من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

أسباب جعل الصين هى النفوذ والملجأ المثالى للسعودية ومنطقة الخليج

تحليل:

الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

أدى طرح مبادرة “الحزام والطريق” عام ٢٠١٣ إلى خلق نقطة تحول فى مسار العلاقات الصينية مع دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها بلدان منطقة الخليج العربى والسعودية. وتأتى أهمية المنطقة بالنسبة للجانب الصينى من خلال حيوية الممرات المائية بها، فضلاً عن دور بحر العرب والمضائق البحرية المحيطة به فى حركة التجارة الصينية العابرة لمنطقة الشرق الأوسط وحول العالم. وفى دراسة أصدرتها الأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية عام ٢٠١٣، تمت الإشارة إلى أهمية الممرات الملاحية الإستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجاء تأكيد تلك الدراسة العسكرية الصينية تحديداً، بأن:

 “تلك الممرات والقنوات البحرية أصبحت شريان الحياة بالنسبة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية للصين، ولكن الصين تمتلكها فقط الآن ولا تتحكم فيها، لذا ففى حالة حدوث أزمة بحرية أو حرب، فمن المحتمل قطعاً أن يتم قطع ممراتنا البحرية حول العالم، لإمتداد تلك الممرات الإستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط والخليج العربى من شمال أفريقيا مروراً بقناة السويس ومضيق هرمز والمحيط الهندى ومضيق ملقا وبحر الصين الجنوبى”

لذا باتت الصين تركز بالأساس فى منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط على توسيع نفوذها الإقتصادى من خلال أربعة موانئ إقليمية رئيسية بالنسبة للصينيين، هى موانئ:

(دقم العمانى، العين السخنة فى مصر، جازان السعودى، دوراليه فى جيبوتى).

وذلك إلى جانب عدد من المناطق الحرة الملحقة بهذه الموانئ، وهى مناطق:

(منطقة الصين-عمان الصناعية فى ميناء دقم العمانى، المنطقة الصناعية الصينية فى ميناء جازان السعودى، منطقة “تيدا – السويس” فى ميناء العين السخنة فى مصر).

ومن خلال فهمى التام والدقيق لطريقة فهم المحللين والخبراء الصينيين، فضلاً عن تقارير مراكزهم الفكرية والبحثية، يتضح لنا تلك الأهمية التى توليها الصين لميناء دقم العمانى، بسبب موقعه الجغرافى الذى  يجعله خياراً مستقبلياً بالنسبة للصينيين لتجنب المخاطر المحيطة بمضيق هرمز الناتجة عن تهديدات إيران بغلقه فى مواجهة بلدان الخليج العربى والسعودية. لذا جاء حرص الصين على عمل تحالفات فى تلك المنطقة، ففى عام ٢٠١٧، شكلت عدة شركات صينية تحالف قوى مكون من ست شركات صينية كبيرة  من إقليم نينغتشيا هوى الصينى، ويعرف بإسم ” تحالف وانفانغ”، لبناء مشروعات صينية فى المنطقة الصناعية الصينية – العمانية مع هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة بميناء دقم العمانى.

ومن هنا جاءت زيارة وزير الدفاع الصينى “وى فنغه” إلى ميناء دقم العمانى، خلال زيارته لسلطنة عمان فى فبراير ٢٠٢٢، وركزت التقارير الصينية على إرتباط تلك الزيارة المحتمل برغبة الصين فى الحصول على حق الوصول العسكرى لهذا الميناء الإستراتيجى، والذى وقعت سلطنة عمان نفسها لإتفاقية مع الجانب الأمريكى عام ٢٠١٩، بما يسمح للاسطول الأمريكى بإستخدامه.        

وتأتى أهمية الخليج العربى والسعودية بالنسبة للجانب الصينى، من خلال الإجماع والإتفاق بين الباحثين والأكاديميين الصينيين أنفسهم، حول سعى السياسة الخارجية الصينية، إلى “توظيف قوتها الإقتصادية لتحقيق أهداف تتعلق بسياستها الخارجية خاصةً على المدى الطويل”. لذا، قامت الصين بوضع إستراتيجية طويلة للإندماج العسكرى – المدنى، وذلك فى سياق المعادلة التى تسمح للحزب الشيوعى الصينى الحاكم بتحقيق التكامل والإندماج والتعاون بين مؤسسات  الدولة الصينية تحقيقاً للمصالح العليا للصين، من خلال ما يسمى “بالمجموعات القيادية الصغيرة” داخل تلك الشركات الصينية نفسها، من أجل ضمان المصالح العليا للدولة الصينية فى كل مكان حول العالم.

– ويمكننا هنا إيجاز أهمية الصين بالنسبة للجانب السعودى والخليجى عبر عدد من النقاط الآتية:

– التدخل الأمريكى فى ملف حقوق الإنسان والديمقراطية وعدم دعوة كافة دول الخليج فى مؤتمر الديمقراطيات فى ديسمبر ٢٠٢١ فى واشنطن… فى حين أن الصين تهتم فقط بالتنمية على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان

– رغبة الصين فى تأمين أمن الطاقة، وإتمام مصالحة خليجية إيرانية عبر منصة حوار متعددة الأطراف… مما يخفف من التوترات في المنطقة بين الخليج وإيران على حساب أمن إسرائيل

– تشكيل تحالف سياسى عالمى جديد تقوده الصين وروسيا فى المنطقة نقيضاً للتحالف الذى تقوده واشنطن في منطقة الإندو باسيفيك بالمفهوم الأمريكى أو آسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى… خاصةً بعد تقسيم أمريكا العالم لمعسكرين إستبدادى وديمقراطى

-عدم التدخل الصينى فى الشؤون الداخلية للخليج بعكس أمريكا والغرب

-تعتبر الصين فى الوقت الحالى أكبر مشترى للنفط من منطقة الخليج، وهذا التوجه يتزامن مع إدراك حكام الخليج أن المؤسسة السياسية الأمريكية تتجه إلى الإنفصال عن المنطقة، الأمر الذى وضح جلياً فى الإنسحاب الأمريكى الفوضوى من أفغانستان.

 -وجود جيل أكثر طموحاً وتمرداً من قادة الخليج فى سدة الحكم، يسعون إلى تحديث بلدانهم، ويتطلعون إلى الحصول على التكنولوجيا الصينية وتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى للمدن الذكية، وكذلك الصواريخ البالستية الصينية والدرونات المسلحة وغيرها، مما لا تتيحه لهم الولايات المتحدة الأمريكية.

– تطلع الحكام الأكثر طموحاً فى السعودية والإمارات، بإعتبارهما الإقتصادين الأكبر فى منطقة الشرق الأوسط والشريكين التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، لتنويع العلاقات وتوسيع قوتهم عبر شبكة وسلسلة تحالفات أكبر، لذا نظروا أكثر ناحية الشرق، ولاسيما الصين وروسيا.

– إستعداد الصينيين لنقل تكنولوجيتهم لدول الخليج والمنطقة، فليس لديهم كونغرس  لمضايقتهم، كما أن الصين هى أكبر أسواق الخليج.

– نفوذ الصين على إيران كخصم لدود للسعودية، وفرضياً تعد الصين هى حليف إيران الوحيد المهم الموثوق به، لذا تتزايد أهمية الصين بالنسبة للسعودية لممارسة ضغوط على إيران فيما يتعلق بممرات الملاحة وأمن الطاقة السعودية والخليجية عموماً.

– رغبة الخليجيين والسعوديين فى تحدى الهيمنة الأمريكية، كقرار الرياض بإستخدام شبكات هواوى للجيل الخامس فى مدينة نيوم، والذى يعد مشروع ولى العهد الرئيسى لمحمد بن سلمان، والذى يتكلف ٥٠٠ مليار دولار لبناء مدينة مستقبلية، رغم معارضة الأمريكيين الشديدة لذلك.

–  رفض الولايات المتحدة الأمريكية بيع معدات عسكرية ودرونات مسلحة إلى دول الخليج والسعودية، مما أدى بكل من الرياض وأبو ظبى لشراء الأسلحة من الصين بدلاً من ذلك، وذلك بعد عقد الملك السعودى بن سلمان وولى العهد “محمد بن سلمان” لمحادثات مع الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى بكين فى عام ٢٠١٧، وهو الإتفاق الذى أدى لإنشاء مصنع درونات صينى فى المنطقة (الأول من نوعه فى منطقة الخليج) وذلك فى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا بالمملكة.

–  ومع إنتشار جائحة كورونا فى المنطقة والخليج، جاء التحول الخليجى إلى الصين مع بحثهم عن موارد لمواجهة الجائحة، ونتج عنه تأسيس الإمارات على سبيل المثال لشركة “المجموعة ٤٢”، والمعروفة بإسم

G42

 

 وهى شركة حكومية يرأسها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وهو مستشار الأمن القومى الإماراتى، والتى عقدت شراكة مع شركة الصينية لفتح مختبر أبحاث لفيروس كورونا فى مدينة أبو ظبى لإجراء تجارب للقاح، تسمى شركة         

BGI

– ويبقى الأخطر لدى، وهو أن الصين تقدم شيئاً لا يمكن للولايات المتحدة تقديمه، ألا وهو نموذج إستبدادى تنموى بقيادة الدولة، يلاقى أصداء قبول لدى حكام الخليج الملكيين.

– تسعى الدول الخليجية إلى الإستفادة من مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتى ربطها الأمير محمد بن سلمان من خلال ترأسه للجنة السعودية الصينية المشتركة العليا بخطته “رؤية المملكة ٢٠٣٠”.

– ويجب التنويه بصدور تقرير هام عن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بشأن قوة الصين العسكرية فى الخليج، والذى أدرج دولة الإمارات من بين أبرز وأهم الدول التى يعتقد أن بكين ترجحها كثيراً فى المقام الأول كمواقع لمنشآت لوجستية عسكرية.

– عدم تعليق ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، علانيةً على مزاعم إضطهاد أقلية الإيغور المسلمة. وبدلًا من ذلك، جاء تأكيده بأن بكين لها الحق فى إتخاذ إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومى.

–  وهنا ينظر القادة الخليجيين إلى الصين ويرونها كقوة صاعدة تخلق الكثير الفرص ولا تطلب الكثير، بينما تميل الدول الغربية إلى الربط بمسائل حقوق الإنسان أو الأيديولوجيا السياسية بعكس الصين.

وعلى الجانب الآخر، يواصل صانعو الإستراتيجية والقرار السياسى فى العاصمة بكين، على الإلتزام بمبدأ الإستراتيجية البحرية المرتكزة على “الدفاع عن النطاقات البحرية القريبة، وحماية النطاقات البحرية البعيدة”. ويعني هذا المبدأ أن أسطول جيش التحرير الشعبى على استعداد لحماية أى هجمات تستهدف مصالح جمهورية الصين الشعبية، خاصةً فى منطقة الخليج العربى والمضائق البحرية المحيطة بها.

ومن هنا تأتى أهمية السعودية والخليج العربى بالنسبة للجانب الصينى من خلال موازنة القوة البحرية الصينية عالمياً وربطها بشبكة المصالح البحرية الصينية القريبة منها والبعيدة، خاصةً لدى بعض الدول البحرية الموجودة على طول منطقة المحيط الهندى، وأهمها بالنسبة للإستراتيجية الصينية، دول:

“كمبوديا، ميانمار، تايلاند، سنغافورة، إندونيسيا، باكستان، سريلانكا، كينيا، جزر سيشل، تنزانيا، أنغولا، طاجيكستان)

 وكلها مهمة لمنشآت ومواقع جيش التحرير الشعبى للدفاع عن مصالح الصين فى الخارج، بالنظر لوقوعها بحرياً فى غرب مضيق ملقا المهم لحركة التجارة والملاحة الصينية إقليمياً وعالمياً، وكطريق وممر ملاحى وبحرى هام لمنطقة الخليج العربى والمضائق البحرية فى الشرق الأوسط.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد