بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم
يعني التنوع الأحيائي أو التنوع البيولوجيأصناف وأنواع الحياة على الأرض، بجميع أشكالها، من الجينات والبكتيريا إلى النظم البيئية بأكملها مثل الغابات أو الشعاب المرجانية. التنوع البيولوجي الذي نراه اليوم هو نتيجة 4.5 مليار سنة من التطور، وقد تأثر بشكل متزايد بالبشر. ويشكل التنوع البيولوجي شبكة الحياة التي نعتمد عليها في أمور عديدة كالغذاء والماء والطب والمناخ المستقر والنمو الاقتصادي، وغيرها من الأمور. أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي يعتمد على الطبيعة. وأكثر من مليار شخص يعتمدون على الغاباتلكسب لقمة عيشهم. كما تمتص اليابسةوالمحيطاتأكثر من نصف انبعاثات الكربون.
لكن الطبيعة في أزمة. إذ أن ما يصل إلى مليون نوع مهدد بالانقراض والعديد منها ستختفي في غضون عقود. تتحول النظم البيئية التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل أجزاء من غابات الأمازون المطيرةمن مصارف الكربون إلى مصادر الكربون بسبب إزالة الغابات. كما اختفت 85 في المائة من الأراضي الرطبة، مثل المستنقعات المالحة ومستنقعات المنغروف التي تمتص كميات كبيرة من الكربون.
كيف يؤثر تغير المناخ على التنوع البيولوجي؟
يظل المحرك الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي هو استخدام البشرللأرض في المقام الأول لإنتاج الغذاء. لقد غيّر النشاط البشري بالفعل أكثر من 70 في المائة من جميع الأراضي الخالية من الجليد. عندما يتم تحويل الأرض من أجل الزراعة، قد تفقد بعض الأنواع الحيوانية والنباتية موطنها وتواجه الانقراض.
إلا أن تغير المناخ يلعب دورًا متزايد الأهمية في تدهور التنوع البيولوجي. إذ أدى إلى تغيير النظم الإيكولوجية البحرية والبرية والمياه العذبة في جميع أنحاء العالم. كما تسبب في فقدان الأنواع المحلية وزيادة الأمراض ودفع الموت الجماعي للنباتات والحيوانات مما أدى إلى حدوث أول انقراض مدفوع بالمناخ. وعلى اليابسة، أجبرت درجات الحرارة المرتفعة الحيوانات والنباتات على الانتقال إلى ارتفاعات أعلى أو خطوط عرض أعلى، وقد انتقل العديد منها نحو قطبي الأرض، وهو ما سيخلف عواقب بعيدة المدى على النظم البيئية. يزداد خطرانقراض الأنواعمع كل درجة من الاحترار.
ويزيد ارتفاع درجات الحرارة من خطر فقدان النظم الإيكولوجية البحرية والساحليةبشكل لا رجعة فيه. فعلى سبيل المثالتقلصت الشعاب المرجانيةالحية إلى النصف تقريبًا في المائة وخمسين عامًا الماضية، ويهدد المزيد من الاحترار بتدمير جميع الشعاب المرجانية المتبقية تقريبًا. (4٪من الثدييات تفقد نصف موطنها الطبيعي + 1.5 درجة مئوية، 8٪من الثدييات تفقد نصف موطنها الطبيعي + 2 درجة مئوية، 41٪من الثدييات تفقد نصف موطنها الطبيعي + 3 درجة مئوية، الشعاب المرجانية: كل جزء من الدرجة مهم.+ 1.5 درجة مئوية 70 إلى 90٪ من الشعاب المرجانية سوف تختفي، + 2 درجة مئوية 99٪ من الشعاب المرجانية سوف تختفي، + 2 درجة مئوية 99٪ من الشعاب المرجانية سوف تختفي).
بشكل عام، يؤثر تغير المناخ علىصحة النظم البيئية، مما يؤدي إلى تحولات في توزيع النباتات والفيروسات والحيوانات وحتى المستوطنات البشرية. وهو ما قد يزيد إمكانية انتشار الأمراض عن طريق الحيوانات وانتقال الفيروسات إلى البشر. كما يمكن أن تتأثر صحة الإنسان أيضًا بتراجع خدمات النظم الإيكولوجية، مثل فقدان الغذاء والدواء وسبل العيش التي توفرها الطبيعة.
لماذا يعتبر التنوع البيولوجي ضروريًا للحد من تغير المناخ؟
عندما تنتج الأنشطة البشرية غازات الدفيئة، يبقى حوالي نصف الانبعاثات في الغلاف الجوي، بينما تمتص الأرض والمحيطات النصف الآخر. تعتبر هذه النظم البيئية، والتنوع البيولوجي الذي تحتويه، بالوعة طبيعية للكربون توفر ما يسمى بالحلول القائمة على الطبيعة لتغير المناخ.
توفر حماية الغابات وإدارتها واستعادتها، على سبيل المثال، ما يقرب من ثلثي إمكانات التخفيف الإجمالية لجميع الحلول القائمة على الطبيعة. على الرغم من الخسائر الهائلة والمستمرة، لا تزال الغابات تغطي أكثر من 30 في المائة من مساحة كوكب الأرض.
تغطي أراضي الخث، وهي الأراضي الرطبة مثل الأهوار والمستنقعات، 3 في المائة فقط من أراضي العالم لكنها تخزن ضعف كمية الكربون الموجودة في جميع الغابات. يعني الحفاظ على أراضي الخث واستعادتها إبقائها رطبة حتى لا يتأكسد الكربون ويطفو في الغلاف الجوي.
“يعد تغير المناخ المحرك الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي. ويعتمد تغير المناخ على التنوع البيولوجي كجزء من الحل. لذلك من الواضح أن الاثنين مرتبطان ولا يمكن فصلهما.”
الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي إليزابيث مريما (مايو 2022). وتتعامل الحكومات مع تغير المناخ والتنوع البيولوجي من خلال اتفاقيتين دوليتين مختلفتين وهما اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي، وكلاهما أنشئ في قمة الأرض في ريو عام 1992.
على غرار اتفاق باريس التاريخي الذي تم التوصل إليه في عام 2015 بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تعمل الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي حاليًا من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الطبيعة، يُعرف باسم إطار التنوع البيولوجي العالمي لما بعد عام 2020، والذي سيخلف أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي المعتمدة في عام 2010. وتتضمن المسودة الأولى للإطار خطوات واسعة النطاق لمعالجة أسباب فقدان التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تغير المناخ والتلوث.
وأكدالأمين العام للأمم المتحدة: “يمكن لإطار عمل التنوع البيولوجي العالمي لما بعد عام 2020 الطموح والفعال، مع أهداف ومعايير واضحة، أن يعيد الطبيعة والناس إلى المسار الصحيح”، مضيفًا أن “هذا الإطار يجب أن يعمل بالتآزر مع اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ والاتفاقيات المتعددة الأطراف الأخرى المتعلقة بالغابات والتصحر والمحيطات “. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، ستجتمع حكوماتالعالم فيCBD) Conference COP15) in Montréal) بمونتريال بكندا للاتفاق على إطار العمل الجديد، الذي يقدم فرصة مرة كل عقد لتأمين خطة عالمية طموحة وتحويلية لوضع البشرية على طريق العيش في وئام مع الطبيعة.