من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

رؤية مشتركة للتنسيق والتكامل بين الجانب الصينى مع جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسه اللواء عباس كامل والملك الأردنى عبدالله بن الحسين لوضع شروط ملزمة لإسرائيل لحل الصراع مع الفلسطينيين

تحليل للدكتورة:

نادية حلمى

أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف- الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية

تعول الصين كثيراً على الدور المصرى ودور جهاز المخابرات العامة المصرية كطرف فاعل وأصيل فى حل إشكالية الصراع العربى الإسرائيلى، وتتابع الصين بعناية فائقة اللقاءات التى تمت فى قطاع غزة الفلسطينى بين اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية مع مختلف الفصائل والأطراف والقوى الفلسطينية المتناحرة. وهنا تحاول الصين الدخول كطرف فاعل ومقبول لدى جميع الأطراف المعنيين فى منطقة الشرق الأوسط عبر التعاون والتنسيق الكامل مع الجانب المصرى الرسمى وجهاز المخابرات العامة المصرية، بإعتباره المسئول الأبرز عن ملف الصراع العربى الإسرائيلى وجهود الوساطة والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية وحركتى فتح وحماس. وذلك فى إطار سعى الصين لحل إشكالية القضية الفلسطينية الإسرائيلية بمساعدة وفهم ودعم كامل من الجانب المصرى وجهازها للمخابرات العامة المصرية، بإعتبار القضية الفلسطينية بالنسبة للصينيين، بمثابة جوهر وقلب المشاكل الشائكة فى المنطقة. ومن هنا بات إعتماد الصينيين كثيراً على الدور المصرى ممثلاً فى جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسها اللواء عباس كامل، لإبقاء الحوار مفتوحاً من خلال جهود الوساطة المصرية مع كافة الفصائل الفلسطينية بإستمرار. كذلك تحاول الصين الإستفادة من الخبرة المصرية ممثلة فى جهاز مخابراتها، وخبرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة الأردنية الهاشمية، فى التعامل مع القضية الفلسطينية وكافة أطرافها فى منطقة الشرق الأوسط لتكون ساحة معركة جديدة للتنافس الصينى مع واشنطن، وفى إعتقادى بأنه قد تم زج إسرائيل فى هذا الصراع المشتعل بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، كوسيلة صينية للإضرار بصورة واشنطن فى المجتمع الدولى، وإنتقال الصين للعب أكثر فعالية فى القضية الفلسطينية بمساعدة جهاز المخابرات العامة المصرية والأردن، كنهج صينى جديد بعيداً عن النهج الصينى القديم كحارس للجدران فقط إزاء قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

كما برزت التصريحات الصينية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الإنتهاكات والإستفزازات الإسرائيلية أمام الفلسطينيين، كمحاولة صينية فى المقام الأول لتقويض الثقة الإقليمية والدولية فى الولايات المتحدة الأمريكية. لذا حاولت الصين الضغط فى المحافل الدولية للحصول على نفوذ عالمى أكبر فى مواجهة واشنطن داخل الأمم المتحدة كنوع من أنواع التحدى للقيادة التقليدية للولايات المتحدة ولإستعراض القوة الصينية المتعددة الأطراف داخل المنظمات الدولية الأخرى من جهة أخرى. وهنا يبدو حرص الصين على تقديم نفسها كوسيط سلام بديل، مستفيدة من إخفاقات أو عدم رغبة (إدارة بايدن) فى حل النزاعات فى الشرق الأوسط. لذا تحاول الصين الإستفادة من الخبرة ومن التجربة الإستخباراتية المصرية، عبر جهاز مخابراتها المصرى ورئيسه “عباس كامل” للدخول فى قلب لعبة الوساطة والتحكيم وصولاً للتسوية السياسية الملزمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ثم بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة من طرف آخر. وفى إعتقادى فإن دخول الصين كلاعب سياسى فى منطقة الشرق الأوسط، يؤهلها قربها من الجانب المصرى التعلم من تجربته لقيادة جهود الوساطة إقليمياً لحل إشكالية القضايا الشائكة بين فلسطين وإسرائيل ثم بين حركتى فتح وحماس من جهة أخرى.

وفى السنوات الأخيرة، برزت (دبلوماسية الوساطة وفق مبدأ الرئيس الصينى “شى جين بينغ” المعروف بالمصير المشترك للبشرية) كإحدى الركائز الأساسية لأهداف وممارسات السياسة الخارجية الصينية، مع تعمد بكين وضع نفسها كصانعة سلام فى منطقة الشرق الأوسط. ومنذ تولى الرئيس الصينى “شى جين بينغ” السلطة عام ٢٠١٣، أصبحت الصين تلعب دوراً فاعلاً وملفتاً فى إقتراح خطط ورؤى مختلفة ومتنوعة لإحلال السلام ودعم حق الفلسطينيين فى تقرير المصير ودعم حل الدولتين. لذا إستضافت بكين (ندوة لدعاة السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى) فى ديسمبر ٢٠١٧. وبرزت توجهات السياسة الخارجية الصينية من عملية التسوية السياسية الملزمة للإسرائيليين متزامنة مع توجه الرئيس الفلسطينى “محمود عباس أبو مازن” للأمم المتحدة والمحافل الدولية والحصول على دعم الصينيين دولياً ثم مصر والأردن وباقى الدول العربية إقليمياً فى مواجهة إستفزازات إسرائيل حتى دعم مصر والأردن لإجتماعات خماسية ضمت معهم الولايات المتحدة الأمريكية وفلسطين وإسرائيل فى مدينة العقبة الأردنية فى فبراير ٢٠٢٣، ثم إجتماعات خماسية أخرى فى مدينة شرم الشيخ المصرية فى مارس ٢٠٢٣، كجزء من حل إقليمى أوسع بقيادة مصر والأردن وقيادتيهما المتمثلة فى الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن والرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى”. ويأتى نشاط دبلوماسية الوساطة الصينية فى شؤون المنطقة وسط توقعات متزايدة بين القوى الإقليمية بتراجع الدور التدريجى للولايات المتحدة فى مواجهة إسرائيل ووضع تسويات ملزمة للقضية الفلسطينية، وسط تطلعات الصين لهذا الدور القيادى للوساطة فى الصراع الإسرائيلى – الفلسطينى، عبر إعتمادها على خبرة جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسها اللواء عباس كامل، فضلاً عن الخبرة الأردنية الكبيرة للملك عبدالله بن الحسين، بإعتبار الأردن مسئولة عن الوصاية والحماية الدولية للمقدسات الدينية فى القدس والأراضى الفلسطينية المحتلة. لذا فالصين فى حاجة للإستفادة من الخبرة المصرية والأردنية للحصول على نفوذ كبير وخبرة وساطة معتبرة فى إدارة ملف القضية الفلسطينية بشكل متوازن وملزم بين كافة أطرافه.

ويمكننا هنا رصد تطورات السياسة الخارجية الصينية وتداعياتها على القضية الفلسطينية، لمتابعة مدى تأثير تلك السياسة على القضية الفلسطينية، للوصول لمجموعة من النتائج التى تتفق فيها مع كافة بلدان المنطقة ومصر والأردن كرعاة حاليين لجهود الوساطة الفلسطينية الإسرائيلية وفق خطة خماسية تضم معهم واشنطن وفلسطين وإسرائيل، ومن أهمها: تميز السياسة الصينية بإتخاذ مواقف دعم وتأييد لنضال الشعب الفلسطينى ضد الإحتلال الإسرائيلى، مع إدانة صينية رسمية شديدة للسياسات والممارسات الإسرائيلية من جهة أخرى. وبرزت أهم الإنتقادات الصينية لدعم الفلسطينيين فى مواجهة الإسرائيليين، من خلال:

– الإنتقاد الصينى الشديد لسياسة العدوان والتوسع للإسرائيليين.

– إدانة الصين رسمياً لإقامة المستعمرات والمستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية المحتلة.

– كما يتضح بالنظر إلى الموقف الصينى الرسمى، والذى نجده يؤكد مساندته للقضية الفلسطينية، بأن المنطقة لن تنعم بالسلام الدائم والشامل إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وإسترداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.

– كما جاءت مطالبة الصينيين بضرورة تضافر جهود المجتمع الدولى من أجل تعزيز العلاقات الفلسطينية الصينية حتى تكون الصين عوناً للفلسطينيين فى إنتزاع حقوقهم المشروعة فى مواجهة إسرائيل.

– فضلاً عن إستغلال المواقف الصينية الداعمة للحق الفلسطينى للضغط على مختلف الأطراف من أجل إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.

– كما برزت فى الآونة الأخيرة، دور الجالية الفلسطينية والجاليات العربية الأخرى فى الصين، لإبراز المزيد من الجهود من أجل شرح القضية الفلسطينية ومدى عدالتها للرأى العام الصينى وإيضاح مدى عدالة قضيتهم فى مواجهة سياسات العدوان والتصعيد الإسرائيلى المستمرة.

– ويمكن تلخيص وفهم الموقف الصينى تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام ومواقفها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال تعقيب الباحث الصينى البارز فى شؤون الشرق الأوسط “سون ديغانغ”، بأن:

“موقف بكين هو “التفوق الأخلاقى” مع فلسطين، و “تفوق التعاون” مع إسرائيل”

وبناءً عليه، جاء تأكيد الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، بأن: “القضية الفلسطينية هى جوهر قضايا الشرق الأوسط، وأن التسوية الشاملة والعادلة لها تؤثر على الاستقرار والسلام الإقليميين”. وذلك خلال رسالة التهنئة التى أرسلها الرئيس الصينى “شى” لإجتماع الأمم المتحدة، بمناسبة اليوم الدولى للتضامن مع الشعب الفلسطينى وقضاياه العادلة فى مواجهة الإسرائيليين. وبرزت خلال رسالة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” للفلسطينيين أمام المجتمع الدولى، التأكيد الصينى التام على:

– إلتزام الصين بتوطيد سلطة السلطة الوطنية الفلسطينية وتعزيز الوحدة بين جميع الأطراف فى فلسطين.

– الدعوة الصينية لإستئناف فلسطين وإسرائيل لمحادثات السلام فى أقرب وقت ممكن من أجل دفع عملية السلام فى الشرق الأوسط إلى المسار الصحيح.

– تأكيد الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، بأن الصين ستقدم المساعدات الإنسانية والتنموية للجانب الفلسطينى، وستدعم بناء قدراته، فضلاً عن أنها ستساعد فلسطين على تطوير إقتصادها وتحسين معيشة شعبها.

– كما جاء حرص الرئيس “شى جين بينغ” على تقديم الصين بصفتها عضواً دائماً فى مجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة وكدولة كبرى مسؤولة فى المجتمع الدولى، بأنها ستواصل العمل مع المجتمع الدولى لتقديم إسهامات إيجابية للسلام الدائم والأمن الشامل والإزدهار المشترك فى منطقة الشرق الأوسط.

وهنا ربما كانت واحدة من أبرز العبارات التى إستوقفتنى بخصوص دعم الصين للقضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، هى عبارة “تشانغ جيون”، المندوب الصينى الدائم لدى الأمم المتحدة، وذلك فى تصريحاته خلال إجتماع لمجلس الأمن الدولى لمناقشة الأوضاع فى فلسطين ولخفض التصعيد الإسرائيلى ضد الفلسطينيين، بتأكيده على أهمية التمسك بالنزاهة والعدالة لحل القضية الفلسطينية. وحديثه الصريح، بأن:

“ما ينقص حل القضية الفلسطينية ليس خطة كبرى بل ضمير حى لإقرار العدالة. وإن وفاء مجلس الأمن بمسؤولياته لا يعتمد على الشعارات الصارخة، ولكن على الإجراءات الملموسة بحق الفلسطينيين”

وتعد العلاقات الصينية – الإسرائيلية لحل إشكالية الصراع العربى الإسرائيلى عميقة وشائكة وتتراوح بين التقارب والبرود أو التجاهل، والأمثلة على ذلك عديدة وربما غائبة عن أذهان الكثيرين. فنجد الرفض الصينى الرسمى لإستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” فى الصين عام ٢٠١٣، لحين الضغط الإسرائيلى على الجانب الأمريكى لإسقاط قضية رفعت فى مدينة نيويورك الأمريكية ضد “بنك أوف تشايانا” التابع للصين، بزعم وجود إتهامات أمريكية بأن هذا البنك الصينى، يقوم بغسيل أموال لتمرير أموال إيرانية لجماعات فلسطينية، وتحديداً لحركتى المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامى، وفعلاً تم إسقاط القضية لصالح الصين بمساعدة إسرائيل. وعلى المستوى الشخصى، فكان أكثر ما إستوقفنى فى الموضوع كله هو ذلك التجاهل الإسرائيلى والسكوت الممزوج بالبرود والصمت أحياناً أخرى على تصويت الصين المستمر فى مقر الأمم المتحدة دعماً للحقوق الفلسطينية والحق المشروع للشعب الفلسطينى والمطالبة الصينية الدائمة بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية، بينما لا يقف الإسرائيليين مكتوفى الأيدى هكذا وصامتون فى حالة بدر هذا الفعل من جانب دول أخرى، منها دول من أوروبا وأفريقيا وغيرها حول العالم. وهذا ما يطرح علامة إستفهام كبيرة بداخلى، للتساؤل حول أسباب هذا الصمت الإسرائيلى فى مواجهة الصينيين مقارنةً بغيرهم إزاء نفس المواقف والقضايا المتعلقة بحقوق الفلسطينيين ووقف بناء المستوطنات وإحترام المقدسات وقضايا الحدود، وغيرها.

وتزامنت تلك التطورات الخاصة بسياسة الصين نفسها تجاه إشكالية الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية عام ٢٠١٣، مع تغير الإستراتيجية الفلسطينية نفسها منذ عدة سنوات من الكفاح المسلح فى مواجهة إسرائيل، إلى المفاوضات السياسية السلمية التى ترافقها مقاومة شعبية بوسائل سلمية مع الجانب الإسرائيلى، وتزامن ذلك مع تغيرات عالمية حدثت، مع حدوث حالة من الإستقطاب الدولى المستمر بين كافة أطرافه، ولا سيما بين الجانبين الصينى والروسى والأمريكى وحلفاؤهم، وبات التعويل يدور حول تبادل المصالح والتنمية، سبيلاً لحل الخلافات الدولية، والمصير المشترك للبشرية وفقاً لمبدأ الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بعد إطلاق مبادرته المعروفة للحزام والطريق. كما جاء إلتزام الصينيين بدعم (برنامج بناء الدولة الفلسطينية)، وذلك ضمن تصور صينى داعم لحل الدولتين، الذى تضمن بناء دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧.

وهنا تستحضرنى واقعة توتر العلاقات بين بكين وتل أبيب، على أثر إعتراض السفارة الإسرائيلية فى بكين على بعض التصريحات الصادرة عن مقدم أحد البرامج الإعلامية فى قناة “سى جى تى إن” الرسمية الحكومية الصينية، التى تديرها الدولة الصينية فى ١٨ مايو ٢٠٢١، والتى إعتبرها الإسرائيليين أنها معادية للسامية، وذلك أثناء مناقشة دعم الولايات المتحدة لإسرائيل فى مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة. فجاءت تصريحات مقدم البرنامج الصينى، بإلقاء الإتهامات على جماعات الضغط القوية لليهود فى الولايات المتحدة الأمريكية، بإعتبارها المسئولة عن التأثير على موقف واشنطن وتشكيله بشأن أزمة الشرق الأوسط وفلسطين، وأن اليهود يهيمنون على قطاعات المال والإعلام والإنترنت داخل واشنطن. وهنا ردت السفارة الإسرائيلية فى بكين فى سلسلة من التغريدات عبر موقع تويتر للتواصل الإجتماعى، بأن إسرائيل “مفزوعة لرؤية معاداة السامية الصارخة يتم التعبير عنها فى وسيلة إعلامية صينية رسمية لأول مرة”. ولكن على الجانب الآخر ظهرت بعض الأقلام الإسرائيلية، لمحاولة التخفيف من حدة الموقف المتدهور بين بكين وتل أبيب، بالتأكيد على أن تلك التعليقات الإعلامية الصادرة من وسيلة إعلامية صينية رسمية، والمعادية للسامية تتعلق على الأرجح بتشويه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية فى إطار منافستها مع الصين أكثر من إسرائيل.

وهنا يتضح بأن الإستراتيجية الصينية الجديدة بعد إطلاق الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لمبادرة الحزام والطريق لحل إشكالية القضايا العالقة حول العالم، وعلى رأسها الصراع العربى الإسرائيلى، تكمن فى الإقتصاد والتنمية كأولوية قصوى من أولويات السياسة الصينية الخارجية، ويحكم هذا موقفها إلى حد كبير لحل جميع النزاعات المشتعلة حول العالم، بما فى ذلك قضايا مثل فلسطين وإسرائيل. ولا تنفصل جهود الصين السلمية، حتى مع دعمها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، عن عدة تصورات إقتصادية أوسع للصين، وذلك بحسب السفير الصالصينى الأمم المتحدة “ليو جى”، خلال لقاء معه فى شهر يونيو ٢٠١٨، بتأكيده على أن الصين ترى كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين، بمثابة شركاء مهمين للصين فى إستراتيجية مبادرة الحزام والطريق فى منطقة الشرق الأوسط. وتزامن ذلك التصريح الرسمى الصينى مع زيادة المخصصات المالية والتنموية الصينية الموجهة للفلسطينيين، عبر تدريب آلاف الكوادر البشرية الفلسطينية داخل الصين، وتشغيل وإفتتاح الصين لمئات المشروعات داخل الضفة الغربية وقطاع غزة المحتل، مع زيادة المخصصات المالية الصينية والمنح المقدمة من الجانب الصينى لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وبناءً عليه، باتت المرجعية الصينية المتصورة لحل إشكالية الخلاف الممتد بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتركز على ضرورة إستمرار المفاوضات الثنائية، والتسويات التفاوضية، والتنمية الإقتصادية وبناء المؤسسات والتنمية الإقتصادية عالية الجودة، كحل وحيد وسليم لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى. ولكن مع تعثر العملية السياسية، وإستمرار المماطلة الإسرائيلية للوصول لتسوية حقيقية على أساس مبدأ حل الدولتين، وقرارات وبنود القانون الدولى. فقد بدأ الجانب الفلسطينى رسمياً بمطالبة العالم بالتدخل، وعلى رأسه الصين كقطب مناوئ لواشنطن فى المنطقة والعالم لتطبيق القانون الدولى فى مواجهة الإسرائيليين. كما بات لزاماً علينا فهم محددات الموقف الصينى من الصراع العربى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية، والتى تتلخص من خلال إرث طويل من الإسناد الصينى القائم على مرتكزات تحررية رافضة للإستعمار بشكل تام. وتعد قضية الدعم الصينى لحركة التحرر الوطنى الفلسطينية طويلة ومعروفة جيداً بل وموثقة، عن طريق العلاقات الوثيقة بين قادة حركة التحرير الفلسطينية، المعروفة بـ “حركة فتح” والجانب الصينى.

وعليه تنظر الصين للدور الكبير لجهاز المخابرات العامة المصرية ووزارة الخارجية المصرية، والدور الكبير الذى تقومان به لخفض التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما يمهد لخلق مناخ ملائم يسهم فى إستئناف عملية السلام الشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مع تثمين الصينيين لجهود الوساطة المصرية والأردنية عبر الدعوة المصرية لعقد الإجتماع الخماسى فى شرم الشيخ إستكمالاً للإجتماع الذى عقد فى ٢٦ فبراير الماضى ٢٠٢٣ فى مدينة العقبة الأردنية بوساطة أمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة مضت بجهود وساطة مصرية وأردنية بالأساس. وهنا حللت الدوائر الصينية المعنية أسباب إخفاق إجتماع العقبة الماضى فى شهر فبراير فى وقف دائرة وعجلة العنف المشتعلة بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى على أرض الواقع، وذلك رغم وجود تعهدات إسرائيلية وفلسطينية بخفض التصعيد بينهما وهو ما لم يحدث واقعياً. لذا جاء الإهتمام الصينى الكبير بمخرجات الإجتماع الثانى فى مدينة شرم الشيخ لمحاولة دفع الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى للتهدئة بجهود وساطة مصرية – أردنية بالأساس، مع تركيز صينى كبير على جهود ودور اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية، للتعلم والإستفادة من خبرته فى إدارة هذا الملف الشائك للتهدئة والوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ووفق قراءتى للمشهد، فقد إهتمت الصين إهتماماً كبيراً عبر إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا فى وزارة الخارجية الصينية للدور المصرى والأردنى ودور جهاز المخابرات العامة المصرية، لوضع حد للصراع المشتعل بين الإسرائيليين والفلسطينيين كدور محورى ومؤثر بعد إستضافة مدينة شرم الشيخ للإجتماع الخماسى مع واشنطن بحضور الوفدين الفلسطينى والإسرائيلى على وجه الخصوص، مع محاولة الجانب المصرى ممثلاً فى جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسها اللواء عباس كامل التوفيق بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى عدد من القضايا الشائكة والعالقة بين الطرفين. وتعتقد بكين بأن إدارة القاهرة لهذا الحوار عبر جهاز مخابراتها المصرية ورئيسه اللواء عباس كامل، لهو يصب بالأساس فى مصلحة تحقيق الإستقرار والأمن فى المنطقة ولاسيما لإشكالية الصراع العربى الإسرائيلى، من خلال نجاح الجانب المصرى ممثلاً فى اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية العامة فى وضع تصور عام لمنع تجدد النزاع بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، من خلال:

– الإتفاق الصينى على نجاح وفد المخابرات المصرى، بقيادة اللواء عباس كامل فى تقريب وجهات النظر بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى لإستحداث آلية للحد والتصدى للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التى قد تتسبب فى إشتعال الموقف. وترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس بحلول شهر إبريل المقبل لعام ٢٠٢٣، وذلك عند إستئناف فعاليات جلسة الإجتماع فى مدينة شرم الشيخ مرة أخرى.

– رغبة الصين فى لعب دور مع الجانب المصرى ومعه الأردنى فى المستقبل فى إطار جهود الوساطة إقليمياً ودولياً بدخول الصين كطرف فاعل ومقبول مع الوفدين الفلسطينى والإسرائيلى، للإتفاق على إرساء آلية لإتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الأوضاع الإقتصادية للشعب الفلسطينى طبقاً لإتفاقيات سابقة تمت مع الجانب المصرى وجهاز مخابراته، بما يسهم بشكل كبير فى تعزيز الوضع المالى للسلطة الفلسطينية، وهو ما ترغبه الصين وبشدة من خلال طرح عدد من المبادرات التنموية لصالح الفلسطينيين. وهو ما تم الإتفاق عليه فى إجتماعات شرم الشيخ فى مارس ٢٠٢٣، بالإتفاق على هذه الآلية، على أن ترفع تقارير لقيادات الدول الخمس المشاركة فى الإجتماع فى غضون الإجتماع القادم المتفق عليه فى شهر إبريل، وذلك عند إستئناف فعاليات جلسة الإجتماع القادم فى مدينة شرم الشيخ.

ويبقى الأهم، هو إعجاب الصينيين بدور جهاز المخابرات العامة المصرية فى تسوية ملف الصراع بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، ومحاولته إلزام كافة الأطراف مجدداً على الإلتزام بعدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة فى مدينة القدس، مع تجديد التأكيد على أهمية الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة منعاً لإشتعال الوضع، من خلال الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية فى هذا الإطار.

وفى رأيى – كما هو الرأى للجهات المعنية فى بكين – فإن إسرائيل ليست جادة هذه المرة كالمرات السابقة فى وضع حل ملزم للقضية الفلسطينية، وهذا نفسه ما أكدته التقارير الإسرائيلية الصادرة عقب إنتهاء الإجتماع مباشرةً، بالتأكيد على عدم وجود قرارات جديدة عن الإجتماع الصادر فى شرم الشيخ، سوى التأكيد على ما كان المشاركون قد توصلوا إليه فى إجتماع العقبة السابق، الذى عقد نهاية شهر فبراير ٢٠٢٣. مع تأكيد الإسرائيليين من جانب آخر على أهمية إستمرار ما تم الإتفاق عليه.

كما أن الإسرائيليين متخوفون من عدم وجود ضمانات حقيقية لضمان عدم التعرض لسلامة مواطنيهم وفقاً للتحليلات الإسرائيلية ذاتها، وما نعنيه هنا عملية إطلاق النار فى (بلدة حوارة) بالضفة الغربية بمحافظة نابلس الفلسطينية، عبر التهديد الصادر لحظة عقد الإجتماع الخماسى فى مدينة شرم الشيخ من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو”، بأن “كل من يحاولون إيذاء مواطنى إسرائيل دمهم مهدور وأشد على يد قوات الأمن فى الميدان”. مع وجود دعوات إسرائيلية من قبل أعضاء فى الكنيست الإسرائيلى خلال لحظات عقد الإجتماع الخماسى فى مدينة شرم الشيخ تدعو لمحو حوارة عن الوجود الآن دون إعتذار ودون تلعثم، وفقاً لما جاء من تصريحات على لسان عدد من المسؤولين الإسرائيليين ذاتهم.

كما أن هناك تخوفات من عدم إلتزام الإسرائيليين بما تم الإتفاق فيه فى إجتماعات شرم الشيخ، مثلما كان عليه الوضع فى إجتماعات مدينة العقبة الأردنية فى فبراير ٢٠٢٣، لعدم إنتزاع ضمانات حقيقية وتعهدات من قبل الوفد الإسرائيلى المشارك ومماطلته فى عمل إلتزام إسرائيلى دقيق لضبط النفس فى محيط المسجد الأقصى والإفراج عن أسرى فلسطينيين فى مقابل خفض العمليات الفلسطينية الدائرة. كما جاء رفض حركة حماس نفسها للمشاركة فى أى إجتماعات مع الجانب الإسرائيلى محل وموضع لعلامة إستفهام، خاصةً مع تنديد حركة حماس ذاتها بمشاركة السلطة الفلسطينية فى الإجتماع، بتأكيدهم على أن الإجتماع مع المسؤولين الإسرائيليين يعنى منحهم الفرصة والغطاء لإرتكاب المزيد من الجرائم والإنتهاكات ضد الشعب الفلسطينى والمقدسات الدينية.

كما أن إجتماع شرم الشيخ لم يتعرض للقضايا السياسية الدائرة بين فلسطين وإسرائيل، وعلى رأسها وجود وإستمرار الإحتلال الإسرائيلى، ونظام الفصل العنصرى أو “أبارتايد العنصرى” وإستمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية الذى يفرضه الإحتلال الإسرائيلى، إضافةً لما يرتكبه من مجازر ضد الشعب الفلسطينى ذاته.

كما أن صيغة البيان النهائى الذى تم الإتفاق فى شرم الشيخ، تحدثت بالأساس عن وقف الحديث عن إنشاء وحدات إستيطانية لأربع أشهر مقبلة، وهو ما يعنى ضمنياً غض الطرف عن الـ ١٣ مستعمرة الإسرائيلية الثانية، فضلاً عن غض البصر عن الـ ١٠ آلاف وحدة إستيطانية التى أقرتها إسرائيل خلال الفترة الأخيرة. وهو ما يثير التخوفات لعدم الإلتزام الإسرائيلى لأى مخرجات حقيقية لحل الأزمة مع الجانب الفلسطينى بالأساس.

كما يدور الرفض الفلسطينى ذاته لجزئية الحديث عن ضرورة وضع آليات لوضع حد للعنف، بما يعنى من وجهة النظر الفلسطينية مساواتهم فى هذا الشأن مع الإسرائيليين الأكثر إستخداماً للعنف. لذا يبقى التخوف الأساسى من محاولة الإسرائيليين جر الفلسطينين لوقف المقاومة بدون ضمانات إسرائيلية وأمريكية حقيقية للجانب الفلسطينى، مع محاولة إستدراج الجانب الفلسطينى فى الوقت ذاته من قبل إسرائيل لصراع داخلى، وذلك فى الوقت الذى يتعرض فيه الفلسطينيين للعنف والتصفية الجسدية من قبل قوات الإحتلال الإسرائيلى ومستوطنيه. وهى كلها نقاط بالغة الأهمية فى مواجهة الإسرائيليين ولم يتعهد الجانب الإسرائيلى بوضع حل نهائى وملزم لها.

ومن هنا تحاول الصين دراسة والإستفادة من كافة تلك الخبرات المصرية المتراكمة عبر جهاز مخابراتها ورئيسه اللواء عباس كامل، لطرح نفسها كبديل مقبول وكضامن لدفع عملية السلام فى المنطقة. وبناءً عليه، نجد أن توافق الرؤى بين الصينيين والجانب المصرى والأردنى والفلسطينيين لحل القضايا العالقة مع الإسرائيليين، بأن الحل للقضية يجب أن يستند لمبدأ الحلول طويلة الأمد لحل كل الإشكاليات العالقة فى طرح حل القضية الفلسطينية – الإسرائيلية، كقضايا اللاجئين والمستوطنات الإسرائيلية وحماية المقدسات الدينية والإسلامية فى مدينة القدس، ووقف التصعيد والعنف، وغيرها من القضايا، والتى يجب أن تقوم على أساس مبدأ حل الدولتين، وفق توافق دولى وصينى وخط أساسى للنزاهة والعدالة تقوده مصر والأردن إقليمياً، لضمان الإلتزام بها بحزم، خاصةً من طرف الإسرائيليين. وهنا تؤكد إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية والمسؤولة عن متابعة وتحليل وتقييم كافة قضايا الشرق الأوسط، بأنه لابد أن تتمكن الأطراف المعنية من ترجمة الإرادة السياسية إلى سياسات وإجراءات بناءة، وبذل جهود ملموسة بجهود الوساطة المخابراتية المصرية للواء عباس كامل والجانب الأردنى، ثم كرغبة صينية مستقبلية للدخول معهم كطرف فاعل ومقبول للوساطة والتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لتحقيق حل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وغيرها من التوافقات والمعايير الدولية المعروفة، والتى تتوافق معها الصين مع جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسها اللواء عباس كامل والأردنيين.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد