من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

الشيخ أحمد ياسين

في يوم مشمس من أيام الصيف، كان هناك شاب فلسطيني يلهو مع أصدقائه على شاطئ غزة. كان يتمتع بجسد رشيق وقوي، وكان يحب الرياضة والمغامرة. كان يحلم بأن يصبح رياضياً مشهوراً، وأن يسافر حول العالم، وأن يعيش حياة مليئة بالمرح والسعادة. لكن في ثوانٍ معدودة، تغير كل شيء. فبينما كان يقفز في الهواء، ويؤدي حركات بهلوانية، فقد توازنه، وسقط على رقبته بعنف. سمع صوتاً مرعباً، كأن شيئاً قد انكسر في جسده. شعر بألم شديد، وخوف لا يوصف. لم يستطع التحرك، أو التنفس، أو التكلم. كان مشلولاً تماماً.

هذه هي اللحظة التي غيرت حياته إلى الأبد. هذه هي اللحظة التي اختبر فيها قدره الله تعالى. هذه هي اللحظة التي بدأ فيها رحلة عظيمة من الدعوة والجهاد والإصلاح.

بعد ذلك الحادث الذي أصابه بالشلل، كان الشاب في حالة من اليأس والحزن. كان يشعر بأن حياته قد انتهت، وأنه لم يعد له قيمة أو مكانة في المجتمع. كان يرى نفسه عبئاً على أهله وأصدقائه، وكان يتمنى الموت. لكن الله تعالى لم يخلقه ليضيع في الظلام، بل لينير الدنيا بنوره. فقد أرسل إليه من يوقظه من سباته، ويشجعه على مواجهة التحديات، ويدله على طريق الخير والصلاح.

فقد جاء إليه أحد المدرسين في مدرسته، وهو رجل صالح وعالم بالدين، وقال له: “يا بني، لا تحزن، فإن الله مع الصابرين. إن هذه الإعاقة ليست نهاية حياتك، بل بداية جديدة. إن الله اختبرك بها ليرفع درجتك، وليرى منك الصبر والشكر. إن في هذه الإعاقة فوائد كثيرة، إن عرفت كيف تستغلها. فبها تزداد قرباً من الله، وتتذكر نعمته عليك. وبها تزداد حكمة وعقلاً، وتتفرغ لطلب العلم والمعرفة. وبها تزداد شجاعة وإصراراً، وتسعى لتحقيق أحلامك وطموحاتك. فلا تضعف، ولا تستسلم، فإن فيك قوة لا تعلمها. فإن فيك روحاً تستطيع أن تغير العالم”.

هذه الكلمات أثرت في نفس الشاب، وأشعلت في قلبه شرارة الأمل والحياة. فقرر أن يغير نظرته إلى نفسه، وإلى مصيره. فقرر أن يجعل من إعاقته فرصة للتميز والإبداع. فبدأ بمواصلة دراسته، وأصبح طالباً متفوقاً في كلية الشريعة في جامعة الأزهر. كما بدأ بالخطابة والدعوة إلى الإسلام، وأصبح داعية مؤثر في المجتمع. كما بدأ بالعمل الخيري والإصلاحي، وأنشأ جمعية المجد لرعاية المعوقين، وكان نموذجاً للصبر والثبات على الدين. ولم يكتف بذلك، بل قاد حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأسس حركة حماس التي أصبحت رمزاً للنضال الفلسطيني. ورغم محاولات اغتياله المتكررة، فإنه لم يخف من الموت، بل قال: “إن الموت شهادة، وإن شهادتي في رقبة من يستحقها”. وفي عام 2004، استشهد بغارة إسرائيلية على كرسيه المتحرك أثناء خروجه من صلاة الفجر.

إنه الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته. إنه قائد وشهيد وبطل في تاريخ فلسطين. إنه منارة من منارات الإسلام في عصرنا. إنه مثال يحتذى به في الإرادة والتفاؤل والإخلاص. إنه صانع التغيير في زمن الجمود. إنه رجل عظيم في زمان قل فيه الرجال.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد