من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

سهام بن لمدق قراءة في ديوان الشاعرة الجزائرية سهام بن لمدق ( حب ّ واشتياق بعد الفراق )مواطن الحبيب بصهد الوجد ونار الصّبابة.

يقلم الاديبة والصحفية سليمة ملّيزي

مدير مكتب الجزائر

تسافر بنا الشاعرة سهام بن المدق في ديوانها { حب واشتيا ق بعد الفراق } الحمامة البيضاء الاتية من مدينة الجسور المعلقة قسنطينة التي قالت فيها الروائية احلام مستغانمي { دثريني يا سيدة الدفء والبرد معاً } أتت سهام وهي تحمل ذالك الحنين والحب الشامخ عبر التاريخ، والدفء الذي جمع علمائها وكتابها الذين اعشقوها وكتبوا فيها جماليات الابداع عبر العصور ، كيف لا وهي مدينة العلم والعلماء ، الشاعرة المتألقة سهام تنقلنا الى عوالم من نور وحيثيات جمال القصيدة التي جمعت بين الحب الصوفي الذي يرتبط بحب الله لما يحمله من شجن والام وفرح وأمنيات وغفران للذات ، وبين نفحات الحب العذري وفراق واشتياق وتمرد على الذات احياناً ، الشاعرة سهام تشير إلى شخصيّتها العاطفيّة الفنيّة من أنّها الشاعرة المحًبّة للجمال العاشق للأحلام ، للرفض أحيانا ، عاشقة للحرف وفي الخطاب شاعرة مفتونة بجمال التمرد عن الحرف والتفنن في معاريج القصيدة، حيث توظف { الحب والاشتياق بعد الفراق} في قصائدها تعابير مثقلة بالرمزية والخطاب الفلسفي والبعد الديني ، حيث تناجي في بعض قصائدها التي افتتحت بها الديوان ، بقدرات الله عز وجل ، حيث تتجاوز ظاهرة الشعر العادي لتلوج في وجدانيات الروح والعقل والاشتياق الروحاني الحامدة لله كثيرا ، المطيعة للقران الكريم ، تلك المرأة التي تصنع من جدائل القمر أدعية تحولها الى قصائد تنشد قدرة الله عز وجل في مكنونة هذا الكون الرهيب الجميل ، تهيم بنا في نصها { مشاعر الى اشتياق الروح للروح} لوحة فنية ، والعبث بالكلمات الجميلة لتنصع من القصيدة أسطورة حب ابدي، توصف في قصيدتها { حبك عذابي } اثر حب امرة تمطر ببهاء كمطر نيسان لتعيد أبجديات الحب الذي يجعل من عذاباتها لذة تنشي روحها من عالم واقعي الى عالم جميل يملأُ القلب فرحاً ، رغم عزت الكبرياء فيها الا أنها تواصل مشوار عذابات الحب ..
تخاطب الشاعرة سهام في قصيدتها { ليت خيالي يكون هو حالي} تلك المرأة التي تسكنها الطاهرة العفيفة التي تعاتب نفسها وتنتقدها وتعيد تشكيلها من جديد ، هي تمرين للذات لتغيير بعض المفاهيم الروحية للأنا والذات ، تهرب سهام أحيانا لتعبير عن خلجان الروح في المرأة الاخرى التي تسكنها وتوصف غرامها في قصيدتها {مغرمة } وكأنها تحكي للحبيب عن تلك العاشقة الخجولة العاربة من الضوضاء .
مغرمة هي بطيف رجل
سلك زقاق الأحلام
متملِّصا من شرنقة الواقع
مرتحلاً فوق جواد الخيال
يرتدي برنوس الإخفاء
حتى لا يظهر لمن هب في العيان.
قصيدة توصف ذاك المغرم الذي يتخفى في جواد الخيال وبرنوس الاخفاء حتى يصل الى معشوقته ، نجد وصف الشاعرة هنا الذي يذكرنا بقصص الحب الخيالية التي لاتزال تتداول الى الان ، راسخة في اذهان العشاق ..
لو تمعن القارئ في جل قصائد الديوان حتماً سيسافر في فصول من نور وجمال وفوضى الاحاسيس وميلاد فصل أسمه الحب ، الذي يلد الربيع في قصيدتها المبتهجة {القلوب تورد} من أجمل القصائد التي قرأتها في الديوان ، حيث فيها تورد القلوب بورود البهجة ، و أفئدة بعبير الحبيب تتدحرج في جمال الود حينا ، واجيج البوح احيانا اخرى .
حين تحب القلوب تورد
تستقبل الربيع المورق
تغني بنغمات تودد
ترقص على نبرات العشق
تتلحف بتلات الورد
على وريقاتها تستند.
في قصائد الشاعرة سهام ، نكتشف مفارقات تكمن في اللّذة والوصول الى المستحيل ، و تلك الرّغبة في معانقة التحدي للخروج من دائرة العدم ، ترسم لوحات فنية حالمة احيانا ، واحيانا تبدو واقعية وترتشف من اشجار السنديان رحيق الاحلام لتعانق الروح الهائمة ، بين جمال الطبيعة التي تستلهم منها مشاعر الحب الوردي ، حيث تقول في قصيدتها { تحت ظل السنديان } .
أصحو وأنام
تحت ظل السنديان
أرى حبيبي في الأحلام
آتيه في هذيان
داخل مشاهد من أوهام
أستنشق عطر السندس والريحان
حين يتكلم بأحلى كلا,

من فضائل الكلام والاحلام ومخاطبة الذات حينا، واحيانا مخاطبة الحبيب الغائب تشكل سهام قصائدها الممتعة التي تنساب حروفها وتشكل سلسبيلا من الانغام منقطع النظير ، خريره ممتعاً ، تجعل القارئ يتيه بين حدائقها الغناءة ولا يكل ولا يمل من متابعة قراءة اشعارها الرقرقة كعذب ينابيع الروح آلا منتهية ، يتضح جليا في مجمل قصائد الديوان {حب واشتياق بعد الفراق } ما عاشته الحبيبة من حب واشتياق عميقين عبرت من خلالهما عن كل ملذات العشق الصوفي الهارب من بين اناملها، وهي ترسم لوحة فنية خالدة يبقى جمالها راسخاً حتى بعد الفراق ، بما يشبه الحس الخفي للأشياء الجميلة الساحرة التي تختلجها في كل قصيدة ، ويظهر جليا في قصائدها {تعثر القلم ..قنينة حبي … يا امرأة بظل الحياء التحفت… مدينة الهوى..على امواجي حبي لك } ، وغيرها من زخات عطر حروفها النيقة التي تعبق الروح حتى النشوة.
وأنا اقرأ لها أحسستُ أنني في حديقة من الورود المبهجة، انتقل من زهرة الى أخرى بدون أن أشعر بمرور الزمان ، هذا ما يدل على اتقانها لجماليات الحرف ، وابداعها الانيق بلغة سهلة ممتنعة تحدث أحيانا زلزالاَ من الثورات في وصف العشق والحب والهيام ، دون أن ننسى انها كتبت للوطن في قصيدة { أنت الوطن وانا موطنك }حيث توصف حب الوطن في موطن الحبيب ، بصهد الوجد ونار الصّبابة، وعزف أوتار الوجدان على قلب الحبيب الهارب الساكن بين افئدة القلوب ، فقد تكون هذه المشاعر والأحاسيس أعنف من المكان والزمان وتغيير الرياح للفصول ، وأقوى من اللغة ، وأعنف من أعاصير القلب حين تثور الاحلام ، هي عاشقة للأبجدية التي قد تشفق على جنونها يوم ينتهي الفراق ويعود الحب الى مملكتها الهادئة الساحرة التي لن تيأس يوما بان الحب يبقى قويا مهما مرت به أعاصير الفراق ،
الاديبة والصحفية الدكتورة سليمة ملّيزي
الجزائر في 27 اوت 2018

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد