من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

أثر التغيرات المناخية على مستقبل السياحة البيئية في البلدان العربية

          

مقالة علمية :

بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – مدير وحدة الجودة بالكلية- عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم

السياحة البيئية؟ هو نوع من أنواع السياحة التي تركز على المناطق التي تغلب عليها الطبيعة الجذابة بالإضافة للمناطق المهمة بيئياً، وتهتم هذه السياحة بحماية الجمال الذي تتمتع به الطبيعة دون تأثيرات عليها أو على حياة سكان المنطقة الطبيعية، وتهدف السياحة البيئية بالأصل لتوفير دخل إضافي يساهم بحماية المناطق الطبيعية والمهمة بيئياً من الظروف القاسية، بالإضافة للحفاظ على التنوع الحيوي للمنطقة ودعم فرص العمل للسكان بمشاريع مستمدة من الطبيعة، بالإضافة لمساعدة الأفراد على فهم وتقدير التراث الطبيعي.

وتعتبر السياحة قطاع مهم في الاقتصاد في عدد من البلدان العربية، وهي معرَّضة بشكل كبير لتأثيرات تغيّر المناخ، فارتفاع معدل الحرارة ما بين درجة وأربع درجات مئوية سوف يسبب تراجعًا شديد الأثر في مؤشر راحة السياح في أنحاء المنطقة. كما أن المناطق المصنَّفة بين جيدة وممتازة سياحيًّا يُحتمَل أن تصبح بين هامشية وغير مواتية بحلول سنة 2080، خصوصًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، والأحداث المناخية المتطرفة، وشحّ المياه، وتدهور النظم الإيكولوجية، وسوف يؤثر اضمحلال الشعاب المرجانية على السياحة في بلدان حوض البحر الأحمر، وبالدرجة الأولى مصر والأردن، كما سيؤثر تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار على المراكز السياحية الساحلية، وبالدرجة الأولى في: مصر وتونس والمغرب وسوريا والأردن ولبنان، خصوصًا في الشواطئ الرملية الضيقة والمباني القريبة من الخط الساحلي، ومن المحتمَل أيضًا أن تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على ألوان وعمر الآثار والمنشآت التاريخية المختلفة، الأمر الذي يؤثر على جودتها، وبالتالي على أعداد الزائرين لمشاهدتها. كما يُتوقَّع أن يؤثر تغلغل المياه المالحة في المناطق الساحلية المنخفضة على الآثار المدفونة في المناطق الساحلية، ما يؤدي إلى زيادة معدل تدهورها.

وهناك العديد من التحديات التي تواجه السياحة العربية بسبب التغيرات المناخية حيث تشكل السياحة مصدر الدخل الرئيسي للعديد من الدول العربية كمصر والمغرب وتونس. لكن تغير المناخ والسياحة القائمة على الربح دون مراعاة الطبيعة باتت تهدد المناطق السياحية التقليدية وتستوجب التوجه إلى السياحة البيئية المستدامة. ومن جهة ثانية، أدى ارتفاع درجات الحرارة في مصر إلى إلحاق الضرر ببعض المعالم الشهيرة في الأقصر وتغيير لون الأحجار الأثرية. والسياحة هي العمود الفقري للاقتصاد المصري وهي أكبر قطاع للسفر والسياحة في أفريقيا. ولحسن الحظ، نجت الشعاب المرجانية في مصر، التي تحظى بشعبية لدى الغواصين، حتى الآن من هجوم التغيرات المناخية. لكن من المتوقع أن تزداد الظروف الجوية القاسية سوءا مع ارتفاع درجات الحرارة، وسوف تهدد المزيد من الحرارة حياة الناس والنباتات والحيوانات. وتتباين الجهود الحالية  في مصرللتخفيف من تأثير تغير المناخ على قطاع السياحة من خلال عدة خطط وإستراتيجيات للتعامل مع النمو الأخضر والاستدامة الاجتماعية والبيئية في قطاع السياحة.

ولكن لا يزال التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها عنصرا ثانويا في الشرق الأوسط، وتجربة الأردن خير مثال على ذلك، والتنفيذ يتوقف على دعم المانحين النادر. ويرى الخبراء أن تأثير التغيرات المناخية على السياحة كبير، فمصر مثلا من البلدان التي تقصدها العائلات من مختلف دول العالم وخاصة شرم الشيخ والغردقة وشواطئ البحر الأحمر بشكل عام “وإذا ما ارتفع منسوب مياه البحار فإن بعض الشواطئ ستختفي وسيؤدي ذلك إلى تعرية التربة في المناطق الساحلية، كما سيؤثر ارتفاع درجات الحرارة، حتى ولو كان طفيفا، على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر“. هذه الشعاب المرجانية والتي تجذب العديد من السياح سنويا مهددة أيضا بسبب كثرة القوارب والسفن وعوادمها التي تستخدمها كمراسي حين ترسو في البحر لتتيح للسياح فرصة الغطس لمشاهدتها. كذلك فإن بناء سلاسل الفنادق بالقرب من الشواطئ يترك آثارا سلبية على الحياة البحرية. وبالنسبة لدور السياحة في استنفاذ إمكانيات الطبيعة فمثلاً على شاطئ مدينة الغردقة السياحية في مصر تم اختيار الألمانية أليساندرا ألوريس ملكة جمال عارضات الأزياء في العالم. وتحتاج السياحة إلى بنية تحتية جيدة كالشوارع والفنادق والكثير من الخدمات الأخرى، وغالبا ما يضاف إليها مرافق جذب إضافية مثل المسابح وملاعب الغولف. وهذه المرافق الإضافية تعتبر مشكلة في الدول العربية التي تعاني أصلا من شح في المياه يتفاقم مع ازدياد سخونة الأرض. لذا ترى الخبيرة الألمانية ريبه أن “الحل يكمن في السياحة الرفيقة بالبيئة والتركيز على ما هو موجود أصلا في تلك الدول ليكون عامل جذب للسياح”. فالسائح يستهلك كمية أكبر من المياه مما يستهلك وهو في بيته، وأكثر بكثير مما يستهلكه المواطنون الأصليون. ولا يوجد معنى في استغلال كميات هائلة من المياه في المشاريع السياحية على حساب ضمان الأمن الغذائي“. أن “ازدياد التصحر بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة سيقلل من قدرة هذه الدول على تأمين الغذاء لسكانها وستضطر إلى شراء المواد الغذائية من الخارج”. وبذلك ستنفق اليد اليسرى ما كسبته اليد اليمنى. لذلك ندعو إلى رفع وزيادة وعي السياح عبر تغيير سلوكهم الاستهلاكي وخلق بنية تستند على التعامل مع العروض السياحية بشكل مستدام ورفيق بالبيئة. كذلك لا بد من أن تتأقلم السياحة في الدول العربية مع التغيرات المناخية وتعيد النظر في العديد من المشاريع القائمة والجديدة.

التنوع البيولوجي والتصحّر والسياحة البيئية حيث تُعتبَر المناظر الطبيعية والأصول والمرافق البيئيّة ضروريّةً لتحقيق التنمية المستدامة في قطاع السياحة. لكن قد يكون للتغيّر المناخي وقع هائل على النظم الإيكولوجية الطبيعية للمنطقة، وقد يزيد وضعها سوءاً نتيجةً للتغيّرات في درجات الحرارة ونسبة هطول الامطار التي يُتوقَّع أن تؤثِّر بشكل ملحوظ على نمو النظم الإيكولوجية وقوتها وتأديتها لوظائفها وبقائها. علاوة على ذلك، يُتَوقّع أن يكون تأثر البيئة شبه القاحلة والقاحلة في العالم العربي بالتغيّر، الناجم عن المناخ أو عن وجهة استعمالات الأراضي، تأثراً حاسماً. وسوف تكون التغيرات مصحوبة بزيادة الضغط المائي وتدهور النظم البيئية ممّا يؤدّي إلى التصحّر. وقد أشار التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية عن البيئة العربية للعام 2008 إلى تحديات مستقبليّة، وقدّر كلفة التدهور البيئي في العالم العربي، بما في ذلك أثر التغيّر المناخي، بنحو 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

قد لا تكون بعض أنواع النباتات والحيوانات البرية في العالم العربي قادرة على التكيّف مع تسارع معدل التغيّر المناخي، الذي يتفاقم من جرّاء التغيرات في النظم البيئية الناجمة عن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية أو عن طريق أنواع مختلفة من التلوث. وقد يستجيب بعض الأنواع بالهجرة، ولكن بعضها قد يكون محكوماً عليه بالزوال.

من المعروف أنّ أي تغير في متوسط درجات الحرارة، حتى بدرجة واحدة فقط، قد يؤدّي الى اضطراب جذري في النظم الإيكولوجية الطبيعية. هذا لا يرجع فقط الى التأثير المباشر لارتفاع درجة الحرارة، وإنما أيضاً للإجهاد المائي وغيره من الظواهر التي قد تنجم عنه، مثل حرائق الغابات والتبخّر الكثيف. وسوف تتأثّر سلامة أشكال التنوع البيولوجي كافةً (الجينات والأنواع والنظم الإيكولوجية والمناظر الطبيعية) بشكل كبير قد يصل إلى حالات كارثية. كما ستتأثّر السياحة البيئيّة وأيّ سياحة تعتمد على البيئة الطبيعية في العالم العربي بالتغيّرات المناخيّة. سيكون لأزمة المناخ عواقب وخيمة على جميع النظم البيئية. لقد تضرر المناخ لدرجة أنه لم يعد قادرًا على تنظيم نفسه، ونلاحظ ذلك في أشكال مثل انخفاض غلات المحاصيل وزيادة أعداد بعض الحشرات التي يمكن أن تنشر أمراضًا نادرة سابقًا يمكن أن تضر الأشجار والبشر.

وعلى الرغم من تعدد الاتجاهات المقلقة، إلا أن أحد الجوانب الإيجابية هو تمديد فترة الموسم السياحي، حيث تجعل درجات الحرارة المرتفعة من الممكن البقاء في المناطق الساحلية في عمق الخريف وفي وقت مبكر من الربيع. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذا مكسبًا مباشرًا. أولاً، إذا أصبح جزء من موسم الصيف حارًا بشكل لا يطاق، فيجب تعويض هذه الخسائر. أيضًا، مع ارتفاع درجات الحرارة في بلدان الشمال، من المحتمل أن نرى هجرة السياح بعيدًا عن البحر الأبيض المتوسط ​​الأكثر سخونة.

السياحة عامة والسياحة البيئة بشكل خاص نشاط ذو بصمة كربونية كبيرة وتأثيرات بيئية واسعة. إن الإنتاج الهائل للنفايات، والاستهلاك المرتفع للطاقة – الذي يساهم في تغير المناخ – والاستهلاك غير المستدام للمياه، فضلاً عن الموارد الأخرى غير المتجددة، تتطلب إعادة التفكير، وإتخاذ العديد من الشركات السياحية الكبرى تدابير مثل إدارات الأغذية ومياه الصرف الصحي، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، ومحاولة زيادة الوعي بين العملاء. نجو سياحة جديدة أكثر ملاءمة للبيئة والموجهة نحو الطبيعة، مثل السياحة البيئية والسياحة الزراعية.

 فالتكيف مع تغيّر المناخ مع قلة الدراسات الاستطلاعيّة حول العلاقة بين السياحة في العالم العربي والآثار المحتملة لتغيّر المناخ. ولا تزال مبادرات الأبحاث محدودةً، ومن الضروري تحضير هذا القطاع الاقتصادي لمواجهة التحديات الناجمة عن تغيّر المناخ. وتبرز الحاجة إلى معالجة نقاط أساسية عديدة، تشمل معرفة عميقة لمتطلبات السياحة وحاجاتها للتكيّف مع المناخ والبيئة وأحوال الطقس، ومدى حساسيّة مختلف المنتجات والخدمات السياحية وتأثّرها بتغيّر المناخ. وهناك حاجة ملحة الى وضع سيناريوهات للمخاطر والتهديدات المحتملة في ما يتعلّق بتغيّر المناخ في مناطقَ مختلفة من العالم العربي، وتتضمّن هذه النقطة تطبيق سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على المنطقة العربية وتقييم مدى التأثر وخيارات التكيّف.

ويرى الباحثون أن تطور الاحتباس الحراري سيؤدي إلى تزايد حالات الظواهر الجوية الشديدة، والتي لا يقتصر تأثيرها على سبل العيش للكثير من الأشخاص فحسب، بل سيمتد تأثيرها أيضا إلى الوجهات السياحية الشهيرة بالبلدان العربية؛ حيث يمكن أن تتعرض الشواطئ للفيضانات، بالإضافة إلى تدمير الأماكن السياحية.

وتؤثر ظواهر الطقس السيء على البنية التحتية في الوجهات السياحية الشهيرة مثل الشواطئ ومسارات التجول، فإذا تم تدمير هذه المنشآت بسبب الظواهر الجوية، فإنها ستتكلف أموالا باهظة لإعادة بنائها، وإذا استمر ارتفاع درجات حرارة الماء والهواء بسبب الاحتباس الحراري خلال العقود القادمة، فإنه قد يؤدي إلى العديد من الآثار الخطيرة، ومن ضمن هذه الآثار انتشار الطحالب على الشواطئ، التي تنتشر وتتكاثر بشدة في ظل درجات الحرارة من 22 إلى 25 مئوية. وأصبح من الواضح أن ارتفاع درجات حرارة البحار يؤدي إلى تغيرات في النباتات والحيوانات؛ حيث تستفيد قناديل البحر من ذلك، إلى جانب الطحالب، وذلك من خلال وفرة المغذيات”. أن تدمير الشعاب المرجانية في البحار والمحيطات يعتبر من الأخطار الأخرى لتزايد ظاهرة الاحتباس الحراري؛ حيث تتعرض الشعاب المرجانية للخطر في المناطق الحارة والأقاليم المدارية، مثل الحاجز المرجاني قبالة استراليا؛ حيث تغير لون الشعاب المرجانية بطول أكثر من 2300 كلم في عامي 2016 و2017 بسبب ارتفاع درجة الحرارة من جراء تغير المناخ، بالإضافة إلى موت كميات هائلة من الشعاب المرجانية.

 وختاما يرى بعض الخبراء أن النشاط السياحي يزيد من مشكلة الاحتباس الحراري؛ حيث تؤدي رحلات الطيران, إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى من كثرة القوارب والسفن وعوادمها. والتالى يزيد من نسبة مخاطر التغيرات المناخية في المنطقة العربية ومن المتوقع أن تمتد التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية إلى العديد من قطاعات الإنتاج العربي المختلفة، وهي قطاعات متصلة ببعضها بعضًا تأثيرًا وتأثرًا. مما يساعد على وفرة تنوع بيئي مختلف في كثير من المناطق خاصة التي تتخصص في السياحة البيئية مع عائد إقتصادى ، وذلك من خلال وضع إستراتيجيات التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية للتصدى إلى  تنوع التضاريس، وحماية النظم الإيكولوجية (الحياة البرية و البحرية) فى تلك الدول،.

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد