف حدة المواجهة”.                                                                  

٧) لكن ثمة نقطة ضعف قد تستغلها قيادات الحزب الشيوعى الصينى على تبنى واشنطن لسياسات أكثر اعتدالاً، وهى “التعددية الدولية“. ففى وقت تبدو فيه إحتمالات تحسن العلاقات بسبب التواصل على المستوى الثنائى معقدة، فهنا يبدو الخيار الأفضل بالنسبة للصين هو (تشكيل تحالفات متينة مع عدد كاف من الدول، والتى تمكنها من بناء تحالف مضاد فى وجه نزعة بايدن نحو قيادة النظام الدولى).                                                               

٨) وتحمل سياسات التحالفات الأمريكية فى طياتها (خطر تصاعد النزعة القومية فى الصين)، خصوصاً وسط تأكيد المسؤولين الصينيين فى كافة وسائل الإعلام الصينية حول (سعى واشنطن لإعادة بناء التحالفات بوصفها خطوة موجهة ضد أمن الصين ومصالحها)، لإجبار الصينيين على تقديم تنازلات مهمة على المدى البعيد للجانب الأمريكى، وهو أمر مرفوض صينياً.                                

ويبقى التحليل النهائى هنا للباحثة المصرية، هى بأنه ربما بعد جائحة كورونا “دخل العالم الحرب الباردة الثانية رسمياً، وهذه المرة بين الغرب والصين“. وهنا فنجد رغم تلك الضغوط الأمريكية المتزايدة على الصين من خلال سياسة التحالفات والإستقطابات الأمريكية الموجهة للصين بالأساس، إلا أن هناك “عوامل متعددة توحى فعلياً بصعوبة تفكيك الولايات المتحدة الأمريكية والغرب للصين، بالشكل الذى نجح فى عمله مع الإتحاد السوفييتى، لكن مع إستمرار المحاولات لعرقلة ومحاصرة النفوذ الصينى عبر فرض إستقطاب عالمى حاد بشعارات عديدة كالديمقراطية فى مواجهة الإستبدادية والشيوعية أو مع القيم الليبرالية الإنسانية أو ضدها“.                                                                    

  وربما يشهد العالم الآن التحول إلى ما يشبه (حرب باردة جديدة ثلاثية القطبية)، أى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، خاصةً مع توالى وإستمرار ملامح المنحى الصدامى الأمريكى إزاء كلاً من روسيا والصين حول مناطق نفوذهما وتواجدهما فى العالم.

رابعاً: إنعكاسات نقل وتركز التنافس الأمريكى تجاه الصين إلى منطقة “الإندو-باسيفيك” فى عهد “بايدن” على الشرق الأوسط وشكل العلاقة الجديدة بين جيش الدفاع الإسرائيلى وجيش التحرير الشعبى الصينى

  كان لتوقيع الولايات المتحدة الأمريكية (إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة وإتفاقية كواد الرباعية مع اليابان والهند وأستراليا)، تداعيات مستقبلية كبيرة على منطقة الشرق الأوسط وتوازنات القوة والنفوذ بداخله، بالنظر لما لها من أهمية جيوسياسية كبيرة، فبموجب تلك الإتفاقيات الأمريكية الجديدة فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، سيتعين أن (تواجه الصين تحالفاً دفاعياً قوياً جديداً فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، ثم نقل هذا الصراع الصينى برمته إلى منطقة الشرق الأوسط والملف النووى الإيرانى وزيادة النفوذ الصينى فى المضائق البحرية والممرات المائية فى الشرق الأوسط)، وهو تحالف رحب به الشركاء الإقليميون مثل اليابان. كما توضح الدول الثلاث فى التحالفات والإستقطابات الأمريكية الإقليمية الجديدة “اليابان، الهند، أستراليا“، بأن مثل هذه الإتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية تعد بمثابة (فرصة تاريخية لهم ولحلفائهم لحماية القيم المشتركة وتعزيز الأمن والإزدهار فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ). ونجد على الناحية الأخرى، بأن تلك الإتفاقيات والتحالفات الأمريكية فى منطقة “الإندو-باسيفيك” المحيطة بالصين، ستنعكس بشكل أو بآخر وربما متزايد على منطقة الشرق الأوسط، لإضطرار الصين إلى نقل الصراع والتنافس مع واشنطن إلى المنطقة وإسرائيل وإيران، وذلك سيكون له مآلات وتداعيات مستقبلية دول الإقليم فى الشرق الأوسط والخليج العربى، على النحو الآتى:                              

١) زادت معادلة التنافس بين الولايات المتحدة والصين فى الشرق الأوسط منذ تولى إدارة بايدن الحكم، وهنا أصبح (وضع الدول المحايدة فى المنتصف أكثر صعوبة). وأحد المناطق التى قد تشهد تصاعداً فى حدة التنافس بين الجانبين، هى الشرق الأوسط.                                                                               

٢) ولفهم رؤية الدول الإقليمية لمصالحها مع القوتين، يجب النظر إلى المؤشرات الأولية الصادرة عن إدارة بايدن تجاه المنطقة. فقد بات واضحاً أن الإدارة الأمريكية لديها رغبة فى إعادة صياغة مقاربتها تجاه المنطقة، لكن (من غير الواضح بعد مدى عمق هذه الخطوة الأمريكية وتأثيرها على البنية الأمنية الإقليمية التى ترعاها الولايات المتحدة، خصوصاً فى منطقة الخليج العربى).                                     

 ٣) وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكى “لويد أوستين” عن إجراء مراجعة إستراتيجية شاملة لوضع القوات الأمريكية حول العالم بما فيها الشرق الأوسط. ويبدو أن المسؤولين فى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” يتجهون إلى إعادة النظر فى وضع القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط، وهو ما قد يفهم منه (ليس شرطاً تقليصها)، لصالح زيادة حجم القوات فى منطقة “الإندوباسيفيك”.               

  ٤) وفى الوقت الحالى، جاء تركيز إدارة بايدن على (إنهاء حرب اليمن، إعادة إحياء مسار التفاوض حول الملف النووى الإيرانى)، ولم تظهر إهتماماً كبيراً بملفات محورية أخرى.                                               

٥) وبالتوازى مع النهج الأمريكى السابق، فقد قلص مستشار الأمن القومى الأمريكى “جيك سوليفان” من عدد خبراء الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى الأمريكى، ورفع بشكل ملحوظ عدد وتراتبية خبراء “الإندو-باسيفيك”.            

٦) كما قام وزير الدفاع “لويد أوستين” بتعيين ثلاثة مستشارين له، جميعهم من خبراء آسيا، ولم يكن من بينهم متخصصون فى قضايا الشرق الأوسط، وذلك على عكس نهج كافة الإدارات الأمريكية السابقة، وذلك لخطورة الصين، وفقاً للإستراتيجية الأمنية الأمريكية الحالية.                                                                                                 

٧) وتعكس هذه الخطوات الأمريكية تجاه الصين رؤية إدارة بايدن للعالم من منظور “نظرية صراع القوى الكبرى“، والذى ساد أيام الحرب الباردة، وتراجع الشرق الأوسط على قائمة أولوياتها.               

٨) وعلى الجانب الإسرائيلى الصينى، فستحاول بكين لعب دوراً متزايد فى الداخل الإسرائيلى للتقارب مع تل أبيب على حساب واشنطن. وهنا نلاحظ مدى (سعى وجدية الشركات الصينية للحصول على عقود لتشغيل الموانئ الرئيسية الإسرائيلية، فقد كانت واشنطن قلقة بشكل خاص من فوز إحدى الشركات الصينية بمناقصة لإدارة ميناء فى حيفا، حيث يرسو الأسطول السادس للبحرية الأمريكية).                                                                   

٩) وربما يأتى التحليل المستقبلى فى (محاولة الصين اللعب على تحدى المصالح الأمريكية داخل إسرائيل، والتخطيط المستقبلى الصينى من أجل إدارة جميع الموانئ الإسرائيلية، وبالتالى السيطرة على ممرات الشحن فى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر). وهو أكثر ما تتخوف منه واشنطن.                    

١٠) وبالإضافة إلى رغبة الصين فى الإستثمار والتواجد فى مشروعات البنية التحتية الحيوية فى إسرائيل، فإن (الصين تحاول الحصول على تلك التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة، ومحاولة الحصول على أى معلومات إحتكارية يمكن حصادها صينياً من قبل الشركات الإسرائيلية للإستفادة منها فى نواحى التقدم والإبتكار الصينى)، وبالتالى تحدى التقدم التكنولوجى الأمريكى من البوابة الإسرائيلية.                                                    

١١) ويبقى الأهم والأخطر بالنسبة لى تحليلياً، هو محاولات جمهورية الصين الشعبية الحصول على كافة الأسرار التجارية الإسرائيلية ذات الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية، بل والأخطر مستقبلياً هو (تقارب جيش التحرير الشعبى الصينى من جيش الدفاع الإسرائيلى، والذى يعتمد بشكل كبير على المعدات الأمريكية المتقدمة مثل المقاتلة “إف ــ ٣٥”).                                    

١٢) ومن وجهة نظرى التحليلية، يبقى التوقع بأنه (إذا نجحت الصين فى زيادة قدرتها على التواجد ومراقبة الجيش الإسرائيلى والتسلل إليه، فقد يتيح ذلك لبكين الحصول على كافة الأسرار التكنولوجية العسكرية الأمريكية من إسرائيل مباشرةً، وهنا مكمن الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية من أن تكون إسرائيل قناة يحقق من خلالها جيش التحرير الشعبى الصينى المزيد من التكافؤ مع القوات المسلحة الأمريكية). وهو ما تحاول واشنطن التصدى لها من ناحية تل أبيب لمواجهة النفوذ الصينى هناك، حيث أنه لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية بأى حال من الأحوال أن تسمح بوقوع تقنيتها العسكرية فى أيدى خصمها الرئيسى وهو الصين.                                                                                                            

وربما فإن التحليل النهائى هنا، يفسر (غياب التفكير الأمريكى لإستراتيجية واضحة إلى الآن لمواجهة النفوذ الصينى المتزايد فى المنطقة والعالم)، وربما يعد إستمراراً لنفس نهج إدارة “ترامب“، فإن الولايات المتحدة تظهر إهتماماً بما لا تريد، دون أن تقدم رؤية واضحة للنتائج التى تريد الوصول إليها من هذا الصراع.                                                                       

خامساً: التأثيرات السلبية للتنافس الأمريكى الصينى على مستقبل المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط والخليج العربى                   

ربما ظهرت العديد من التداعيات المحتملة والتأثيرات السلبية جراء التنافس الأمريكى الصينى إقليمياً وعالمياً، وهذا الصراع الممتد بينهما قد إمتد إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل أو بآخر، وخاصةً بعد توقيع إتفاقيات السلام الإسرائيلية مع عدد من دول الخليج (الإمارات والبحرين)، وذلك برعاية أمريكية، وهو ما أدى لتخوف الصين من زيادة النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط وبالأخص الخليج العربى والإمارات بسبب كثافة التواجد الإسرائيلى فى المنطقة. وبناءً عليه حللت الباحثة المصرية عدداً من المؤشرات السلبية لمسار التنافس الأمريكى الصينى، وتحليل مدى إنعكاساتها المستقبلية على منطقة الشرق الأوسط، من خلال الآتى:

١) حدوث تعطل لصادرات النفط من الخليج، إنطلاقاً من رغبة الإستمرار فى ضمان تدفق الطاقة كأحد أدوات الحفاظ على النظام العالمى.                                                                  

 ٢) قيام الصين بتطوير شبكات الجيل الخامس، وتشغيلها فى دول المنطقة، وإرتباط ذلك بـ “الحرب الباردة التكنولوجية المرشحة للتفاقم فى المنطقة، وما يمكن أن يحدثه من مخاطر على التعاون الأمنى بين واشنطن ودول المنطقة“.                                                                      

٣) إتساع نطاق الموانئ الإستراتيجية التى تستفيد منها الشركات الصينية، ضمن مشاريع الحزام والطريق. وتكمن مخاوف الولايات المتحدة من إمكانية تحول هذه الموانئ المدنية إلى قواعد عسكرية فى أوقات الصراع.                         

٤) إلى جانب ذلك، ثمة قلق أمريكى من تعذر ضمان تدفق التجارة الأمريكية مع دول المنطقة والعالم بشكل عام، وهو ما قد يتسبب في إرتباك الإقتصاد الأمريكى، خاصةً عند حدوث أى مواجهة مع الصين.                                             

 ٥) وفى المقابل، تبدو أهداف الصين فى المنطقة أكثر وضوحاً وأقل تعقيداً. ويتركز الإهتمام الصينى على الحفاظ على أمن الممرات الملاحية، وإستمرار تدفق النفط، وضمان مصالح الصين التجارية والإستثمارية الواسعة مع دول المنطقة.                                                                      

 ٦) وقد أظهرت إدارة بايدن التزاماً بالإبقاء على دورها كضامن للمظلة الأمنية، رغم إختلاف أدواتها فى فعل ذلك عن الإدارة السابقة. ويعزز هذا الواقع الرغبة الصينية فى الإبتعاد عن صراعات المنطقة، التى ينظر لها فى الصين بإعتبارها معقدة وبعيدة.                                                               

 ٧) فمقاربة الصين لمشاريع مبادرة الحزام والطريق فى الشرق الأوسط فريدة، وتختلف عن باقى دول العالم، إذ تمتاز بدرجة عالية من الهدوء والبعد عن الدعاية، وهو تصرف مرتبط برغبة الصين بعدم إيصال رسائل بأنها تسعى لتحدى الولايات المتحدة فى المنطقة. وطالما إستمر دور الولايات المتحدة الإقليمى، ستستمر الصين فى الإستفادة منه فى المدى المنظور، وستبقى بعيدة عن الإنخراط بشكل أعمق فى قضايا الشرق الأوسط.                                               

 ٨) ويمكن إعتبار الشرق الأوسط المنطقة الحيوية الوحيدة فى العالم التى تلتقى فيها مصالح الصين مع الولايات المتحدة، بما فيها حرية الملاحة والإتفاق النووى الإيرانى، والسعى لإنهاء “الحروب الدائمة“. والسبب فى ذلك ليس فقط رغبة الصين فى عدم تحمل أعبائها مع الولايات المتحدة، لكن أيضاً لتراجع مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة خلال السنوات الماضية.                                     

 ٩) ورغم ذلك، يظل التنافس التكنولوجى بين الجانبين نقطة ساخنة. وتقود المؤشرات إلى الآن للإعتقاد بأن الساحة الدولية، وفى القلب منها الشرق الأوسط، ستشهد تشكل (عالم تكنولوجى ثنائى القطبية). وتدرك دول المنطقة أن هذا الواقع الجديد سينتج ضغوطاً كبيرة عليها فى المستقبل، كما حدث مع إسرائيل فيما يخص شبكات الجيل الخامس فى عام ٢٠١٩ حتى الآن.                             

 ١٠) لكن الدول الإقليمية، وخصوصاً فى منطقة الخليج، تواجه مأزق (عدم إمتلاك الولايات المتحدة بدائل لتقنيات إستراتيجية، كشبكات الجيل الخامس والذكاء الإصطناعى، التى تشمل عنصراً أساسياً فى خططها التنموية بعيدة الأمد)، من قبيل رؤية ٢٠٣٠ فى السعودية، والرؤية الإقتصادية ٢٠٣٠ فى دولة الإمارات. وفى المقابل، لا تملك الصين وروسيا بدائل دبلوماسية أو عسكرية قد تتمكنان من خلالها من (إزاحة الولايات المتحدة بوصفها ضامناً للمعادلة الأمنية الإقليمية).                                       

١١) وعلى المستوى الإقتصادى، تمر أغلب دول المنطقة بتحولات إقتصادية عميقة، تشمل تغييرات بنيوية، مثل: (التحول من الإعتماد على النفط إلى الرقمنة، وتحديث روافد الإقتصاديات الوطنية). وهنا نجد أن العلاقات مع الصين فى قلب هذه الخطط، إذ أصبحت الصين أكبر شريك تجارى لعدد كبير من دول المنطقة منذ عام ٢٠١٦، وباتت معدلات النمو الإقتصادى فى العديد من بلدان الخليج العربى والشرق الأوسط تعتمد على علاقاتهم بالصين.                                                                                 

١٢) وهنا نجد أنه رغم أن الولايات المتحدة لم تقدم إلى الآن بديلاً عن مبادرة الحزام والطريق، فربما قد تستهدف واشنطن عبر ضغوطها بعض المشاريع المرتبطة بالمبادرة فى المنطقة.                                                                         

١٣) وكما تحاول الصين التوازن فى علاقاتها مع الخصوم فى الشرق الأوسط، سيصبح على دول الشرق الأوسط، فى المستقبل القريب، محاولة الموازنة فى علاقاتها مع القوى الكبرى فى العالم، وبالأخص فى ظل التحالف الصينى الروسى فى المنطقة والعالم.                                                        

 ١٤) وبدأت هذه الرؤية فى التبلور سريعاً، فقد أجرى وزير الخارجية الروسى (سيرغى لافروف) جولة خليجية فى مارس ٢٠٢١، شملت (الإمارات والسعودية وقطر). كذلك، إستقبلت قطر والكويت المسئول الصينى (يانغ جيتشى) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى فى شهر فبراير ٢٠٢١، حيث إلتقى خلالهما زعيمى البلدين.                                                       

١٥) وتهدف محاولات الصين فى الشرق الأوسط إلى تنويع العلاقات وتخفيف ضغط واشنطن على شركائها فى الخليج، وإظهار إمتلاكها لخيارات واسعة، لكن دون إرسال إشارات تمس أسس العلاقة مع الولايات المتحدة ذاتها.                                                                         

١٦) ولكن نجد (تخوف دول المنطقة وترددها فى توسيع العلاقات الأمنية مع الصين خصوصاً). وتتصل هذه التحفظات (بعدم إمكانية الوثوق بالصين التى تصر على النظر إلى دول مجلس التعاون وإيران على قدم المساواة).                                                                     

 ١٧) وفوق ذلك، تتخوف الدول الإقليمية الرئيسية فى الشرق الأوسط من (عدم إمتلاك الصين للمقومات الأمنية اللازمة للإنغماس فى سياسات المنطقة ومحدودية الإمكانيات الأمنية الصينية، وربما عدم الرغبة الصينية وغياب إرادتها للقيام بدور كبير فى الشرق الأوسط).                                       

وهنا يمكننا إستنتاج أن (دول الخليج خصوصاً لا ترغب بإستبدال الولايات المتحدة بأى قوة أخرى، لكنها ترى فى إتساع نطاق دور الصين الإقتصادى والإستثمارى فى المنطقة عنصر ضغط على الإدارة الأمريكية لإعادة رفع مستوى إلتزامها بقضايا المنطقة، ودعم سياساتها).                                          

سادساً: تقييم لمؤشرات وإنعكاسات سياسة التحالفات الأمريكية على النفوذ الصينى عالمياً وإقليمياً فى الشرق الأوسط

تعكس المؤشرات الأولية لسياسة إدارة بايدن تجاه الصين بعض المؤشرات التالية:                                                                    

١) رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى إستئناف الحوار الثنائى، دون التخفيف من النهج المتشدد الذى تبنته (إدارة ترامب). وتبدو إدارة بايدن بلا خيارات سوى التشدد تجاه الصين.                                                         

٢) ويشير التنافس بين الجانبين الأمريكى والصينى ببدء (تشكل عالم تكنولوجى ثنائى القطبية)، سيكون على الدول المحايدة فيه الإختيار بين نموذجين مختلفين.                                                                      

٣) ورغم ترديد المسؤولين الصينيين لخطاب يتمحور حول “صعود الشرق وتراجع الغرب”، تؤمن القيادة الصينية أن الولايات المتحدة ستبقى القوة المهيمنة فى العالم لعقود مقبلة، وأن الصين لا تستطيع بعد تقديم بديل لها.                      

٤) وهنا تمتلك واشنطن سلاحاً لا تستطيع الصين مضاهاته فى الوقت الحالى، وهو (سياسة التحالفات الأمريكية). فالمقاربة متعددة الأطراف تشكل خطراً إستراتيجياً على الصين، فى محاولة أمريكية لإجبار الصين على دراسة تقديم تنازلات.                                                                       

٥) وبعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة وإتفاقية كواد الرباعية مع اليابان والهند وأستراليا، بدأت شكوك حول (سعى واشنطن لربط إتفاقية كواد الرباعية الرباعية مع إتفاقية دول مجموعة الآسيان مما يشكل تحالف أمريكى إقليمى أقوى لتقييد التحركات والتحالفات والإستقطابات الصينية الإقليمية مع منطقتها المحيطة)، لذلك جاء الرد حول علاقة “كواد” برابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان“، بالتأكيد الرسمى من رابطة الآسيان، بأنه: “ليس لدى “كواد” هدف عسكرى”، وأن إتفاقية كواد الرباعية ربما ستكون “مكملة” لمبادرات إقليمية أخرى“. وهنا، يخشى بعض أعضاء “دول مجموعة الآسيان” التى تضم نحو عشر دول من جنوب شرق آسيا، أن تؤدى الحملة الأمريكية فى المنطقة إلى تصعيد مع الصين.                         

٦) ولا شك أن توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية أوكوس النووية الدفاعية الجديدة مع أستراليا وبريطانيا والتسبب فى إلغاء صفقة الغواصات الأسترالية مع فرنسا، قد (يؤدى لتشكيل تحالف صينى فرنسى أوروبى)، ونجد بأن باريس التى فوجئت بإعلان تشكيل تحالف عسكرى بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا، ستتابع من كثب مواقف الرئيسين (بايدن ومودى)، فى الوقت الذى تعتمد فيه فرنسا كثيراً على الهند كشريكة فى منطقة المحيط الهندى.             

٧) ويبدو الموقف أكثر تعقيداً فى جانب دول منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت بلدان المنطقة تتعرض لضغوط أمريكية، خصوصاً فيما يتعلق (بشبكات الجيل الخامس ومشاريع أخرى مرتبطة بموانئ إستراتيجية، وعلى رأسها إسرائيل نفسها، والتخوف الأمريكى من التواجد الصينى فى موانئ حيفا)، مما يهدد الأمن القومى الأمريكى، ويتيح للصينيين إحتمالية مراقبة التحركات البحرية الأمريكية فى إسرائيل، وتهديد المصالح الأمريكية فى إسرائيل والمنطقة.                                                                      

  وبناءً عليه، فإن التحدى الذى بات يواجه الولايات المتحدة الأمريكية وشبكة تحالفاتها العالمية هو (تحسين الوضع أو النموذج الأمنى الأمريكى فى بحر الصين الجنوبى والمنطقة الآسيوية، وتحسين موقع الولايات المتحدة الأمريكية الإقتصادى فى منطقة جنوب شرق آسيا).                                     

لذلك فإن الجهد الأمريكى المبذول لإحياء تحالف كواد الرباعى قد يشير إلى (نهج إدارة بايدن حيال الصين التى تقدم على أنها منافسة عندما يلزم الأمر، ومتعاونة عندما يكون ذلك ممكنا، وفى المواجهة حين يلزم الأمر كذلك)، وتلك هى ربما من وجهة نظرى البحثية والتحليلية خلاصة مؤشر العلاقات الأمريكية الصينية وتطورها إقليمياً وعالمياً.                                                         

المراجع

  1. “In ‘Historic’ Summit Quad Commits to Meeting Key Indo-Pacific Challenges”, The Diplomat, March 13, 2021. Available at:

thediplomat.com/2021/03/in-historic-summit-quad-commits-to-meeting-key-indo-pacific-challenges/

  1. Pamuk, Humeyra, and Kiyoshi Takenaka. “Biden’s Secretary of State Makes Overseas Debut with Visit to Japan, Korea”, Reuters, March 15, 2021. Available at:

www.reuters.com/article/us-usa-asia-blinken-japan-idUSKBN2B71C9

  1. Zheng, Sarah. “Will Alaska Meeting Reduce US-China Divide? Depends Who You Ask”, South China Morning Post, March 14, 2021. Available at:

www.scmp.com/news/china/diplomacy/article/3125348/china-us-relations-why-expectations-are-low-next-weeks-alaska

  1. Heydarian, Richard Javad. “Biden’s China Policy: Balancing Engagement with Deterrence”, Al Jazeera, January 1, 2021. Available at:

www.aljazeera.com/opinions/2021/1/1/bidens-china-policy-balancing-engagement-with-deterrence

  1. “The Biden Plan to Ensure the Future Is ‘Made in All of America’ by All of America’s Workers”, Joe Biden for President: Official Campaign Website, October 7, 2020. Available at:

joebiden.com/made-in-america/

  1. “How Biden Will Shape the US–China Relationship”, East Asia Forum, February 14, 2021. Available at:

www.eastasiaforum.org/2021/02/15/how-biden-will-shape-the-us-china-relationship/

  1. Summers, Lawrence. “Men Not at Work: Lawrence Summers on America’s Hidden Unemployment”, Financial Times, September 23, 2016. Available at:

www.ft.com/content/eb0c4aa4-80b5-11e6-8e50-8ec15fb462f4

  1. Writer, Staff. “Biden Vows to Defend Allies from China in Security Guidance”, Nikkei Asia, Marchv3, 2021. Available at:

asia.nikkei.com/Politics/International-relations/Biden-s-Asia-policy/Biden-vows-to-defend-allies-from-China-in-security-guidance

  1. Writer, Staff. “US to Build Anti-China Missile Network along First Island Chain”, Nikkei Asia, March 3, 2021. Available at:

asia.nikkei.com/Politics/International-relations/Indo-Pacific/US-to-build-anti-China-missile-network-along-first-island-chain

  1. “US-China Relations: Details Released of Biden’s First Call with Xi”, BBC News, February 11, 2021. Available at:

www.bbc.co.uk/news/world-56021205

  1. Chris Buckley. “’The East Is Rising’: Xi Jinping Maps out China’s Post-Covid Ascent”, Business Standard, March 4, 2021. Available at:

www.business-standard.com/article/international/the-east-is-rising-xi-jinping-maps-out-china-s-post-covid-ascent-121030500024_1.html

  1. Zheng, William. “China’s Officials Play up ‘Rise of the East, Decline of the West’”, South China Morning Post, March 9, 2021. Available at:

www.scmp.com/news/china/diplomacy/article/3124752/chinas-officials-play-rise-east-decline-west

  1. 《国安全研究》2020年第6, Available at:

gjaqyj.cnjournals.com/ebook/gjaqyj/2020_6/mobile/index.html#p=6

  1. Writer, Staff. “Biden to Test Allies with More Coordinated Approach to China”, Nikkei Asia, February 6, 2021. Available at:

asia.nikkei.com/Spotlight/Comment/Biden-to-test-allies-with-more-coordinated-approach-to-China

  1. “Biden Deprioritizes the Middle East”, Politico, February 22, 2021. Available at:

www.politico.com/news/2021/02/22/biden-middle-east-foreign-policy-470589

  1. “The Role of China in the Middle East and North Africa. Beyond Economic Interests: EuroMeSCo – Euro-Mediterranean Research, Dialogue, Advocacy”, EuroMeSCo, July 1, 2020. Available at:

www.euromesco.net/publication/the-role-of-china-in-the-middle-east-and-north-africa-beyond-economic-interests/

  1. Dorsey, James. “Gulf States Caught in Middle of US-China Rivalry”, Asia Times, June 29, 2020. Available at:

asiatimes.com/2020/06/gulf-states-caught-in-middle-of-us-china-rivalry/

  1. Boyd Anderson, Kerry. “The Challenge of Managing Great Power Rivalry in the Middle East”, Arab News, February 8, 2021. Available at:

www.arabnews.com/node/1806001

  1. “Lavrov in Saudi Arabia to Take Advantage of Biden’s Mistakes”: The Arab Weekly. Available at:

thearabweekly.com/lavrov-saudi-arabia-take-advantage-bidens-mistakes

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد