من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

أجواء ساخنة في درجة حرارة تحت الصفر: روسيا و أوكرانيا تُعيدان ذكريات الحرب الباردة

كتب محمد عاطف إمام

————————–

قد يكون سبق لنا أن سمعنا وقرأنا عن الحرب الباردة ولكن آن الوقت أن نشاهدها حية على الهواء مباشرةً من أوروبا الشرقية وتحديداً من الساحة الأوكرانية، تلك الأزمة التي تأخذنا لحِقبة الخمسينات والستينات من القرن العشرين عندما كانت الحرب الباردة على أشدها بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي آنذاك، وعلى الرغم أنه خلال تلك الحِقبة كانت هناك أزمات خطيرة بين القطبين الكبيرين تهيأ الأجواء لحرب عالمية ثالثة مثل أزمة برلين وأزمة الصواريخ الكوبية ولكن انتهت تلك الحرب بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 وسنحت الفرصة للولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على العالم إلى أن عادت الحرب الباردة بثوب جديد متمثلة في الأزمة الأوكرانية الروسية لتضع هذه الأزمة أوزارها وتدق طبول الحرب وناقوس الخطر واحتمالية المواجهة بين روسيا والغرب ولكن هذه المرة قد تكون مُسلحة.   

جذور وطبيعة الأزمة:

كانت أوكرانيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق منذ عام 1921 حتى انهياره عام 1991 بل كانت قبل ذلك جزء من إمبراطورية روسيا القيصرية، بعد استقلال أوكرانيا 1991 نشأ تيارين في أوكرانيا؛ تيار يرى أن المستقبل الأفضل لأوكرانيا سيكون في الإبقاء على علاقات جيدة مع روسيا ويُمثل هذا التيار شرق أوكرانيا ( دونباس) بينما التيار الأخر يرى أن المستقبل الأفضل لأوكرانيا يجب أن يكون مع الغرب بالانضمام للاتحاد الأوروبي وربما حلف شمال الأطلسي ( الناتو)، لم يتوافقا مع بعضهما البعض وحدث صراع بينهما وصل ذروته في أواخر 2013 حينئذ كان يحكم أوكرانيا ينكوفيتش حليف الروس الذي أيد التيار الأول وتبين ذلك عندما تعرضت أوكرانيا لأزمة اقتصادية فضل ينكوفيتش الحصول على حِزمة مساعدات من روسيا على أن ينضم للاتحاد الأوروبي بل رفض أي محاولات للانضمام إليه.

قامت مظاهرات ضد ينكوفيتش قادها غرب أوكرانيا من نوفمبر 2013 حتى فبراير 2014 والتي انتهت بالإطاحة به وفراره إلى موسكو، في حين رأت روسيا أن ذلك انقلاب دبره الغرب ليس فقط للاستيلاء على أوكرانيا بل لتهديد أمنها بشكل مباشر؛ لمحاولة ضم أوكرانيا لحلف الناتو وجعل قوات الحلف على أبواب موسكو والجدير بالذكر أنها لم تكن المحاولة الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية لضم أوكرانيا لحلف الناتو بل عام 2008 حاول الرئيس الأمريكي جورج بوش إدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف الناتو ولكن قوبل ذلك بإحتجاج الرئيس الروسي بوتين وأعلنت موسكو بشكل واضح أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا، ولكن ردت روسيا رد صادم على الغرب بعد قيامها بإحتلال شبه جزيرة القِرم واقتطاعها من أوكرانيا وضمها لروسيا الاتحادية في مارس 2014 .

بعد فرار ينكوفيتش لموسكو قامت حرب أهلية في أوكرانيا بين شرق أوكرانيا المؤيد للتعاون مع روسيا وغرب أوكرانيا المؤيد للتعاون مع الغرب بل وأعلنت منطقة دونباس ( شرق أوكرانيا) أنها تريد الانفصال عن أوكرانيا ودعمهم الروس.

موقف الغرب من التطورات على الساحة الأوكرانية:

بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القِرم، استسلم الغرب لأنهم كانوا غير مستعدين لمواجهة عسكرية مع روسيا ولكن فُرض على روسيا عقوبات قاسية أهمها استبعاد روسيا من قائمة أكبر 8 اقتصادات في العالم لعام 2014 ، ثم تحرك الغرب لدعم غرب أوكرانيا والجيش الأوكراني ضد الانفصاليين في شرق أوكرانيا وفي نفس الوقت كانوا يسعون لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية؛ حيث دعوا لوقف اطلاق النار بين غرب أوكرانيا وشرقها وكان أخر هذه المحاولات في يوليو 2020 ولكنها فشلت نتيجة اتهام كل طرف للأخر أنه انتهك وقف اطلاق النار.

ثم هددت روسيا بأنه أي محاولة ضد شرق أوكرانيا (الانفصاليين) سوف يكون نهاية لجمهورية أوكرانيا بالكامل، هذا التهديد الذي اعتبره الغرب إنذار لغزو أوكرانيا وفي الجانب الأخر ترى أوكرانيا أن هذه حجة من روسيا لغزو أوكرانيا بل توعد الغرب روسيا بعقوبات وخيمة إن قامت بغزو أوكرانيا وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال عدد من السفن الحربية للبحر الأسود لمحاولة ردع أي محاولة من روسيا.

ذروة الأزمة الروسية الأوكرانية: 

وصلت التوترات لأعلى مستوياتها على الحدود الروسية الأوكرانية عندما أمر الرئيس الروسي بوتين بحشد العديد من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية والتي وصل عددها إلى 100 ألف جندي، بل أكدت مصادر غربية أن روسيا نشرت 36 نظاماً صاروخياً متوسط المدى من نوع اسكندر على حدود أوكرانيا ثم أكد مسئولون أميركيون أن روسيا قامت مأخراً بنقل معدات طبية بينهما وحدات دم لحدود أوكرانيا كمؤشر لقرب المعركة كل ذلك بالرغم من العقوبات الوخيمة التي تنتظر موسكو في حال قيامها بغزو كييف وفي نفس الوقت حولت القيادة الأمريكية أزمة أوكرانيا من أزمة محتملة عام 2014 إلى أزمة وشيكة الأن.

أكد الرئيس الأوكراني الحالي زيلينسكي أنه منذ عام 2014 حتى عام 2021 قُتل حوالي 14 ألف جندي أوكراني، وفي نفس الوقت ينفي الكرملين تخطيطه لشن أي هجوم ويقول أن دعم الناتو لأوكرانيا وامدادها بالأسلحة والتدريب يُشكل تهديد مُتزايد على روسيا.

أقوال فاصلة:

قال بوتين أن نشر الناتو لأسلحة متطورة في أوكرانيا مثل أنظمة الصواريخ سيكون بالنسبة لموسكو خط أحمر بل وقال المتحدث بإسم الكرملين إن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى من حلف الناتو تزود كييف بالأسلحة والإستشارات العسكرية مما يؤدي بدوره لتفاقم الوضع على الحدود.

في حين قالت الحكومة الأوكرانية أن موسكو لا تستطيع منع كييف من الانضمام لحلف الناتو واقامة علاقات معه فهي ليست لها صلة بالموضوع، هذا الأمر الذي ترفضه روسيا تماماً وتعتبره تهديد لأمنها، وكذلك أكد الرئيس الأوكراني زيلينسكي أنه تم الكشف عن مؤامرة إنقلابية ضده يخطط لها أوكرانيين وروس.

رد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج أن روسيا إذا فعلتها ثانية واجتاحت أوكرانيا ستدفع الثمن باهظاً وأكد الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الأوكراني أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها سيردون على روسيا بشكل حاسم إذا قامت موسكو بغزو كييف ولفت الرئيس الأمريكي الآراء المتباينة بين دول حلف الناتو حول رد فعلهم إزاء الأزمة الروسية الأوكرانية وقال هذا سيتوقف على ما سيحدث.

أهمية أوكرانيا بالنسبة للغرب وروسيا:

أوكرانيا بالنسبة للغرب مهمة جداً؛ فهي جزء من سياسة الإحتواء التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية منذ الخمسينات ضد الاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا الاتحادية الأن، وتهدف سياسة الاحتواء إلى محاصرة وتطويق نفوذ روسيا اقتصادياً وعسكرياً من خلال تمدد حلف شمال الأطلسي لشرق أوروبا حتى تصبح روسيا تحت الحصار الغربي.

أما بالنسبة لروسيا، فأوكرانيا تُمثل لها أهمية من جوانب مختلفة أهمها جانب الأمن القومي والاستراتيجي؛ حيث أن روسيا بدون أوكرانيا لن تصبح إمبراطورية مهمة في أوروبا لأنها تُمثل لروسيا المعبر الرئيسي للغرب برياً وبحرياً، فهي معبر مهم لأنابيب روسيا التي تحمل الغاز لأوروبا الشرقية.

لا حرب بين روسيا وأوكرانيا حتى الساعة لكن لا سِلم أيضاً، بل حشود عسكرية وحالة تأهب متعددة الأطراف ومن مختلف الجهات والجبهات.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد