من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

“اللاتعلق”

بـقلم- إيناس السواح:
أعترفُ أنني وقعتُ بفخِ التعلق.. وأول من تعلقتُ بهِ هُم أصدقائي في الطفولة، ومدرستي، ومنزلي،  وكُلَ ماأملكُ من أشياء.. لكن الحربُ أتت وسرقت مني كُلَ هذهِ الأشياء،  وبقيتُ وحيدة..
وحتى وطني ودعتهُ.. وليتني ماودعتهُ.. لأن وداعي كان وداع اللاعودة إلى اللانهاية.
مستحيل أن أنسى أخر يوم لي،  ركبنا في السيارة،  وتجولت بشوارع دمشق.. كانت العمارات عالية جداً،  ونسيمُ الهواء العذبُ المعطر بالياسمين كأنهُ لاهواء كنقائه وعطره  في كل العالم،  والأشجار التي تُغطي شوارعها.. يالا روعتها كأنها جنة خُلقت..
تأملتُ كُل تلك التفاصيل…
وكأن شيء ما في أعماقي يخبرني أنهُ الوداع الأخير.
ودعنا الديار والأحباب..
ودعتُها وحملتُها..
وفي قلبي زرعتُها..
وفي عيني رسمتُها..
في كل حين..
وفي كل زمان..
بقت بفؤادي..
بلادي…
أول ماأقول..
أنا سورية..
أنا الدمشقية..
وفي عروقي تجري..
أوراق الياسمين..
وبدأت رحلتي في بلاد الغُربةِ..
وحيدةٌ أنا دون أصدقاء..
وحيدةٌ لمن أنادي..
لاأحد يسمعُ النداء..
ماوجدتُ سوى أوراقي..
أكتبُ وأكتب..
فالقلمُ..
والورقةُ كانت كُلَ الأصدقاء..
حدثتُ الأوراق..
عن ألمِ الفُراق..
وحدثتها..
عن ألمِ الأشتياق..
وكل مافي الفؤاد..
وآه مافي الفؤاد..
وآهٍ عن كُلِ مافات..
وطنٌ.. فقدناه..
ووطنٌ  لن ننساه..
نحنُ المهاجرون..
في الغربةِ..
لاماضي.. ولامستقبل..
ولاحاضرٌ يحضر..
نحنُ معلقون..
مقيدون..
بأحلامٍ محدودة..
وأيام معدودة..
لانعلمُ معنى الأستقرار..
ونبقى حائرين..
إلى متى..
وإلى متى..
سنبقى مُسافرين..
هل نحنُ عائدون؟ 
أم سنبقى بعيدون؟
لاندري..
وكيف ندري؟
ومن يدري؟
لعل الله يفرجُ عنا..
لعل الله ينصرنا..
وهكذا قضيتُ عشرة سنين، في شوق وحنين، وآمالي كانت كُلها بفرج من الله قريب،  ماأستسلمتُ للماضي.. بل أستمريتُ في السعي بالحياة.. ذهبتُ إلى مدرسة من جديد،  ووجدتُ أصدقاء جدد،  ورسمتُ أحلام من جديد،  وسعيتُ لتحقيقها.
الحياةُ تستمرُ شئنا أم أبينا.. في الوطن،  والغربة،  وفي أي مكان..ماخُلقنا لنستسلم،  بل لنتعلم،  ونبدع في الكون، ولنسعى.. نسعى بكل طاقتنا حتى نضع بصمة.. قد نكون سبب فيها في تغيير حياة إنسان لأفضل..
لن أقول النهاية..
لكنها هذه البداية..
إلى اللاتعلق..

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد