من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

علم من أعلام التصوف العابد الزاهد العارف بالله أبو الحسن الشاذلي (الجزء الثالث)

بقلم/ محمد أحمد غالى
شهد للعالم الكبير أبي الحسن الشاذلي كبار علماء عصره، من الصوفية ومن خارجها، كان الشيخ الإمام قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة يرى أنه في بركة الشيخ أبي الحسن الشاذلي في مصر، وكان يفتخر بصحبته كما في كتاب المفاخر العلية. وقال الحافظ السيوطي (ت ٩١١ هـ) في حسن المحاضرة عند ذكر من كان بمصر من الصلحاء والزهاد والصوفية ما نصه «الشيخ أبو الحسن الشاذلي شيخ الطائفة الشاذلية هو الشريف تقي الدين علي بن عبد الله عبد الجبار، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله من الشاذلي». ولعل الأهم هي شهادة الشيخ الإمام مفتي الأنام عز الدين بن عبد السلام، الذي قال بعدما استمع لكلامه: «اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله».
يقول صاحب (درة الأسرار) : «وكان مسكنه رضى الله عنه بالإسكندرية، ببرج من أبراج السور، حبسه السلطان عليه وعلى ذريته، دخلته عام خمسة عشر وسبعمائة، ٥١٧ هـ. في أسفله موجل كبير (حوض واسع يجمع فيه الماء ثم يفجر إلى المزارع وغيرها)، ومرابط للبهائم، وفي الوسط منه مساكن للفقراء وجامع كبير؛ وفي أعلاه أعلية لسكناه ولعياله، وتزوج هناك وولد له أولاد، منهم: الشيخ شهاب الدين أحمد، وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد شرف الدين، وقد أدركته بدمنهور قاطنًا بها، ومن البنات: زينب، ولها أولاد رأيت بعضهم، وعريفة الخير». عمل أبو الحسن الشاذلي في الحرث والغرس والحصاد وتربية الماشية والخيول، فظهرت نعمة الله تعالى عليه، وكان الغني الشاكر، وقد مكّنه ذلك من تصحيح بعض المفاهيم التي تتعلق بحقيقة الزهد، وجوهر الفقر، ودعوى اللباس، وغائية المعرفة، وغير ذلك.
«دخل عليه مرة فقير (مريد متصوف)، وعليه لباسٌ (خشن) من شعر. فلما فرغ الشيخ من كلامه، دنا منه (الرجل) وأمسك بملبسه وقال: يا سيدي، ما عُبد الله بمثل هذا اللباس الذي عليك. فأمسك الشيخ ملبسه فوجد فيه خشونة، فقال: ولا عُبد الله بمثل هذا اللباس الذي عليك. لباسي يقول: أنا غني عنكم فلا تعطوني، ولباسك يقول: أنا فقير إليكم فأعطوني». ودخل عليه يوماً تلميذه أبو العباس المرسي، مريداً أكل الخشن ولبس الخشن. فقال له أبو الحسن: «يا أبا العباس: اعرف الله وكن كيف شئت». وضح لنا أبو الحسن الشاذلي أن الزهد ليس مقصورا فقط على الزي واللباس بل في عزوف القلب عما في أيدي الناس. وقد أخذ الشيخ أبو الحسن الشاذلي تلاميذه ومريديه بالمبادئ المثلى في التصوف فهو لم يكن يفهم التصوف كما كان يفهمه بعض معاصريه وبعض المتدروشين حتى اليوم على أنه بطالة تامة بحجة الزهد والتفرغ للعبادة، بل كان يفهمه على أنه صفاء تام في النفس وتقوى خالصة لله وحب لله تعالى وتعلق به وارتفاع بالروح وبالعمل وبالقول عن الدنايا. من تلاميذه الذين ورثوا علمه أحمد أبو العباس المرسي توفي فى عام ٦٨٦ هـ، وذكر له الشعراني (الطبقات الكبرى،ج٢،ص٤) أقوالاً حكيمة كثيرة، ولم يترك كتبًا كشيخه الشاذلي. ومن تلاميذ المرسي ياقوت العرش المُتوفى بالإسكندرية فى عام ٧٠٧هـ، ومن تلاميذ المرسي أيضا ابن عطاء الله السَّكندري المتوفى فى عام ٧٠٧هـ الذي ألَّف عدة كتب منها كتاب عن سيرة أبي العباس المرسي وشيخه القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي وأسماه كتاب (لطائف المنن).
وفي عام ٦٥٦هـ في شهر شوال بدأ سفره إلى مكة المكرمة للحج، فلما كان في حميثرة بصحراء عيذاب، وهي بين قنا والقصير، توفاه الله تعالى فى نهاية شهر شوال من العام نفسه، وكان عمره ثلاثة وستون، ٦٣ عاما، ذكر الشيخ ياقوت العرش عن شيخه الشيخ أبى العباس المرسى رضى الله عنهم أن أبا الحسن الشاذلى، كان يحج كل عام فلما كان فى آخر عام خرج فيها قال لخادمه اصطحب فأسا وقفة وحنوطا، فقال له الخادم: ولماذا ياسيدى؟ فقال: فى حميثرا سوف ترى، وحميثرا بصعيد مصر بالقرب من (أسوان) فلما بلغ حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن الشاذلى وصلى ركعتين وفى آخر سجدة من صلاته انتقل إلى جوار ربه ودفن هناك. وبعد دفنه في المكان الذي توفي فيه، تابع الركب مسيرته لأداء فريضة الحج بقيادة الخليفة الذي اختاره من بعده لأصحابه، وهو أبو العباس المرسي رضي الله عنه. وروي عن أبي العباس المرسي: أن الشيخ أبا الحسن لم يمرض ولكن وعك يومًا وانحرف مزاجه فطلب ماء للوضوء ودخل في الصلاة ثم قبض في السجدة الأخيرة ، وقد أقام حجاج مصر والمغرب أكثر من مائتي عام يتوجهون إلى الحجاز عن طريق عيذاب ثم بطل استعمال هذا الطريق في عام ٧٦٦ هـ، رحم الله الإمام أبو الحسن الشاذلي وأجزل له العطاء، ورضي عنه وأرضاه.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد