مقالة علمية
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم
تمتلك مصر موقعا جغرافيا متميزا؛ جعلها مقصدًا للطيور المهاجرة، التي تهرب من برد الشتاء في أوروبا، وتهاجر إلى مصر مرتين سنويًا، خلال فصلي الربيع والخريف، ويعد وادي النيل المركز الثاني ضمن أفضل مسارات هجرة الطيور في العالم.
وتُعد هجرة الطيور واحدة من عجائب العالم الطبيعي وتُعرّف على أنها الحركة المنتظمة للطيور التي تنتقل فيها من جزء من العالم إلى آخر والعودة مرة أخرى، والدافع الأساسي للهجرة هو التكيُّف والبقاء عن طريق البحث عن بيئة أفضل للعيش والتكاثر، وتقطع الطيور في هجرتها مسافات طويلة بسرعة وبأقل قدر من الطاقة وذلك بحثًا عن بيئة أفضل تتوافر فيها كمية غنية ووفيرة من الأغذية لتعويض ارتفاع معدل الأيض لديها، وتكون الهجرة ضمن فترات معينة من السنة ولدى معظم أنواع الطيور، إلا أنه يوجد أنواع من الطيور التي لا تهاجر، وأنواع وسيطة بين النوعين التي تهاجر هجرة جزئية. ومن أسباب هجرة الطيور حيث تتعدد أسباب هجرة الطيور، إذ تهاجر بحثًا عن بيئة أفضل يتوافر فيها الغذاء والطقس المعتدل وإمكانية بناء الأعشاش بأمان، فمثلاً تميل الطيور التي تعيش في نصف الكرة الشمالي إلى الهجرة شمالًا في الربيع وذلك للاستفادة من تزايد أعداد الحشرات والنباتات النامية ووفرة المواقع التي تناسبها لبناء أعشاشها والتكاثر، ومع اقتراب فصل الشتاء وتناقص توافر الحشرات والأغذية الأخرى، تعود إلى الجنوب مرة أخرى حيث يكون المناخ أكثر اعتدالًا، ولكن العديد من الأنواع لا تعود بدافع الهرب من البرد، مثل الطيور الطنانة التي تستطيع تحمل درجات الحرارة المتجمدة طالما توفر الإمدادات الكافية من الغذاء لها
ملاحة الطيور : كيف تهاجر الطيور؟ وكيف تحدد الطيور مسار هجرتها؟
تستخدم الطيور عند هجرتها عوامل مختلفة تساعدها على توجيه نفسها، ومنها التغييّرات المناخية، كاختلاف درجة الحرارة، والرطوبة لكتل الهواء، بالإضافة إلى المعالم الطبوغرافية، كالوديان، والجبال، والأنهار، والسواحل. كما أنّ الطيور تستطيع الطيران في اتجاه ثابت، بغض النظر عن مكان نقطة الانطلاق، وذلك بحسب وجهتها، وتبيّن أيضاً أنّ الطيور تستطيع الربط بين نقطة الانطلاق وموطنها، فتقوم بتحديد المسار المناسب للهجرة، ثمّ تلتزم بهذا المسار، ويُرجح أن تكون هذه القدرة عائدة إلى حسّها العالي، واتجاه المجال المغناطيسي للأرض، فتستطيع الطيور استخدام الشمس كعاملٍ لتوجيهها خلال النهار، والنجوم خلال الليل.
وتهاجر الطيور ضمن مسارات تسمى مسارات الطيران في هجراتها السنوية، وخلال عمليات البحث المتواصلة توصّل العلماء إلى تحديد عدة آليات تساعد الطيور على هجرتها وتنقلها في مساراتها الجوية ومنها ما يلي: تتعرّف بعض الطيور على مسار الهجرة من خلال تعرفها على المعالم الجغرافية. يمكن لبعض الطيور أن تساعدها أعضاءها الداخلية على الملاحة والوصول للوجهة المطلوبة؛ فيمكن للطير تحديد الاتجاه الشمالي بواسطة منطقةٍ في دماغه تدّعي بالكتلة (N) والتي تتفاعل مع عينيه، أو بواسطة كمياتٍ صغيرة من الحديد المتواجدة في الخلايا العصبية للأذن الداخلية له. يستطيع الطائر تحديد موقعه بدقّةٍ عبر استخدام منقاره، إذ يمكنه تتبع مسار الهجرة من خلال حاسّة الشمّ، ويساعد في ذلك العصب ثلاثيّ التوائم الذي يصل بين المنقار ودماغ الطائر، فيساعد هذا العصب على تمييز قوّة وشدّة المجال المغناطيسي للأرض بين المناطق المختلفة، كالقطبين وخط الاستواء. تستخدم العديد من أنواع الطيور الأجرام السماوية كدليل، فمثلاً تهاجر الطيور المائية مثل الإوز والبط خلال النهار، متبعة مسار الشمس لمواصلة مسارها، بينما تتحرك الطيور المغردة مثل طائر الطرائد والأوريول في الليل، باستخدام النجوم للبقاء في الاتجاه الصحيح.
أين تهاجر الطيور؟ تهاجر العديد من الأنواع لمسافات طويلة جدًا، وعادةً ما تهاجر الطيور إلى نصف الكرة الشمالي المعتدل أو القطب الشمالي لتتكاثر في الصيف وتهاجر جنوبًا إلى المناطق الأكثر دفئًا لفصل الشتاء، وتتسبب بعض التغيرات البيئية في محيط الطيور بحدوث تغيراتٍ تُعلمها بقرب موعد الرحلة، وخلال رحلتها تميل لاتباع الطرق التي لا يوجد فيها تضاريس قد تسد طريقها مثل؛ الجبال أو المياه، أما بالنسبة للطيور الحوامة مثل؛ النسور والصقور، فتتبع الطرق التي تولد مسارات الهواء الساخن والتي تساعدها على الارتفاع عن الأرض والاندفاع، فتصاعد الحرارة يوفر لهذه الطيور الطاقة اللازمة. وبعض الأنواع تصل المسافة التي تقطعها في هجرتها إلى 50 الف كيلومتر في السنة، البعض الآخر تستمر بالطيران بدون انقطاع لمدة تصل إلى 100 ساعة مع منظومة تحديد دقيقة للاتجاهات عند تلك الطيور.
متى تهاجر الطيور ؟
أولا: هجرة الخريف
ويوضح أنه في الربيع نشهد اندفاعا كبيرا من الطيور المهاجرة، حيث تتحرك بوتيرة سريعة إلى حد ما، للوصول في نهاية المطاف إلى مناطق التكاثر، ومع ذلك، خلال الخريف، لا يوجد الكثير من الضغط للوصول إلى أراضي الشتاء، والهجرة تميل إلى التحرك بوتيرة أبطأ. ويضيف أن مجموعة من العوامل تجعل هجرة الخريف أكثر صعوبة للدراسة.
ثانياً: هجرة الشتاء
ومع اقتراب فصل الشتاء ونقص الحشرات وغيرها من المواد الغذائية، تتحرك الطيور جنوبًا مرة أخرى. ويعد الهروب من البرد عاملاً محفزًا للهجرة، إلا أن العديد من الأنواع ، بما في ذلك الطيور الطنانة ، يمكنها تحمل درجات الحرارة المنخفضة طالما توفرت كمية كافية من الطعام.
وتهاجر الطيور عن طريق اتباع مسارات تسمى مسارات الطيران التي تستخدم فيها عدة آليات لترشدها إلى الطريق؛ إذ تعتمد الطيور على الأجرام السماوية أو تتبع المعالم الجغرافية، أو أن أعضائها الداخلية أو مناقيرها تساعدها على الملاحة والوصول للوجهة المطلوبة، ولهجرة الطيور عدة أنواع تُصنف بناءً على وقت أو مسار الهجرة أو تبعًا للمشاركة في الهجرة.
أما عن الخريطة التي تتبعها تلك الطيور كل عام، فهي تأتى من أوروبا إلى شرق آسيا مرورا بالبحر الأحمر في مصر، فمسار تلك الهجرة يعتبر من أضخم المسارات في العالم، خاصة وأنه يربط بين مواقع التعشيش في أوروبا ومناطق التشتية في أفريقيا للطيور المهاجرة، وتتخذ في ذلك 5 نقاط رئيسية، وهى السويس، العين السخنة، سهل القاع، جبل الزيت، رأس محمد، ثم تستمر الطيور في رحلتها جنوبا إلى شرق وجنوب إفريقيا، قبل أن تعود من جديد بنفس مسار الرحلة، أهم تلك الطيور الصقور والنسور والبجع واللقالق التي تصل أعدادها إلى 37 نوع، بالإضافة إلي “الطيور المائية” التي تصل إلى 255 نوع، و”الطيور البرية” الأخرى.