من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

تحليل تقرير وزارة الخارجية الصينية لعام ٢٠٢٣، بشأن الهيمنة الأمريكية ومخاطرها حول العالم

تحليل للدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

صدر تقرير رسمى صادر عن وزارة الخارجية الصينية، حول: “إنتقاد مفهوم الهيمنة والديمقراطية الأمريكية والغربية والدفاع عن أنماط أخرى وجديدة من الديمقراطية فى العالم بحسب ظروف كل دولة حول العالم”، بالتأكيد على:

إنتقاد تكثيف الولايات المتحدة الأمريكية لجهودها لإثارة الإنقسامات حول العالم من خلال تنظيم ما يسمى بـ “قمة من أجل الديمقراطية”، والتحريض على المجابهة بين المعسكرين الإستبدادى والديمقراطى حسب أيديولوجيتها، ومحاولة إجراء تحول الدول الأخرى ذات السيادة على النمط الأمريكى كى تخدم الإستراتيجية الأمريكية الخاصة.

ولفهم طريقة عمل الديمقراطية المهيمنة أمريكياً عالمياً، فسنجد تصنيف الولايات المتحدة الدول الأخرى لعدة درجات وفقاً لمعيارها أى قربها أو بعدها من مفهوم الديمقراطية، وتطلب واشنطن من تلك الدول التقدم لملء “أوراق الإختبار” الخاصة بالديمقراطية الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية وحكومتها.

فتلك التصرفات الأمريكية فى حد ذاتها غير ديمقراطية، وتتعارض مع تيار العصر، وتخالف إرادة أغلبية أعضاء المجتمع الدولى، وستبوء حتماً بالفشل الذريع والتام.

وهنا لابد أن تدرك الولايات المتحدة أنه إن لم تتخل تماماً عن نظرية “التفوق للديمقراطية الأمريكية”، وإذا لم تقم بتغيير سلوكها المتمثل فى الهيمنة والتنمر، والذى غالباً ما يفرض “الديمقراطية الأمريكية” على الآخرين، فستجد الإستهزاء بها فى كتب وسجلات التاريخ.

فالصين مثلها مثل معظم دول العالم فى البحث عن مسار التنمية فى المقام الأول وليس مسار الديمقراطية وسياسات الهيمنة والليبرالية على الطريقة الأمريكية. لذا فتأكيداً من القيادات الصينية على إتباع الصين لنموذج التنمية عالية الجودة، فقد قدم رئيس مجلس الدولة الصينى “لى كه تشيانغ” تقرير عمل الحكومة الصينية فى الجلسة الإفتتاحية للدورة الأولى للمجلس الوطنى الرابع عشر لنواب الشعب الصينى، والذى جاء فيه التأكيد على إتباع الصين لنموذج تنموى ديمقراطى ذا خصائص إشتراكية يتماشى مع ظروف الصين الواقعية. فالصين دفعت عملية الديمقراطية على أساس التنمية الوطنية بإتخاذ التنمية كمهمة ذات أولوية قصوى. ويبقى هنا الإستنتاج النهائى لتقييم أى نظام ديمقراطى حول العالم، بالتساؤل حول: ما إذا كانت جودة معيشة المواطنين قد تحسنت وما إذا كان أبناء الشعب راضين عن الوضع المجتمعى؟ ومن الواضح أن نموذج الديمقراطية ذات الخصائص الإشتراكية الذى تتبناه الحكومة الصينية قد نجح. فالديمقراطية الصينية الإشتراكية تعد ديمقراطية حقيقية، تتمثل فى إهتمام الحكومة بخدمة الشعب، وليس لها علاقة بالنظام السياسى المتمثل فى حكم الحزب الواحد أو حكم الأحزاب المتعددة على النمط الأمريكى والغربى الذى أثبتت التجارب مؤخراً فشله فى تحقيق رفاهية ورخاء شعبه بعكس قدرة الحزب الشيوعى الصينى وقياداته على تحقيق نموذج مجتمع رغيد الحياة وتنمية عالية الجودة فى كافة المقاطعات والمدن الصينية

لذا، جاء تقرير عمل الحكومة الصينية، والذى قدمه “لى كه تشيانغ”، رئيس مجلس الدولة الصينى، نيابةً عن مجلس الدولة الصينى، فى الجلسة الإفتتاحية للدورة الأولى للمجلس الوطنى الـ ١٤ لنواب الشعب الصينى. ولجلسات الدورة الـ ١٤ للمجلس الوطنى لنواب الشعب هذا العام ٢٠٢٣ أهمية خاصة، حيث نجح نموذج الديمقراطية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية فى التفوق على العديد من الديمقراطيات الغربية من خلال نجاح العديد من المندوبين فى المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى فى تشكيل العديد من مؤسسات الحزب الشيوعى والدولة الرئيسية، كما شددوا الرقابة على الهيئات المشرفة على القطاع المالى والعمل العلمى والتكنولوجى فى الدولة الصينية، مع الإتفاق على “تعزيز العمل الحزبى” فى الشركات الخاصة، حفاظاً على مصالح الشعب الصينى وتحقيق نموذج تنموى عالى الجودة

لذا تقوم خطة عمل الحكومة الصينية ٢٠٢٣، على التمسك بفكرة العمل الأساسية العامة المتمثلة في إحراز التقدم من خلال الحفاظ على الإستقرار، وتطبيق الفكر التنموى الصينى الجديد بشكل شامل، والإسراع في إنشاء نمط تنموى جديد، وتعميق الإصلاح والإنفتاح على نحو شامل، والتمسك بالتنمية المدفوعة بالإبتكار، ودفع التنمية العالية الجودة

وهنا لابد من الإشارة لتقرير وزارة الخارجية الصينية، الصادر يوم الإثنين الموافق ٢٠ فبراير ٢٠٢٣، بشأن الهيمنة الأمريكية ومخاطرها، بهدف فضح إساءة إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة فى مختلف المجالات، وجذب وزارة الخارجية الصينية لإهتمام المجتمع الدولى لفهم أكبر لمخاطر الممارسات الأمريكية على السلام والإستقرار فى العالم كله، من خلال التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتسبب فى التخريب والفوضى الدولية، وشن الحروب عمداً وإلحاق الضرر بالمجتمع الدولى بأسره

كما طورت الولايات المتحدة الأمريكية كتاباً عن الهيمنة لتنظيم “الثورات الملونة” والتحريض على النزاعات الإقليمية وحتى شن الحروب بشكل مباشر تحت ستار تعزيز الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وسعت واشنطن لفرض قواعد تخدم مصالحها الخاصة بإسم دعم “نظام دولى قائم على القواعد”، وهى نفسها أبعد ما تكون عن ذلك

لقد كثرت حالات التدخل الأمريكى فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تحت ستار “تعزيز الديمقراطية”، مثل التحريض الأمريكى على “الثورات الملونة” فى منطقة أوراسيا، وتدبير ثورات “الربيع العربى” فى غرب آسيا وشمال أفريقيا لنشر الفوضى، مما أدى إلى الفوضى والتخريب والدمار فى العديد من الدول التى تدخلت فيها واشنطن

إن الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة فى القواعد الدولية، إذ وضعت الولايات المتحدة مصلحتها الذاتية أولاً وإبتعدت عن كافة المعاهدات ومواثيق وآليات عمل المنظمات الدولية المتعارف عليها ووضعت قانونها المحلى فوق القانون الدولى

كما دأبت الولايات المتحدة على إصدار أحكاماً تعسفية بشأن تقييم مستوى الديمقراطية فى البلدان الأخرى، وتلفيقها لروايات كاذبة عن “الديمقراطية مقابل الإستبدادية” للتحريض على القطيعة والإنقسام والتنافس والمواجهة، ففى ديسمبر ٢٠٢١ إستضافت الولايات المتحدة أول “قمة من أجل الديمقراطية”، والتى قوبلت بالنقد والمعارضة من العديد من الدول لأنها استهزأت بروح الديمقراطية وعملت على تقسيم العالم

كما أن “الهيمنة العسكرية الأمريكية تسببت فى مآسى إنسانية، فقد أودت الحروب والعمليات العسكرية التى شنتها الولايات المتحدة بإسم محاربة الإرهاب بحياة أكثر من مليون من المدنيين وشردت عشرات الملايين”

كما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ردع التنمية العلمية والتكنولوجية والإقتصادية للدول الأخرى من خلال ممارسة القوة الإحتكارية وإجراءات القمع والقيود التكنولوجية فى مجالات التكنولوجيا الفائقة. فإحتكرت الولايات المتحدة الملكية الفكرية بإسم الحماية، وجنت أرباحاً فائقة من خلال هذا الإحتكار الغير مشروع

كما إستخدمت الولايات المتحدة المعلومات المضللة كسلاح لمهاجمة الدول الأخرى، وقد جندت فى سبيل ذلك مجموعات وأفراد يختلقون القصص ويقومون بترويجها فى جميع أنحاء العالم لتضليل الرأى العام العالمى بدعم أمريكى غير محدود

لذا لابد من معارضة كل أشكال الهيمنة وسياسات القوة الأمريكية لرفض التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لإجبارها على التخلى عن ممارساتها المهيمنة والإستبدادية حول العالم

وهنا يتضح أن الأمريكان ينتصرون بشكل فاضح للفلسفة الذرائعية فى النظرية والتطبيق وأن شريحة الأنتلجيسا أى (المثقفون والمخابرات) لديهم تتبنى مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”. ولعل المفكر الفرنسى “ألكسيس دو توكفيل” أوضح هذا بشكل عملى في كتابه الصادر بمجلدين عام ١٨٤٠، بعنوان (الديمقراطية فى أمريكا) وملخصه: (إن الديمقراطية فى الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تكون مستبدة مثل الديكتاتورية عندما يقرر الناخبون أن يصوتوا لأنفسهم بالمال).

ولم تقف (الديمقراطية الأمريكية) عند هذه الخصائص فقط، لأن مصادرها في الأساس مبنية فلسفياً على يد فلاسفة أوروبيين قصدوا الولايات المتحدة، لأنهم وجدوا فيها التربة الصالحة للأفكار والاستراتيجيات التي تُبنى على النهب والاحتلال والحصار والعقوبات وإسقاط الحكومات، والأهم من ذلك إهمال الخيارات الشعبية الحقيقية والحرة لبناء الوطن والإنسان، فأتى إليها هؤلاء المفكرون ليأصلوا هذا السلوك القائم على الفردانية والقوة والهيمنة، وهذا هو الحادث فعلياً الآن.

وفى هذا السياق، كانت طبيعياً أن تكون قمة الرئيس “بايدن” الأمريكية للديمقراطية عاراً وعيباً فكرياً وسياسياً وأخلاقياً، فغابت عنها نصف شعوب الأرض، ولم تدع إليها الصين وغابت عنها نص شعوب وأنظمة العالم، فكانت ديمقراطية القمة مرادفاً للغطرسة الأمريكية، وكان طرح قضايا: (الإستبداد- الفساد- حقوق الإنسان) فيها طرحاً سياسياً محضاً بعيداً عن تعزيز قيم الحوار والسلم والصداقة بين الشعوب، تؤطره الأفكار السابقة لمنظرى الهيمنة والأحادية القطبية الأمريكية، ومن ليس معنا فهو ضدنا، فركزت قمة الديمقراطية الأمريكية ٢٠٢٢ بشكل سافر فى هجومها الوظيفي على التجربة الصينية وعلى المختلفين معها فى هذا الإطار. وفى إعتقادى فإن ما حدث من قبل واشنطن لن يسفر عن إفراز أى نظام عالمى جديد ومستقر بتمسك القائمين على أمر الإدارة الأمريكية بنفس المفاهيم والعقلية القديمة للهيمنة والسيطرة وتوجيه دفة العالم وفقاً لمصالحهم.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد