من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

دلالة توقيت إختيار زيارة رئيس الوزراء الهندى “مودى” إلى مصر ولقاءه بالرئيس المصرى “السيسى”

تحليل للدكتورة/ نادية حلمى

أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف- الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية

تأتى أهمية زيارة رئيس الوزراء الهندى “ناريندرا مودى” إلى القاهرة فى توقيت بالغ الأهمية والحساسية فى التاريخ المصرى تزامناً مع بدء الإحتفالات الشعبية بنجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر، وبدأ مرحلة جديدة فى السياسة الخارجية المصرية بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين خلال ثورة ٣٠ يونيو الشعبية فى مصر، ثم تولى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” مقاليد الحكم في البلاد، وفى إطار سعى الهند لترسيخ أوجه التعاون مع القاهرة والرئيس “السيسى” تدشيناً لعهد جديد من الصداقة بين الجانبين بعد التخلص من حكم جماعة الإخوان الإرهابيين، مع تدشين جهد مشترك بين القاهرة ونيودلهى فى عهد الرئيس السيسى، متمثلاً فى تبنى أجندة مكافحة الإرهاب، والتى أصبحت أحد أهم الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية فى عهد “السيسى” في مرحلة ما بعد ثورة ٣٠ يونيو. وتأتى الرؤية المصرية متوافقة مع الجانب الهندى والمجتمع الدولى فى ضرورة التخلص من هيمنة الجماعات المتطرفة الإرهابية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المحظورة الإرهابية. وقد طرح الرئيس السيسي رؤية متكاملة لمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي فى كافة خطاباته ولقاءاته الدولية، بتأكيده على أن الشرط الضروري الذي يوفر البيئة الحاضنة لتلك التنظيمات الإرهابية، هو تفكك وزعزعة إستقرار مؤسسات الدولة، وأن ملء الفراغ الذي ينمو وينتشر فيه إرهاب جماعة الإخوان المحظورة الإرهابية، يستلزم بذل الجهد لإستعادة وتعزيز وحدة وإستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة، وهو ما تتوافق فيه نيودلهى مع القاهرة. ومن هنا جاء توافق مصر والهند على “تعزيز التعاون في المجال الأمني لمجابهة الإرهاب والعنف، ومنح قوة دفع لمزيد من التنسيق في المجال الأمنى”، وتأكيدهما المشترك على أنه “لا تنمية بدون إستقرار أمنى”. ومن هنا جاء التعاون المصرى الهندى فى التخلص من خطر تلك التنظيمات المتطرفة وتقييد حركة جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر والمنطقة والعالم، من خلال مشاركة الهند للجانب المصرى فى (الإجتماع الثاني لمجموعة العمل المشتركة بين مصر والهند لمكافحة الإرهاب الدولى) فى شهر يناير ٢٠١٨، مع تفهم هندى – مصرى كامل لكافة المخاطر الإرهابية التي يتعرض لها البلدان، وذلك في إطار جهودهما بمكافحة التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وعلى رأسها خطر التنظيم الإرهابى لجماعة الإخوان المحظورة.

وتم وضع رؤية مصرية – هندية مشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب، تتمثل فى رفض البلدين الهندى والمصرى لإنتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة فى مصر والهند على السواء، فضلاً عن إتفاق الطرفين على عدم التسامح مطلقاً مع الإرهاب وجميع من يشجعونه ويدعمونه ويمولونه أو يوفرون له ملاذات آمنة، مع تعزيز قيم السلام والتسامح والشمولية وبذل جهود متضافرة لمكافحة الإرهاب وأيديولوجياته، وأخيراً تم الإتفاق بين الطرفين الهندى والمصرى على دعم الهند لمصر فى ملف مكافحة الإرهاب من خلال تعزيز التفاعل بين مجلسي الأمن القومي في مصر والهندى، لوقف خطر إنتشار تلك التنظيمات المتطرفة الإرهابية المحظورة كالإخوان المسلمين، بما لها من إمتدادات وتشابكات وعلاقات دولية فى مصر والمنطقة وصولاً لحدود الهند وداخلها لإشاعة الفوضى والإضطراب فى الهند ومصر وحول العالم.

ومن أجل ذلك، تشجع الهند كافة الجهود المصرية في مكافحة إرهاب جماعة الإخوان المحظورة وغيرها من تلك التنظيمات المتطرفة، بالتأكيد الهندى على الدور المصري المحوري والحاسم في مكافحة وقهر خطر الإرهاب، وهو الأمر الذي يلقى بظلال الأمن والإستقرار في مصر وعلى الأمن الإقليمى والعالمى كله. وهناك رؤية مشتركة مصرية هندية، بشأن جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، في ضوء ما تمثله تلك الظاهرة من تهديد حقيقي على مساعي تحقيق التنمية في المنطقة والعالم، والتى أتت مع تأكيد الرئيس “السيسى” لنظيره الهندى “مودى” وكافة المسؤولين الهنود على مدار اللقاءات السابقة، يضرورة تضافر جهود مصر والهند مع المجتمع الدولي لحصار تلك الآفة على كل المستويات، مع تثمين الجانب الهندى لتلك المقاربة الشاملة التي إتبعتها مصر فى عهد الرئيس السيسى فى الحرب على الإرهاب، وعلى رأسها إرهاب جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة، وذلك من خلال علاج جذور المشكلة عبر دعم التنمية الإقتصادية والإجتماعية ومحاربة الفكر المتطرف الذى يؤدي إلى الإرهاب، مع الحرص على نشر ثقافة التسامح والتعايش بين الأديان ومختلف الثقافات، وهى ذاتها الرؤية التى تتبناها الهند وقياداتها ومسؤوليها.

وهنا تطمئن الهند إلى تلك الخطوات المصرية الحثيثة والمتأنية فى مكافحة الإرهاب والتخلص من خطر جماعة الإخوان المحظورة، بما لها من دلالات فى تحقيق الإستقرار الإقتصادى فى مصر، لذلك تأتى الرغبة الهندية فى تعزيز إستثماراتها فى القاهرة بعد نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر مباشرة عام ٢٠١٣، إيماناً من الجانب الهندى بأن الوضع فى مصر بات أكثر إستقراراً بعد التخلص من خطر الإرهابيين. وهنا ينظر الرئيس “السيسى” لنيودلهى بإعتبارها واحدة من أهم الإقتصاديات النامية الصاعدة فى العالم، ومن هنا تأتى أهمية الخطوات التي تتخذها مصر في زيادة التقارب والتعاون معها. خاصةً مع إشادة رئيس الوزراء الهندى “مودى” بالتجربة التنموية الناجحة التي تشهدها مصر حالياً بقيادة الرئيس “عبد الفتاح السيسى” في جميع المجالات والمشروعات القومية الكبرى الجارى تنفيذها، مع التأكيد الهندى على حرصهم الشديد على مساندة جهود مصر التنموية ودعمها في كل المجالات من خلال تبادل الخبرات والإستثمار المشترك بين البلدين. فالإستثمارات الهندية لديها فرصة كبيرة حالياً للتواجد في السوق المصرية للإستفادة من البنية التحتية الحديثة في مصر وللنفاذ منها إلى الأسواق الأفريقية والناشئة، خاصةً في ضوء إتفاقيات التجارة الحرة التى تجمع مصر مع مختلف التكتلات الإقتصادية الإقليمية، مع الترحيب الشعبي فى مصر بالتعاون مع الهند وزيادة إستثماراتها وأنشطتها التجارية فى القاهرة.

فى الوقت الذى تنظر فيه الهند إلى مصر بإعتبارها رمانة الميزان لمنطقة الشرق الأوسط خاصةً بعد نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر والتخلص من خطر الإرهابيين، بما للقاهرة من دور محورى وضرورى بالنسبة للهند فى النظامين الدولى والإقليمى يحظى بالتقدير من المجتمع الدولى. كما تنظر الهند إلى علاقاتها مع مصر، بإعتبار أن التحديات التي تواجهها الدول النامية تجعل من خيار الشراكة والتعاون الخيار الأجدى أمامها مع كبريات الدول النامية كالصين والهند، وذلك بوصفها أحد أهم نماذج التعاون البناء بين دول الجنوب. وتأتى أهمية القاهرة بالنسبة لنيودلهى، بالنظر إلى إستنادهما إلى تاريخ مشترك فيما يتعلق بالكفاح من أجل التحرر الوطني، وكان هناك أثر ملموس للشراكة بين الزعيمين الراحلين جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو فى تأسيس حركة عدم الإنحياز، وفى جهود إعادة صياغة وتشكيل أسس النظام العالمي على نحو أكثر عدالة يحمى مصالح الدول النامية ويلبى تطلعات شعوبها نحو مستقبل أفضل. فبينما قاد الزعيم الثورى فى مصر “سعد زغلول” حملة العصيان المدنى فى مصر ضد المحتل البريطانى، ولعب دوراً رئيسياً فى الثورة المصرية عام ١٩١٩، بما أسفر عنه فى نهاية المطاف عن إعلان بريطانيا من جانب واحد إستقلال مصر فى فبراير ١٩٢٢، تولى “المهاتما غاندى” على الطرف الآخر الفكر القومى المناهض للإستعمار البريطانى، وذلك فى المؤتمر الوطنى الهندى فى عام ١٩٢١، بإستخدام سلاح المقاومة اللاعنفية، والتى تمخضت عنها تلك الحملة الناجحة التى قادت لإستقلال الهند عن الحكم البريطانى فى أغسطس ١٩٤٧. وهنا ينظر المراقبون الدوليون إلى الهند بإعتبارها المحرك التالى لنمو الإقتصاد العالمي بعد الصين، ويعتقدون أنها عند مرحلة ما ستتجاوز اليابان لتصبح ثالث أكبر إقتصاد في العالم، لتتنافس مع أمريكا والصين صاحبتا المركزين الأول والثانى إقتصادياً. وهنا يمكن أن تستفيد الهند من الغاز الطبيعي المصري في المرحلة القادمة، بما يساعد في تنمية العلاقات السياسية والإقتصادية بشكل كبير في هذه المرحلة. كما أن التعاون والتقارب والتأثير والتأثر بين القاهرة ونيودلهى أضحى متعدداً ومتشعباً، وذلك بالإضافة إلى النواحى السياسية والإقتصادية، فقد توسع فى الفترة الأخيرة فى عهد الرئيس “السيسى” إلى مجالات وقطاعات أخرى كالسياحة والثقافة، ثم أتت ظاهرة التغيرات المناخية لتكون ساحة جديدة للتعاون بين القاهرة ونيودلهى عبرت عنه عدة لقاءات مشتركة بين الطرفين. وتستند الهند إلى رؤية مصر وأولويات جدول أعمال مؤتمر المناخ الدولى “كوب ٢٧” فى شرم الشيخ، مع التشديد المصرى الهندى المشترك على أهمية دفع العمل الجماعى بشأن أجندة المناخ وتحويل الإلتزامات إلى تنفيذ فعلى على أرض الواقع. كما أن مصر والهند شريكان فى (التحالف الدولى للطاقة الشمسية)، وهما قدوة عالمية للعمل ضد تغير المناخ.

وبناءً عليه، تأتى زيارة رئيس الوزراء الهندى “ناريندرا مودى” للقاهرة ولقاؤه بنظيره المصرى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” فى إطار سعى الهند لتأسيس مرحلة جديدة من مراحل التعاون والبناء المشترك الذي يقوم على قاعدة من الحوار والتفاهم والتبادل بين الهند ومصر، فى الوقت ذاته الذى تحرص فيه مصر على الإنفتاح على العالم وتمد يدها للتعاون مع كبرى الدول النامية كالصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وغيرها بما يحقق المصلحة المشتركة ويعزز من السلم العالمى، كما أن ذلك من شأنه تعزيز إستراتيجية التوجهات المصرية الخارجية نحو دول الشرق فى الفترة الحالية، خاصةً وأن الأزمات الدولية الراهنة، قد أثبتت أهمية إنشاء وبناء قاعدة إستراتيجية إقتصادية عالمية جديدة، حيث إنتهى زمن القطب الواحد، وتغير الوضع الإقتصادى العالمى على نحو ملحوظ. ومن هنا يدرك الرئيس المصرى “السيسى” بأن “التعددية الإقتصادية في العالم” أصبحت مرجوة وخطواتها محسوسة للغاية، في الوقت الذي طغت فيه أزمات التضخم وأثرت بشكل كبير على النظام الإقتصادى العالمى. وبات نهج الدولة المصرية هو الموازنة بين علاقاتها السياسية والإقتصادية مع الدول كافة وتحقيق الإستفادة للمواطن والشعب المصري وتقليل الضغط على الإحتياطى الدولارى بشكل كبير، من خلال نهج جديد في السياسة الإقتصادية للدولة المصرية يتمثل فى فتح آفاق وشراكات إقتصادية وإستثمارية جديدة مع القوى العالمية النامية الصاعدة، وعلى رأسها الصين والهند وغيرهم من القوى حول العالم.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد