من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

دور القوى الأجنبية فى حرب الشائعات والمعلومات للتأثير على الرأى العام التايوانى

دور القوى الأجنبية فى حرب الشائعات والمعلومات للتأثير على الرأى العام التايوانى فى مواجهة الصين بإستغلال الموقف فى أوكرانيا                       

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

  ربما كان الأمر الجديد الذى أستوقف الباحثة المصرية خلال أزمة المواجهات العسكرية الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، هو “حرب المفاهيم” وتشيتيت الرأى العام الداخلى فى تايوان من خلال عدد من الأمريكان والأجانب المقيمين هناك، ومحاولة حشد الرأى العام التايوانى ضد قياداته نفسها فى مواجهة الصين”، وهو الأمر الذى إنتبهت له الرئيسة التايوانية “تساى“، رغم عدم موالاتها لحكومة بكين، عبر دعوتها لعدم الإلتفات إلى “حرب الشائعات” التى تبثها عدد من القوى والعناصر الأجنبية، بهدف إشعال الفتنة وتقسيم البلاد والمواطنين فى مواجهة بعضهم البعض، بدلاً عن إتحادهم فى مواجهة الأزمة الراهنة بشأن أوكرانيا. ومن هنا، تمت الدعوة لجميع (الوحدات الحكومية التايوانية ومراكز تكنولوجيا المعلومات ومراقبة الإنترنت)، لمنع تلك المغالطات الهادفة ووقف نشر وبث تلك الشائعات المغرضة، والتى تسعى إلى تفتيت المجتمع التايوانى ودفعه لمواجهة حكومته وقياداته ذاتها، بهدف (إشعال الموقف التايوانى مع بكين لصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب).                              

  لذلك، إستعدت الحكومة التايوانية فى الوقت الحالى خلال المواجهات بين روسيا وأوكرانيا لمنع “حرب الشائعات، ونشر المعلومات المغلوطة فى مواجهة الحكومة التايوانية وقياداتها لإشعال الحرب والعداء اللفظى مع قيادات الحزب الشيوعى الصينى فى بكين”، وهى تلك المغالطات والأخبار الدعائية التى تنشرها بالأساس تلك القوى الأجنبية والمتواطئين معهم، وذلك على الساحة المحلية الداخلية فى تايوان، وفقاً لتأكيدات مسئولين وقيادات الحكومة التايوانية نفسها، على النحو الآتى:                                                                  

١) تلعب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل دعائى فى تايوان، وشجعت واشنطن الرئيسة التايوانية “تساى إنغ-وين”، على تشكيل (مجموعة عمل ضمن مجلس الأمن القومى لتايوان) بهدف وحيد، ألا وهو متابعة الأزمة الأوكرانية مع روسيا كحالة مشابهة للحالة التايوانية مع الصين، خاصةً بعد إعلان “بوتين” فى يوم الإثنين ٢١ فبراير، بإعترافه بالمنطقتين الإنفصاليتين فى “دونباس”، حيث زاد القلق بشكل واضح فى أروقة الحكومة التايوانية، بناءً على ما تشعله السياسة الأمريكية بتوجهاتها المناوئة والمعارضة لسياسات الصين، وإنعكس ذلك فى تصريحات الرئيسة التايوانية “تساى” نفسها. فعلى الرغم من قول “تساى” فى فترات سابقة، بالتأكيد على:                   

“أن هناك إختلافات جوهرية بين تايوان وأوكرانيا من حيث الجغرافيا السياسية والجغرافيا التقليدية وسلاسل التوريد العالمية”                                

 

٢) ولكن الجدير عندى بالتحليل هنا، وما إستوقفنى بشكل شخصى وتحليلى وأكاديمى كبير، هو (مدى إدراك الرئيسة التايوانية “تساى” ذاتها لتلك المؤامرة الأمريكية والغربية نفسها لدفع الصين لمواجهة وغزو تايوان، لتحقيق مآرب وأغراض لواشنطن فى مواجهة الصين عالمياً بإستغلال الأزمة الروسية مع أوكرانيا). وذلك ما فسرته بشكل تحليلى بتوقفى الدقيق عند عبارة “تساى” الغامضة والمفهومة بالنسبة لى فى الوقت ذاته، للإيحاء بفهمها ما ترمى إليه واشنطن والغرب من إستغلال أزمة أوكرانيا لتشجيع الصين على حذو ذلك الفعل فى تايوان، هو تأكيد “تساى” صراحةً، حول:       

“أن تايوان فى الوقت ذاته باتت فى مواجهة القوى الأجنبية التى تنوى إستغلال الموقف فى أوكرانيا، للتأثير على معنويات المجتمع التايوانى، لذلك فلابد أن تقوى جميع الوحدات الحكومية التايوانية، وتضع كافة إستعدادتها لمنع “حرب المفاهيم، والمعلومات المغلوطة والمشوهة”، والتى تنشرها تلك القوى الأجنبية والمتواطئين معهم” على الساحة المحلية الداخلية فى تايوان”                         

٣) وبمتابعتى للرد الصينى الرسمى على تصريحات الرئيسة التايوانية “تساى”، فلقد جاء عبر كافة وسائل الإعلام الرسمية الصينية والصحف التابعة للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، فى عناوين صحفية كبيرة، بالتأكيد على:                         

“أن المقارنات بين القضيتين الأوكرانية والتايوانية غير مناسبة، وأنه من غير الملائم الإشارة لذلك الأمر بعد إندلاع  الأزمة الأوكرانية مع روسيا، وتذكير الكثيرين بقضية تايوان بإستمرار، لأنه ببساطة فإن هؤلاء الناس يفتقرون حتى إلى الحد الأدنى من الفهم للقضية التايوانية بالنسبة للصين، لأن قضية تايوان قد نشأت نتيجة للحرب الأهلية والمواجهات السياسية، ولكن سيادة الدولة الصينية ووحدة أراضيها لم يتم تقسيمهما ولا يمكن تقسيمهما، وهذا هو الوضع الراهن بالنسبة لقضية تايوان، لأن تايوان فى الحقيقة ليست أوكرانيا، لقد كانت تايوان على الدوام جزءاً لا يتجزأ من أراضى الصين، وهذه حقيقة تاريخية وقانونية لا جدال فيها، كما أن مبدأ “الصين الواحدة” هو معيار مقبول للعلاقات الدولية، وأن السلام فى الجزيرة التايوانية بات معتمداً على التطور السلمى للعلاقات بين بكين وتايبيه، وليس على إستمالة تايوان لقوى خارجية على أمل بيع أسلحة أو تقديم الدعم العسكرى. فهنا يمكن للصين تلخيص القضية التايوانية بالنسبة للمجتمع الدولى، بأن إستقلال تايوان طريق لا يؤدى إلى أى مكان، ولا ينبغى أن يسىء أحد فهمه أو تقديره”            

٤) كذلك تحاول الصين الرد على “حرب الشائعات المغرضة الأمريكية والغربية داخل المجتمع التايوانى بهدف تقسيمه فى مواجهة حكومة بكين”، من خلال محاولات الصين شرح حقيقة الموقف الراهن، ومدى رغبة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية فى التواجد فى المنطقة لإحداث التقسيم وإنهيار الدول، مع إثارة الصين لتلك المخاوف الرافضة لتوسيع حلف شمال الأطلسى “الناتو” مثل موقف حليفتها الروسية بشأن أوكرانيا، وذلك من أجل ضمان مصالح الصين وتايوان الأمنية المستقبلية، خاصةً مع تلك المحاولات الأمريكية لضم كلاً من “أستراليا واليابان” إلى عضوية حلف الناتو، فضلاً عما لاحظته بشكل شخصى من تلك الزيارات المتكررة التى قام بها وزير الدفاع الأمريكى السابق “مارك إسبر” فى عهد “ترامب” إلى أستراليا، ولقائه بوزير الدفاع الأسترالى للإتفاق حول عضوية أستراليا فى حلف الناتو، وهو الأمر الذى يثير حفيظة الصين ومخاوفها. لذلك، جاءت أزمة أوكرانيا وروسيا، كمناسبة (لتأكيد الرفض الصينى للإستقطاب الأمريكى لدول الجوار والنفوذ الإقليمى المباشر لكلاً من روسيا والصين).                

٥) كذلك فإن (المحاولات الصينية لتهدئة مخاوف التايوانيين، تأتى من خلال ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية الصينية والصحف التابعة للحزب الشيوعى الحاكم فى بكين)، من خلال أن التأكيد على أن سياسة الوقوف والتضامن الصينى ضمناً إلى جانب موسكو، يكسب بكين وتايوان نفسها “أوراق ضغط دبلوماسية كبيرة فى مواجهة أى محاولات مستقبلية لضم دول الجوار المنافس كاليابان وأستراليا، كمهدد للأمن القومى الصينى والتايوانى”، كما تفترض الصين، بأن روسيا ستتصرف بذات الطريقة عندما تجد الصين نفسها فى وضع أمنى حرج مشابه للحالة الأوكرانية وتحالفها مع الولايات  المتحدة الأمريكية والغرب فى مواجهة السياسات الروسية.                             

٦) وترد الصين بإستمرار بأن تطورات الأزمة الأوكرانية الأخيرة مرتبطة بشكل وثيق بعدم تطبيق أوكرانيا لإتفاق “مينسك الثانى“، والذى تم الإتفاق عليه، بسبب (دعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى حلف الناتو لأوكرانيا فى مواجهة روسيا).                                                    

٧) وكفهم واضح من الحكومة الصينية وقيادات الحزب الشيوعى الحاكم لطبيعة الأزمة فى أوكرانيا وربطها بالحالة التايوانية للحشد التايوانى والعالمى فى مواجهة الصين، فإن الصين تتبع سياسة (إما محاولة دعم روسيا بشكل واضح، أو الإمتناع عن إعطاء أى رأى)، فمثلاً عندما ضمت روسيا والرئيس “بوتين” شبه جزيرة القرم فى عام ٢٠١٤، لم تصوت الصين ولم تستخدم (حق الفيتو)، مثل روسيا، بشأن صدور قرار لمجلس الأمن الدولى بشأن تلك الخطوة الروسية، وإختارت الصين وقتها (الإمتناع عن التصويت)، وفضلت عنه تقديم دعم إقتصادى بشكل كامل للجانب الروسى.                  

٨) وبشكل عام، هناك تخوفات صينية قوية من أن (تتعرض مصالحها فى أوروبا إلى خطر كبير، متمثلاً بتدهور علاقات الصين مع بلدان الإتحاد الأوروبى، بالإضافة بالطبع لجبهة الصراع الأمريكية)، ونفس الحال ينطبق على الجبهة الداخلية الصينية فى الحالة التايوانية.                                                

٩) كذلك تحاول الصين بمساعدة روسية بالعمل على (وضع تعريف جديد لمبادئ عالمية جديدة خاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان تناسب أجندتيهما)، وهو تحديداً ما جاء فى الإعلان الصينى – الروسى المشترك خلال أولمبياد بكين الشتوى، كتحدى صارخ فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ويتجاوز الأزمة الأوكرانية الراهنة ذاتها. حيث تضمن (البيان المشترك) من روسيا والصين عبارات عديدة تشكل تحدى لتعريفات الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمفهوم الأمريكى والغربى، مع إتهامات للغرب وواشنطن بإنتهاك تلك المبادئ على مدى سنوات طويلة. وهو ما أثار إنتقادات أوروبية شديدة فى مواجهة بكين بالأساس.                                      

١٠) فهنا، تعتبر الصين فعلياً بأن “معركة أوكرانيا هى بمثابة معركة وجود للنظام الدولى الذى قام على أنقاض الإتحاد السوفيتى السابق”. لذلك فمن دون أى مبالغة، هى معركة صينية بإمتياز، ويضع وضع الصين فى مواجهة تايوان بهدف إشعال صراع بين الطرفين لصالح واشنطن وحلفاؤها فى حلف “الناتو“، وهو ما تدركه كلاً من الحكومة الصينية وحكومة تايوان نفسها، مثلما صرحت به رئيسة الحكومة التايوانية “إنغ-وين تساى”.                                                         

                                                   

١١) وتتمثل وجهة نظر الصين، فى أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يروجون لدعاية “إستغلال الصين للغزو الروسى لأوكرانيا لشن حرب ضد تايوان، لحشد العالم كله فى مواجهة الصين وروسيا سوياً”، وهو ما نفته الصين وتحاول نفيه بإستمرار لأبناء الشعب التايوانى فى الوقت الحالى حتى لا يتم إستغلال الإنشغال الروسى فى أزمة صراعه مع أوكرانيا، بفتح جبهات صراع أخرى داخلية بالأساس بين الصين وتايوان.                                                             

 ١٢) وربما كانت النقطة الوحيدة من وجهة نظرى، والتى تلعب عليها الصين بالنسبة للأزمة الأوكرانية، هى “عدم الدعم الصينى المباشر وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى”، وتحاول الصين الإلتفاف على “سياسة العقوبات الإقتصادية ضد روسيا”، والتى تفهم تحديداً بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى الغرب بفرض عقوبات إقتصادية ومالية ضد روسيا، بسبب الإعتراف بإستقلال المنطقتين الانفصاليتين “دونيتسك ولوغانسك”، وقبل أن يبدأ الغزو، واجهت الصين عاصفة من الأسئلة الغربية والأمريكية، بشأن: ما إذا كانت بكين ستفرض عقوبات على موسكو؟، لكن الرد الصينى هنا كان مباشراً وواضحاً تماماً وحضرته بكين، بالتأكيد بأن                                                                                          

“تعارض الصين لأى عقوبات أحادية الجانب على روسيا، أما بخصوص تلك التساؤلات عما إذا كانت الصين ستفرض عقوبات على روسيا أم لا؟، فمن الواضح بأن من يكتب أو يحلل أو يتفوه بتلك التساؤلات والإستفسارات لا يكاد يفهم سياسة الحكومة الصينية بما فيه الكفاية، لأن الصين تعارض دائماً العقوبات غير القانونية من جانب واحد، وهو ما ينطبق لدى الصين على الحالة الروسية بشكل تام”             

١٣) وفى الوقت الحالى، ومن خلال متابعتى لتحليلات كافة مراكز الفكر الصينية، فهناك توجه وخط عام فى السياسة الصينية، قوامه “الحشد الصينى فى رفض أى عقوبات ضد حليفتها الروسية”. فنجد هنا بأن كافة التحليلات الصينية باتت تهاجم سياسة العقوبات الأمريكية، بالتبرير على أنه منذ عام ٢٠١١، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة فرض عقوبات على روسيا أكثر من ١٠٠ مرة، ولكن السياسة الصينية أكثر عقلانية ورشادة، لأنه عند التفكير بهدوء أو مناقشة الأمر، سنصل حتماً لوجهة نظر الصين، المؤكدة (لفشل كافة السياسات الأمريكية الخاصة بفرض العقوبات على خصومها حول العالم).                                                       

           

١٤) وسنجد كذلك بأن (الخطاب السياسى الصينى بات موحداً على مستوى الجبهتين الداخلية والخارجية، بطرح التساؤل الصينى المنطقى، حول: ما إذا كانت سياسة العقوبات الأمريكية الفردية الأحادية قد حلت المشكلة أو أى أزمة أخرى مع روسيا أو حتى غيرها كإيران وكوريا الشمالية؟)، ثم إنطلاق التساؤلات الصينية، بشأن:                              

أ) هل إستطاعت سياسة العقوبات الأمريكية الأحادية تغيير السلوك الروسى أو سلوك غيره من تلك القوى والبلدان المعاقبة؟

ب) وهل تغير العالم للأفضل بسبب سياسة العقوبات الأمريكية؟                                                         

ج) وهل ستحل سياسة العقوبات الإقتصادية الأمريكية،  وغيرها كافة تلك المشكلات المتوارثة فى أوكرانيا بسبب فرض بضعة عقوبات إقتصادية أو مالية ضد روسيا؟                 

د) وأخيراً، هل سيصبح الأمن فى أوروبا والعالم أكثر موثوقية وقوة بسبب العقوبات الأمريكية ضد روسيا وغيرها؟         

وبفهمنا لهذا الطرح والتحليل الصينى، سنصل إلى إستنتاج مفاده، أنه وبشكل عام، تعرب مراكز الفكر الصينية والدبلوماسية الصينية ذاتها عن أهمية أن تنظر كافة الأطراف المعنية بجدية فى مسألة العقوبات الإقتصادية، وذلك عبر (بذل الجهود الدولية والإقليمية لحل القضية الأوكرانية من خلال سياسة الحوار والمشاورات وليس فرض العقوبات)، بالنظر لأن موقف الصين بشأن القضية الأوكرانية ثابت ولا يتغير، كما أن موقف الصين من هذه القضية يتفق مع موقفها الثابت منذ فترة طويلة بضرورة تعزيز الحوار والتشاور لحل القضايا الإقليمية الساخنة. وتؤكد الصين بالأخص للتايوانيين فى مواجهة حرب الشائعات لتقسيمهم فى مواجهتها، بأنه (لا يزال هناك أمل فى إيجاد حل سلمى للأزمة الأوكرانية)، وذلك على الرغم من التصعيد المستمر للتوترات الروسية فى مواجهتها.   

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد