من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

حرب التجسس بين الصين وأمريكا

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

  تزايدت حدة الإتهامات الأمريكية للصين لإستخدام الصين لشبكات تجسس واسعة تقف وراءها الإستخبارات الصينية للوصول إلى معلومات عن الملكيات الفكرية الخاصة بإختراعات أمريكية. مع التأكيد الأمريكى بأن التجسس الصينى يكلف الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ٦٠٠ مليار دولار سنوياً من الملكية الفكرية المسروقة. ومن هنا، ستجد تعاون كامل ومشاركة للمعلومات بين الطلاب والدارسين والأكاديميين بل وحتى المواطنين الصينيين من المقيمين فى الولايات المتحدة الأمريكية وكافة ولاياتها المختلفة مع “وزارة الأمن القومى الصينية”، وكل المؤسسات الرسمية والقومية للدولة الصينية، والتعاون مع الوكالات الأمنية الصينية، والتى تستهدف بشكل كامل الإلتقاء بشكل دورى بالمبتعثين الصينيين فى الخارج، خاصةً فى الولايات المتحدة الأمريكية.                            

     

  ونجد هنا، بأن أحد أبرز التخوفات الأمريكية هو قدرة الصين الفائقة على (تفكيك كافة شبكات الجواسيس الأمريكية، خاصةً من المتواجدين على الأراضى الصينية). وعلى الجانب الآخر، إتهمت الولايات المتحدة الأمريكية فى شهر مايو ٢٠٢٢، التهمة لأربع ضباط مخابرات صينيين، للتجسس على معارضين وقيادات حقوقية ونشطاء صينيين يقيميون على الأراضى الأمريكية. وذلك بحسب بيان لوزارة العدل الأمريكية، والذى أكد بأن عريضة الإتهام الأمريكية لجواسيس الصين على الأراضى الأمريكية، تؤكد بأن المواطن الصينى “وانغ شوغون”، والمقيم فى “مدينة كوينز فى ولاية نيويورك“، قد إستغل وضعه داخل مجتمعات المغتربين الصينيين والمعارضين والمنشقين الصينيين لجمع معلومات عن أنشطتهم لحساب (وزارة أمن الدولة الصينية)، وهو ما نفته السلطات الصينية جملةً وتفصيلاً عبر سفارتها فى واشنطن.                

                                                 

  فهنا سنجد، بأن أكثر ما يخيف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العمليات الإستخباراتية والتجسسية للصين، هى إشراك السلطات الصينية لكافة مواطنيها فى عملياتها الإستخباراتية، خاصةً تجاه واشنطن. حيث تتبنى السلطات الصينية نهج فريد من نوعه عالمياً، هو “كل مواطن  صينى يعادل أو  يساوى حكومة بأكملها ودولة بأكملها” فى كل ما يتعلق أو يمس الأمن القومى الصينى مباشرةً. وهذا الأمر يعد إلزامياً فى الصين بموجب “قانون الأمن القومى الصينى”، بالتعاون مع جيش التحرير الشعبى فى الدولة الصينية، لمساعدة السلطات الصينية للكشف عن أى معلومات أو تطورات تمس أمن الدولة أو سلطات الحزب الشيوعى الحاكم.                                 

 لذا ستجد إستهداف وكالات الأمن الصينى لتلقى إستفسارات وتوجيه الأسئلة والإرشادات من كافة الطلاب الصينيين الدارسين فى مختلف الجامعات الأمريكية للحصول على معلومات تمس تخصصاتهم المباشرة لصالح وطنهم فى الصين. لذلك تزايدت حدة مطالبات عدة نواب فى الكونغرس الأمريكى بمنع منح تأشيرات للطلاب الصينيين للدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بل والمطالبة بطردهم، خاصةً من الدارسين فى القطاعات التكنولوجية والعلمية الدقيقة، لإتهامهم بإستغلال ومشاركة معلوماتهم فى مجال تخصصاتهم العلمية والأكاديمية لصالح الإستخبارات الصينية. وكان ذلك هو السبب الأساسى فى إقتحام السلطات الفيدرالية الأمريكية للقنصلية الصينية فى مدينة “هيوستن” الأمريكية للبحث ولإلقاء القبض على باحثة صينية متهمة بالتجسس فى سابقة دولية خطيرة وجديدة وغير مسبوقة بالمرة.                                                      

 ويبقى التخوف الأمريكى المستمر من كافة الطلاب والدارسين الصينيين داخل المؤسسات الأكاديمية والبحثية الأمريكية. فضلاً عن تزايد الإتهامات الأمريكية للسلطات فى الصين بإستخدام طلابها وباحثيها للإضرار بالأمن القومى الأمريكى، وإجبار الدولة الصينية لمبعوثيها بمشاركة أبحاثهم ومعلوماتهم وتخصصاتهم، خاصةً للباحثين والأكاديميين فى القطاعات والتخصصات العلمية الدقيقة والتكنولوجية. وربما الأخطر، هى مطالبة كل مواطن ومبتعث وباحث صينى فى الخارج، ولاسيما فى الداخل الأمريكى بمراقبة وتقييم أى مواطن صينى لكل مواطن آخر يشاركه الدراسة أو العمل والبحث فى نفس المؤسسة التى يعمل بها، وإلزامه بإبلاغ السفارة الصينية المعنية وسلطات بلاده عن أى سلوك معارض أو غير منضبط أو عند ملاحظة أو إرتياب أى محاولة لتجنيده أمريكياً.                   

   وبسبب تزايد تلك الإتهامات الأمريكية للصين، إرتفعت حدة القضايا المنظورة أمام مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى بشأن قضايا التجسس الصينية، لدرجة أن التقارير الإستخباراتية الأمريكية تؤكد وجود قضية نشطة مرتبطة بتجسس صينى جديد على أهداف أمريكية كل ١٠ ساعات. ويوجد حالياً نحو ألفين قضية نشطة، ومعظم تلك القضايا مرتبطة فى الأساس بأنشطة تجسس إقتصادية فى مواجهة الصين، والتى تؤكد التحقيقات الفيدرالية الأمريكية وفقاً لبياناتهم الرسمية الصادرة بإستمرار، تزايد حدتها بنسبة كبيرة.         

 وتصنف وكالة الإستخبارات الأمريكية وفقاً لمعلوماتى المتاحة (وزارة أمن الدولة الصينية) بإعتبارها المسؤولة فى المقام الأول عن كافة العمليات الإستخباراتية الصينية، كما يتولى الجيش الصينى مسؤولية التجسس تجاه واشنطن فى النواحى العسكرية، وأنشطة التجسس السيبرانية المتبادلة بين الجانبين الأمريكى والصينى.                                               

  وتتعدد العمليات الإستخباراتية الصينية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية على كافة المستويات والقطاعات الصناعية والإقتصادية والتكنولوجية. وأبرز الجهات الصينية التى تتهمها.         الولايات المتحدة الأمريكية بالتجسس ضد واشنطن، هى:       

   (الشركات الصينية المملوكة للدولة، شركات الأفراد الخاصة برجال الأعمال المقربين للنظام، مراكز الأبحاث الصينية، خاصةً التى تجذب الأمريكان والباحثين الأجانب، المنظمات غير الحكومية، الأكاديميين والباحثين والطلاب الصينيين من الدارسين حول العالم، بالإضافة إلى العاملين الصينيين فى قطاع التكنولوجيا وأمن المعلومات لتزويد الجانب الصينى بالمزيد من التحركات الأمريكية السيبرانية، وإختراق أبرز الأنشطة الأمريكية سيبرانياً، وهى التى يزداد أنشطتها بكثافة فى السنوات الأخيرة)           

  وبناءً عليه، يلاحظ التحذيرات المستمرة الصادرة من مسؤولين لأجهزة الأمن فى أجهزة الإستخبارات المركزية الأمريكية والبريطانية من وجود شبكات صينية هائلة للتجسس الإلكترونى، وبرامج قرصنة الكترونية يتجاوز حجمها ما تمتلكه القوى العالمية الكبرى مجتمعة. وتعتقد وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، بأن هذه البرامج الصينية للتجسس عليها، تعد جزءاً من جهد إستخباراتى أوسع ومتنامى ومتعدد الأوجه لمنح الصين ميزة على منافستها الأمريكية، ولإسكات كل ما يهدد سيطرة الحزب الشيوعى الصينى.

 تأخذ الجهود الصينية مختلف الأشكال للحفاظ على أمنها من وجهة النظر الأمريكية بالأساس، بما فيها التلصص على الأبواب، لسماع ما يدور خلفها.

وبصفة عامة، يرجح مسؤولو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بأن الأشخاص الذين يتم إستهدافهم من قبل الحكومة الصينية، هم أولئك الذين يعتقد أن لديهم صلات بما وصفته الحكومة الصينية بـ “السموم الخمسة” التى تهددها، والتى تشمل: إنفصالى التبت والأيغور، وحركة “الفالون غونغ” الروحية، ونشطاء إستقلال تايوان، وأبرزهم “ليو“، فضلاً عن  أعضاء الحركة المؤيدة للديمقراطية فى الصين.

  ووفقاً للتحليل السابق للباحثة المصرية، فإنه من المتوقع تنامى حدة هذه التخوفات الأمريكية- الصينية المتبادلة، بشأن تلك الإتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ومن المثير للقلق أن هذه الجهود يتوقع أن تنمو وسط تدهور العلاقات الصينية – الأمريكية فى الوقت الحالى.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد