من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

تأثير (إتفاقيات أوكوس النووية والسلام الإبراهيمى بين إسرائيل ودول الخليج)

تأثير (إتفاقيات أوكوس النووية والسلام الإبراهيمى بين إسرائيل ودول الخليج) على التنسيق الدبلوماسى بين الصين وروسيا تجاه الملف النووى الإيرانى وخطة العمل المشتركة الشاملة فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ونظام التعددية القطبية

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

العناصر الرئيسية فى التحليل                                                                

أولاً: تداعيات “إتفاقيات السلام الإبراهيمى والتطبيع السياسى” بين إسرائيل ودول الخليج على التنسيق الصينى والروسى تجاه الملف النووى الإيرانى وخطة العمل المشتركة الشاملة ونظام التعددية القطبية                               

 Joint Comprehensive Plan of Action “JCPOA”

ثانياً: التمييز بين رؤية الصين إلى مخاطر الإنتشار النووى الإيرانى مقابل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى                                             

ثالثاً: تأثير “إتفاقية أوكوس” على تغيير موقف الصين الدبلوماسى تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية                                              

“IAEA” 

رابعاً: القوة الدبلوماسية الصينية فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمواجهة القيادة الأمريكية والغربية وتمرير قراراتها دولياً                                        

تمهيد

  جاءت دعوة الباحثة المصرية كخبيرة معروفة فى المنطقة بالشأن السياسى الصينى، لإجراء حوار دولى معها مع (وكالة أنباء بلومبرغ الدولية المعروفة) ونشره فى يوم الجمعة الموافق ٢٦ نوفمبر ٢٠٢١، بشأن (دور الصين وروسيا فى تطورات الملف النووى الإيرانى، وعلاقته بإتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة برعاية واشنطن لمواجهة النفوذ الصينى، وتأثيره على مجمل التفاعلات القادمة داخل (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، وذلك مع الممثلين الرسميين الحاليين للصين وروسيا فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهما:                       

  السفير الصينى “وانغ تشون”، بصفته (المبعوث الصينى الدائم الحالى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، والسفير الروسى “ميخائيل أوليانوف”، بصفته (المبعوث الروسى الدائم فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية)        

   ولكن رغم إختصار الحوار بشكل كبير للغاية على “موقع بلومبرغ”، نظراً لضيق المساحة، إلا أننى قد آثرت أن أقدم لكافة المهتمين حول العالم هذا الملف التحليلى الشامل ومن واقع خبرتى لفهم الجانب الصينى بالأساس ثم إتجاه تفكيره نحو آلية الرد تجاه سياسة التطويق/ التحجيم/ التقييد/ الإحتواء الأمريكى ضد الصين. وأياً كانت تلك المسميات أو المصطلحات، إلا أنها باتت تصب جميعاً بالأساس فى خطط وإستراتيجيات تكتيكية أمريكية ضد الصين. لذا، أضحى لزاماً على كافة زملائى الباحثين حول العالم المعنيين بالأمر، وبالتفاعلات الدولية الراهنة محاولة فهم وتحليل تلك المعطيات والتطورات الجديدة، ومحاولة إدخالها فى قلب المعادلة الدولية الراهنة وسياسة الإستقطابات الأمريكية الروسية الصينية، ثم محاولتنا جميعاً كأكاديميين دوليين معروفين فى أقطارنا نقل وجهة نظر كافة أطرافه حول تأثير تلك التفاعلات الجديدة على مستقيل منطقة الشرق الأوسط، والأخطر عندى، هو: “مدى تأثير “إتفاقيات السلام أو التطبيع الإسرائيلى مع دول الخليج العربى على مستقبل التنافس والنفوذ الصينى الأمريكى فى الشرق الأوسط”، وصولاً لإجراء تحليل شامل، بشأن:              

                                                      

“تأثير سياسة التحالفات الأمريكية الموجهة ضد بكين، وبالأخص إتفاقية أوكوس الدفاعية النووية الجديدة، وقبلها إتفاقية “كواد الرباعية” أو ما يعرف ب “الناتو الآسيوى” على تطورات الملف النووى الإيرانى وخطة العمل المشتركة الشاملة، والتى تم إعتمادها فى سنة ٢٠١٥، كإطار عمل شامل للتفاوض مع إيران، وذلك داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية”                 

   وهنا نجد أن دعم الصين لطهران، يعد أحد أهم الإشكاليات العالمية الراهنة، ولاسيما فى مواجهة السياسات الأمريكية والضغوط المستمرة على بكين. ومن خلال قراءتى الدقيقة للمشهد فى المنطقة، وبالأخص فى ظل تلك التغيرات الجديدة وإعادة تقييم العلاقات الدولية على أسس جديدة، وإتباع الولايات المتحدة الامريكية “سياسة التحالفات” لممارسة ضغوط على الجانب الصينى فى مناطق نفوذه، وبالأخص توقيع واشنطن لإتفاقيتى “أكوس الدفاعية الأمنية الجديدة مع أستراليا وبريطانيا، وإتفاقية كواد الرباعية مع اليابان، الهند، أستراليا“. فضلاً عن متابعتى الدقيقة لكافة التحركات الأمريكية السرية ومحاولتها ضم كلاً من (أستراليا، اليابان) إلى عضوية “حلف الناتو العسكرى”، على الرغم من مخالفة ذلك لدستور الناتو نفسه، نظراً لبعدهما الشديد عن ضفتى المحيط الأطلسى وشمال المحيط الأطلنطى كأحد الشروط الأساسية لعضوية الناتو، ثم المحاولة الأمريكية الإستفزازية لإفتتاح (فرع دائم لمكتب الناتو العسكرى فى منطقة “الإندو-باسيفيك” بالمفهوم الأمريكى، والتى تضم منطقتى المحيط الهندى والهادئ)، بهدف تقييد النفوذ الصينى فى مناطق نفوذها الإقليمية والآسيوية ذاتها. ومن هنا، توصلت الباحثة المصرية لجملة من التغيرات العميقة فى المشهد العالمى برمته، تتمثل فى:                                 

         

   تكثيف الصين لجهود دعمها لطهران فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بالتحالف مع روسيا لتوحيد قراراتهما داخل أروقة عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصةً بعد قمة التحدى الأمريكى للصين فى محيطها الإقليمى والحدودى ذاته، بتوقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة ذات الطابع النووى، والمخالف لبنود عضوية الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالأساس”، وإضطرار بكين للجوء بشكوى رسمية للوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، بدعوى مخالفة وإنتهاك واشنطن لأسس عضويتها فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية برعايتها لإتفاقية أوكوس النووية، وإتمام صفقة الغواصات النووية الإسترالية. بما يمثله ذلك من (تهديد نووى للصين)، بالقرب من مناطق نفوذها الإقليمى المجاور فى (بحر الصين الجنوبى، مضيق تايوان، المحيط الهادئ).

   ومن هنا، جاء الربط الجديد فى ذهنى كخبيرة فى الملف السياسى الصينى لسنوات طويلة، بوجود تغيرات عميقة فى آلية صنع وتوجيه القرارات السياسية داخل بكين بعد (تحالف أوكوس الدفاعى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيه مباشرةً للصين)، ثم دراسة وتحليل مدى تأثيره على جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل والأخطر عندى هو:                                        

 (هل بإستطاعة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من الشكوى الصينية ضد الولايات المتحدة الأمريكية ورعايتها لإتفاقية نووية وصفقة غواصات نووية، وتوقيع عقوبات على الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى مواجهة واشنطن وإتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة)؟                                 

  وفى إعتقادى الشخصى، فإن هناك تغيرات عديدة قد طرأت على المشهد العالمى فى مجمله، وإنقسام العالم كله وإتباعه لسياسة التحالفات والإستقطابات الدولية، ومنها بالقطع الصين وحليفتها روسيا، والتى تحاول الرد على شبكة التحالفات الأمريكية لتطويقها بعمل تحالفات جديدة مضادة، خاصةً بعد “إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة“. فبات الصينيون يدعمون أيضاً بناء شبكة تحالفات إقليمية جديدة ذات علاقة بمنطقة الشرق الأوسط، مثل: تشكيل تحالف (تركى – إيرانى – باكستانى)، وذلك (كمحاولة صينية للضغط على “دولة الهند” بتهديد مصالحها فى المنطقة، وبالتالى إجبارها على عدم التعاون والإنسحاب من “إتفاقية كواد الرباعية”، والتى ترعاها واشنطن لإحتواء الصين)، والتى يطلق عليها أيضاً، بأنها “ناتو آسيوى”.                                           

   لذلك، بدأت الصين فى التخطيط بالفعل للرد على “سياسة التحالفات الأمريكية ضدها فى آسيا فى قلب منطقة الشرق الأوسط”، وذلك عبر إتباع الصين لسياسة التحالفات والإستقطابات من القوى الإقليمية الفاعلة فى المنطقة والمناوئة لواشنطن، خاصةً فى الشرق الأوسط، ومحاولة الصينيين إستقطاب تركيا على وجه التحديد، بالنظر لعضويتها الوحيدة فى الشرق الأوسط فى (حلف الناتو العسكرى)، والتى تعد فرصة سانحة لبكين، لتشكيل تحالف من دول قريبة من  مناطق النفوذ الأمريكية نفسها، مثلما تفعل واشنطن. لذلك جاء تحالف من البنوك الصينية، والمعروف بإسم تحالف (كونسرتيوم)، معرباً عن إستعداده لإقراض تركيا ثلاث مليارات دولار، وذلك لتمويل عدة مشروعات متوقفة فى إسطنبول، وهو ما يمكن إعتباره تحليلياً بمثابة  (أكبر دعم مالى تقدمه الصين إلى الأتراك فى التاريخ الحديث).                                               

   وبناءً عليه، يمكننا تقديم هذا التحليل الجديد بشأن تأثير سياسة التحالفات الأمريكية والصينية على جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى الملف النووى الإيرانى، أو مدى قدرته لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية ورعايتها لإتفاقية أوكوس الدفاعية النووية، أو فرض عقوبات عليها، وفقاً للطلب الرسمى المقدم من الصين. وذلك على النحو الآتى:                         

 

أولاً: تداعيات “إتفاقيات السلام الإبراهيمى والتطبيع السياسى” بين إسرائيل ودول الخليج على التنسيق الصينى والروسى تجاه الملف النووى الإيرانى وخطة العمل المشتركة الشاملة ونظام التعددية القطبية                        

      Joint Comprehensive Plan of Action “JCPOA”

                                                  

    تعددت دلالات التنسيق الدبلوماسى الناشئ بين الصين وإيران وروسيا تجاه منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على مصالح حلفاؤها فى المنطقة والعالم، وبالأخص فيما يتعلق ب “خطة العمل المشتركة الشاملة”، والتى تم إعتمادها والعمل بها بعد إبرام إتفاق (٥+١) بموافقة أمريكية ودولية لوضع قواعد ملزمة للجانب الإيرانى، فيما يتعلق “بنسب إنتاج وتخصيب “اليورانيوم والبلوتنيوم”، وبالتالى عدم تمكين إيران من إمتلاك السلاح النووى فى المنطقة، بالنظر للتخوف الإسرائيلى والأمريكى بالأساس من تأثير إمتلاك إيران لتلك القنبلة النووية على أمن الدولة العبرية والمنطقة. ومن ناحية أخرى، فإن الدعم الصينى- الروسى للجانب الإيرانى، خاصةً بعد الإنسحاب الأمريكى من إتفاقية  (٥+١) إبان عهد “ترامب“، مما أعتبره الجانبان الصينى والروسى بأن (الهيمنة الأمريكية والتصرف الأمريكى الأحادى فى الإنسحاب من إتفاقية دولية، لهو أمر خطير وله تأثيراته على حالة الإستقرار والسلم الدولى والسلام العالمى). مع الوضع فى الإعتبار، بأن (الجانب الإسرائيلى كان مشجعاً لخطوة الإنسحاب الأمريكى المنفرد من الإتفاقية الشاملة المشتركة مع إيران، بعد توجيه إنتقادات لإيران بعدم الإلتزام بنص ما إتفق عليه وتم وضع خطة شاملة للعمل فى إطارها). ومن هنا، بات الطرفين الصينى والروسى يشجعان على حالة إنفاذ وتشجيع حالة “التعددية القطبية الإقليمية والدولية“، والتى تتزعمها الصين وروسيا دولياً فى مواجهة السياسات الأحادية والنزعة الإنفرادية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم.                                                                     

   ومن ثم، فقد باتت (معظم التخوفات التى أولتها مراكز الفكر الصينية تجاه التنافس الأمريكى لمواجهة الصين فى الشرق الأوسط، خاصةً فى عرقلة الإتفاق النووى مع إيران كحليفة للصين وروسيا، والذى دعمته الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فى السابق، بأنه يهدد الإستقرار الدولى وينشر الفوضى الدولية)، لذلك، حرصت مراكز الأبحاث الصينية على مراقبة تحركات وتركيز الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط، لإثبات فشل سياسات التحرك الأمريكى فى تقويض السلم والأمن العالمى، والذى يدعمه هو (إشاعة الفوضى والإضطراب مع بدء الإنسحاب الأمريكى التدريجى من مناطق نفوذها القديمة فى الشرق الأوسط وأفغانستان)، أو حتى مع التسليم نظرياً بقاعدة “تخفيف الوجود الأمريكى فى مناطق ما”، بأهمية مراقبة كافة التحركات الأمريكية غير المباشرة، والتى يتم دعمها عن طريق حليفتها الأولى فى المنطقة “إسرائيل“، من خلال ما يسمى ب “إتفاقيات التطبيع السياسى أو السلام الإبراهيمى بين إسرائيل ودول الخليج والمنطقة”، لأن وجهة النظر الصينية فى هذا الإطار، كانت هى “التخوف من أن زيادة النفوذ الأمريكى فى الخليج عن طريق إسرائيل، سوف يحول منطقة الشرق الأوسط إلى بؤر ومناطق للنفوذ الخاص بالحلفاء مع بعضهم البعض”، مما سيضر حتماً بمصالح الصين فى الخليج العربى على وجه التحديد، نظراً لكثافة حركة المسافرين الإسرائيليين من وإلى الإمارات والخليج وبات العكس أيضاً الآن، أى بسبب سفر خليجيون إلى تل أبيب.                                                                           

  فى الوقت الذى حذر الرئيس الأسبق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين” بتأكيده على “أن إحياء المفاوضات مع إيران سيقربها من السلاح النووى، كما أن حصول إيران على القنبلة النووية سيكون أسرع فى حال العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة”، نتيجة للتقدم الذى أحرزته طهران فى تخصيب اليورانيوم منذ عهد الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب“، والذى ألغى الإتفاق بطلب من إسرائيل نفسها، وفقاً لما أشار إليه “عاموس يادلين”، الرئيس الأسبق للإستخبارات العسكرية الإسرائيلية.                               

   ومن هنا، باتت تمثل (إتفاقية التعاون الإستراتيجى الصينى – الإيرانى لمدة ٢٥ عاماً) والتى تم إبرامها فى شهر مارس ٢٠٢١، بمثابة رد صينى حازم فى مواجهة الجانب الأمريكى وتصرفاته الأحادية فى مواجهة إيران والصين وروسيا والعالم، فى الوقت الذى “أعتبرت فيه دول الخليج العربى مشتركة فى ذات الإتجاه مع إسرائيل، بأن إيران وتخصيبها لليورانيوم وتشجيعها على الإنتشار النووى فى المنطقة، يشكل أكبر تحدى للخليج العربى والولايات المتحدة الأمريكية وأمن إسرائيل نفسها”. لذلك باتت “إيران” وإستخدام الصين لورقة إيران فى صراعها المتنامى مع الولايات المتحدة هى (مفتاح اللعبة فى الشرق الأوسط بين الطرفين الصينى والأمريكى). مع ما يمثله ذلك من تحدى وإشكالية مستقبلية للعديد من دول المنطقة. وأياً كان ما ستسفر عنه التطورات المقبلة والحقائق فى مسار العلاقات المتشابكة بين الصين والولايات المتحدة وبين إيران فى المستقبل، فإن ذلك يدعم بالأساس وواقع (أسس تدشين عصر لا تملك فيه الولايات المتحدة الأمريكية مفاتيح السيطرة الرئيسية على الشرق الأوسط، مع دخول لاعبين رئيسيين ومحوريين كالصين وروسيا). لذلك، باتت (التعددية القطبية) التى تنادى بها الصين تكتسب أبعاداً واقعية ملموسة، وربما ستتطور بدرجة قد تزيد من حدة التنافس الإقليمى بين القوتين العظمتين، وهو ما قد يفاقم من حالة عدم الإستقرار التى يشهدها الشرق الأوسط على الدوام.                            

  ومع تعاظم دور وتأثير الصين الدولى، فإن (الصين تشترك مع روسيا فى الرغبة بكسر الهيمنة الأمريكية على خطوط الملاحة البحرية فى منطقة الشرق الأوسط)، وكانت أبرز مؤشراتها هى (سعى الصين لإمتلاك قاعدة عسكرية فى جيبوتى، وإهتمامها بتسيير عمليات الشحن الدولى عبر الممرات المائية).     

  وتسير الصين هنا وفقاً لخطط طويلة المدى لتحدى الهيمنة الأمريكية العسكرية فى المنطقة. فضلاً عن الطموح الصينى لتعظيم دورها فى ضمانة الأمن المتعلق بسلامة إنتقال تجارتها ومنتجاتها وإستثماراتها مع جميع دول العالم فى إطار “مبادرة الحزام والطريق الصينية“، مع “محاولة الصين لتشييد قواعد عسكرية جديدة سواء فى الخليج العربى ودولة الإمارات العربية المتحدة لتحدى النفوذ الأمريكى كما هو متداول منذ فترة كأخبار ومعلومات فى الشرق الأوسط”، أو سعى الصين للتواجد فى بحر العرب وغيره، وهو ما يعنى أهمية الشرق الأوسط فى إستراتيجية الحرب الباردة بين الطرفين.                                  

 

   ويجدر التنويه هنا إلى أن متغيرات إقليمية حديثة قد تؤدى لإحداث تغيرات ما، وأهمها إتفاقيات “أبراهام للتطبيع السياسى بين إسرائيل ودول الخليج”، وهى الموقعة بين عدة دول عربية مع إسرائيل، حيث أنها ربما باتت تعزز من مكانة واشنطن فى الإقليم فى وجه الصين كقوة مناهضة لها. وهنا تسعى الولايات المتحدة إلى إتباع (سياسات التحشيد والجمع بين شركائها فى الخليج العربى وإسرائيل لمواجهة أطراف مناوئة لها مثل إيران)، ومن ثم تستفيد واشنطن من إتفاقيات التطبيع السياسى مع إسرائيل لتوطيد مكانتها، وتخفيف أعباء حفظ الأمن ضد الشركاء المتنازعين فى المنطقة، لا سيما بين العرب وإسرائيل بسبب إيران وملفها النووى، ودعم الصين وروسيا لها.                                                                    

   وربما جعلت الولايات المتحدة الأمريكية وعبر إدارتها الحالية للرئيس “جو بايدن” وخلال فترة الإدارتين السابقتين لها من الملف النووى الإيرانى بمثابة “باب خلفى” تنفذ من خلاله لكافة دول المنطقة وبالأخص الخليج العربى، بدعوى حمايته من ناحية، ولضمان (حركة الملاحة الدولية من ناحية أخرى)، ورغم ذلك، فقد أرسلت واشنطن لعدة إشارات مضطربة بشأن (عدم قدرتها على ضمان السلام والإستقرار فى الشرق الأوسط)، فالرئيس “أوباما” قد تردد فى التدخل فى سوريا، وخلفه الرئيس “دونالد ترامب”، والذى إتبع إستراتيجية الإنسحاب وتوفير النفقات، وتخفيف الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط ومناطق عديدة أخرى بشكل مفاجئ، مما أثار مخاوف وشكوك النخب القيادية فى المنطقة، وبالأخص الخليج العربى إزاء الإلتزام الأمريكى (بضمان أمن الملاحة البحرية وحماية الممرات المائية فى الإقليم بسبب التدخلات الإيرانية).               

                                                          

    وفى ظل هذا الوضع الراهن وتزايد الشكوك حيال الموقف الأمريكى، خاصةً بتركيز إدارة “جو بايدن” على حالة حقوق الإنسان فى مختلف بلدان المنطقة، بل ومع (دعوة الإدارة الأمريكية للجانب العراقى بمفرده من كافة دول المنطقة للمشاركة فى مؤتمر الدول الديمقراطية فى العالم، وإتهام إدارة “بايدن” للمملكة العربية السعودية بتسببها فى أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ومطالبة الجانب السعودى بتعويضات من قبل واشنطن)، لذلك إتجهت معظم دول الإقليم نحو القوتين العظمتين الأخريين، وهما (روسيا والصين)، بتفعيل الزيارات الرسمية معهما على أعلى المستويات، وإرساء قواعد الشراكة فى مجالات متفرقة، مع رغبة روسيا وطموحاتها فى إعادة قوتها العالمية السابقة خلال الحقبة السوفيتية، وكثفت روسيا تواجدها العسكرى فى سوريا وليبيا، فضلاً عن ترابط الإقتصاد الروسى مع دول عديدة فى الشرق الأوسط، مثل: مصر والجزائر والسعودية (عبر منظومة أوبك بلس)، ومن ثم نجاح روسيا فى ترميم علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة، وإبراز ذاتها كوسيط محايد فى نزاعات الإقليم.                    

   كما أن مساعدة الصين للرئيس “بشار الأسد” ضد كافة الضغوط الغربية مكنتها من تحقيق أهداف عدة، كان من أهمها بالنسبة لدول المنطقة ظهورها كقوة عظمى سلمية تراعى السيادة الوطنية، وتسعى للحفاظ على حالة الوضع الراهن، علاوة على تزايد إهتمام بعض بلدان المنطقة بالسلاح الروسى (كالسعودية وقطر ومصر)، وأخيراً باتت الرغبة الصينية الروسية المشتركة وغير المعلنة – وفقاً لمراكز فكر صينية – فى (الدفع بدولة تركيا، بصفتها الدولة العضو فى حلف الناتو العسكرى المهم لهما، بل وربما التفكير فى كيفية إستخدام الجانب التركى للعب دور محورى ضد مصالح الولايات المتحدة وحلف الناتو العسكرى ذاته). وربما كل تلك التحركات الروسية والصينية الهدف الرئيسى منها، وفقاً لرؤيتهما هى “معارضة الهيمنة الأمريكية والسياسات الأحادية القطبية”، فى الوقت الذى يجب فيه (عدم إغفال تنسيق المواقف بين الصين وروسيا فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران لمعارضة القرارات الأمريكية ضدها، فى الوقت الذى تزايدت فيه توقيع إتفاقيات للسلام بين إسرائيل ودول خليجية أخرى والترتيب والتنسيق سوياً لمواجهة الخطر الإيرانى).                                                                            

                                                                                          

ثانياً: التمييز بين رؤية الصين لمخاطر الإنتشار النووى الإيرانى مقابل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى                                            

  يمكن فهم وجهة النظر الصينية وفلسفتها الخاصة تجاه الإنتشار النووى الإيرانى، من خلال (التأكيد الصينى على الوضع الأمنى العالمى الراهن ومروره بتغيرات معقدة وعميقة، وتحديات كبح وتفاقم الإنتشار والأمن النووى تتفاقم، في حين أن تهديد الإرهاب النووى لا يمكن تجاهله)، وهو ما أغفلته وتجاهلته القوى الغربية والسياسات الأمريكية نفسها، بعكس الرؤية الصينية.                

   يتميز الفهم الصينى بالنسبة لمواجهة الضغوط الأمريكية على إيران بشأن برنامجها النووى حول (آلية التموضع الإقليمى لإيران فى الشرق الأوسط وجعلها قوة إقليمية كبرى، خاصةً بعد إتفاقية “الشراكة الإستراتيجية مع إيران لمدة ٢٥ عام فى مارس ٢٠٢١، مع تكثيف الصين لجهود الشراكة مع القوى الأخرى المتوسِطة لحشدهم وتجنيدهم للجانب الصينى لممارسة ضغوط جماعية على الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بإجبارها على قبول الشروط الإيرانية حول التفاوض بشأن ملف الإنتشار النووى، وأهمية تقديم واشنطن لتنازلات لصالح طهران، خاصةً المتعلقة برفع وتخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران).                                                   

   وما يمكن التأكيد عليه هنا، بأنه يبدو من الأهمِية هنا فى ظل تنامى التنافس بين الولايات المتحدة والصين، أن (تلتفت دول المنطقة إلى سد الثغرات وتصفية الصراعات الإقليمية، وإعادة بناء التحالفات الإستراتيجية والمبادرات الأمنية)، بما يجعل من الإقليم رقماً صعباً فى مواجهة (كافة محاولات توظيفه فى إطار الصراع بين القوى الكبرى). كما يجب أن تعمق دول المنطقة علاقاتها مع الدول والشركاء من القوى المتوسطة والمؤثرة فى النظام الدولى، ولاسيما تلك الدول صاحبة العضوية الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، وكذلك الإتحاد الأوروبى، بحيث تكون هناك (بدائل وخطوط دفاع أمامية من جانب تلك القوى للدفاع عن مصالحها فى المنطقة، ولفرض معادلة متوازنة تحول دون التعرض لتأثيرات أى حرب باردة جديدة قد تطال المنطقة، بسبب سياسات التنافس الأمريكى الصينى).                                                            

     وفى رأيى الشخصى، بأن (الإيرانيين ربما لديهم فرصة أُخرى للتفاوض حولها بعودتهم بحركة التاريخ للوراء)، وما أقصده هنا، هو (تقديم إيران خلال فترة حكم الرئيس الأسبق “محمد خاتمى” وبعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق بعد عام ٢٠٠٣، لعرض سخى للغرب من خلال ما يعرف، بإسم (الدبلوماسية السويسرية)، حيث عرف ذلك العرض وقتها، بإسم “الصفقة الكبرى”.                                                                       

Grand Bargain

  ويقصد بتلك (الدبلوماسية السويسرية)، هو ذلك (التعهد الإيرانى بالشفافية الكاملة حول ملفها النووى، وإثبات إيقاف دعمها لحركة حماس فى فلسطين ولحزب الله فى لبنان، وذلك مقابل ضمانات أمنية كاملة من الولايات المتحدة الأمريكية، وتطبيع كامل للعلاقات معها)، وأعتقد أن إيران وفقاً لتلك الدبلوماسية السويسرية، ربما ستكسب صف المجتمع الدولى، بما فيها (إسرائيل ودول الخليج العربى كأشد أعداء إيران فى الشرق الأوسط).                              

    كما أن الصين تريد مع الجانب الإيرانى التمسك بمفاوضات عام ٢٠١٥، والتى تعرف (مجموعة الخمسة زائد واحد)، والتى تضم: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، بالإضافة لألمانيا مع إيران. ولكن جاء الإنسحاب الأمريكى منفرداً خلال فترة “ترامب” عام ٢٠١٨، وهو ما شكل سلسلة من التوترات حول أسباب هذا الإنسحاب الأمريكى إعلاميا ودبلوماسياً، وسؤال الصين الدائم عن (دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى مواجهة واشنطن وإنسحابها منفردة من الإتفاقية النووية التى أبرمتها نفسها مع إيران وقبلت بها عام ٢٠١٥).                                                     

   ويمكننى التوقف هنا أيضاً حول موضوع خطير قليلاً ما يتم التطرق إليه، بشأن (دور الإعلام الغربى والأمريكى بل والإسرائيلى ذاته تجاه إيران وحشد العالم كله ضدها، بتوجيه إتهامات لإيران بأنها على بعد شهور من تصنيع أول سلاح نووى، وهو ما يمثل ضغوطاً فعلية على عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها)، وبرأيى الشخصى أن إيران ما زالت بحاجة لسنوات طويلة المدى للإنتهاء من مشروعها النووى، خاصةً فى ظل الأزمة الإقتصادية الطاحنة التى تعانى منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتى تفتقد للمصادر الكافية التمويلية والتقنية والنفسية والقرار النهائى لإمتلاك هذا السلاح النووى فى صورته النهائية.                                                                     

  وتسعى الصين إلى التوصل لإتفاق إطار محكم وشامل حول البرنامج النووى الإيرانى، والذى يضمن (رقابة دولية حرة كاملة بدون ضغوط أمريكية أو إسرائيلية أو دولية على تخصيب اليوارنيوم وعلى بقايا البلوتونيوم)، وهو ربما ما يقطع الطريق على أى مسعى لتصنيع سلاح نووى، وففاً لتأكيدات الخبراء والتقنيون النوويون الأمريكيون أنفسهم.                                          

– وهنا تصر الصين على عدد من البنود والشروط مقدماً، بالنسبة لآلية (إعادة التفاوض الجديد بشأن الملف النووى الإيرانى فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية)، والتى تتمثل فى:                                       

١- دعوة الصين إلى (رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران)، وذلك كشرط تمهيدى لحسن النوايا تجاه إيران.

٢- تفهم الصين لقيود الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووى الإيرانى طويلة المدى، ولكن (الصين تؤيد إستمرار تخصيب اليورانيوم بنسب ضئيلة يمكن تحديدها، بغرض الإستخدامات السلمية النووية الإيرانية فى أعمال مشروعة كتوليد الكهرباء وخلافه).                                                      

٣- دعم الصين لجهود (خفض عدد أجهزة الطرد المركزى الإيرانية بمقدار الثلثين مع إحتفاظها بالباقى ومراقبتها حول طبيعة الإستخدامات السلمية له).

 

٤- مراقبة وإشراف الصين لأنشطة (التخلص من اليورانيوم الإيرانى المخصب تحت إشراف مشرفى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدون الضغوطات الأمريكية)، وهى التى قد تمارس عليهم لتوجيه إتهامات عشوائية لإيران.      

٥– تتفق الصين مع الإيرانيين على عدم تصديرهم للوقود الذرى خلال السنوات المقبلة، ودعم (إستراتيجية عدم بناء مفاعلات إيرانية قد تعمل بالمياه الثقيلة المولدة لإستخدامات نووية خطرة، وتأييد الصين لوجهة نظر الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى عدم نقل المعدات الإيرانية من منشأة نووية إلى أخرى فى طهران لمدة تقترب ١٥ عاماً، وذلك لضمان النزاهة والشفافية).               

٦- السماح الإيرانى بدخول مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، ومنها: المواقع العسكرية، ولكن يتم ذلك بعد التشاور مع طهران نفسها إحتراماً لشئونها وسيادتها الداخلية.                                    

٧- ضرورة الإبقاء على (حظر إستيراد الأسلحة الإيرانية لمدة خمس سنوات إضافية، وثمانى سنوات بالنسبة للصواريخ البالستية).                       

٨- مطالبة الصين (بالإفراج الأمريكى والدولى عن أرصدة وأصول إيران المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات) من أجل إستعادة عجلة التنمية والنمو الإقتصادى لصالح الشعب الإيرانى ذاته.                                      

٩- مطالبة الصين بضرورة (رفع الحظر عن الطيران الإيرانى، وأيضاً عن البنك المركزى والشركات الإيرانية).                                              

 ١٠- دعوة الصين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون مع إيران دولياً فى (مجالات تفوقها فى الطاقة والتكنولوجيا للإستفادة منها من ناحية ولإدماج إيران وتأهيله لكسب ود المجتمع الدولى من ناحية أخرى).                  

   وهنا نجد حرص الصين الشديد على (إنجاح مفاوضات الإتفاق النووى الإيرانى، كنجاح دبلوماسى صينى وإنتصار فى وجه واشنطن)، وظهر ذلك من خلال المقترحات الصينية السابقة، والتى (تضمنت إطاراً تفاوضياً يقوم على التنازل المتبادل خطوة بخطوة لإنجاحه، بمعنى تنازل إيران فى مقابل تنازل الولايات المتحدة الأمريكية ومفاوضى الوكالة الدولية للطاقة الذرية).           

   وتتمثل الرؤية الصينية بعيدة المدى حول إقتراح كافة المساعى والمقترحات والحلول والتفاوض حولها بشأن ملف إيران النووى، من أجل (إكتساب الصين لوزن سياسى دولى مضاعف لبكين كقوة عظمى فى مواجهة السياسات الأمريكية والغربية، وتدعيماً للموقف الصينى الداعى للتعددية الدولية ووجود نظام متعدد الأطراف الفاعلة فيه)، وإذا ما تحقق ذلك، ستكون (بكين ستكون هى المستفيدة الأولى والأكثر إستفادة دولياً من إنجاز الإتفاق النووى الإيرانى بشروط مرضية للجميع)، وذلك سواء على الصعيد السياسى أو الإقتصادى، وبألا يترك أى تداعيات سلبية واضحة على الجانب الصينى نفسه فى المستقبل.                                                                     

  كما أسهمت الصين خلال المراحل المختلفة للمفاوضات بجهود حثيثة لحل الخلافات بين واشنطن وطهران، ولاسيما (تشجيع بكين على التمسك الدولى بخطة العمل المشتركة، والتى إقترحتها الصين كحل لإشكالية الملف النووى الإيرانى)، والمعروفة بإسم:                                                   

“JPOA” 

 

– وتتمثل أبرز (مقترحات صياغة الإطار التفاوضى الصينى تجاه إيران والمجتمع الدولى) للوصول إلى الحل الشامل، بوضع مقترحات صينية، تقوم على (خمس نقاط)، هى كالتالى:                              

١- ضمان الإلتزام بالحوار بين مجموعة (٥+١) وإيران.

 ٢- السعى نحو حل شامل وعادل ومناسب وطويل المدى.

٣- إتباع مبدأ الحل خطوة خطوة وبشكل تبادل.

٤- خلق مناخ مناسب للحوار والتفاوض.

٥- ضمان إتباع نهج شامل لمعالجة الأعراض والأسباب الجذرية للأزمة.

– كذلك تقوم الإستراتيجية الصينية تجاه خطوة الحل الشامل للأزمة النووية الإيرانية بإقتراح الصين لحل شامل يقوم على (أربع نقاط)، أبرزها:             

 

١- لابد من تفعيل القرارات السياسية مع إيران، وليس فقط الإعتماد فقط على الحلول التقنية، على إعتبار (أن الملف النووى الإيرانى يحمل طابعاً سياسياً – أمنياً).                                                                     

٢– يجب أن تتلاقى وتتحرك كل الأطراف الدولية مع بعضها البعض فى منتصف الطريق لإحداث المرونة اللازمة، وهذا (يتطلب القبول بتسويات من كافة الأطراف الدولية، بما فيها إيران).                                       

٣– إتباع (مبدأ الحل خطوة خطوة وبشكل تبادلى)، وهو البند المشترك فى كافة المقترحات الصينية المطروحة دولياً.                                        

٤– التفكير خارج الصندوق لإيجاد حل شامل للأزمة النووية الإيرانية، بمعنى: (التوصل لحلول ربما قد تكون “جديدة ومبتكرة وفنية وتقنية”)، كخطوات فى إنجاز التفاوض مع إيران.                                                   

 

   وكانت أبرز تلك الحلول الصينية المبتكرة والجديدة وغير التقليدية من أجل خطوة حل الأزمة النووية مع طهران، هى (إقتراح الصين حلاً يشمل إعادة تصميم قلب “مفاعل منشأة أراك للمياه الثقيلة” بما يبعدها عن الإشكالية النووية بتخفيض إستهلاكها وخفض كفاءة ودرجة عملها لأقصى حد)، وهنا نلاحظ أن منشأة “أراك النووية الإيرانية” قادرة على إنتاج مادة البلوتونيوم، وهى مادة خطيرة تستخدم عادة لصنع القنبلة النووية، أى للإستخدامات العسكرية، وقد كان (مفاعل أراك الإيرانى)، بمثابة عقبة جدية أمام تقدم المفاوضات مع إيران، إلى أن طرحت الصين حلاً مبتكراً خارج الصندوق، يتمثل فى (فكرة إعادة تصميم قلب المفاعل الإيرانى كى يصبح غير قادر على إنتاج البلوتونيوم للأغراض العسكرية).                                                                 

   وتتمسك الصين هنا بموجب نص الإتفاق النووى السابق مع طهران عام ٢٠١٥، بوضع (آلية تضمن المسؤوليات المشتركة بين الجميع، وبالأخص مجموعة دول مفاوضات (٥+١)، وهى الدول التى شاركت فى المفاوضات مع إيران بغرض التوصل إلى الإتفاق النووى)، ولاسيما بدعوة الصين نحو خطوة (إدماج إيران دولياً فى مجالات التعاون النووى السلمى، فضلاً عن تقديم المساعدة التقنية والفنية لإيران لأغراض سلمية). ومن هنا سيكون للصين دور قيادى فى إنجاز خطة التفاوض المستقبلية مع إيران.                                      

   ووفقاً للرؤية الصينية الرسمية، فإن (وضع شرط لرفع العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، وذلك مقابل أن تفرض إيران قيوداً طويلة الأجل على البرنامج النووى لها)، وهو البرنامج الذى يشتبه الغرب أنه يهدف إلى صنع قنبلة نووية إيرانية على المدى البعيد. مع شن الصين على الدوام لهجوم دبلوماسى كبير لمواجهة كافة العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة وأوروبا.                

  وجاء تأكيد صينى رسمى، من خلال (تقرير رئيسى محورى هام صادر عن “صحيفة الشعب اليومية الصينية”، وهى الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعى الصينى الحاكم)، بأن “قيادة الصين للمحادثات مع إيران قد بعثت بسالة أمل للعالم بشأن نجاح الجهود الدبلوماسية الصينية تجاه خطوة الحل“، وتأكيد الصحيفة الصينية على نتيجة “إن الحقائق باتت تتظهر بأن الحوار والتفاوض كانا المسار الصحيح والفعال الوحيد للحل المناسب للقضية النووية الإيرانية، وأن تهديد دولة معينة بإستخدام القوة ضد إيران وفرض عقوبات أحادية الجانب هو أمر غير مقبول”.                                                                  

 

  وهنا إختتمت صحيفة “الشعب اليومية الصينية” لحديثها الموجه بالأساس للمجتمع الدولى، بالتأكيد على: “أن الصين واحدة من الدعاة الرئيسيين لمبدأ البحث عن حلول سياسية بشأن إيران، وإن المحادثات الإيرانية وفقاً لرؤية وفلسفة بكين باتت تثبت دوماً أهمية هذه الفلسفة”.                           

                   

  كما جاء تأكيد بيان وزارة الخارجية الصينية، بأن وزير الخارجية الصينى الحالى (وانغ يى) قد أكد للجانب الأمريكى، بأن: “كلاً من الصين والولايات المتحدة الأمريكية تتحملتان مسؤوليات كبيرة فى حماية النظام الدولى لعدم الإنتشار النووى، لذلك فيجب أن يظلا على إتصال جيد خلال المفاوضات، ومحاولة غرس طاقة إيجابية تجاه ملف التفاوض مع إيران”.                

                                                       

 وتحاول الصين (إثبات قدرتها أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولى بإقناع الإيرانيين بالحلول الملائمة، من خلال إشراف الصين على صياغة إتفاق محايد يرضى كافة الأطراف، عبر مواصلة الصين للتنسيق الوثيق مع كل الاطراف المعنية بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها)، ومحاولة الصينيين الإشراف على كافة الترتيبات والقيام بدور بناء خلال هذه العملية. وذلك على الرغم من خلافات الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشأن كل شىء، إبتداءً من (توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقيتى أوكوس الدفاعية وكواد الرباعية لمواجهة الصين، خلافات الأمن الإلكترونى بين الطرفين، الخلاف حول قيمة العملة الصينية، خلافات تجارية، حظر الولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع “شركة هواوى” الصينية لإدخال شبكات الجيل الخامس)…. إلخ.                                                         

ثالثاً: تأثير إتفاقية أوكوس على تغيير الموقف الدبلوماسى للصين تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية                                                                                                  

   أن التحدى الأمريكى للصين فى أماكن نفوذها فى منطقة “الإندو-باسيفيك“، وتدخلها فى القضية التايوانية، كان عاملاً حاسماً لزيادة النفوذ والتواجد الصينى فى كافة المحافل الدولية، وبالأخص (الإعتراض الصينى الرسمى لدى منظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على صفقة الغواصات النووية الأسترالية ومحاولة حشد المجتمع الدولى ضد هذه الصفقة برعاية الولايات المتحدة الأمريكية)، ومن هنا فإن الصين من خلال عضويتها فى “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تسعى لعرض قضاياها بشكل عادل دولياً كما فى حالة (إتفاقية أوكوس الدفاعية وصفقة الغواصات النووية الأسترالية). وهو ما أكده الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى خطاباته السياسية، بأن الصين تعارض الهيمنة الأمريكية وسعيها لخنق الصين فى مناطق نفوذها الآسيوية.                                           

  لذلك فجاءت جميع الخطابات السياسية الصينية للرئيس الصينى “شى جين بينغ” أمام كافة المنظمات والمحافل الدولية، بالتشديد على (إنشاء عالم دولى متعدد الأقطاب ومتعدد الأطراف الفاعلة فيه للدفاع عن حقوق الشعوب الفقيرة والمهمشة، ودعم المبادرات التنموية فى الدول النامية)، راسماً بذلك الأهداف المعلنة للإستراتيجية الكونية للصين فى القرن الجديد التي يطمح أن تكون أحد أقطابه الرئيسيين والمتميزين.                                               

كما أن (التحدى الأمريكى للصين بتوقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة وكثافة النفوذ الأمريكى فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، وبالأخص بحر الصين الجنوبى ومضيق فرموزا التايوانى ومناطق المحيط الهادئ)، قد أعطى الذريعة لواشنطن بزيادة الحضور فى المنطقة الآسيوية المحيطة بالصين، فبالرغم من النجاح النسبى الصينى لعزل تايوان عن التواصل مع العالم لفترة طويلة وفق مبدأ “صين واحدة“، وذلك وفقاً للمتفق عليه دولياً بشأن تايوان، إلا أن عدداً من المؤشرات خلقـت لدى بكين نوعاً من القلق بخصوص حقيقة الموقف الأمريكى المتغير تجاه تايوان للتدخل فى شؤونها الداخلية، وأبرزها:                      

                           

أ) دعوة إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” من أجل (منح تايوان مقعد دائم في الأمم المتحدة)، وذلك بعد توقيع واشنطن مباشرةً لإتفاقية أكوس الدفاعية الأمنية الجديدة مع أستراليا وبريطانيا، بحجة إتاحة الفرصة لتايوان لعرض قضاياها بدعم أمريكى، وهو ما إستفز بكين بشدة.                                    

ب) بالإضافة لأن “إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة” قد أتاحت الفرصة لتدخل الولايات المتحدة الامريكية فى (الشأن الداخلى التايوانى لتقييد نفوذ الصين بدعوة المسؤولين التايوانيين لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية وزيارة أعضاء من الكونغرس الأمريكى إلى تايوان،  وإعلان زيادة حجم المبيعات الأمريكية العسكرية لتايوان، وتواجد القوات والمدمرات والسفن الحربية الأمريكية بإستمرار فى مضيق تايوان لمواجهة النفوذ الصينى،  وهو ما يتنافى مع كافة المواثيق الدولية التى تعتبر تايوان جزء لا يتجزء من الصين)، والأمثلة على التدخل الأمريكى فى تايوان عديدة، منها: منح الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس التايوانى الأسبق “لى تنغ هوا” تأشيرة دخول إلى للولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة إنتخابه رئيساً لتايوان بنسبة ٥٤% بدعم أمريكى كامل فى مواجهة الصين، فضلاً عن تخفيف واشنطن لقيود التعامل مع المسؤليين التايوانيين، والمستمر حتى الآن مع الرئيسة الحالية لتايوان “تساى إنغ ون”، وزيادة حجم المبيعات الأمريكية العسكرية لتايوان.                                           

                                                           

ج) إن “إتفاقية أوكوس” أعطت للولايات المتحدة الأمريكية المبرر لإرسال سفن عسكرية أمريكية فى منطقة المحيط الهادئ ومضيق فرموزا التايوانى، بحجة حماية منطقة  “الإندو-باسيفيك“، والدفاع عن مضيق تايوان فى مواجهة تدخلات الصين، فضلاً عن زيادة بيع الطائرات الحربية الأمريكية إلى تايوان، وبقاء القوات الأمريكية لأجل غير مسمى فى منطقة “بحر الصين الجنوبى ومضيق تايوان” بذريعة حماية حركة الملاحة البحرية الدولية، خاصةً بعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية “أوكوس الدفاعية الجديدة” مع (أستراليا، بريطانيا) وإتفاقية “كواد الرباعية” مع (اليابان، الهند، أستراليا).                                                     

د) تعمد تغيير الحكومة الأمريكية فى فترة سابقة إسم الهيئة التى تتولى شئون تايوان فيها إلى (مكتب التمثيل الإقتصادى والثقافى لتايبيه فى الولايات المتحدة الأمريكية).                                                                 

   ومن هنا نفهم كثافة الدعوات الصينية الدولية بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية الأمريكية الولايات المتحدة الامريكية إلى (مواجهة سياسة التحالفات الأمريكية والدعوة للقطبية الدولية). وبما أن الصين والولايات المتحدة الأمريكية دولتان كبيرتان ينتميان إلى عضوية النادى النووى، بالإضافة إلى القوة التأثيرية الفعلية لكلاً منهما دولياً، لذلك فأى عمل لكلاً من الصين أو الولايات المتحدة الامريكية يحدث تأثيراً فى العالم كله، لذلك “قدمت الصين إعتراضاً أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد الولايات المتحدة الأمريكية لإنتهاكها نصوص وشروط عضويتها فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية برعايتها لإتفاقية أوكوس النووية”.                                                                    

  كما أن (توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة فى مواجهة الصين أتاح للجانب الصينى الضغط بشأن الملف النووى الإيرانى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وممارسة ضغوط فعلية على واشنطن)، وهو ما تأتى من دعوة الصين لتعاون الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع القضية النووية الإيرانية بشكل موضوعى ومتوازن بعيداً عن الحسابات الأمريكية المعقدة والتصدى الصينى الحازم لإنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من “الإتفاقية النووية الإيرانية” فى عام ٢٠١٨ خلال فترة رئاسة “ترامب”. وهو ما تعارضه الصين بقوة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالأخص لإحراج الولايات المتحدة الأمريكية دولياً أيضاً بعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية أوكوس النووية الدفاعية فى مواجهتها.                                         

   وهو ما تزعمته بيانات وتصريحات المسؤولين الصينيين، بدعوتهم لأن تلعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية دوراً بنّاء فى تعزيز الجهود الدبلوماسية لصالح إيران فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية كجزء من الحلول الصينية المقترحة تجاه هذه القضية النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لصالح حليفتها إيران فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوجيه الصين اللوم الدبلوماسى والدولى بشكل علنى بسبب (إنتهاك واشنطن لإتفاقياتها الدولية ومخالفتها لكافة المواثيق الدولية، وعلى رأسها إنسحابها منفردة من الإتفاقية النووية مع إيران).       

   لذلك جاءت الإستراتيجية الصينية بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية بقيادة واشنطن، عبر دعوة الصين للوكالة الطاقة الذرية على تعزيز الحوار والتعاون مع إيران فى مواجهة الإنتهاكات الأمريكية بالأساس، من أجل إستعادة ثقة المجتمع الدولي بشأن (الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيرانى)، وهو ما تحاول الصين إثباته والدعوة له فى مواجهة واشنطن. وحرص الصين أيضاً على إجراء وعمل محادثات دولية مع الإتحاد الأوروبى ومسؤولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول هذه القضية النووية الإيرانية، بدعوى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد جعلت العالم والشرق الأوسط يعيش فى مرحلة حرجة بسبب إنتهاكاتها ومخالفتها لكافة المواثيق الدولية المتعارف عليها، وإعلان الحكومة الصينية بأن الحوار والتعاون مع إيران بشأن برنامجها النووى، هما الطريق الوحيد الصحيح لحل هذه القضية فى مواجهة السياسات الأمريكية الإستفزازية الراهنة.                                                                      

   ويبقى التحليل الأخطر والهام عندى، هو أن الصين سترد بحزم دولياً ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب رعايتها لإتفاقية أوكوس الدفاعية فى مواجهتها، خاصةً مع تزايد تلك الدعوات الأمريكية والأوروبية بالأساس، بإنتظار نتيجة المباحثات الجديدة مع إيران برعاية وإشراف مسؤولى ومشرفى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإتخاذ القرار النهائى بعدها بشأن (النظر فى إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولى لإتخاذ موقف أو توقيع عقوبات ضد إيران). وبالطبع، فستكون الفرصة سانحة هنا للصين وحليفتها روسيا بتلقين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين التقليديين درساً قاسياً بإستخدام (حق النقض أو الفيتو) لعرقلة أى قرارات تمس الملف النووى الإيرانى، وهو ما سيكون قمة الإستفزاز الصينى لواشنطن دولياً بعد تعديها على حقوقها بتوقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية”.                                                                   

 

وهنا نجد أن دور الصين سيسعى فى الوقت الحالى إلى (تمديد إتفاقية مراقبة البرنامج النووى الإيرانى من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، ولكنه فى حال فشل هذه المحادثات مع إيران بسبب تلك الضغوط الأمريكية على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفى حالة (نجاح التخطيط الأمريكى لإستصدار قرار جديد من قبل مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران وإحالة القضية إلى مجلس الأمن)، سترد كلاً من روسيا والصين وسترفضان قطعاً تأييد إصدار أى قرارات دولية أو أمريكية ضد إيران. وهو ما يمثل تحدى صينى وروسى حقيقى للقوة الأمريكية بعد توقيعها لإتفاقية أوكوس الدفاعية مع أستراليا فى منطقة “الإندو-باسيفيك” لتحجيم النفوذ الصينى.                                     

    ويبقى الأبرز والأهم هنا، بأن (الدعم الروسى والصينى المتنامى لإيران، كان له تأثير سلبى على جهود الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبى لجلب طهران إلى طاولة المفاوضات خلال الفترة الماضية بسبب الشروط الإيرانية المدعومة روسياً وصينياً)، وهنا نحلل بأن الوضع الراهن (يفسح المجال لإيران لإدراج المزيد من المطالب والشروط فى قائمتها للحصول على تنازلات أكثر من واشنطن وحلفاؤها الأوروبيين فى المفاوضات النووية)، وسيكون ذلك بالتالى هو (الرد الصينى القاسى والحازم دولياً لمواجهة السياسات الأمريكية دولياً من بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية لتقييد وإحتواء نفوذ الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، وهو ما سترد عليه الصين بقوة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولى ضد السياسات الأمريكية الداعمة للإنتشار والتنافس النووى بتبنيها لصفقة أكوس النووية لصالح أستراليا).                                                                        

    وبالتالى فإن رصد العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية وبين الصين والتعرف على نقاط التعارض والإلتقاء بين الدولتين، وتأثير هذه العلاقات على النظام الدولى وسياسات عمل الهيئات والمنظمات الدولية، بالإضافة الى الصعود الصينى وتأثيره على الهيمنة الامريكية وإتباع الولايات المتحدة الامريكية (إستراتيجية إحتوائية) للسيطرة على هذا الصعود الصينى، كل ذلك يمكننا لاحقاً من فهم وتحليل طبيعة المرحلة القادمة وكافة إرتباطاتها الدولية، ولاسيما فيما يتعلق بالملف النووى الإيرانى، وإتهام الصين للولايات المتحدة الأمريكية بخرق وإنتهاك المواثيق الدولية، خاصةً بتوقيعها لإتفاقية أوكوس، والتى ستؤدى إلى (صراع وتنافس نووى دولى يقوض الإستقرار الأمنى الدولى).                                     

رابعاً: الدور الصينى كقوة دبلوماسية فى المنظمات الدولية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية لمواجهة القيادة الأمريكية والغربية التقليدية وتمرير قرارتها دولياً

                  

     تهدف الصين على صعيد العلاقات الدولية، من خلال تواجدها فى كافة المنظمات الدولية المعنية، وعضويتها فى كافة منظمات الأمم المتحدة، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى لعب (دور الموازن الدولى فى ظل سعيها على  للحفاط على مستوى معين من المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً وإقتصادياَ، وذلك يتوافق مع رغباتها بإستمرار فى لعب  دور القطب الداعى إلى (التعددية القطبية والتعددية متعددة الأطراف الدولية من خلال الخطابات السياسية الصينية للرئيس الصينى “شى جين بينغ”)، وذلك بغية معارضة الهيمنة الأمريكية على العالم وسياسات واشنطن للإحتفاظ بمكانتها كقطب أوحد بالمجتمع الدولى. وذلك عبر زيادة الصين لإستثماراتها الخارجية بغية تعزيز هيمنها الإقتصادية على العالم عبر  أدواتها السياسية والدبلوماسية مع الدول المتساوية معها بالقوة الإقتصادية فى عدد من (القضايا التجارية والعلمية والتكنولوجية، بالإضافة إلى الأدوات العسكرية والإستخباراتية، وذلك كمرجعية لمركز الصين السياسى الخارجى الجديد).                          

                                                    

   ونلاحظ أن أنماط السياسة الخارجية  الصينية هو (نمط الإعتماد، والذى يقوم على إرتفاع مستوى المشاركة الخارجية بجميع القضايا العالمية الراهنة)، لتقييد محاولات الولايات المتحدة الأمريكية تمرير قرارتها دولياً، وبالتالى تحاول الصين دخول عضوية كافة المنظمات الدولية كى تبقى سياسات الصين الخارجية أشمل وأوسع وأكثر فعالية فى التغيير العالمى، ولتغيير كافة توجهات هذا القضايا والتحكم فيها أمريكياً، وذلك أحد أدواتها السياسية الجديدة التى تخدم توسعها العالمى عبر (مبادرة الحزام والطريق الصينية).                         

                           

   وفى نفس الإطار تركز الصين قوتها الخارجية والتنافسية على التواجد فى المنظمات الدولية الفعالة، والتقارب من الإتحاد الأوروبى، وبالأخص (فرنسا، ألمانيا)، وذلك رغم عدم إنكار علاقاتهم مع واشنطن، بسبب قوة تأثيرهم فى الإقتصاد العالمى. إضافة إلى إعتماد الصين على خطة الإستثمارات الخارجية والأجنبية فى الدول المؤثرة على النفوذ الأمريكى من خلال مشروعات الحزام والطريق، فضلاً عن لجوء الصين لسياسة الإستيراد للعديد من الموارد اللازمة لتنمية قدراتها الإقتصادية من دول أوروبية معينة لفتح علاقات مؤثرة معها، وصولاً إلى (الإستراتيجية الصينية للحصول على الدعم السياسى عبر سياسة (التحالفات، القنصليات، التمثليات، عضوية المنظمات الدولية)، وذلك بغرض التأثير فى سياسات الدول إقتصادياً لتمرير قرارات دولية هامة تخص التحدى الأمريكى للصين، مثل: (الملف النووى الإيرانى وكوريا الشمالية وقضايا ميانمار وأفغانستان وسوريا وفنزويلا وغيرها)، ليزداد بهذا مستوى التغلغل الخارجى للصين إقتصادياً وسياسياً.                                            

    تهدف الصين بالأساس من خلال عضويتها فى المنظمات الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى (خلق توازن قوى جديد والتخلص من قيود الأحادية القطبية)، وهذا الأمر تحاول الخطابات السياسية الصينية للرئيس الصينى “شى جين بينغ” ترويجه حول العالم، بالتأكيد على (أنه من مصلحة الدول متوسطة القوى والدول الصغيرة أن يسود النظام الدولى تعددية حقيقية، بدلاً عن حالة الأحادية القطبية الأمريكية الراهنة).                                           

  وفى إعتقادى الشخصى، بأنه ربما تجد دول الشرق الأوسط فى صعود الصين وروسيا، وربما قوى دولية أخرى لمعاودة منافسة الولايات المتحدة (فرصة حقيقية للدفع قدماً بتأثيرات تعددية النظام الدولى على المستوى الإقليمى، وهذا من شأنه أن يخلق مساحة أكبر للحركة والمناوئة أو المساومة ومرونة التحرك للجميع لمواجهة سياسات الهيمنة الأمريكية وفقاً للتخطيط الصينى مع روسيا)، كما أن ذلك يعمل على التخفيف من حدة تلك القيود والإملاءات الأمريكية، وربما العقوبات والضغوط التى تفرضها على المعارضين لنهجها دولياً.                                                                         

  وباتت إستراتيجية التنافس بين الصين والولايات المتحدة هى وضع الصين لإستراتيجية طويلة الأجل تقوم على (ضرورة التواجد الصينى بكثافة فى كافة المنظمات والمحافل الدولية، وهو الأمر الذى يتيح للصين التواصل مع مختلف القوى العالمية والتوازن فى علاقاتها معهم مقارنة بواشنطن)، وكذلك تنويع الصين الشعبية لعلاقاتها وتوزيعها بين الدول المتنافسة، ما يتيح للصين إظهار خيارات واسعة النطاق بشأن كافة القضايا الهامة، والأخطر أن هذا التواجد الصينى (يتيح لبكين المساس بأسس العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومختلف القوى والدول حول العالم).                                           

   كذلك تهدف (الصين وروسيا لتشكيل تحالف فى كافة المنظمات الدولية والإقليمية لتغيير نهج السياسات الأمريكية الإستفزازية الحالية فى مواجهتهما،  وبالأخص المتعلقة بسياسات التحشيد والتحالفات الأمريكية ضدهما حول العالم)، وقد بدأت هذه الرؤية لكلا من الصين وروسيا فى التبلور خلال الفترة القليلة الماضية، والتى إتضحت معالمها مع (زيارة وزير الخارجية الروسى “سيرغى لافروف” لكل من السعودية والإمارات وقطر، كما إستقبلت الكويت وقطر عضو المكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى ومدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب “يانغ جيتشى”).         

                                                         

   وعلى الجانب الآخر، تعتبر الصين من بين دول مجلس الأمن التى لها أكبر عدد من (قوات حفظ السلام الصينية حول العالم)، كما تأتى الصين فى مقدمة الدول الأكثر (إسهاماً فى ميزانية حفظ السلام الدولى، بالإضافة إلى إرسالها للأساطيل البحرية لتنفيذ مهمات الحراسة البحرية وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولى)، وبالتالى قد تلعب الصين دوراً مهماً فى إستتباب الأمن فى دول عديدة بالعالم، وهذا ربما ما تخطط له الصين لضمان الإستعانة بها، فى حال تراجع الإهتمام الأمريكى بأمن مناطق عديدة فى العالم، فى إطار (إستراتيجية ضغط النفقات الأمريكية والتراجع والإنسحاب من أماكن عديدة حول العالم والتفرغ للداخل الأمريكى وأزماته الإقتصادية المتفاقمة).                             

                                                          

   والنقطة الجديرة بالتحليل هنا، هو التقرير الصادر فى يوليو ٢٠٢١، من (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، بعنوان “المفاعلات النووية حول العالم” والذى حلل من خلاله خطة الصين فى (تأسيس حلم السيادة النووية حول العالم من خلال الشروع فى بناء وإنشاء حوالى ١١ مفاعلاً نووياً صينياً آخرين تحت التأسيس، فضلاً عن التخطيط الصينى الجديد لبناء ٢٩ مفاعل نووى)، فى حين أشار تقرير عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة أخرى، بأن الرقم الإجمالى المعروف للمفاعلات الموجودة فى الخدمة فعلياً بخلاف المخططة للبناء، والمفاعلات الأخرى تحت التأسيس، يصل إلى حوالى ٥٠ مفاعلاً نووياً صينياً، وهى خطوة تؤكد (أن الصين تتحول بصورة واضحة نحو الطاقة النووية فى إنتاج الكهرباء، وتعتمد عليها بشكل مباشر فى نهضتها الصناعية خلال الفترة المقبلة، خاصةً أنها الدولة رقم واحد فى العالم التى تتوسع فى إنشاء المحطات النووية، وتليها روسيا، والتى تخطط لإنشاء ٢٠ مفاعل نووى جديد، بينما لديها ٣٨ مفاعل نووى فى الخدمة الفعلية). وتشير بعض التسريبات بوجود المفاعلات والتدريبات والإختبارات النووية الصينية فى منطقة “صحراء دوكلام” الواقعة على  حدود إقليم “شينغيانغ” فى شمال غرب الصين.

   كما يلاحظ أيضاً، بأنه من واقع التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تأكيده بشأن (التخطيط الصينى كى تصبح الدولة الأولى عالمياً فى إنتاج الطاقة النووية خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك فى مقابل تراجع حصة الولايات المتحدة الأمريكية فى المفاعلات النووية، والتى باتت تستمر فى التناقص المستمر مع خروج أعداد أمريكية جديدة من المفاعلات سنوياً)، حيث أن خطة الولايات المتحدة الأمريكية المستقبلية لا تشمل إنشاء مفاعلات جديدة، بما يشير إلى (أن التوسع فى هذا النوع من الطاقة يميل ناحية الصين وروسيا خلال الفترة المقبلة، وسيصبح لدى تلك الدول خبرات متراكمة، تمكنها من الهيمنة والسيطرة على هذه الصناعة النووية الجديدة فى مختلف دول العالم)، وهذا ما يحدث بالفعل، فقد (بدأت روسيا فى خطة التوسع الفعلى فى تأسيس مفاعلات نووية سلمية فى تركيا، مصر، وبنجلاديش، وهناك مفاوضات مع السعودية لم تحسم بعد، وذلك كما هو متداول فى المنطقة). مع العلم، بأن إستخداماتها ستكون سلمية بالأساس ولخدمة صالح الشعوب والدول، لذلك فربما نشهد الفترة المقبلة كثافة دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى ملفات عديدة حول العالم لدراستها وتفتيش مناطق وأقاليم مختلفة، والتأكد من (الإستخدامات السلمية للطاقة النووية فى العديد من المشروعات التنموية حول العالم).

    ومن هنا نكاد نفهم (أهمية التواجد والحضور الصينى وعضويتها فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالأساس)، نظراً لإمتلاكها فعلياً ٥٠ مفاعلاً نووياً فى الخدمة، ومساهمتها فى إنتاج الكهرباء وتوفير الطاقة لمليار ونصف مواطن، كما أن الصين كذلك لديها تحت التأسيس مفاعلات نووية جديدة، لذلك (تسعى الصين للتواجد بالقرب من وكالة الطاقة الذرية الدولية، لإحراج وتقييد وتحجيم النفوذ الأمريكى من ناحية تجاه حلفاء بكين، وعلى رأسهم إيران ثم كوريا الشمالية. لذلك وضعت الصين خطة إستراتيجية خلال السنوات المقبلة تقوم على كثافة التواجد الصينى الدولى وتمرير سياساتها الخارجية وقرارتها بمساعدة حليفتها الروسية دولياً).

                         

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد