من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم
Breaking News

عزرائيل يتبعني

صباح اليوم بعد صلاة عيد الفطر المبارك صادفت عجوزا من عجزة هذه القرى الخالية من اقرانه، وتذكرت بعضا من كبار السن الذين انتهت مدة حياتهم ورحلوا عن هذه الدار!
وجدتني امشِ من طريقه المعتاد فأبطأتُ الخطى لقياسي بعد النظر للوصول إلى مكان الالتقاء به، أي تحت نوافذ محكمة كعيدنة، كنت في طريقي نفسها للذهاب إلى منزل جدي جابر يرحمه الله متسائلا دون الجهر وبشعور خاص : أيعقل أنه لا زال بخير؟
قلت ذلك لأنني صرت مدنيًا بعض الشيء وصارت مدينة الحديدة بيئة الاغتراب بالنسبة لي كفتى حالم، ولمن عق بوالديه امثال شكسبير، ممن فضلوا المدنية عن سكون الريف وصخب المدينة!!
ثم نظرتُ لعصاه التي يتكأ عليها ويهش بها على الأرض التي اجتازها بخُطى سريعة واذا به يتوقف قليلًا، ثُمَّ يضع يدهُ على جبهتهِ، فقلت في نفسي؛ ربما سيعرفني قبل التعرف عليه.؟

عندما اقتربت منه عرفته وهو لي مبتسما ابتسامة طفلتي لينا، كان النور يشع من محياه كأن شمس الخريف قد أشرقت منه وقبل احتضان جسده الشاب بجسدي الكهل، تأكدت أنه ليس بمفرده في المكان وبنفس الزمان وبجانب عصاه من الجهة اليسرى وجدت ولده البار (عبده) يلازمه ملازمة الظل، حتى إذا أخذت بيده اليمنى لأضعها بين يديّ وآخذ في تقبيلها قبل رأسه وكتفيه، شدني مشهد سرعة وقوة نقل العصى، من يده اليمنى ليده اليسرى ثم سلمت عليه واحتضنني باكيًا بعد أن قلت له مثلما يقول المسلمين لبعضهم بعضا : كل عام وانت بخير وصحة وسلامة وعروس وبنين. ليقول بنبرة أسى والدموع تنهمر : اسأل الله حسن الخاتمة، اما العروس أتمناها لولدي هذا وإخوته.. فقلت له : من باقي من عيالك غير عبده ومحمود لم يتزوجا فقال: وسلطان وقلت لولده : شد حيلك لإدخال الفرحة إلى قلب ابوك وهو لازال على قيد الحياة وقال ابوه: حال الدنيا صعبة. وأكملا طريقهما باتجاه بيت والدنا الشيخ أحمد سهيل وانا شاخص النظر اليه، ادركته يمسح دموعه من جراء سذاجة الأمر إذ كررت نفس مقولة كل عيد ومباركتي هذه بامنية عروسا له وأنا اعلم أنه طاعن في السن وكان من أفضل من يزرعون الأرض في مواسم الأمطار ويحرثونها ويحصدون كل محصول في وقته إذ كان له من كل المحاصيل نصيبًا من الأجر والعشب لأن له أثر صاحب اقوى الثيران في المديرية، وتذكرت رحلة طفولتي مع جدي ومع هذا العجوز في (الحول والحظيا) وانا أودعه بخطى ثقيلة لأكمل طريقي إلى وجهتي انهمرت باكيا كعجوز او شاب آخر يمشي في الأرض ولم يقل أو لم تكُ انت من تصفح القرآن وقرأ : رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا.!!

كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحًا، إذ اختفى الناس فجأة وتبين لي أن الكثير قد أدمن نوم النهار لأننا كنا قبل الامس نمتنع عن الأكل والشرب لينام الكثير ويستيقظ القليل بين صلاتي الظهر والعصر.. وكنت قد تجاوزت أكثر من عامين وهذا الثالث لعدم فوات أوان الفرضين وانتهاز وقتيهما سواءً في أيام الفطر او في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن!

وانا أفكر في اصطدام دراجة نارية (متور-دباب) بجسدي هذا، تفقدت ثوبي قبل الظهيرة ورأيت أثر انبطاحي على الإسفلت ويدي اليمنى بها جرح بسيط، وتذكرت أنني قبل بزوغ شمس صباح عيد الفطر المبارك ١٤٤٤هـ كنت امشي بعجلة تجاه المصلى (مسجد الوالد الشيخ احمد سهيل) واراقب شعاع الشمس واذا بالدراجة تتجاوز الخط لسرعة سائقها (احد الملقبون بابناء بلال) وتصطدم بجسدي فخيل لي أنه أخطأ الوقوف لي فاصطدم بي، وقلت له وصاحبيه: سلامات سلامات، هيا لنلتحق بصلاة العيد.

وصلوني للمصلى وانا انتفض دون شعور وذهبوا لمنازلهم وكان السائق اشعث الراس وعلمت مؤخرا انهم واصلين من (شارع الحب، عبس) وانا بدوري اتجهت لله ثم اصغيت للخطيب (علي عطيفي) وعندما وصل لقوله : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، سمعت القوم يُكبرون على موت الشعب في حادثة صنعاء والاعتراف بدولة الكيان نصرة للإسلام لفظا والمعنى عكسي لمن عرفوا الله حق معرفته الخ.

وانا لا زلت افكر بالحادث الذي حدث معي قبل بزوغ الشمس حمدت الرب على لطفه ، آنئذ دهمتني غفوة ونمت قبيل صلاة الجمعة، وبعد الصلاة التهمت وجبة الغداء بشراهة ثم ذهبت إلى سوق البركة ابتعت ربطتيّ القات، ثم اتجهت لأول مقيل يجمع وجهاء هذا المجتمع اليمني باهلهم ومعارفهم وقد جمعني بهم بعد رحيل شهر رمضان وكان في ديوان والدنا الشيخ يحيى سهيل حتى جاءت عاصفة ريح وغيث نزل على الأرض من أجل الدواب وضرورة أن ينعم الإنسان بخضرة الأرض وكثافة العشب غير عشبة القات!
ودعونا هنالك دعاء العبد لربه، وانا من حذر الموتِ خفت من سقوط الإضاءة عليَّ (المزهرية الزجاجية) وغيرت مكاني.. حتى إذا أفلت الشمس نظرت للغروب من نافذة غرفتي نظرة مقارنة بين الامس واليوم!

وبعد أن صليت صلاة المغرب، وعند انتظار وجبة هذا المساء، قبل انتظار اذان العشاء سمعت إصبع إمام مسجد بيت الحمران تطرق في صيوان اذني ليكون لخبر عزرائيل جمهور كبير يحق له أن يسمع ، رحت اتبع طرقاته واتاهب لسماع النبأ، كان هذا قبل أن تصدح في الارجاء مساجد المنطقة، فقلت : ربما الإمام يعمل صيانة لمايكرفون المسجد، واحتمال مئة في المائة أن المطر تسبب بعطل في الجهاز!

فجأة ودون التفكير بأن عزرائيل يتبعني مذ صبيحة هذا العيد المبارك سمعته يقول : كل نفس ذائقة الموت، لقد انتقل الى رحمة الله (….)
كان الاسم غريب عليَّ كفتى قروي من فتيان هذه القرى التي يعتمد مجتمعها الريفي على الألقاب ويستبدلها بأسماء الشخوص ويظل يعاصر الإنسان من نشأته حتى مماته..

واخيرا سمعته يوضح للجمهور المتسيقظ حتى الفجر والنائم حتى اقتحام الشمس للارض ومن عليها : فلان الفلاني المُلقب(بالجمشه) ولمن أراد الأجر والثواب عليه بالحضور او الذهاب لمقبرة بيت الحمران.

بعد صلاة العشاء:
– حسبي الله ونعم الوكيل.. إنه العجوز نفسه، ذلك الذي  صادفته صباحا ودعى لي بالقبول وكان وجهه مشرق بالنور وقد استبدل أمنية العروس له بِحُسن الخاتمة ولابنه عبده واخويه بالزواج والذرية الصالحة.

عند الدفن فجرًا :
– لا إله إلا الله.. ما يبقى غير الله.. لقد صلى المغرب وفتح المصحف وبينما هو ينتظر اذان العشاء رفع الله روحه فلتكرموا هذا الجسد بالتراب فإنه منه وإليه يعود كل إنسان على متن هذه الأرض الفانية.

فلسفة خاصة 4/22
سهيل عثمان سهيل 2023
١٤٤٤. ١٠. ٠١ هـ

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد