من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

" الصم، والبكم من المِّحْنِة، إلي الّْمِّنحَة هّمِّمْ أعلي من الّقِْمّمْ "

الكاتب الباحث الصحفي المفكر العربي والمحلل الدكتور جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل Dr.jamalnahel@gmail.com

مدير مكتب فلسطين

تشير بعض الاحصائيات الرسمية العالمية، بأنهُ ما يقارب من (466) مليون إنسان في العالم يعانون من فقد السمع، وبنسب متفاوتة، منهم 34 مليون طفل!؛ وتشير بعض البحوث العلمية المتخصصة في هذا الأمر والتقديرات بأنهُ وبحلول عام 2050م، سيعاني أكثر من (900) مليون شخص من فقد السمع!!؛ وعلي الرغم من ذلك المؤشر الكبير والخطير نقول ليس من فقد سمعهُ، أو بصرهُ، أو النُطق، والكلام، أو أحد أطرافهُ هو إنسان “معاق”!، كلا عْلَيْ الإِطلاق، لأن الله عز، وجل طالما أعطى الانسان العقل، والتفكير، والمنطق، والقلب السليم، فهو إنسان طبيعي مثل غيره، والمُعاق الوحيد، والحقيقي هو من فقد عقلهُ، لأن الله جل جلاله، “إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب”؛؛. فكثيراً ممن فقدوا سَّمعهم وأطرافهم حولوا حياتهُم من المِّحْنِة، إلي الّْمِّنحَة، وكانوا أعلم وأفضل أهل الأرض، وأبدعوا، وتميزوا، وأضاءت عقولهم نورًا للبشرية جمعاء، وامتدت بصيرتهم إلى محاور بعيدة فكشفوا المستور، ولم تحدهم الاصابة عن العمل، والإبداع، ولم ييأسوا، بل زادت إرادتهم، وعزيمتهم ليكتشفوا للأصحاء تماماً ما عجزوا عن اكتشافه؛ بل أنهم أفضل منهُم؛ وأصبحوا برغم ما اعتراهم من فقد بعض الحواس أو الأطراف من أجسادهم، علماء، ومخترعون، وأطبـــــاء وفلاسفة، بل نورٌ أضاء طريق؛؛ لذلك فإن ملايين من البشر قد فقد سمعه، فأصبحت لهم لغة الصم والبكم ليتكيفوا مع الحياة، وتلك اللغُة ليست مجرد اشارات فقط، وإنما احساس ومشاعر نبيلة يجب أن تتوافر في كل من يتعامل مع هذه الفئة التي تحيطها الأسرار، ويجب علي وسائل الإعلام في كل العالم أن لا تقصر ناحيتهم ويكون هناك مترجم اشارة، في كل وسائل الاعلام وفضائيات خاصة بهم، والتعامل معهم بكل إيجابية، ودمجهم في المجتمع، فكل وسائل الاعلام والمؤسسات الدولية والرسمية مقصرة تجاههُم، لأن مشكلة الصم والبكم، تزداد عندما يجدون أنفسهم، في معزل عن المجتمع، وذلك سوف يجعلهم يشعرون بالغربة، فكيف لو كان مُحاضراً يتلكم بُلغة فرنسية أمام جمع من الطلاب لا يفهمون إلا اللغة العربية!؛ فلن يفهموا شيء؛؛ لذلك يجب الاهتمام بالصم والبكم، ومراعاة كيفية اندماجهم في المجتمع، فالصم أكثر احساساً، و ُرومانسية عندما يعشقون ولديهم القدرة الكبيرة على التعبير عن مشاعرهم الفياضة، حينما يتم الاهتمام بهم، ويجب أن تكون لغة الاشارة، ومترجمون الاشارات موجودون في كل مكان، وتوجد لوحات تعريفية خاصة بالصم والبكم في كل الوزرات، والمؤسسات، والدوائر الرسمية وغير الرسمية، وتأكيداً علي ما بدأت به سأذكر بإيجاز عينة من العلماء ممن أعطوا ومنحوا وتركوا للبشرية علم زاخر، وعظيم، عجز كل من يملك السمع، والبصر، والكلام، والجسم القوي السليم عن أن يأتوا بمثله؛ لأنه هناك من هو بصير العينين ولكنه أعمي البصيرة (القلب)، وعلي قلوبهم رانْ!؛ “فإنهم لا تعمي الأبصار ولكنها تعمي القلوب التي في الصدور” !؛ ومن الأصحاء علي قُلوبٍ أقفالُهَا، كّم مُهمل بين زوايا المجتمع لا يفعلون أي شيء إيجابي وعلي العكس نجد الكثير ممن فقدوا السمع والبصر قد تركوا للبشرية علمٌ غزير يُنتفع به، وكانوا منارات شامخة، في تاريخ الانسانية، ومن أولئك العُظماء العلماء الأماجد، (ابان بن عثمان بن عفان)، الخليفة الراشد رضي الله عنه كان به صمم، وحَوَلْ وبَرَص ثم اصابه الفالج، وهو نوع من أنواع الشلل يصيب احد جهتي الجسم طولاً، و كان ابان رحمهُ الله من فقهاء التابعين وعلمائهم في الحديث، والفقه، وعينه عبد الملك ابن مروان والياً على المدينة عام 76 هـ كما كان يقضي بين الناس؛؛ ومن أولئك العُلماء العظماء الصحابي الجليل (الاحنف بن قيس)، أسلم وحسن اسلامه ودعا له النبي بقوله (اللهم اغفر للأحنف)، وهو الذي ضرب به الحلم (أحلم من قيس) كان في رجليه اعوجاج وكان ملتصق الفخذين فشق ما بينهما وكان اعرجًا قصير القامه ومع هذا كله فقد جمع خصال الشرف، والسيادة، والمروءة، والحنكة، والحزم؛ قيل عنه اذا غضب غضب له مئة الف سيف لا يساْلونه فيما غضب توفي في الكوفة سنة 67 هــ..؛؛ و من العلماء المعاصرين المُبدعين ” د. طه حُسين” العالم والأديب والناقد والمفكر المصري أصيب بالعمى في الرابعة من عمره وحاز علي لقب عميد الأدب العربي، وحصل على الدكتوراه، في الآداب من فرنسا، وأسس جامعة الإسكندرية وصار رئيساً لها، ثم أصبح وزيرًا للمعارف، ثم أسس جامعة عين شمس في القاهرة له مئات المؤلفات وألاف المقالات والمحاضرات والقصص والروايات؛؛ وقد أحدث طه حسين ثورة نقدية وأدبية، واسعة وتقلد مناصب عليا، وأصبح ناقدًا وكاتبًا ومؤلفًا، ونال شهرة، واسعة فلم يستطع اللحاق به أي إنسان بصير وسليم تماماً بل أصبح الكثير من الأصحاء عاجزين ومعاقين أمام علمهِ الزاخر الكبير؛ ونضرب لكم مثلاً آخر وهو العالم الجليل (الامام الترمذي)، وهو الامام الحافظ المتحدث محمد بن عيسى الترمذي صاحب سنن الترمذي المشهورة، وأحد اصحاب الكتب السته المشهورة في الحديث كان رحمه الله، أعمى البصر، ولكنه مبُصر البصيرة، وأُوتى من المواهب والاخلاق ما جعله من كبار العلماء، وبرع في علم الحديث، وصنف عددًا من الكتب المفيدة من أهمها (سنن الترمذي) (الشمائل المحمدية)، والزهد،؛ ومن العلماء الفُضلاء ( أبو العلاء المعري)، وهو شاعر عباسي أصيب بالعمى، وهو في الرابعة من عمره، وكان فيلسوفًا ومفكرًا وشاعرًا له كتاب اللزوميات في الفلسفة؛ ورسالة الغفران، وسقط الزند، وهو القائل: “أبكت تلكم الحمامة***أُم عنت على فرعها المي
اد، ولا يخفى على مثقف مدى التأثير الكبير الذي احدثه المعري، في تطوير الحركة الشعرية والأدبية، وسمي (رهين المحبسين) وتوفي سنة 441هــ؛ وننتقل إلي قامة عليمة وإسلامية كبيرة إنه الصحابي الجليل (مـــوسى بن نصير) رضي الله عنهُ من قبيلة بكر بن وائل كان من كبار الفاتحين المسلمين، قاوم الروم وفتح الاندلس وافريقيا كما فتح مدنا كثيره في أوروبا، وكان هذا القائد، أعرجا، ورغم ذلك فقد بلغ النهاية في القوه والشجاعة وعلو الهمه، تـــوفي سنة 96 هــ.؛ ثم ننتقل بكم إلي عالم آخر وهو: (طه الرفاعي)، أديب مصري مشهور أصيب بالصمم في الثلاثين من عمره ولم تقف اعاقتهُ حاجزًا في وجهه فقد حقق شهرة أدبيه واسعه، وله كتاب المعركة تحت راية القراْن، وكتاب المساكين، و كتاب السحاب الاحمر، والكثير من المقالات الأدبية، ويعد الرافعي من الادباء الاسلاميين الذين خدموا الاسلام بأدبهم وشعرهم، وتوفي الرافعي سنة 1937 م.. ولا ننسي العالم الجليل الشيخ فارس المنابر عبد الحميد كشك رحمه الله، كان كفيف البصر، بصير القلب، وهو من أقوي الخطباء في العالم ولقُب بفارس المنابر، ثُم ننتقل للمبدعين عالمياً في بلاد الغرب، وهو علي كرسي متحرك إنهُ العالم البريطاني الكبير(ستيفن هاو كنغ) العالم المعروف الحائز على اعلى منصب اكاديمي في مجال الرياضيات، وهو كرسي الرياضيات الذي كان يشغله العالم الشهير نيوتن وهذا العالم مقعدا يتحرك على كرسي متحرك ، وأصدر العديد من الكتب منها: تاريخ موجز للزمن : وكتاب ثقوب سوداء، و قد تزوج وانجب ولا يزال على قيد الحياة، ومن العلماء الرئيس الأمريكي (فرانكلين روزفلت)،تخرج من كلية هارفارد ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا، رشح نفسه لمجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك ونجح في ذلك، ثم اسندت اليه مهمة وكيل وزارة البحرية الأمريكية، أُصيب بالشلل وعمره 39 عام ورغم ذلك فقد واجه الامور بشجاعة، ومثابرة، وتصميم وكاْن شيء لم يكن وظل يحقق طموحاته، ويسير في حياته بكل جد وعزم الى انتخب عام 1932م رئيساْ، للولايات المتحدة الأمريكية وقد فاز بانتخابات الرئاسة، أربع فترات متتاليه حتى توفي سنة 1945 م وقد مارس علاجًا طويلاً منظمًا لساقيه جعله يسير بواسطة حمالات من الصلب وكان أول رئيس أمريكي توضع صورته على البريد، وهو على قيد الحياة..؛؛ وأختم بأسطورة بشرية وهي السيدة العالمة الكبيرة (د. هيلين كيلر) هي أميركية كانت مصابة بالصمم، والعمى، والبكم منذ صغرها، ورغم هذا تعلمت الكتابة والنطق، ثم تعلمت اللغات الانكليزية، والفرنسية، والألمانية، واللاتينية، ودخلت الجامعة، وتخرجت، ثم تفرغت للكتابة، والتأليف، ولها كتب وقصص ومقالات من مؤلفاتها: كتاب قصة حياتي؛؛ والقائمة تطول بأولئك المبدعين الأصحاء العقول والذين قدموا للبشرية ما لم يقدمه ملايين الأصحاء، ولكن في النهاية للمقال لابُد من توجيه همسة عتاب في مجتمعاتنا العربية، والإسلامية، ولكل وسائل الإعلام، والمسؤولين في كل أرجاء المعمورة بأن يكون لديهم المزيد من الرعاية والاهتمام والرعاية لأولئك العظماء أصحاء العقول، والقلوب الراقية الناضجة المتفتحة والذين لديهم هِّمم أعلي من كُلِ القّمَِم.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد