من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

النظام الاقتصادي والرفاهية الاقتصادية

الدكتور عادل عامر

الرفاهية الاقتصادية حالة اقتصادية يتصف بها الفرد والجماعة؛ وهي تختلف من حيث التطبيق من نظام اقتصادي إلى نظام اقتصادي آخر. لذا نجد أن الفرد أو المجتمع(أي الدول) تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من العيش السعيد لأفرادها من ضروريات السلع والخدمات. وفي محاولة لاستشراف الموقف من العولمة والرفاه من منظور الاقتصاد الإسلامي، عرضت الدراسة للاستراتيجيات المتاحة أمام الدول الإسلامية للتعامل مع العولمة، كما ألقت الضوء على بعض الضمانات التي يمكن من خلالها تعزيز مستويات الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، والحيلولة دون تراجعها.

 إذا الرفاهية الاقتصادية هي نتاج اجتماعي تناولتها النظرية الاقتصادية من خلال توفر الدخل القومي؛ أما الرفاهية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي فهي نتاج فردي حسب اعتقاده بالتمتع بالحياة الدنيا من خلال توفر الدخل المتاح للإنفاق رغم أنه يعلم أن الحياة الدنيا ليست دار القرار أنما الحياة الآخرة عند الفرد المسلم هي تحقيق الرفاهية الاقتصادية الحقيقية. الكلمات المفتاحية: مفهوم الرفاهية الاقتصادية؛ الاقتصاد الوضعي و الاقتصاد الإسلامي، أهداف الرفاهية الاقتصادية الاقتصاد الإسلامي.

وبذلك تصبح الرفاهية الاقتصادية، أحد أجزاء الرفاهية الاجتماعية العامة الذي يمكن قياسه نقديا بطريق مباشر أو غير مباشر. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن دراسة الرفاهية الاقتصادية يجب أن تقتصر على تحليل الأسباب والعوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من الاستقرار النفسي والمادي والاجتماعي للفرد ضمن مجتمع معين، وهي بذلك تكون دراسة علمية إيجابية. ويعتقد البعض الآخر أن دراسة الرفاهية الاقتصادية يجب أن تشمل دراسة وتقييم الكفاءة الاقتصادية والنظم المتعلقة في توزيع الموارد بما يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من المنفعة الاجتماعية وتوفير الظروف التي يمكن عن طريقها أن تقوم السياسات الاقتصادية في تحقيق الرفاهية للمجتمع.

ویعرف الوضع الأمثل للرفاهیة عندما یتحقق فیه أقصى مستوى معیشي لجمیع أفراد المجتمع، دون استثناء. بحیث إن حصل أي تغیر في هذا المستوى الأمثل فسيؤدي إلى زیادة في المستوى المعیشي لبعض الفئات الاجتماعیة، ولذلك، فإن هذا التغیر لابد أن ینجم عنه إلحاق الضرر بفئات اجتماعیة أخرى، بل وبالأنظمة المحيطة والمرتبطة بالمجتمعات الإنسانية خاصة النظام البيئي، الذي يعد المصدر الرئيس لدعم حياة الإنسان على الأرض، فهو يأخذ منه أنواع الموارد التي تدعم وتطور مستوى رفاهيته كافة.

ويؤدي استغلال أو استهلاك الموارد الطبيعية إلى مخرجات مصاحبة تسمى آثاراً خارجية أو متعديات تنتج مصاحبة لاستخدام الموارد، وهي تكون ذات آثار سلبية تؤثر على الرفاه الاقتصادي للمجتمع ككل، إذا لم يتم تصحيح آثارها بالسياسات الاقتصادية المثلى. وهو ما جعل العالم يتحول نحو التركيز على فكرة توفير الرفاهية الاقتصادية والرفع من المستوى المعيشي لأفراد المجتمع مع الحفاظ على النظام البيئي وصيانته، كنظام للأجيال الحالية والقادمة أو ما يسمى بالتنمية المستدامة أو القابلة للديمومة.

أولاً: النتائج:

  1. أفْرَزَتِ العَوْلَمَةُ نِظاماً يُدَعِّمُ النِـزاعات والصراعات الدولية ويُغَذّيها، من خلالِ سَعْيِهِ إلى الهيمنةِ على العالمِ، فَأفْرَزَ احباطاتٍ كثيرة، وانتكاساتٍ عميقة، وقَوّضَ بذلكَ أُسس السلم العالمي.

  2. تأثّرت مُسْتَويات المعيشةِ بشكلٍ كبيرٍ بسببِ العولمةِ ومؤسساتِها، وكشفتِ العولمةُ عن مظاهرِ خللٍ حقيقيةٍ، سواءَ في ارتفاعِ مستوياتِ الفقرِ والجوعِ، أم في ارتفاعِ معدلاتِ البطالةِ، على المستوى المحلي والاقليمي والدولي. ولم تُفْلِح ضماناتُ النظامِ الرأسمالي في الحدّ من تفاقمِ هذهِ المشكلات، بل إنَّ الاستمرارَ في الترويجِ للعولمةِ والتسليمِ لسياساتِها سيأتي على ما بقي من رفاهيةٍ اجتماعيةٍ وَسَيُجْهِزُ عليها.

  3. أَسْفَرَتِ العَوْلمةُ عَنْ تعميقِ التفاوتِ في الدخولِ والثرواتِ بينَ دُوَلِ الشمالِ والجنوب، بَلْ إنّ حِدّةَ التفاوُتِ تَرَسّخت بينَ أفرادِ المجتمعِ الواحدِ، وهذا بِدَوْرِهِ عَمّقَ عَدَمَ الاندماجِ والحرمان بين الفئاتِ الاجتماعيةِ. وَوُجِدَتْ هناكَ أصواتٌ تنادي بتبريرِ التفاوت وتعتبرُ ذلكَ من مزايا النظام الرأسمالي.

  4. انحسرَ دورُ الدولةِ وانحسرَتْ وظائفُها الاقتصادية، ولَمْ تَعُدْ مقاليدُ السيادةِ وتقرير المصيرِ طَوْعَ خَيارِها، بَلْ إنّ السياسَةَ صارتْ تأتمرُ بأمرِ السوق. وتقلّصت مساهمةُ الدولةِ في تقديمِ الخدماتِ والمشروعاتِ العامة، وبدا التوجُّهُ نحوَ الخصخصةِ مطلباً من مطالبها.

  5. تراجعت مقاييسُ الرعايةِ الاجتماعية المتمثلة في مستويات التعليم والصحة، وتزايدت نسبة التلوث البيئي، كما تفككت البنى الاجتماعية، وتراجعت معايير الأمن الاجتماعي والديمقراطية وحقوق الانسان.

  6. تواجه الاقتصاديات العربية والإسلامية تكتلات اقتصادية عملاقة، ولا تملك هذه الاقتصاديات المجزأة مواجهة الآثار السلبية للعولمة، وما يصاحبها من مستجدات ومتغيرات مختلفة ومتسارعة، فهي بوضعها الحالي ضعيفة في مجال التفاوض الاقتصادي والسياسي مع التكتلات العملاقة.

  7. باتت التكتلات الاقتصادية ضرورةً حتميةً، وسمةً من سمات العصر، واتجه العالم إلى التكتلات الاقتصادية الكبيرة عوضاً عن الدولة الفردية أو الاقتصاد المنفرد والمجزأ.

  8. ان العمل الإسلامي المشترك هو السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر كافة، ولا مخرج أمام الدول الإسلامية سوى التكامل للحفاظ على الحضور الفاعل على الساحة الدولية، ومواجهة التكتلات الأخرى. 9. لا يوجد بين الدول الاسلامية من يطبق النظام الاسلامي بشكل متكامل، كما لا تملك أي دولة – بمفردها – القدرة على تعميم النظام أو الأنموذج الاقتصادي الاسلامي، ولا القدرة على اقناع الآخرين بصلاحيتة وقدرته على تعزيز الرفاهية وصولاً إلى محتمع السعادة والرخاء.

  9. يحمل النظام الاقتصادي الإسلامي في بنيته التشريعية والمؤسسية ضمانات تحول دون تراجع مستويات الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات على حدّ سواء.

 ثانياً: التوصيات:

قد تبدو هذه التوصيات طموحةً وكبيرةً، ولكنها نابعةً من إيمانِ هذه الدراسة بالأملِ الكبير في الأمة الوسط الشاهدة على بقية الأمم، والقادرة على النهوض بأعباء الأمانة التي كلّفها بها ربُّ العزّة جل في علاه، وبقدر همة المؤمنين بالرسالة الربّانية وعزيمتهم.

والدراسةُ إذْ تضعُ توصياتِها أمامَ المجتمعاتِ المسلمةِ وصانعي القراراتِ فيها – من ملوك ورؤساء، وقادة وحكومات، وأحزاب ونقابات، ورجال أعمال وأكاديمين – تعي أنَّ تفعيلَ هذهِ التوصيات رهينٌ بوجودِ إرادةٍ سياسيةٍ تعي مخاطرَ العولمةِ وتجتهدُ لاستدراكِ آثارِها، وتتحصَّنُ لذلكَ من خلالِ السعيِ نحوَ الوحدةِ والتكاملِ. وهذه الوحدة لن تتحقق فقط بمعاهدة يوقعها الملوك والرؤساء، بل بتحقيق الإجماع الحقيقي المنشود، وبفتح قنوات الاتصال والتواصل على المثقفين من أبناء هذه الأمة. فالكل معني بهذه التوصيات أخذا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنت على ثغرة من ثغر الاسلام فلا يؤتين من قبلك”.

ومن أبرز هذه التوصيات:

  1. التعاملُ الواعي مع العولمةِ ومعطياتِها، والسعيُ لبناءِ أرضيةٍ مُمانِعَةٍ وواعيةٍ ضدَّ توجهاتِ العولمةِ وسياساتها من خلالِ التعريفِ بآثارِها. والسعي لترويجِ عالميةِ الإسلامِ ذاتِ الأهدافِ والغاياتِ والوسائلِ العالمية، القائمةِ على أساسِ التعارفِ والانفتاحِ دونَ نفيٍ أو إقصاءٍ أو إكراهٍ.

  2. تنسيقُ المواقفِ والسياساتِ العربيةِ والإسلاميةِ، بل وكل الهيئاتِ والمنظمات التي تتحسسُ مخاطرَ العولمةِ في الرفاهية، تجاهَ منظمةِ التجارةِ العالميةِ، والاتحاد الأوروبي، والتكتلات الاقتصادية العملاقة، العالمية والإقليمية، من خلالِ تفعيلِ دورِ جامعة الدولِ العربيةِ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، في العملِ الجماعيِ المشتركِ، وإزالة كل الحساسيات البينية التي تعرقل التوجه نحو إقامةِ تكتلٍ اقتصاديٍ إسلاميٍ جادٍ، مبنيٍ على أسسٍ منطقيةٍ وفاعلةٍ، كوسيلةٍ للوصولِ إلى الوحدةِ الاقتصاديةِ.

  3. الالتزام السياسي الكامل بعملية التكامل والوحدة الاقتصادية، وإتباع الآلية اللازمة لوضع قرارات التكامل والوحدة موضع التنفيذ، من خلال توقيع ميثاق شرف عربي وإسلامي، بتنفيذ كل القرارات الصادرة عن اجتماعات اللجان المعنية بالعمل العربي الإسلامي المشترك.

  4. ترسيخ استراتيجية الاعتماد الجماعي على الذات، وتقليل التبعية للخارج، بهدف إشباع الحاجات الأساسية للإنسان المسلم، من خلال إحياء السوق الإسلامية المشتركة وتفعيلها، وتنشيط التجارة البينية. فلا خير في أمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع.

  5. العمل على تنويع الهيكل الإنتاجي في الدول الاسلامية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات والثروات المتاحة، لأن التنوع الانتاجي أساس لأي تكامل اقليمي اقتصادي.

  6. الترويج للنظام الاقتصادي الإسلامي وفلسفته في مقابل النظم والفلسفات الوضعية، من قبل الدول الإسلامية، وتفعيله في كل مناحي الحياة، بدءاً من المؤسسات المالية وصولاً إلى مشروع وحدة النقد الإسلامية، ليكون نظاماً شاملاً متكاملاً. وعندئذ يمكن تعميمه في مقابلة النطم الوضعية التي عانت منها الشعوب والمجتمعات وما زالت.

  7. السعي لتوحيد الخطاب الإعلامي الإسلامي الموجّه لدول العالم أجمع، بجميع اللغات للتعريف بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف ونظامه الاقتصادي، بعد أن يكون أخذ مأخذه في التطبيق، وأثبت كفاءته وفاعليته وعدالته.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد