من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

الاقتصاد الأخضر و دوره الفعال في تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة

  

مقالة علمية

بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم

يمثل الاقتصاد الأخضر اليوم البديل الحيوي للاقتصاد التقليدي و العمود الفقري للتنمية الاقتصادية و يسهل أيضا الحركية المالية بالأسواق العالمية. و للتعريف بنوعية هذا الاقتصاد الجديد الذي يعتبر صديق البيئة و المجدد لنمطية الاقتصاديات الوطنية التي تعتمد بالأساس علي الطرق التقليدية دون مراعاة الظروف البيئية والأجتماعية. إن هذا النوع يعتمد علي الطاقات المتجددة النظيفة و التي في مجملها تمثل الثروة الحقيقية للبلدان الغير نفطية و ذلك بأقل تكلفة و ذات مردودية إنتاجية عالية. كما تسمح التقنيات الحديثة في مجال التكنولوجيات و التجديد بتفعيل دور الابتكار في مجال المشاريع التنموية ذات الجودة العالية من خلال استعمال الأنظمة التي تحد من التلوث البيئي و تخلق سوق إنتاجية كبري. إن الاقتصاد الأخضر يعد من أبرز الركائز الداعمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية و التي تساهم في تقليص نسبة الإنبعاثات الحرارية و المعروفة بالاحتباس الحراري. إذ منذ قمة كيوتو العالمية أصبح الشغل الشاغل للحكومات العالمية البحث و التجديد لإيجاد بدائل تحد من التلوث البيئي و تخلق نوعية جديدة من الاقتصاد الصناعي الذي يكون مساهم جدي في المشاركة للحد من الاحتباس الحراري العالمي.

إن الدول المتقدمة في معظمها أصبحت تولي اهتمام بالغ للاقتصاد الأخضر و ذلك من خلال المؤتمرات و الحوافز المالية الهامة لبعث مشاريع صديقة للبيئة. و في هذا الإطار نذكر برامج الابتكار في الطاقات المتجددة مثل الطاقة المائية و الحرارية و الشمسية و الهوائية و التي تعد مجملها العنصر الهام الذي يساهم إيجابيا في تقليص نسبة التلوث العالمي و خلق مناخ استثماري بديل للطاقات التقليدية مثل الغاز و النفط. أما فرنسا تعتبر الدولة الأكثر تطورا في هذا مجال البحثي و التجديدي في الاقتصاد الأخضر, إذ اعتمدت مؤخرا علي بنية جديدة في منظومتها الاقتصادية التي تولي اهتمام كبير للمشاريع صديقة البيئة, نذكر منها مشاريع إعادة تدوير النفايات و إعادة تدويرها و هي كالآتي مخلفات استعمال الإطارات المطاطية من خلال تحويلها إلي مواد أولية.

أيضا إعادة تدوير الأوراق المدرسية و الإدارية و القوارير البلاستيكية و علب المشروبات الغازية و الزجاجات البلورية. أما أهمها هو تحويل القمامة إلي مواد طبيعية و سماد عضوي يستغل لتسميد الأراضي الزراعية. إن فرنسا بما تقدمه اليوم من مشاريع حيوية ذات جودة عالية في الإنتاجية قادرة علي خلق فرص عمل جديدة و متنوعة تساهم بصفة إيجابية في تحقيق التنمية المستدامة علي الصعيد المحلي و أيضا العالمي. كما توجهت مؤخرا الحكومة الفرنسية بطرح تعاون أكبر في المجال الرقمي  و التطوير التكنولوجي مع دول جنوب المتوسط لخلق نمط اقتصادي جديد يتلاءم مع المتغيرات العالمية و يؤسس لعالم نظيف أساسه الصداقة مع البيئة وحمايتها. بالتالي يعتبر الاقتصاد الأخضر الأنجح عالميا نظرا لجمعه جميع مواصفات المردودية المالية و الربحية و أيضا التوفيق بين الاستثمار الناجح و المربح و الحفاظ علي بيئة سليمة. إذ يمثل هذا التعاون بين دول شمال و جنوب المتوسط بادرة مهمة في تعزيز الشراكة الأورومتوسطية و خلق فضاء صناعي متطور أساسه الطاقات المتجددة التي تساهم من جانب في تقليص نسبة الاحتباس الحراري و من جانب آخر تحقيق سوق للمنافسة الاقتصادية تجلب مداخيل مالية هامة لميزانية الدول المشاركة في برنامج دعم الاقتصاد الأخضر.

كما أن هذا لا يقتصر فقط علي الجانب الربحي إنما له انعكاسات بعيدة الأمد علي التنمية المستدامة التي تساعد في تحقيق العدالة في توزيع الثروة بين الأفراد من جانب المشاركة في جمع النفايات مقابل مبالغ مالية و تحافظ من جانب آخر علي البيئة و تخلق سوق كبيرة تدعم الابتكارات الصناعية مثل الرسكلة و إعادة التدوير. أيضا يساهم الاقتصاد الأخضر في دعم المجال الفلاحي من خلال بيئة خالية من السموم تحمي التربة من الانجراف و تستغل فيها النفايات كمواد عضوية لتسميد.

إن الثورة الجديدة في هذا المجال تتطلب العمل علي نشر الوعي لدي المواطن بجمع الفضلات المنزلية مثل القوارير أو البطاريات الإلكترونية أو القمامة و بيعها بمقابل مالي رمزي لبعض الشركات المختصة و التي تقوم بتدويرها و إعادة إنتاجها. بالتالي تتحول هذه الشركات من مستهلك للمواد الأولية للإنتاج إلي مستهلك للفاضلات المنزلية و إعادة رسكلتها و تدويرها  و إنتاج منتجات جديدة ذات قيمة مضافة عالية الجودة و قدرة تنافسية في الأسواق المحلية أو العالمية. أما بخصوص السيارات علي الطرقات و التي تعتبر العنصر البارز في تلوث البيئة فإن أغلب الشركات العالمية في مجال صناعة السيارات حولت اهتمامها بإنتاج نوعية جديدة من السيارات التي تعتمد بالأساس علي الطاقات البديلة منها الديزيل أو الوقود الحيوي و الإلكتروني. إذ هذه الطاقات البديلة و الصديقة للبيئة لها إنبعاثات تلوثية منخفضة بكثير مقارنة مع الطاقات التقليدية مثل الغاز و النفط. و الجدير بالذكر أن فرنسا شجعت مؤخرا المستثمرين علي خلق شركات كبري تعمل في مجال صناعة الديزيل الحيوي.

بحيث أصبح يتم إنتاج الوقود الحيوي من نباتات خاصة أو الأهم بروز ما يسمي بشركات إعادة جمع الزيوت الغذائية المستعملة و تحويلها لديزيل حيوي. أما في المجال الإلكتروني فقد برزت صناعة السيارات التسلا (Tesla) الإلكترونية و التي تتشابه في محركاتها مع تقنيات الهواتف الرقمية الذكية. و بالتالي أصبحت هناك العديد من بطاريات الشحن في المحطات المزودة للوقود عبر نوعية جديدة من أجهزة الشحن الإلكتروني المجاني للسيارات.

عموما يساهم الاقتصاد الأخضر بصفة ناجحة في تحقيق نسب نمو اقتصادية محترمة و يخلق فرص عمل مرتفعة و أيضا يحقيق أهداف التنمية المستدامة بطريقة فعالة و ذات مردودية إنتاجية عالية مع الحفاظ علي البيئة.

وفى الختام يعـد الاقتصـاد الأخضـر مـن الاقتصـادات حدیثـة النشــأة وولیـدة السـاعة نظـرا للظـروف البیئـة المزرية التـي لحقــت بالكرة الأرضيـة بسـبب عـدم مراعـاة الإنسـان للجانـب الأخلاقـي والبیئـي عنـد ممارسـة اقتصـاداته، كمـا يعتبـر مـدخلا نحـو تحقیـق التنمـة المستدامة بأبعادهـا، فعلاقـة هـذین المصـطلحین تتفـاوت بـین التكامـل والتعـارض، لـذلك لتحدیـد كل مـن المفهـومین (الاقتصاد الأخضر- التنمية المستدامة) وطبيعة العلاقة بینهما سواء تكمیلة أم تعارضة، وأبـرز المنظمات العاملة في مجال الاقتصاد الأخضر على المستوى العالمي والتي تعمل بجهد لإرساء ضوابط الاقتصـاد الأخضـر فـي الساحة العالمية وجعله شاملا لجمع الدول لما یترتب عنه مـن فوائـد عظيمـة تفیـد البشرية وتحقق مسـار التنمـة المسـتدامة. من خلال وجـود علاقـة قوية تـربط الاقتصـاد الأخضـر التنميـة المسـتدامة إذ يمثـل الاقتصـاد الأخضـر البعـد البیئـي للتنمة المستدامة والتالي فالاقتصاد الأخضر هو أحد مداخل التنمية المستدامة إن صح القول.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد