من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

انهيار الأنظمة العربية سياسيًا جعلت من الدول العربية مستباحه

تالبي

الكاتب المفكر والمحلل السياسي الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

مديرمكتب-غزة-فلسطين

أصبحت الدول العربية مستباحة عندما أصبحت دولاً فاشلة بالمعنى التنموي – الاقتصادي والسيادي، وعندما استبدّت أنظمتها بشعوبها وحاصرتها وغيبتها بكافة الطرق التسلطية والمافياوية – الاحتيالية، وعندما أنتجت مجتمعات فرجة معطّلة وعاجزة تحدّق في الرغيف والعدم في معظم الأحيان ولا تقدر على النهوض بمهماتها في المقاومة والدفاع عن ذاتها والسعي إلى استنهاض قواها وممكناتها، وأصبحت كذلك أيضاً عندما لم تقرأ التحولات المتكونة عالمياً وإقليمياً، ولم تتبصر الأخطار المحُدقة بها نتيجة هذه التحولات وتداعياتها وأنشأت فراغاً سياسياً رهيباً، وأشرعت أبوابها لكل من هبّ ودب من الدول لكي يملأ الفراغ ويستبيح الحدود ويصادر القرار والارادة العربية واكتمل الطابق عن طريق هذا المشهد السياسي الارتدادي العربي وتهيأت الظروف والمناخات المثالية تماماً للولايات المتحدة الأمريكية وللكيان الصهيوني وإيران لكي يمارسا كل تمارينهما في الهيمنة والاستباحة وامتهان هذه الأمة التي تبدت لهم عجزها وتقبع على الهامش ولا تلوي على مواجهة ومقاومة أخطارهما وتحدياتهما، ولذا رأينا الكيان الصهيوني يصول ويجول ويقتل ويشرد في قلب بلادنا كما يشتهي ويريد، وها نحن الآن نرى ايران أيضاً تستأسد في مشروعها الهيمني الطائفي وتدخل لاحتلال أكثر من قطر عربي بسلاسة وتحت شعار “المقاومة والممانعة المختل” لكي تحقق لذاتها نفوذاً اقليمياً يضعها في سوق – مزاد المساومات الاقليمية والمحلية. الآن تتبارى هذه الدول في انتزاع مواقع ونقاط سياسية تؤهلها لأخذ الحصة الأكبر في الدول العربية المحتلة والمستباحة وفقاً لقواعد تنازع واشتباك معروفة ومصممة بينهما بدقة في ملعب الدول العربية. الكيان الصهيوني تحت عنوان الدولة الدينية – الطوائفية اليهودية الخالصة وبناء المركز الاستعماري المهيمن في المنطقة، وايران تحت عنوان تصدير الثورة وبناء المركز الدولاني – الطائفي في العالم، والهدف في جوهره ومحلّه – كما نقدّر- واحد وهو تدمير وإلغاء التاريخ والجغرافيا العربية وإعادة بناء منطقة هلامية أقلية – كانتونية بلا ماهية أو هوية قومية عربية محددة وتسخير ونهب ثرواتها لبناء دول اقليمية قوية. والطريقة المتبعة في الاستباحة واحدة أيضاً طائفة دينية يهودية أقلية محدودة النفوذ والإمكانات عاشت بوفاق مع الأديان والطوائف العربية في فلسطين يحولها الاستعمار إلى كيانية سياسية صهيونية ورأس حربة ومخفر ومشروع استعماري، وطائفة مذهبية عربية (كنا ولا نزال نراها)عروبية الوجه والانتماء واللسان عاشت وتعايشت مع أبناء أمتها والمذاهب الأخرى بوفاق واتفاق، وكان لها أدوار هامة في نطاق انتمائها القومي العربي يتحول بعض أطرافها (وهم أقلية) ممن اتبعوا نظرية الولي الفقيه وايران الدولة – المركز الطائفي وفقاً لمذهب تصدير الثورة الخميني إلى كيانيات وحوزات طائفية تتبعها وتنبثق منها مليشيات مسلحة تكبر وتتقوى وتتمدد تدريجياً، وإنفاق إيراني مالي كبير يحولها إلى طرف رئيس في المعادلات السياسية وخطف قرار وارادة الدول، ويحول ويحرف انتمائها القومي العروبي إلى انتماء لدولة الفقيه الأجنبية وللولي الفقيه. وكل من يقرأ تاريخ هذه الامتدادات الأقلية (ذات التوجهات الطائفية والسياسية الاغتصابية المضمرة) في وطننا العربي سواء كانت امتدادات صهيونية قديمة (بدأت منذ قرن وأزيد) أو ايرانية مستحدثة سوف يجد أنها لم تكن وليدة لحظتها وإنما هي مشاريع مدبّرة ومتدرّجة وضعت نصب أعينها اللعب على العقل وعلى التناقضات والقضايا العربية واستثمار أية حالة للتراجع العربي لمضاعفة جهودها في الانقضاض واحتلال المواقع، فالجيب الايراني في لبنان بدأ وتكون بتدرج وهدوء تكتيكي منذ فترة طويلة، والجيب الايراني في اليمن تكون أيضاً منذ فترة بعيدة إلى أن وصل إلى ما وصل اليه الآن في احتلال اليمن وكذلك الأمر في البحرين (منذ أن قالت ايران قديما أنها احدى ولاياتها) وسوريا (منذ أن وقفت مع ايران في حربها على العراق عام 1980 وعقدت معها علاقة استراتيجية تحولت راهناً الى علاقة تابع – متبوع) وغيرها من الدول العربية. وقد تبدو غريبة أو غير مقبولة للبعض هذه المقارنة بين المشروع الصهيوني والمشروع الايراني وتجلياته الجديدة إلا أنها الحقيقة السياسية الفاقعة التي لابد أن توضع أمام العقل العربي بجدية فائقة في المرحلة الراهنة، فها هي إيران والحرس الثوري وجبوشها ومليشياتها التابعة وسليماني في درعا، وهو (باعتباره المندوب السامي الايراني) يدير المعارك مع جيوشه ومليشياته الطائفية العراقية في تكريت نيابة عن جيش ودولة العراق، بعد أن دخل مع جيشه والمليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية وأدار المعارك في سوريا، وها هو الجسر الجوي الايراني يحلق فوق اليمن لمساعدة المليشيات التابعة لها هناك في استكمال السيطرة على اليمن وتمزيقه. وها نحن نرى المجرم الصهيوني نتنياهو يطير الى أمريكا متجاوزاً كل الأعراف والاعتبارات لكي يعدّل موازين القوى في نمط ومدى تقاسم النفوذ والاستباحة مع أيران التي أصبح يرى أنها تتقدم علية في النقاط واحتلال دول عربية يراها هو أيضاً أنها مناطق نفوذه التي لا يجوز لإيران أن تتمادى وتتفوق فيها ولذا فإن عليه أن يحث أمريكا على ترتيب المنافسة واللعبة بين المشروعين وفصل مناطق النفوذ والاستباحة في الدول العربية واختتام عم
لية إخراج العرب من التاريخ والجغرافيا تماماً وتحويل بلادهم إلى أراضٍ منخفضة تتمدد وتسيل عليها المشاريع والنزوات السياسية المختلفة، ولكي لا يبقى للعرب إلا التفرج وتجديد استعادة تلك اللحظة – الوقفة التاريخية المأساوية الكئيبة العتيقة التي قيل فيها أسفاً وحزناً وذلّة عند الخروج من الأندلس ” إبك مثل النساء أوطاناً لم تحافظ عليها مثل الرجال!! إلا أن أمامنا فرصة كبيرة لكي نعي هذه الأخطار بمعطياتها الجديدة وتداركها على الصعيد القومي على الرغم مما تعانيه الأمة من انحسار وكبد، فالأمة ونخبها وجماهيرها في كل الأقطار العربية تستطيع أن ترفع الصوت ضد المشروعين في آن واحد وأوّل مفردات المقاومة وعي هذه الأخطار وعدم قبولها والسكوت عنها، ولنبدأ برفض هذه المشاريع حتى لو كان ذلك بالقلب واللسان وأقل القليل.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد