من فضلك اختار القائمة العلويه من القوائم داخل لوحة التحكم

انا مش كافر، لكن..!!

بقلم خالد بركات..

*البطن الخاوي لا يخشع ولا يستجيب للمواعظ*
*سبحانه لم يأمر الناس بالعبادة إلا بعد….*
*أن أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف….*
*والحليم تكفيه الإشارة..*

أنا مش كافر، لكن الجوع كافر..!!
هي أغنية لبنانية للفنان المبدع زياد الرحباني..
لم أجد أصدق من كلماتها لوصف حالة الجماهير التي «كفرت» وفقدت أي إيمان وسحبت الحد الأدنى من الثقة ببعض الطبقة السياسية..

تقول الأغنية في مطلعها :
أنا مش كافر..بس الجوع كافر..
أنا مش كافر.. بس المرض كافر..
أنا مش كافر.. بس الفقر كافر..
والذل كافر..لكن شو بعملك إذا اجتمعوا
فيي كل الأشياء الكافرين..!!؟؟

والجوع ليس نقص الغذاء والمشرب فحسب
ولكن هو جوع في الطعام، وجوع في الخدمات الأساسية وجوع في الحقوق الإنسانية، وهذا المثلث من «الجوع» يهدد الكرامة الإنسانية..

علمنا التاريخ أن استمرار الضغط والتجاهل الدائم لأساسيات احتياجات الناس يؤدي حتماً إلى الانفجار الشعبي المؤدي للفوضى الكارثية..

الجوع الناتج عن مثلث « الفساد، الاستبداد، اللامبالاة » هو وصفة سحرية مؤكدة للكفر ولصراع الجماهير مع أي سلطة قائمة وحاكمة..

حينما يجوع الناس بشكل مستمر وضاغط، يفقدون الثقة بمشروع الدولة، وفقدان الثقة يؤدي إلى فقدان الإيمان، وفقدان الإيمان هو حجر الزاوية في الكفر بالشعارات والأشخاص..

ببساطة وشفافية وباختصار وبوصف دقيق، وبدون فلسفة كفرت الجماهير في لبنان ببعض من هم بالسلطة الحالية والسابقة، وبشعاراتها، بمؤساساتها، بوعودها، وببعض أحزابها وبعضها يتلطى وراء ستار ملكية وحقوق الطائفة..
والخوف والقلق من السلطة القادمة، أدى إلى قلة الثقة، ولذا تسأل ما هي امكانياتها للإنقاذ..؟؟!!
أدرك الناس في ضميرهم الراسخ أنه يستحيل عليهم بعد تجاربهم المؤلمة أن يؤمنوا بوعود..

هل غضب الناس وكفرهم مبرر..؟؟!!
تعالوا نتأمل بعمق بعض الأرقام الدالة التى يمكن أن تبرر أو لا تبرر كفر الجماهير..

وصل متوسط البطالة في لبنان إلى أكثر من ثلث المواطنين حيث يعيش 70 ٪ من سكانه تحت خط الفقر، ولا يجدون تلبية لإحتياجاتهم..

متوسط دخل الفرد في لبنان 120 دولاراً شهرياً، ولكن كلفة الحياة أعلى، ومعدلات التضخم فوق الـ70٪، ومعدل البطالة أكثر من ثلث قوة العمل، والدعم الاجتماعي والخدماتي من الدولة أقل من المعدلات العامة، والأدنى للعيش الكريم..

تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر هذه الفترة وما سبقه من تقارير، يؤكد على الكارثة غير المسبوقة التي يعيشها لبنان منذ بداية الانهيار. في ٤ نيسان ٢٠١٩ حذّرتُ من بلوغ هذا الوضع فاعتبر الكثيرون يومها، عن جهل او سوء نية او مصالح آنية، أو انها حسابات خاطئة..

يحدث ذلك في الوقت الذي تتحدث فيه التقارير الدولية، ان لبنان يتصدر قائمة أعلى معدلات الديون في العالم، نسبة من الناتج المحلي، وبأن لبنان دولة صاحبة قوى عمل بشرية متعلمة، ويعانى أكثر من 34٪ منهم من البطالة، 36٪ منهم تحت سن الثلاثين، أي من الشباب..!!

من هنا تصدق على لبنان تلك الحكمة القديمة القائلة : ” حيث تجد النظام تجد الطعام..
وحين تجد الفوضى تجد الجوع ” ..

أما لبنان، فإنه للأسف الشديد ينطبق عليه مثل ” الجوع كافر ” وتصدق عليه عبارة شارلي شابلن : “لجوع لا ضمير له “..

أدرك المواطن في لبنان أن الفوضى، المعتمدة أحياناً من الطبقة الحاكمة أصبح أسلوباً ممنهجاً للحياة، والبعض يختلفون على مواقع من أجل التمكن من ممارسة سلطتهم لتحقيق أحلامهم بمشاريعهم، ولو على حساب وجع المواطن..

وأصبح موقف الجماهير في لبنان هو الهجرة، أو العمل في الخارج ومهما كان الراتب بالإضافة للإرهاق وألم البعد عن الوطن والأهل، رفضاً للإهمال الذي تمارسه بعض رموز الدولة العميقة، أشرف من الانتظار السلبي في ٱمالهم..!!

إنه الغضب، وانفجار الكفر بالدولة والسلطة..!!
المأساة أن السلطة ما زالت، حتى كتابة هذه السطور، تحاول الالتفاف على غضب الجماهير، وتعتقد أنها قادرة على تسويق نوعاً من الوعود..
والمأساة الأصعب أن السلطة في لبنان تسوِّق فكرة الحلول في اللقاءات والمؤتمرات على ما تأتي من حلول وخيرات على البلد..
حين إننا لسنا على بال الكثيرين، أو أننا لربما نأتي بالذكر على الهامش بسطرين وليس أكثر..

اللهم..نستودعك إيماننا بالوطن وأبعد الكفر عنا..
اللهم..إلهمنا أن لا نكفر بالوطن وقدسيته عندنا..

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد